خطب ومحاضرات
شرح الوصية الكبرى لابن تيمية [10]
الحلقة مفرغة
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ فصل: وكذلك يجب الاقتصاد والاعتدال في أمر الصحابة والقرابة رضي الله عنهم، فإن الله تعالى أثنى على أصحاب نبيه صلى الله عليه وسلم من السابقين والتابعين لهم بإحسان، وأخبر أنه رضي عنهم ورضوا عنه، وذكرهم في آيات من كتابه، مثل قوله تعالى: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا [الفتح:29]، وقال تعالى: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عليه مْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا [الفتح:18].
وفي الصحاح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده! لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه) ].
يقول المؤلف رحمه الله: (وكذلك يجب الاقتصاد والاعتدال في أمر الصحابة والقرابة) يعني بالصحابة: صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، والقرابة: قرابة النبي صلى الله عليه وسلم، والصحابي كما سبق: هو كل من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً ومات على الإسلام، ولو تخللته ردة في الأصح، والقرابة: هم قرابة النبي صلى الله عليه وسلم من جهة النسب، فيجب الاقتصاد والاعتدال في أمر الصحابة والقرابة، وإنزالهم منازلهم التي أنزلهم الله بالإنصاف والعدل، لا بالهوى والتعصب، ولا يجوز الغلو في جانب الصحابة كأن يعتقد الإنسان أنهم معصومون، أو أنهم يستحقون شيئاً من الألوهية، كما لا يجوز الجفاء مثل: سب الصحابة وإيذائهم، فكل ذلك من المنكرات العظيمة، فالواجب الاقتصاد والاعتدال في أمر الصحابة، واعتقاد فضلهم وسابقتهم وخيريتهم، وأنهم خير الناس بعد الأنبياء، لا كان ولا يكون مثلهم.
وكذلك يجب الاقتصاد والاعتدال في أمر قرابة النبي صلى الله عليه وسلم بدون غلو كما تفعل الرافضة، فإنهم يعبدونهم من دون الله، ومن دون جفاء كما تجفو النواصب من الخوارج وغيرهم، فإنهم جفوا آل البيت وكفروا علياً ومن شايعه، فالواجب الاقتصاد والاعتدال في أمر الصحابة والقرابة، ويكون ذلك بالترضي عنهم، والترحم عليهم، وإنزالهم منازلهم التي أنزلهم الله بالعدل والإنصاف، لا بالهوى والتعصب، فإن الله تعالى أثنى على أصحاب نبيه صلى الله عليه وسلم من السابقين والتابعين لهم بإحسان وأخبر أنه رضي عنهم ورضوا عنه، وذكرهم في آيات من كتابه مثل قوله تعالى: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ وهم الصحابة رضوان الله عليهم أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ وهذا وصفهم تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ يعني: قواه فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وقد استنبط الإمام مالك رحمه الله من قوله: لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ : أن من أغاظ الصحابة فهو كافر؛ لأن الله أخبر: أنه يغيظ بالصحابة الكفار، قال: فمن أغاظ الصحابة فإنه يكون مرتداً -نعوذ بالله- لأن الله قال: لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ فمن سب أو أغاظ الصحابة فإنه يكون كافراً لهذه الآية كما قاله الإمام مالك رحمه الله.
قوله: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا [الفتح:29]، وهذا ثناء على الصحابة، ووعد كريم، فكيف يسب الصحابة من يؤمن بالله واليوم الآخر؟!
وقال تعالى: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عليهمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا [الفتح:18]، وهذا: في أهل بيعة الرضوان وكانوا ألفاً وأربعمائة.
وفي الحديث الآخر الذي رواه الإمام مسلم عن حفصة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يلج النار أحد بايع تحت الشجرة)، فهذا وعد كريم، وقد كانوا ألفاً وأربعمائة، وقال سبحانه وتعالى: لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الحسنى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [الحديد:10]، كلهم وعدهم الله بالحسنى وهي: الجنة، وهو وعد كريم، وفي الصحاح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده! لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه)، وهذا قاله النبي صلى الله عليه وسلم لـخالد بن الوليد ، لما حصل بينه وبين عبد الرحمن بن عوف سوء تفاهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم مخاطباً خالداً بن الوليد : (لا تسبوا أصحابي)، يعني: المتقدمين في الصحبة، وإلا فـخالد صحابي، لكن إسلامه تأخر فلم يسلم إلا بعد صلح الحديبية، وعبد الرحمن بن عوف من السابقين الأولين، وبينهم تفاوت في الصحبة، والصحابة طبقات، وهناك طبقة بعدهم: وهم الذين أسلموا يوم الفتح، ويقال لهم: مسلمة الفتح.
