فتاوى نور على الدرب [146]


الحلقة مفرغة

السؤال: ما رأيكم في نشرة الأحوال الجوية وكل التنبؤات الجوية التي نسمعها يومياً في نشرات الراديو وفقكم الله؟

الجواب: نزول المطر من علم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله, قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ [لقمان:34]، فمن ادعى علم الغيب فيما ينزل من المطر في المستقبل فإنه كافر؛ لأنه مكذب لقول الله تعالى: قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ [النمل:65] . وأما من أخبر بنزول مطر أو توقع نزول مطر في المستقبل بناء على ما تقتضيه الآلات الدقيقة التي تقاس بها أحوال الجو فيعلم الخبيرون بذلك أن الجو مهيأ لسقوط الأمطار فإن هذا ليس من علم الغيب, بل هو مستند إلى أمر محسوس, والشيء المستند إلى أمر محسوس لا يقال: إنه من علم الغيب, والتنبؤات التي تقال في الإذاعات من هذا الباب, وليست من باب علم الغيب, وهم يستنتجونها بواسطة الآلات الدقيقة التي تضبط حالات الجو, وليسوا مثلاً يخبرونك بأنه سينزل مطر بعد كذا سنة وبمقدار معين؛ لأن هذه الوسائل والآلات لم تصل بعد إلى حد تدرك به ماذا يكون من حوادث اليوم, بل هي محصورة في ساعات معينة, ثم قد تخطئ أحياناً وقد تصيب. أما علم الغيب فهو الذي يستند إلى مجرد العلم فقط بدون وسيلة محسوسة, وهذا لا يعلمه إلا الله عز وجل.

وبهذه المناسبة أود أن أقول: إنه يجب أن يعلم بأن ما جاء في كتاب الله أو فيما صح عن رسوله صلى الله عليه وسلم من الأمور الإخبارية فإنه لا يمكن أبداً أن يكذبها الواقع؛ لأن الواقع أمر يقيني, وما جاء به كتاب الله أو ما صح عن رسوله صلى الله عليه وسلم فهو أيضاً أمر يقيني إذا كانت دلالاته على مدلوله غير محتملة, ولا يمكن التعارض بين يقينين؛ لأن اليقيني قطعي, ولا تعارض بين قطعيين. وعلى هذا فإذا وجدنا آية في كتاب الله ظاهرها كذا، ولكن الواقع يخالف الظاهر فيما يبدو لنا فإنه يجب أن نعرف أن هذا الظاهر ليس هو ما أراده الله عز وجل؛ لأنه لا يمكن أبداً أن يكون الواقع المحسوس مكذباً للقرآن أبداً, بل إن القرآن نزل من عند الله عز وجل, وهو العليم الخبير الصادق فيما يقول, فبعض الناس يظن أن هذه التنبؤات مخالفة لقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ [لقمان:34]. والحقيقة أنها لا تعارضها؛ إنما يعارضها لو كانوا يحكمون بهذه الأمور بمجرد العلم, ولكنهم هم يحكمونها بواسطة آلات محسوسة, يتبين بها حال الجو, وهل هو مهيأ للأمطار أو ليس بمهيأ.

ومثل هذا ما نقل أخيراً من كونهم يعلمون ما في الأرحام من ذكر أو أنثى, يعرفون أنه ذكر أو أنه أنثى, فإن بعض الناس يظن أنه معارض لقوله تعالى: وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ [لقمان:34]، وفي الحقيقة أنه إذا ثبت ذلك فإنه لا يعارض هذه الآية؛ لأن قوله: وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ [لقمان:34] (ما) اسم موصول, يقتضي العموم, وهو شامل لكل ما يتعلق بهذا الجنين, ومن المعلوم أن أحداً لا يستطيع أن يدعي أنه يعلم أن هذا الجنين سيخرج حياً أو ميتاً, أو أنه إذا خرج حياً سيبقى مدة طويلة أو يموت بعد زمن قصير, أو أن هذا الجنين إذا خرج إلى الدنيا وعاش هل يكون غنياً أو فقيراً, وهل يكون صالحاً أو فاسداً, وهل هو شقي أو سعيد, ثم لا يدعي أحد أنه يعلم هل هو ذكر أو أنثى قبل أن يخلق وتتبين ذكورته وأنوثته. فمتعلق العلم بما في الأرحام ليس خاصاً بالذكورة والأنوثة بعد أن يخلق الجنين في بطن أمه؛ لأنه إذا خلق فإنه يمكن أن يعلم به, والملك الذي موكل بالأرحام يقول: أذكر أو أنثى؟ ويعلم أنه ذكر أو أنثى. فتبين بهذا أن ما ذكر إذا صح أنهم استطاعوا أن يعرفوا كون الجنين ذكراً أم أنثى فإنه لا يعارض الآية؛ لسعة متعلق علم ما في الأرحام؛ لأنه ليس خاصاً بكونه ذكراً أو أنثى.

