خطب ومحاضرات
فتاوى نور على الدرب [127]
الحلقة مفرغة
السؤال: يقول في رسالته بعد الدعاء بطول العمر لمن يجيبون على الأسئلة، وأن ينفع بإجابتهم، يقول: أنا أعرف أن أتوضأ جيداً فيما أعتقد، بل إنني أعلِّم الكثير من الناس، والوضوء كما أعرفه هو أن أبدأ بغسل القبل والدبر، ثم أتمضمض وأستنشق، ثم أغسل وجهي جيداً، ثم أغسل يدي إلى المرفقين، ثم آخذ قليلاً من الماء وأضعه على رأسي كله، ثم أضع يدّي في الماء وأمسح أذني ثم أمسح رقبتي، وكل ذلك ثلاث مرات، ثم أغسل الرجل اليمنى ثم اليسرى، وهذا العمل أخذته من عائلتي، أليس هذا العمل صحيحاً؟
الجواب: تكرر من الإخوان الذين يقدمون الأسئلة الدعاء بطول العمر لمقدمي البرنامج، وأحب أن يقيد طول العمر على طاعة الله، فيقال: أطال الله بقاءك على طاعته، أو أطال الله عمرك على طاعته، لأن مجرد طول العمر قد يكون خيراً، وقد يكون شراً، فإن شر الناس من طال عمره وساء عمله، وعمر الإنسان في الحقيقة ما أمضاه بطاعة الله عز وجل، أما ما لم يمضه بطاعة الله فإنه خسران، فإما أن يكون عليه، وإما أن يكون لا له ولا عليه، وهذه النقطة أكثر الذين يدعون بها إنما يريدون البقاء في الدنيا فقط، ولهذا أرجو من إخواننا الذين يقدمون مثل هذه العبارة لنا أو لغيرنا أن يقيدوها بطول العمر على طاعة الله سبحانه وتعالى.
وأما ما ذكره الأخ من أنه يعلم كيف يتوضأ، ثم وصف كيف يتوضأ، فإن ما ذكره فيه خطأ وصواب، أولاً: الخطأ يقول: إنه كان إذا أراد أن يتوضأ يغسل فرجه ودبره، يعني: يغسل الفرجين، فهذا ليس بصحيح، وليس من الوضوء غسل الفرجين، وإنما غسل الفرجين سببه البول أو الغائط، فإذا بال الإنسان غسل فرجه المقدم، وإذا تغوط غسل دبره، وإذا لم يكن منه بول ولا غائط فلا حاجة إلى غسلهما، ثم ذكر أنه بعد ذلك يغسل وجهه، ولكنه أسقط عنه غسل الكفين قبل غسل الوجه، ثم إنه ذكر أيضاً أنه يأخذ ماء ويصبه على رأسه، وأنه يأخذ ماء لأذنيه فيمسحهما، وأنه يفعل ذلك ثلاث مرات، وكل هذا ليس بصحيح، فإن الرأس لا يبل بالماء، وإنما يمسح ببلل اليد فقط، فتغمس يدك في الماء ثم تمسح بها رأسك مرة واحدة، لكن تبدأ به من مقدم الرأس إلى أن ينتهي إلى منابت الشعر من الخلف، ثم تردهما، وتمسح الأذنين بما بقي من بلل اليدين بعد مسح الرأس، ولا تأخذ لهما ماءً جديداً إلا إذا يبست اليد، فخذ لهما ماء جديداً، ثم إنه ذكر أنه يمسح الرقبة، وليس مسح الرقبة بمشروع، بل هو من البدع، لأنه لم يذكر في كتاب الله ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هذه هي الأخطاء التي ذكرها السائل في كيفية الوضوء، وهي تقديم غسل الفرجين، إسقاط غسل الكفين قبل غسل الوجه، غسل الرأس بدلاً عن مسحه، أخذ ماء جديد للأذنين، مسح الرقبة، خمسة أشياء، والآن نسوق كيفية الوضوء على الوجه المشروع، فنقول: أولاً: تقول: باسم الله، والتسمية على الوضوء سنة مؤكدة، بل قال بعض العلماء: إنها واجبة، وأنه لا يصح الوضوء بدون تسمية، ثم تغسل كفيك ثلاث مرات، ثم تتمضمض وتستنشق ثلاث مرات، وتستنثر بعد الاستنشاق، ثم تغسل وجهك ثلاث مرات، ثم تغسل يدك اليمنى من أطراف الأصابع إلى المرفق، والمرفق داخل في الغسل، ثلاث مرات، ثم اليسرى كذلك، ثم تمسح رأسك بيديك من مقدمه إلى مؤخره ثم ترجع، ثم تمسح الأذنين ظاهرهما وباطنهما، تدخل السبابتين في الصماخين وتمسح بالإبهامين ظاهر الأذنين، ثم تغسل رجلك اليمنى إلى الكعبين ثلاث مرات، ثم اليسرى كذلك، ثم تقول بعد هذا: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين. وإن اقتصرت في المضمضة وغسل الوجه وغسل اليدين وغسل الرجلين على واحدة فلا حرج عليك، وإن اقتصرت على اثنتين فلا حرج عليك، وإن غسلت بعض الأعضاء مرة وبعضها مرتين فلا حرج عليك، لكن الرأس لا يكرر مسحه، بل هو مرة واحدة في كل حال، هذه صفة الوضوء المشروعة، وأرجو من الأخ أن ينتبه لها، وأن يحرص على تطبيقها.