والسابقون الأولون: هم الذين أنفقوا من قبل الفتح وقاتلوا، والمراد بالفتح: صلح الحديبية وهذا هو الصواب، وقيل: المراد بالسابقين الأولين: من صلى إلى القبلتين بيت المقدس والكعبة، لكن هذا قول ضعيف، والصواب: أن السابقين الأولين: هم الذين أنفقوا من قبل الفتح وجاهدوا، والمراد بالفتح: صلح الحديبية، فقد سماه الله فتحاً في سورة الفتح فقال: إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا [الفتح:1]، ولما قرأها النبي صلى الله عليه وسلم على عمر قال: أفتح هو؟ قال: نعم.
فقال سبحانه: لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا [الحديد:10]، فلما حصل بعض الكلام بسبب سوء التفاهم بين خالد بن الوليد وعبد الرحمن بن عوف ، فكأن خالداً سب عبد الرحمن ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم مخاطباً خالداً وكان ممن تأخر إسلامه وتأخرت صحبته: (لا تسبوا أصحابي)، يعني: المتقدمين في الصحبة كـعبد الرحمن بن عوف ، فلا تسبوا -أيها المتأخرون في الصحبة- أصحابي المتقدمين في الصحبة فإن بينكم تفاوتاً عظيماً: (فوالذي نفسي بيده!) وهذا قسم، وهو الصادق عليه الصلاة والسلام وإن لم يقسم، لكن لتأكيد الأمر، وفيه: إثبات اليد لله عز وجل، قوله: (فوالذي نفسي) أي: نفس النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (فوالذي نفسي بيده! لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه)، يعني: لو أن أحدكم -أيها المتأخرون في الصحبة كـخالد بن الوليد ومن أسلم بعد الحديبية -أنفق مثل أحد ذهباً في سبيل الله ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه، فلو أن خالداً أنفق مثل أحد ذهباً، وأنفق عبد الرحمن مداً، والمد: ملء كفي الرجل المتوسط، أو نصف مد لسبق عبد الرحمن لتقدمه في الإسلام على خالد ، فإذا كان هذا التفاوت بين الصحابة أنفسهم، فكيف بالتفاوت بينهم وبين التابعين؟ وخالد رضي الله عنه أسلم بعد صلح الحديبية وقبل فتح مكة، وهناك طبقة بعدهم: وهم الذين أسلموا بعد فتح مكة ويقال لهم: الطلقاء، ومنهم: معاوية بن أبي سفيان، وأخوه يزيد، وأبوه أبو سفيان ، ويقال لهم أيضاً: مسلمة الفتح، فهم طبقات، فإذا كان هذا التفاوت بين الصحابة أنفسهم، فكيف بالتفاوت بين الصحابة ومن بعدهم، فهو أعظم وأعظم.
فضل بعض الصحابة على بعض
يقول المؤلف رحمه الله: (اتفق أهل السنة والجماعة على ما تواتر عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أنه قال: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر رضي الله عنهما) يعني: أنهم اتفقوا على تقديم الشيخين في الأفضيلة وفي الخلافة، فاتفق أهل السنة والجماعة: على أن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر ، واتفقوا أيضاً: على أن الخليفة بعده هو أبو بكر ثم عمر ، وكذلك اتفق الصحابة رضي الله عنهم: على بيعة عثمان بعد عمر ، وأن الخليفة الثالث: هو عثمان ، وهذا مجمع عليه بين أهل السنة والجماعة، واتفقوا على أن الخليفة الرابع: هو علي بن أبي طالب ، فترتيب الصحابة والخلفاء الأربعة في الخلافة متفق عليه بين أهل السنة والجماعة، وأن الخليفة الأول: أبو بكر، والخليفة الثاني: عمر ، والخليفة الثالث: عثمان ، والخليفة الرابع: علي بن أبي طالب رضي الله عنهم.
واتفقوا أيضاً: على أن ترتيبهم في الفضيلة كترتيبهم في الخلافة سواءً بسواء، وأن أفضل هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، إلا أنه وقع خلاف بين بعض أهل السنة في الفضيلة بين عثمان وعلي ، فروي عن الإمام أبي حنيفة رحمه الله: أن علياً أفضل من عثمان ، وقال به بعض العلماء، وقال بعض أهل العلم بالتوقف، والجمهور على أن عثمان أفضل، ثم انقرض هذا الخلاف واتفق على تقديم عثمان على علي في الفضيلة، وهذا في الفضيلة فقط، أما ترتيبهم في الخلافة ففيه إجماع، فمن قدم علياً على عثمان في الخلافة فقد ضل، بخلاف من قدم علياً على عثمان في الفضيلة فهذا لا يضل، وهذه مسألة سهلة خفيفة.
