فتاوى نور على الدرب [140]


الحلقة مفرغة

السؤال: هل يجوز استعمال معاجين الأسنان أو المساحيق والسواك في رمضان، والإنسان لا يقصد أن يتمضمض؟

الجواب: إن الله سبحانه وتعالى قال في القرآن الكريم: وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ [النحل:89]، فكل شيء يحتاجه الناس في دينهم ودنياهم، ومعاشهم ومعادهم، فقد بينه الله تعالى في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن المعلوم أن الله حرم على الصائم الأكل والشرب والنكاح، فقال سبحانه وتعالى: فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ [البقرة:187] ، والأكل والشرب مفسدان للصوم بإجماع أهل العلم، وأما ما يصل إلى الفم فقط فإنه ليس بمفسد للصوم بإجماع أهل العلم أيضاً فيما نعلم، فهذا الصائم يتمضمض بالماء فيصل الماء إلى فمه ولا يفطر بالإجماع.

وهنا ثلاثة أشياء في الفم لا يفطر الصائم بالواصل إليه بالإجماع، والمعدة يفطر الصائم بما وصل إليها بالإجماع فيما نعلم، وإن كان في بعض الأشياء الواصلة كالذي لا يغذي ولا يمنع خلاف، لكن هذا خلاف لا يلتفت إليه، فالواصل إلى المعدة مفطر بلا ريب، والثالث: ما يصل إلى الحلق ولا يصل إلى المعدة، فهذا موضع خلاف بين أهل العلم هل يفطر أو لا يفطر؟

وبعد هذه المقدمة يتبين لنا أن استعمال الصائم للمعجون لتنقية أسنانه، وتطييب نكهة فمه، لا بأس به، ما لم يصل إلى معدته، فإن وصل إلى المعدة فإنه يكون مفطراً إذا وصل إلى ذلك باختياره، وأما ما تهرب منه عند استعماله في الفم إلى المعدة بغير اختياره فإنه لا يفطر به؛ لأن من شرط التفطير أن يكون الصائم متعمداً لتناول المفطر، وهذا لم يتعمد تناول ما يفطر به، ويدل لجواز ذلك أن السواك يجوز للصائم، بل هو مشروع في حقه في أول النهار وفي آخره على القول الراجح، قال عامر بن ربيعة : ( رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ما لا أحصي يتسوك وهو صائم)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة)، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على استثناء الصائم بعد الزوال، والأصل بقاء النصوص على عمومها، وعلى هذا فيجوز للصائم أن يتسوك، وأن يستعمل المعجون، ولكن يحترز من أن يصل شيء منه إلى معدته، ويجوز له أن يتمضمض إذا يبس فمه من شدة العطش، فيجوز أن يتمضمض لأجل أن يرطب فمه، فيسهل عليه النطق، وكل هذا لا يفطر.

السؤال: هل يجوز لزوجتي أن تتزين لي في نهار شهر رمضان المبارك؟ وهل يحق لي أيضاً أن أقبلها إذا أردت ذلك؟

الجواب: أما تقبيل الرجل زوجته في حال الصيام فلا بأس به، ما لم يعرف من نفسه أنه ينزل بالتقبيل، فإن عرف من نفسه أنه ينزل بالتقبيل فإنه لا يجوز له أن يقبل حينئذٍ؛ لأنه يكون متسبباً لفساد صومه، إذ إن القول الراجح هو أن إنزال المني بشهوة يقظة مفطر للصائم إذا كان ذلك بعمل لا بتفكير، أما إذا كان الرجل يعرف من نفسه أنه لا ينزل بتقبيل زوجته فلا حرج عليه في ذلك. وأما تزينها له في حال الصوم، فهو أيضاً لا بأس به، إذا كانت تعلم من زوجها تقوى الله عز وجل، وعدم تجشمه للجماع المفسد لصومه وصومها، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رخص في القبلة للصائم، وأنه ( كان يقبل وهو صائم).

السؤال: ذهبت مبكراً إلى البر لكي أبحث عن أغنام لنا، ولم أعد إلا قُبيل صلاة الظهر، وعدت عطشاناً مما اضطرني أنني أنغمس في ماء كثير لكي أذُهب عن قلبي وعن كبدي شدة الحرارة، فصاح علي أهلي وإخوتي الثلاثة ووالدي وقالوا: إن هذا يفسد صومك، فما مدى صحة ذلك وفقكم الله؟

الجواب: لا صحة لذلك، فالصائم يجوز له أن ينغمس في الماء، ويجوز له أن ينام عند المكيف، ويجوز له أن يبل ثيابه ويرش بدنه من أجل الحر وشدة العطش، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ( أنه كان يصب على رأسه الماء من العطش)، وكان ابن عمر رضي الله عنهما يبل ثوبه وهو صائم من العطش، وكان لـ أنس بن مالك رضي الله عنه حوض ينغمس فيه وهو صائم، وكل هذا من نعمة الله سبحانه وتعالى أن يفعل المرء ما يخفف عنه شدة العبادة وألمها، حتى يؤدي العبادة وهو مستريح، وهي ميسرة عليه، وقد قال الله تعالى في سياق آيات الصوم: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [البقرة:185] .