مداخلة: قلتم: لو اقتصر بأخذ غرفة واحدة أو باثنتين على بعض الأعضاء، لكن لو زاد عن الثلاث؟
الشيخ: الزيادة عن الثلاث غير مشروعة، بل هي إما مكروهة أو محرمة، فلا ينبغي أن يزيد على ذلك.
السؤال: ما مقدار الماء الذي يتوضأ به المصلي، لأني سمعت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ بالمد تارة، وبثلثيه مرة أخرى؟ فكم يساوي المد بالكيلوات وفقكم الله؟
الجواب: المد بالكيلوات يساوي نصف كيلو وعشرة غرامات، هذا تقديره بالكيلوات، وأما مقدار الماء الذي يتوضأ به، فقد ذكر الأخ ما صح به الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه كان يتوضأ بمد ويغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد، ولكن إذا لم يسبغ بهذا القدر فإنه يجب عليه إسباغ الوضوء، يعني: لو فرض أنه ما عرف كيف يؤدي فرض الوضوء بهذا المقدار، فإنه يجب عليه أن يؤدي فرض الوضوء ولو زاد على هذا المقدار، ولكن لاشك أن الإنسان البصير يمكنه أن يتوضأ بالمد كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
السؤال: ما المقصود بثلثي المد؟ وهل يكفي الشخص؟
الجواب: المقصود بثلثي المد يعني: اثنين من ثلاثة من المد، وقد عرفت مقداره بالكيلو من قبل، وأما هل يمكن الوضوء به؟ فهو قد يمكن بالنسبة للإنسان البصير الذي يستطيع أن يدبر الماء، ولا سيما إذا كان عليه خف أو جورب، وكانت الرجل لا تحتاج إلى غسل، فإنه ما يبقى عنده للغسل إلا وجهه ويداه، وهذا أمر بسيط ربما يمكن بثلثي المد.
السؤال: لي عم موظف، ودائماً أنا معه في خصام لأنه أحياناً يمسح على ناصيته وعلى الغترة، لأنه لابس العقال عليها، ولا يدخل يده تحت الطاقية، فهل هو على حق أم لا؟
الجواب: ليس على حق، بل الواجب عليه مسح الرأس؛ لقوله تعالى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ [المائدة:6] وكان النبي عليه الصلاة والسلام يمسح على جميع رأسه من مقدمه إلى قفاه ثم يرد يديه، ولكنه عليه الصلاة والسلام إذا كان عليه عمامة مسح على ناصيته وعمامته، ولا يدخل يده من تحت العمامة، لأن العمامة كما هو معروف ليات متعددة يلويها الإنسان على رأسه، ففي حلها نوع من المشقة، بخلاف العقال والغترة والطاقية، فإنه ليس فيها شيء من المشقة فيما لو أدخل يده ومسح على رأسه، وعلى هذا فلا يقاس العقال والغترة والطاقية على العمامة التي كان الرسول عليه الصلاة والسلام يمسح عليها، لما بينهما من الفرق، نعم يقاس عليها بعض القبوعة، يوجد قبوعة يلبسها الناس في أيام الشتاء، تكون شاملة للرأس كله، ولها طوق من تحت الحنك، هذه فيها مشقة في نزعها، ثم في نزعها في البرد بعد دفء الرأس بها ما يكون عرضة للتأثر، لذلك يجوز أن يمسح الإنسان على هذه القبوعة، لما فيها من المشقة، مشقة النزع، والتعرض للمرض بخلعها في حال الدفء، يهب بها الهواء فيتأثر.
مداخلة: إذن مثلاً كثير من الدول الإسلامية أو بالأخص مثلاً السودان يعملون عمامة قريبة أو شبيهه بعمامة الرسول صلى الله عليه وسلم، لأنهم كانوا يلفونها لفاً على الرأس، ويزيد طولها على المترين، فيجوز لهم أن يمسحوا عليها.
الشيخ: أي نعم، يجوز لهم أن يمسحوا عليها بلا شك.