ولهذا يقول العلماء: من قدم علياً على عثمان في الخلافة فهو أضل من حمار أهله.
وقال بعض التابعين: من قدم علياً على عثمان في الخلافة فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار. يعني: احتقرهم؛ وقد أجمع المهاجرون والأنصار على تقديم عثمان ومبايعته بالخلافة بعد عمر ، فالخلافة مجمع عليها، لكن الخلاف في الفضيلة بين علي وعثمان ، فالجماهير على أن عثمان أفضل، وبعض العلماء توقف، وبعض العلماء قدم علياً على عثمان ، ولكن هذا الخلاف انقرض، واتفق العلماء على تقديم عثمان على علي في الفضيلة كتقديمه عليه في الخلافة، والتقديم في الفضيلة أمره سهل مع أنه انقرض، وإنما الأمر المنكر هو تقديم علي على عثمان في الخلافة، فمن قدم علياً على عثمان في الخلافة فهو أضل من حمار أهله، وقد احتقر الصحابة من المهاجرين والأنصار المجمعين على تقديم عثمان على علي في الخلافة.
ولهذا قال المؤلف في كتابه: (واتفق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على بيعة عثمان بعد عمر رضي الله عنهما.
وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (خلافة النبوة ثلاثون سنة ثم تصير ملكاً) يعني: اتفق العلماء على أن الخلفاء الراشدين هم الأربعة، أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي ، ودل على ذلك الحديث الشريف، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (خلافة النبوة ثلاثون سنة ثم تصير ملكاً)، فإذا حسبت مدة خلافة الخلفاء الراشدين وجدتها ثلاثين سنة، فـأبو بكر سنتان وثلاثة أشهر، وعمر عشر سنين ونصف، وعثمان اثني عشرة سنة، وعلي أربع سنين وستة أشهر، والحسن بن علي ستة أشهر، فقد بويع له بالخلافة بعد قتل أبيه رضي الله عنهما، وبقي في الخلافة ستة أشهر، ثم تنازل عن الخلافة لـمعاوية بن أبي سفيان حقناً لدماء المسلمين، فإذا جمعت هذه المدة وجدتها ثلاثين سنة.
(ثم تصير ملكاً)، وأول ملوك المسلمين: هو معاوية بن أبي سفيان فقد بويع له بالخلافة عام أربعين، وتمت له البيعة، وسمي ذلك العام: عام الجماعة.
ثم قال صلى الله عليه وسلم: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ)، يعني: الزموها، والشيء الذي يلزمه الإنسان ويهتم به يعض عليه بالنواجذ، والنواجذ: هي الأسنان التي تلي الثنايا، قال: (وإياكم ومحدثات الأمور)، يعني: الأمور المحدثة في الدين (فإن كل بدعة ضلالة)، (وكان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه آخر الخلفاء الراشدين المهديين، وقد اتفق عامة أهل السنة من العلماء والعباد والأمراء والأجناد على أن يقولوا -يعني: في الفضيلة- أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي ) واتفقوا على أن يقولوا في الخلافة: أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضي الله عنهم، ودلائل ذلك وفضائل الصحابة كثيرة ليس هذا موضعها).
الإمساك عما شجر بين الصحابة من عقيدة أهل السنة والجماعة
يقول المؤلف رحمه الله مبيناً معتقد أهل السنة والجماعة: (وكذلك نؤمن بالإمساك عما شجر بينهم) يعني: أن من عقيدة أهل السنة والجماعة الإمساك -ومعنى الإمساك: هو السكوت- عما شجر بين الصحابة، يعني: عما حصل بينهم من الخلاف، كالنزاع والقتال، فيجب الإمساك عنه، ولا يجوز إفشاؤه.
قال المؤلف رحمه الله: (ونعلم أن المنقول في ذلك كذب، وهم كانوا مجتهدين) أي: في الشيء الذي ثبت عنهم، وبين المؤلف رحمه الله هذا المعنى بشكل أوضح في رسالة العقيدة الواسطية فقال: والمنقول عن الصحابة أنواع: منها: ما هو كذب لا أساس له من الصحة، ومنها: ما يوجد له أصل، ولكن زيد فيه أو نقص منه أو غير عليه، ومنها: ما هو ثابت في الصحيح، والثابت في الصحيح بين أمرين: فإما مجتهد مصيب له أجران، أجر الإصابة وأجر الاجتهاد، وإما مجتهد مخطئ فله أجر الاجتهاد، وخطؤه مغفور.