السؤال: قرأت عن تلك الوصية التي تلقاها الشيخ أحمد حارس الحرم النبوي الشريف وهو نائم من رسول الله صلى الله عليه وسلم, يريد بها تنبيه المسلمين في تقليل الفساد واتباع الطريق القويم, إلى آخره, ثم قرأت كتاباً صادراً عن مؤسسة في المملكة العربية يكذب تلك الوصية, فما هي الحقيقة أصلاً؟

الجواب: الحقيقة أصلاً أن هذه الرؤيا المنامية كانت تشاع وتذاع من قبل أكثر من مائة سنة, وقد تكلم عليها الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله, وبين أنها مكذوبة وباطلة, وكذلك أيضاً في المملكة العربية السعودية تكلم علماؤها على هذه الوصية, وبينوا أنها باطلة ومكذوبة, وهذا هو الحق. وإذا كان لابد لقبول الخبر من معرفة المخبر به وكونه عدلاً غير متهم فكذلك هذه المسألة, فمن هو الشيخ أحمد خادم الحرم؟ وما حاله؟ وهل هو ثقة أو غير ثقة؟ ثم إن هذه الوصية تقتضي أن يكون الدين غير كامل, والنبي عليه الصلاة والسلام ما توفاه الله حتى أتم به الدين, وحتى كانت المواعظ الموجودة في كتاب الله وفيما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كافية للأمة, مقومة لعقائدهم وعباداتهم وأخلاقهم ومناهجهم في حياتهم, فليسوا بحاجة إلى مثل هذه الرؤيا المنامية المجهول صاحبها عيناً وحالاً. ولهذا لا يجوز للمسلم أن يعتبرها صحيحة, ولا أن يشيعها بين الناس, بل عليه أن يمزقها ويحرقها سواء أتت إليه أو رآها عند غيره إذا تمكن من ذلك, وإلا فلينصحه بإحراقها وإتلافها.

مداخلة: أيضاً هل ما جاء فيها حصل فعلاً أم لا؛ لأنه ذكر أنها ستقوم الساعة وكذا وكذا, إلى آخره؟

الشيخ: أنا ما يحضرني ما الذي جاء فيها, لكن نتكلم عنها أصلاً لم تصح, فإذا كان لم تصح أصلاً جملة وتفصيلاً.

السؤال: ما حكم من حج ولم يأت بركعتي الطواف؟

الجواب: الصحيح أن ركعتي الطواف ليست ركناً من أركان الحج ولا العمرة, وإنما هي من الأمور التي أمر بها, فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما انتهى من طوافه تقدم إلى مقام إبراهيم، فقرأ: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى [البقرة:125]. والذي نرى أن من حج ولم يأت بهما فإن حجه تام, بمعنى: أنه لا يجب عليه إعادته, ولا يجب عليه في ذلك دم. والله أعلم.

السؤال: كان أحد الأئمة مسافراً, ووضع نية السفر في قلبه, ثم أتت صلاة العشاء فصلى بالجماعة ركعتين؛ لأنه اعتبر نفسه قاصراً, ثم سلم، وبعده قام الذين صلى بهم وأتى كل بركعتيه كل على حدة, فهل هذه الصلاة صحيحة أم لا؟ ومتى يبدأ الإنسان في قصر الصلاة للمسافة التي يجب فيها القصر؟ هل عند وضع النية أم عند الشروع في السفر؟

الجواب: فعل هذا الإمام ليس بصواب فيما نرى؛ لأن رخص السفر لا تبتدئ إلا بالشروع في السفر؛ فإن الله تعالى يقول: وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ [النساء:101]، فعلق الحكم على نفس الفعل, وهو الضرب في الأرض, والضرب في الأرض معناه: السفر. وعلى هذا فلا يجوز للمسافر أن يقصر ما دام في البلد حتى يخرج منها, حتى لو فرض أنه قد عزم عزماً أكيداً وحمل متاعه في سيارته أو طائرته أو سفينته, فإنه ما دام في البلد فإنه لا يجوز له القصر.