السؤال: هل يؤخذ من لبس الرسول صلى الله عليه وسلم للعمامة أن العمامة التي يعملها الطاعنون في السن، هذه البيضاء التي تتخذ على الشماغ مثلاً، أن هذه من هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم؟
الجواب: كونها من هدي الرسول أو ليست من هديه مبنية على: هل التعمم عبادة أو عادة؟ والذي يظهر أنه عادة وليس بعبادة، وعلى هذا فيلبس الإنسان ما اعتاده الناس في بلده، يكون هذا هو السنة، أن يلبس الإنسان ما يعتاده الناس في بلده، فليست العمامة من العبادة، ويدل على هذا أننا لو قلنا: إن العمامة من العبادة لقلنا أيضاً: الرداء والإزار من العبادة، وليدع الناس ثيابهم ويلبسوا أردية وأزراً، وإن كان قد ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه كان يلبس القميص، لكن مع هذا كان يلبس كثيراً الرداء والإزار، ومع هذا لو أن الرجل خرج في غير الإحرام بحج وعمرة بإزار ورداء في بلد لا يعتادون ذلك، لعدوا هذا شذوذاً، والصواب أن لبس الرداء والإزار والعمامة من الأمور العادية إذا اعتادها الناس، فالسنة ألا يخرج عما عليه الناس، وإن كان لا يعتادونه فليلبس ما اعتاده الناس إذا لم يكن محرماً في الشرع.
مداخلة: لكن مثل هؤلاء يقصدون بالعمامة زيادة في العبادة؟
الشيخ: لو قصدوا ما ينفعهم، إذا علمنا أن هذا عادة وليس بعبادة فلا ينفع.
السؤال: ما هو الدعاء الذي يمكن أن أقوله قبل وضوئي وبعده؟
الجواب: قبل الوضوء تقول: باسم الله، أما بعد الوضوء فإنك تقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين.
وأما ما ذكره بعض أهل العلم من أن لكل عضو ذكراً مخصوصاً، فإن هذا لا أصل له، ولهذا لا يسن للإنسان أن يدعو الله سبحانه وتعالى كلما غسل وجهه بقوله: اللهم حرم وجهي على النار، وإذا غسل يديه قال ذكراً بعد، وكذلك إذا مسح رأسه قال ذكراً، وإذا غسل غيره كذلك، هذا لا أصل له في الشرع، والتعبد لله به من البدع.
مداخلة: طيب ألا يجوز له أن يقول قبل الوضوء: اللهم إني نويت رفع الحدث للصلاة الفلانية وكذا وكذا؟
الشيخ: هذا يعبر عنه بالتكلم بالنية، أو النطق بالنية، وهو بدعة، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن من هديه أن يتكلم بالنية في أي عبادة من العبادات، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، ثم إن النية بينك وبين الله، والله سبحانه وتعالى لا يحتاج إلى أن يُعلم بما نويت، فإنه يعلم السر وأخفى، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، ولو قلنا: إنك تتكلم بالنية تقول أيضاً: اللهم إني نويت أن أتوضأ فأغسل وجهي، وأغسل يدي، وأمسح رأسي، وأغسل رجلي، وأذهب إلى الصلاة وما أشبه ذلك.
السؤال: ما حكم تخليل اللحية والأصابع عندما يتوضأ المسلم؟
الجواب: أما تخليل الأصابع فقد ورد فيه حديث لقيط بن صبرة وهو حديث جيد، أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال له: ( خلل بين الأصابع)، ولا سيما أصابع الرجلين لأنها متلاصقة، وأما تخليل اللحية فقد ورد فيه عن الرسول عليه الصلاة والسلام حديث ضعيف أنه كان يخلل لحيته في الوضوء، ولكنه ليس كتخليل الأصابع، والشعر الذي على الوجه من لحية وشارب وحاجب، إن كان كثيفاً لا تُرى منه البشرة، اكُتفي بغسل ظاهره، إلا في الغُسل من الجنابة فيجب غسل ظاهره وباطنه، وأما إذا كان غير كثيف وهو ما تُرى منه البشرة، فلابد من أن يغسله غسلاً يوصل الماء البشرة، لأنه لَمّا ظهرت البشرة من وراء الشعر صدق عليها اسم المواجهة التي من أجلها اشُتق الوجه.
استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
فتاوى نور على الدرب [707] | 3913 استماع |
فتاوى نور على الدرب [182] | 3693 استماع |
فتاوى نور على الدرب [460] | 3647 استماع |
فتاوى نور على الدرب [380] | 3501 استماع |
فتاوى نور على الدرب [221] | 3496 استماع |
فتاوى نور على الدرب [411] | 3478 استماع |
فتاوى نور على الدرب [21] | 3440 استماع |
فتاوى نور على الدرب [82] | 3438 استماع |
فتاوى نور على الدرب [348] | 3419 استماع |
فتاوى نور على الدرب [708] | 3342 استماع |