ثم نعتقد أن كل واحد من الصحابة ليس معصوماً من كبائر الذنوب ولا من صغائرها، فهم ليسوا أنبياء، والعصمة للأنبياء فقط، فالنبي معصوم عن الشرك وعن الكبائر ومعصوم فيما يبلغ عن الله، أما الواحد من الصحابة فليس معصوماً وقد تقع منه الذنوب، لكن إذا وقع منه الذنب فهناك أسباب المغفرة، فإن ما يحصل من الصحابة اجتهاد فإن أصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر، وإن وقع في ذنب محقق فأسباب المغفرة كثيرة: فقد يتوب إلى الله، فإما أن يغفرها الله له بتوبته فيتوب عليه ، أو يغفرها له بإقامة الحد عليه في الدنيا مثلاً، أو بحسنات ماحية، أو مصائب مكفرة، أو بشفاعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لهم، وهم أولى الناس بشفاعته، فإنهم خير قرون هذه الأمة، ولهذا قال المؤلف رحمه الله: (وهم كانوا مجتهدين) أي: فيما شجر بينهم، إما مصيبين فلهم أجران، أو مثابين على عملهم الصالح، ومغفور لهم ما كان عليهم من السيئات.
وقد سبق لهم من الله الحسنى، ووعدهم الله بالجنة، فإن الله يغفر لهم الذنوب المحققة: إما بتوبة، أو بحسنات ماحية، أو مصائب مكفرة، أو غير ذلك مثل: شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، فإنهم خير قرون هذه الأمة، كما قال صلى الله عليه وسلم: (خير القرون قرني الذي بعثت فيهم، ثم الذين يلونهم)، وبهذا يتبين أن معتقد أهل السنة والجماعة: الإمساك والسكوت عن الخلافات التي حصلت بين الصحابة فلا تتحدث عنها ولا تنشرها.
وبهذا ينبغي ألا تستمع للأشرطة التي سجلها بعض الناس في الصحابة والخلاف الذي بينهم، لأن هذه طريقة أهل البدع، فبعض الناس يسجل أشرطة ينقل فيها النزاع والخلاف والحروب التي حصلت بين الصحابة وينشرها، ويتكلم بالكلام السيئ، مثل أشرطة طارق السويدان، فـطارق السويدان له أشرطة سيئة عن الصحابة، فلا ينبغي لطالب العلم استماعها، بل ينبغي له البعد عنها والتحذير منها؛ لأنها مخالفة لمعتقد أهل السنة والجماعة، ومعتقد أهل السنة والجماعة هو: السكوت عما شجر بين الصحابة من الخلافات وغيرها، واعتقاد أنهم أفضل وأخير الناس بعد الأنبياء، وأن ما حصل بينهم من اختلاف لا يخرج عن كونه إما مجتهد مصيب له أجران أو مجتهد مخطئ له أجر، وأن ما يروى عنهم من الأخبار لا يخرج عن كون بعضها كذباً لا أساس له من الصحة، وبعضها له أصل لكن زيد فيه بعض الكذب، أو نقصوا فيه، أو غيروه عن وجهه.
وبعض الذنوب المحققة صحيح ثابت، لكن هذا الثابت إما أن يمحى عنه بالتوبة أو بالحسنات أو بالمصائب أو بسابقتهم وفضلهم وجهادهم مع النبي صلى الله عليه وسلم، أو بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم.
وبهذا يتبين أن من ينشر ويثير الخلافات بين الصحابة فهو مخالف لمعتقد أهل السنة والجماعة، ويجب هجره وعدم الاستماع لكلامه، ومن ذلك: أشرطة طارق السويدان ، فينبغي هجرها وتركها وعدم سماعها والتحذير منها، لما فيها من مخالفة لمعتقد أهل السنة والجماعة بنشر ما شجر بين الصحابة من الخلافات.
الإمساك عما شجر بين علي ومعاوية مع اعتقاد أن كون الحق والصواب مع علي
يقول المؤلف رحمه الله: بأن الخلاف والنزاع الذي حصل بين أهل العراق وهم علي رضي الله عنه ومن معه، وبين أهل الشام وهم معاوية ومن معه، بأن الحروب التي حصلت بينهم كانت عن اجتهاد منهم فيها، فهم مجتهدون فمنهم المصيب له أجران ومنهم المخطئ له أجر، ونعلم أن علياً رضي الله عنه أفضل من معاوية وأقرب إلى الحق منه وممن قاتله معه، والدليل على أنه أقرب إلى الحق: قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي سعيد : (تمرق مارقة على حين فرقة من المسلمين)، فقوله: تمرق بمعنى: تخرج عن الدين، وهم الخوارج، قال: (تقتلهم أدنى الطائفتين إلى الحق)، وكان علي هو من قتلهم فصار أقرب إلى الحق من معاوية .