السؤال: هل يجوز أن يكتحل الإنسان أو أن يقطر في عينه أو أن يقطر أيضاً في أذنه إذا كانت تؤلمه؟ وما الحكم لو وجد طعم ذلك في حلقه؟

الجواب: يجوز للصائم أن يكتحل، ويجوز أن يقطر في عينه، ويجوز أن يقطر في أذنه، ولا ضرر عليه إذا وجد طعم ذلك في حلقه، لأن هذا ليس من الأكل والشرب، ولا بمعنى الأكل والشرب، ولم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن يكتحل الصائم.

وأما الأنف فإنه لا يقطر فيه شيئاً؛ لأن الأنف منفذ إلى المعدة، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث لقيط بن صبرة : ( بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً)، ولكن لو استنشق الإنسان وهو صائم، ثم تهرب الماء إلى معدته، فإنه لا يفطر بذلك، لأنه بغير اختياره، ومثله ما يقع لكثير من الناس حينما يشفطون البنزين من اللي أو نحوه، فيتهرب ذلك إلى بطونهم، فإنه لا يضرهم؛ لأن ذلك بغير اختيار منهم.

السؤال: هل يجوز للصائم المريض أن يأخذ الحقن المغذية في الوريد أو في العضل؟

الجواب: الإبر المغذية التي يستغنى بها عن الأكل والشرب، هذه لا يجوز للمريض أن يتناولها إلا إذا اضُطر إليها فيتناولها ويقضي؛ لأن الإبر المغذية التي تقوم مقام الأكل والشرب وتغني عنهما، هي في الحقيقة بمعنى الأكل والشرب، فيكون لها حكم الأكل والشرب، أما الإبر التي يراد بها التداوي، وتنشيط الجسم، ولكنها لا تغني عن الأكل والشرب، فإنها لا تفطر، سواء احتقن بها في الوريد أو في العضلات، وسواء وجد طعمها في حلقه أم لم يجد؛ لأنها حينئذٍ ليست أكلاً ولا شرباً، ولا بمعنى الأكل والشرب.

لقائل أن يقول في الإبر المغذية التي يستغنى بها عن الأكل والشرب: إنها لا تفطر أيضاً؛ لأن الأكل والشرب يحصل به مع التغذية التلذذ في التشهي وذوق الطعام، ولذلك تجد الرجل الذي يغُذى بهذه الإبر، تجد منه شوقاً كبيراً إلى الأكل والشرب، مما يدل على أن هذه الإبر لا تفي بما يفي به الأكل والشرب، ومن الجائز جداً أن يكون الأكل والشرب حرم على الصائم، لا لأجل أنه يغذي فقط، ولكن لأنه يغذي وتنال به شهوة الأكل والشرب، وحينئذٍ ستكون التغذية جزء العلة وليست العلة، ومعلوم أن القياس لا يتم إلا إذا وجدت العلة كاملة في الفرع كما وجدت في الأصل، ولكني مع ذلك أقول: إن الاحتياط هو القول بأنها تفطر، أعني: الإبر المغذية التي يستغنى بها عن الأكل والشرب، وأنه لا يجوز للصائم تناولها إلا إذا كان مضطراً لذلك، وحينئذٍ يكون معذوراً للفطر فيفطر ويقضي.

السؤال: أنا شاب أصلي وأصوم ومطيع لله سبحانه وتعالى، ولكن أنا أعمل بإحدى الشركات، ولذلك يتعين علي أن أخرج من المنزل قبل صلاة الفجر بنصف ساعة، وأصل إلى العمل بالسيارة بعد طلوع الشمس، لكنني محتار في صلاة الفجر، تارة أصليها قبل أن أخرج، ومرة أصليها بعد وصولي إلى العمل، ولا أعلم أيهما أصح، أرشدونا وفقكم الله؟

الجواب:كلاهما غير صحيح، صلاتك الفجر قبل أن تخرج وأنت تخرج قبل الفجر بنصف ساعة غير صحيح؛ لأنك صليتها قبل وقتها، وصلاتك إياها بعد وصولك إلى مقر عملك بعد طلوع الشمس غير صحيح أيضاً؛ لأنك أخرتها عن وقتها، ولهذا يجب عليك وجوباً أن تقف إذا طلع الفجر وتبين، تقف وتصلي صلاة الفجر، ثم تواصل سيرك، ولا يجوز لك سوى هذا.


استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة اسٌتمع
فتاوى نور على الدرب [707] 3913 استماع
فتاوى نور على الدرب [182] 3693 استماع
فتاوى نور على الدرب [460] 3647 استماع
فتاوى نور على الدرب [380] 3501 استماع
فتاوى نور على الدرب [221] 3496 استماع
فتاوى نور على الدرب [411] 3478 استماع
فتاوى نور على الدرب [21] 3440 استماع
فتاوى نور على الدرب [82] 3438 استماع
فتاوى نور على الدرب [348] 3419 استماع
فتاوى نور على الدرب [708] 3341 استماع