وكذلك لا يجوز له الفطر في رمضان حتى يخرج. نعم لو فرض أنه سافر بطائرة أو في سفينة وكانت الميناء أو المطار خارج البلد فإنه يعتبر قد خرج من البلد؛ لأنه إذا كان المطار بعيداً عن البلد فليس يعزى إليه, وكذلك إذا كانت الميناء لا تعد من البلد فإنه يكون قد خرج من البلد, فله أن يقصر ما دام في انتظار الطائرة أو السفينة. نعم.

مداخلة: أيضاً يقول: هل هذه الصلاة صحيحة أن كل شخص يصلي وحده أم لا؛ لأنه صلى الإمام بهم ركعتين ثم سلم، وقام كل شخص يصلي لوحده؟

الشيخ: يعني هذا مبني على السؤال الأول.

الجواب: صلاة الذين أتموا أربعاً صحيحة, لكن صلاة الإمام فيما نرى غير صحيحة, فيجب عليه إعادتها ولو الآن.

مداخلة: لكن أليست صلاة الجماعة معلقة بصلاة الإمام, فإذا كانت صلاة الإمام باطلة فصلاة المأمومين باطلة؟

الجواب: صلاة المأمومين معلقة بصلاة الإمام, لكن على القول الصحيح لا تبطل صلاتهم ببطلان صلاته, إلا إذا فعل المبطل واقتدوا به وهم يعلمون أن صلاته باطلة, فحينئذ لا تصح صلاتهم؛ لأنهم اقتدوا بإمام يعتقدون بطلان صلاته, فيكون هذا من باب العبث واللهو, أما إذا بطلت صلاته بأمر خفي لا يعلم به المأمومون فإن المأمومين معذورون, ولا تبطل صلاتهم بذلك, كما لو أحدث في أثناء الصلاة مثلاً واستمر في صلاته وإن كان هذا حراماً عليه ولا يجوز, ولكن لنفرض أنه لعبت عليه نفسه وقال: لا أستطيع أن أنصرف أخجل من الناس, وبقي يصلي يتم صلاته بهم وهو محدث فإن صلاة المأمومين تكون صحيحة, وكذلك لو كان ناسياً أنه محدث فابتدأ بهم الصلاة وهو محدث ناسياً ثم ذكر في أثناء الصلاة أنه ليس على وضوء ولكنه استمر في صلاته فإن صلاة المأمومين تكون صحيحة, وكذلك أيضاً لو ذكر في أثناء الصلاة أنه ليس على وضوء ثم انصرف من صلاته ليتوضأ فإن صلاة المأمومين تبقى صحيحة, فإن كان قد خلف من يكمل بهم الصلاة أتموها خلف هذا النائب, وإن لم يخلف صلى كل واحد لنفسه ما بقي من صلاته, أو دفعوا أحدهم, فأتم بهم الصلاة.

السؤال: متى يبدأ الإنسان في قصر الصلاة للمسافة التي يجب فيها القصر؟ كلمة يجب فيها القصر؟

الجواب: يبتدئ الإنسان يقصر في الصلاة إذا فارق القرية, يعني: إذا خرج من حدود البلد الذي هو ساكن فيه, وإن كان يرى البلد فإنه لا يضر. المهم إذا خرج من حدوده فإنه يعتبر خرج إلى السفر الآن وفارق محل الإقامة, فيبدأ أحكام السفر من قصر الصلاة والفطر في رمضان وغير ذلك من أحكام السفر المعروفة.

وأما تعبيره بكلمة (يجب القصر) فهذه الكلمة إن صدرت من شخص عامي فإن العوام لا يفرقون بين كلمة يجب وكلمة يسن وكلمة يجوز, يعبرون عن الوجوب أحياناً بما هو سنة وبما هو جائز, وإن كان هذا المعبر طالب علم فإنه من الذين يرون وجوب القصر في السفر, والمسألة فيها خلاف بين أهل العلم, فمن أهل العلم من يرى أن القصر في السفر واجب؛ لما ثبت في صحيح البخاري من حديث عائشة : ( أن أول ما فرضت الصلاة كانت ركعتين, فلما هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم زيد في صلاة الحضر, وأقرت صلاة السفر على الفريضة الأولى). ولهم أدلة كثيرة تدل على وجوب القصر في السفر. ولكن جمهور أهل العلم على أن القصر في السفر ليس بواجب, وإنما هو سنة, صدقة تصدق الله بها على عباده, فقبولها منه سنة ومشروع. والله أعلم.