يقول المؤلف: (وفي هذا الحديث دليل على أن مع كل طائفة حق وأن علياً رضي الله عنه أقرب إلى الحق). والحديث فيه دليل على أن معاوية معه حق وكذلك علي رضي الله عنهما، لكن الأقرب إلى الحق هو علي رضي الله عنه، ومما يدل على ذلك أيضاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـعمار : (ويح
فلما رأى علي رضي الله عنه أنهم لم يبايعوه أراد أن يخضعهم بالقوة ولابد من قتالهم، فانضم إلى علي أكثر الصحابة معتقدين أنه على الحق وأن أهل الشام بغاة يجب إخضاعهم؛ عملاً بقول الله تعالى: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ [الحجرات:9]، فانضم جماهير الصحابة إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه بهذه الآية، وقالوا: بأن أهل الشام بغاة، والله أمرنا أن نقاتل البغاة إذا لم يفيئوا إلى أمر الله، فلما لم يبايعوا قاتلهم علي رضي الله عنه، فدافعوا عن أنفسهم وهذا سبب الخلاف.
ولم ير علي رضي الله عنه أن معاوية وأهل الشام من المؤلفة قلوبهم، فلم يستقر الإسلام في قلوبهم بعد -والمؤلفة قلوبهم: هم الذين دخلوا الإسلام من قريب- وكان معاوية بن أبي سفيان ممن دخل في الإسلام من قديم، فليسوا من المؤلفة قلوبهم، فلم يبق إلا القتال فقاتلوهم، وهذا هو الصواب.
فكان الصواب مع علي رضي الله عنه، وكان أهل الشام ومعاوية متأولين، فقالوا: نحن لا نمانع ولا نطالب بالخلافة، وإنما نطالب بدم عثمان لأننا أولياؤه، فأعطونا القتلة ثم نبايع بعد ذلك.
ويرى علي رضي الله عنه أنه الخليفة الراشد الذي تمت له البيعة فيجب إخضاعهم له، وأما مطالبتهم بالدم فيكون بعد ذلك، فهذا هو بداية منشأ النزاع.
وهذا معنى قول المؤلف رحمه الله: (ونعلم أن علياً كان أفضل وأقرب إلى الحق).
حكم معتزلي هذه الفتنة
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وقد اتفق أهل السنة والجماعة على ما تواتر عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أنه قال: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر رضي الله عنهما، واتفق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على بيعة عثمان بعد عمر رضي الله عنهما، وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (خلافة النبوة ثلاثون سنة ثم تصير ملكاً)، وقال صلى الله عليه وسلم: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة)، وكان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه آخر الخلفاء الراشدين المهديين، وقد اتفق عامة أهل السنة من العلماء والعباد والأمراء والأجناد على أن يقولوا: أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضي الله عنهم، ودلائل ذلك وفضائل الصحابة كثيرة ليس هذا موضعها ]
يقول المؤلف رحمه الله: (اتفق أهل السنة والجماعة على ما تواتر عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أنه قال: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر رضي الله عنهما) يعني: أنهم اتفقوا على تقديم الشيخين في الأفضيلة وفي الخلافة، فاتفق أهل السنة والجماعة: على أن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر ، واتفقوا أيضاً: على أن الخليفة بعده هو أبو بكر ثم عمر ، وكذلك اتفق الصحابة رضي الله عنهم: على بيعة عثمان بعد عمر ، وأن الخليفة الثالث: هو عثمان ، وهذا مجمع عليه بين أهل السنة والجماعة، واتفقوا على أن الخليفة الرابع: هو علي بن أبي طالب ، فترتيب الصحابة والخلفاء الأربعة في الخلافة متفق عليه بين أهل السنة والجماعة، وأن الخليفة الأول: أبو بكر، والخليفة الثاني: عمر ، والخليفة الثالث: عثمان ، والخليفة الرابع: علي بن أبي طالب رضي الله عنهم.
واتفقوا أيضاً: على أن ترتيبهم في الفضيلة كترتيبهم في الخلافة سواءً بسواء، وأن أفضل هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، إلا أنه وقع خلاف بين بعض أهل السنة في الفضيلة بين عثمان وعلي ، فروي عن الإمام أبي حنيفة رحمه الله: أن علياً أفضل من عثمان ، وقال به بعض العلماء، وقال بعض أهل العلم بالتوقف، والجمهور على أن عثمان أفضل، ثم انقرض هذا الخلاف واتفق على تقديم عثمان على علي في الفضيلة، وهذا في الفضيلة فقط، أما ترتيبهم في الخلافة ففيه إجماع، فمن قدم علياً على عثمان في الخلافة فقد ضل، بخلاف من قدم علياً على عثمان في الفضيلة فهذا لا يضل، وهذه مسألة سهلة خفيفة.
ولهذا يقول العلماء: من قدم علياً على عثمان في الخلافة فهو أضل من حمار أهله.
وقال بعض التابعين: من قدم علياً على عثمان في الخلافة فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار. يعني: احتقرهم؛ وقد أجمع المهاجرون والأنصار على تقديم عثمان ومبايعته بالخلافة بعد عمر ، فالخلافة مجمع عليها، لكن الخلاف في الفضيلة بين علي وعثمان ، فالجماهير على أن عثمان أفضل، وبعض العلماء توقف، وبعض العلماء قدم علياً على عثمان ، ولكن هذا الخلاف انقرض، واتفق العلماء على تقديم عثمان على علي في الفضيلة كتقديمه عليه في الخلافة، والتقديم في الفضيلة أمره سهل مع أنه انقرض، وإنما الأمر المنكر هو تقديم علي على عثمان في الخلافة، فمن قدم علياً على عثمان في الخلافة فهو أضل من حمار أهله، وقد احتقر الصحابة من المهاجرين والأنصار المجمعين على تقديم عثمان على علي في الخلافة.
ولهذا قال المؤلف في كتابه: (واتفق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على بيعة عثمان بعد عمر رضي الله عنهما.
وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (خلافة النبوة ثلاثون سنة ثم تصير ملكاً) يعني: اتفق العلماء على أن الخلفاء الراشدين هم الأربعة، أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي ، ودل على ذلك الحديث الشريف، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (خلافة النبوة ثلاثون سنة ثم تصير ملكاً)، فإذا حسبت مدة خلافة الخلفاء الراشدين وجدتها ثلاثين سنة، فـأبو بكر سنتان وثلاثة أشهر، وعمر عشر سنين ونصف، وعثمان اثني عشرة سنة، وعلي أربع سنين وستة أشهر، والحسن بن علي ستة أشهر، فقد بويع له بالخلافة بعد قتل أبيه رضي الله عنهما، وبقي في الخلافة ستة أشهر، ثم تنازل عن الخلافة لـمعاوية بن أبي سفيان حقناً لدماء المسلمين، فإذا جمعت هذه المدة وجدتها ثلاثين سنة.
(ثم تصير ملكاً)، وأول ملوك المسلمين: هو معاوية بن أبي سفيان فقد بويع له بالخلافة عام أربعين، وتمت له البيعة، وسمي ذلك العام: عام الجماعة.
ثم قال صلى الله عليه وسلم: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ)، يعني: الزموها، والشيء الذي يلزمه الإنسان ويهتم به يعض عليه بالنواجذ، والنواجذ: هي الأسنان التي تلي الثنايا، قال: (وإياكم ومحدثات الأمور)، يعني: الأمور المحدثة في الدين (فإن كل بدعة ضلالة)، (وكان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه آخر الخلفاء الراشدين المهديين، وقد اتفق عامة أهل السنة من العلماء والعباد والأمراء والأجناد على أن يقولوا -يعني: في الفضيلة- أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي ) واتفقوا على أن يقولوا في الخلافة: أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضي الله عنهم، ودلائل ذلك وفضائل الصحابة كثيرة ليس هذا موضعها).
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وكذلك نؤمن بالإمساك عما شجر بينهم، ونعلم أن المنقول في ذلك كذب، وهم كانوا مجتهدين إما مصيبين فلهم أجران، أو مثابين على عملهم الصالح مغفور لهم خطؤهم وما كان من السيئات، وقد سبق لهم من الله الحسنى، فإن الله يغفر لهم إما بتوبة، أو بحسنات ماحية، أو مصائب مكفرة أو غير ذلك، فإنهم خير قرون هذه الأمة كما قال صلى الله عليه وسلم: (خير القرون قرني الذي بعثت فيهم، ثم الذين يلونهم)، وهذه خير أمة أخرجت للناس ].
يقول المؤلف رحمه الله مبيناً معتقد أهل السنة والجماعة: (وكذلك نؤمن بالإمساك عما شجر بينهم) يعني: أن من عقيدة أهل السنة والجماعة الإمساك -ومعنى الإمساك: هو السكوت- عما شجر بين الصحابة، يعني: عما حصل بينهم من الخلاف، كالنزاع والقتال، فيجب الإمساك عنه، ولا يجوز إفشاؤه.
قال المؤلف رحمه الله: (ونعلم أن المنقول في ذلك كذب، وهم كانوا مجتهدين) أي: في الشيء الذي ثبت عنهم، وبين المؤلف رحمه الله هذا المعنى بشكل أوضح في رسالة العقيدة الواسطية فقال: والمنقول عن الصحابة أنواع: منها: ما هو كذب لا أساس له من الصحة، ومنها: ما يوجد له أصل، ولكن زيد فيه أو نقص منه أو غير عليه، ومنها: ما هو ثابت في الصحيح، والثابت في الصحيح بين أمرين: فإما مجتهد مصيب له أجران، أجر الإصابة وأجر الاجتهاد، وإما مجتهد مخطئ فله أجر الاجتهاد، وخطؤه مغفور.
ثم نعتقد أن كل واحد من الصحابة ليس معصوماً من كبائر الذنوب ولا من صغائرها، فهم ليسوا أنبياء، والعصمة للأنبياء فقط، فالنبي معصوم عن الشرك وعن الكبائر ومعصوم فيما يبلغ عن الله، أما الواحد من الصحابة فليس معصوماً وقد تقع منه الذنوب، لكن إذا وقع منه الذنب فهناك أسباب المغفرة، فإن ما يحصل من الصحابة اجتهاد فإن أصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر، وإن وقع في ذنب محقق فأسباب المغفرة كثيرة: فقد يتوب إلى الله، فإما أن يغفرها الله له بتوبته فيتوب عليه ، أو يغفرها له بإقامة الحد عليه في الدنيا مثلاً، أو بحسنات ماحية، أو مصائب مكفرة، أو بشفاعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لهم، وهم أولى الناس بشفاعته، فإنهم خير قرون هذه الأمة، ولهذا قال المؤلف رحمه الله: (وهم كانوا مجتهدين) أي: فيما شجر بينهم، إما مصيبين فلهم أجران، أو مثابين على عملهم الصالح، ومغفور لهم ما كان عليهم من السيئات.
وقد سبق لهم من الله الحسنى، ووعدهم الله بالجنة، فإن الله يغفر لهم الذنوب المحققة: إما بتوبة، أو بحسنات ماحية، أو مصائب مكفرة، أو غير ذلك مثل: شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، فإنهم خير قرون هذه الأمة، كما قال صلى الله عليه وسلم: (خير القرون قرني الذي بعثت فيهم، ثم الذين يلونهم)، وبهذا يتبين أن معتقد أهل السنة والجماعة: الإمساك والسكوت عن الخلافات التي حصلت بين الصحابة فلا تتحدث عنها ولا تنشرها.
وبهذا ينبغي ألا تستمع للأشرطة التي سجلها بعض الناس في الصحابة والخلاف الذي بينهم، لأن هذه طريقة أهل البدع، فبعض الناس يسجل أشرطة ينقل فيها النزاع والخلاف والحروب التي حصلت بين الصحابة وينشرها، ويتكلم بالكلام السيئ، مثل أشرطة طارق السويدان، فـطارق السويدان له أشرطة سيئة عن الصحابة، فلا ينبغي لطالب العلم استماعها، بل ينبغي له البعد عنها والتحذير منها؛ لأنها مخالفة لمعتقد أهل السنة والجماعة، ومعتقد أهل السنة والجماعة هو: السكوت عما شجر بين الصحابة من الخلافات وغيرها، واعتقاد أنهم أفضل وأخير الناس بعد الأنبياء، وأن ما حصل بينهم من اختلاف لا يخرج عن كونه إما مجتهد مصيب له أجران أو مجتهد مخطئ له أجر، وأن ما يروى عنهم من الأخبار لا يخرج عن كون بعضها كذباً لا أساس له من الصحة، وبعضها له أصل لكن زيد فيه بعض الكذب، أو نقصوا فيه، أو غيروه عن وجهه.
وبعض الذنوب المحققة صحيح ثابت، لكن هذا الثابت إما أن يمحى عنه بالتوبة أو بالحسنات أو بالمصائب أو بسابقتهم وفضلهم وجهادهم مع النبي صلى الله عليه وسلم، أو بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم.
وبهذا يتبين أن من ينشر ويثير الخلافات بين الصحابة فهو مخالف لمعتقد أهل السنة والجماعة، ويجب هجره وعدم الاستماع لكلامه، ومن ذلك: أشرطة طارق السويدان ، فينبغي هجرها وتركها وعدم سماعها والتحذير منها، لما فيها من مخالفة لمعتقد أهل السنة والجماعة بنشر ما شجر بين الصحابة من الخلافات.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ونعلم مع ذلك أن علياً بن أبي طالب رضي الله عنه كان أفضل وأقرب إلى الحق من معاوية وممن قاتله معه، لما ثبت في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (تمرق مارقة على حين فرقة من المسلمين تقتلهم أدنى الطائفتين إلى الحق)، وفي هذا الحديث دليل على أن مع كل طائفة حق، وأن علياً رضي الله عنه أقرب إلى الحق ]
يقول المؤلف رحمه الله: بأن الخلاف والنزاع الذي حصل بين أهل العراق وهم علي رضي الله عنه ومن معه، وبين أهل الشام وهم معاوية ومن معه، بأن الحروب التي حصلت بينهم كانت عن اجتهاد منهم فيها، فهم مجتهدون فمنهم المصيب له أجران ومنهم المخطئ له أجر، ونعلم أن علياً رضي الله عنه أفضل من معاوية وأقرب إلى الحق منه وممن قاتله معه، والدليل على أنه أقرب إلى الحق: قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي سعيد : (تمرق مارقة على حين فرقة من المسلمين)، فقوله: تمرق بمعنى: تخرج عن الدين، وهم الخوارج، قال: (تقتلهم أدنى الطائفتين إلى الحق)، وكان علي هو من قتلهم فصار أقرب إلى الحق من معاوية .
يقول المؤلف: (وفي هذا الحديث دليل على أن مع كل طائفة حق وأن علياً رضي الله عنه أقرب إلى الحق). والحديث فيه دليل على أن معاوية معه حق وكذلك علي رضي الله عنهما، لكن الأقرب إلى الحق هو علي رضي الله عنه، ومما يدل على ذلك أيضاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـعمار : (ويح
فلما رأى علي رضي الله عنه أنهم لم يبايعوه أراد أن يخضعهم بالقوة ولابد من قتالهم، فانضم إلى علي أكثر الصحابة معتقدين أنه على الحق وأن أهل الشام بغاة يجب إخضاعهم؛ عملاً بقول الله تعالى: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ [الحجرات:9]، فانضم جماهير الصحابة إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه بهذه الآية، وقالوا: بأن أهل الشام بغاة، والله أمرنا أن نقاتل البغاة إذا لم يفيئوا إلى أمر الله، فلما لم يبايعوا قاتلهم علي رضي الله عنه، فدافعوا عن أنفسهم وهذا سبب الخلاف.
ولم ير علي رضي الله عنه أن معاوية وأهل الشام من المؤلفة قلوبهم، فلم يستقر الإسلام في قلوبهم بعد -والمؤلفة قلوبهم: هم الذين دخلوا الإسلام من قريب- وكان معاوية بن أبي سفيان ممن دخل في الإسلام من قديم، فليسوا من المؤلفة قلوبهم، فلم يبق إلا القتال فقاتلوهم، وهذا هو الصواب.
فكان الصواب مع علي رضي الله عنه، وكان أهل الشام ومعاوية متأولين، فقالوا: نحن لا نمانع ولا نطالب بالخلافة، وإنما نطالب بدم عثمان لأننا أولياؤه، فأعطونا القتلة ثم نبايع بعد ذلك.
ويرى علي رضي الله عنه أنه الخليفة الراشد الذي تمت له البيعة فيجب إخضاعهم له، وأما مطالبتهم بالدم فيكون بعد ذلك، فهذا هو بداية منشأ النزاع.
وهذا معنى قول المؤلف رحمه الله: (ونعلم أن علياً كان أفضل وأقرب إلى الحق).
استمع المزيد من الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الراجحي - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
شرح الوصية الكبرى لابن تيمية [13] | 2050 استماع |
شرح الوصية الكبرى لابن تيمية [11] | 1985 استماع |
شرح الوصية الكبرى لابن تيمية [5] | 1657 استماع |
شرح الوصية الكبرى لابن تيمية [3] | 1581 استماع |
شرح الوصية الكبرى لابن تيمية [4] | 1577 استماع |
شرح الوصية الكبرى لابن تيمية [2] | 1565 استماع |
شرح الوصية الكبرى لابن تيمية [8] | 1554 استماع |
شرح الوصية الكبرى لابن تيمية [1] | 1522 استماع |
شرح الوصية الكبرى لابن تيمية [12] | 1435 استماع |
شرح الوصية الكبرى لابن تيمية [6] | 1171 استماع |