خطب ومحاضرات
شرح الوصية الكبرى لابن تيمية [6]
الحلقة مفرغة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ فصل: وقد تقدم أن دين الله وسط بين الغالي فيه والجافي عنه، والله تعالى ما أمر عباده بأمر إلا اعترض الشيطان فيه بأمرين لا يبالي بأيهما ظفر: إما إفراط فيه وإما تفريط فيه، وإذا كان الإسلام الذي هو دين الله لا يقبل من أحد سواه قد اعترض الشيطان كثيراً ممن ينتسب إليه حتى أخرجه عن كثير من شرائعه، بل أخرج طوائف من أعبد هذه الأمة وأورعها عنه حتى مرقوا منه كما يمرق السهم من الرمية، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتال المارقين منه، فثبت عنه في الصحاح وغيرها من رواية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وأبي سعيد الخدري وسهل بن حنيف وأبي ذر الغفاري وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر وابن مسعود رضي الله عنهم وغير هؤلاء، أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الخوارج فقال: (يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، وقراءته مع قراءتهم، يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، أينما لقيتموهم فاقتلوهم أو فقاتلوهم؛ فإن في قتلهم أجراً عند الله لمن قتلهم يوم القيامة، لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد)، وفي رواية: (شر قتلة تحت أديم السماء، خير قتيل من قتلوه)، وفي رواية: (لو يعلم الذين يقاتلونهم ما لهم على لسان محمد صلى الله عليه وسلم لنكلوا عن العمل) ].
هذا البحث بين فيه المؤلف شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى أن دين الإسلام وسط بين الإفراط والتفريط، ولهذا قال رحمه الله: وقد تقدم أن دين الله وسط بين الغالي فيه والجافي عنه، والغالي هو الذي زاد عن الحد، وهو المُفْرِط.
والجافي: هو المقصر الذي يقصر ولا يؤدي الواجبات.
فالنصارى مثلاً غلاة، فقد غلو في عيسى فقالوا: إنه ابن الله، أو ثالث ثلاثة، واليهود قصروا وجفوا وقالوا: إنه ولد بغي، أي: ولد زنا، وأما أهل الإسلام فهم وسط بين الغالي والجافي، فقالوا: إنه عبد الله ورسوله، فليس إلهاً ولا ابن إله؛ فإن الله ليس له ولد -تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً- وليس هو ولد بغي كما يقول اليهود، وإنما هو عبد الله ورسوله.
فتبين بهذا أن دين الإسلام وسط بين الغالي والجافي، والله تعالى ما أمر عباده بأمر إلا اعترض الشيطان فيه بأمرين لا يبالي بأيهما ظفر: إما إفراط فيه وإما تفريط فيه، فالشيطان يحرص أن يوقع الإنسان إما في الإفراط أو في التفريط، وذلك مثل قصة الرهط الذين أرادوا أن يزيدوا على عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، فسألوا عن عبادته في السر، فقيل لهم: إن النبي صلى الله عليه وسلم يصلي وينام، ويصوم ويفطر، ويتزوج النساء.
فقال هؤلاء الرهط: إن الرسول صلى الله عليه وسلم قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وأما نحن فلا ندري هل غفر لنا أو لا، فلابد أن نزيد، فقال أحدهم: أما أنا فأصلي الليل ولا أنام على فراشي، وقال الآخر: وأما أنا فأصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: وأما أنا فلا أتزوج النساء، أي: زهداً حتى لا ينشغل عن العبادة، وقال آخر: وأما أنا فلا آكل اللحم.
فهذا من الغلو، فلما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بهم أنكر عليهم، وخطب الناس وقال: (ما بال أقوام يقولون كذا وكذا، لكني أصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وآكل اللحم، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني).
وشخص آخر يتساهل ويفرط، فلا يؤدي الواجبات ولا يترك المحرمات، فهذا مفرِّط، والأول مُفْرِط، والشيطان لا يبالي بأيهما ظفر، وجاء في بعض الآثار: أن الشيطان يشم القلوب، فإن وجد في القلب رغبة في العبادة وقوة أوقعه في الإفراط والزيادة، وإن رأى فيه تساهلاً أوقعه في التفريط والتقصير.
تلبيس الشيطان على الخوارج
فالشيطان قد اعترض كثيراً ممن ينتسب إليه حتى أخرجهم عن كثير من الشرائع، بل أخرج طوائف من أعبد هذه الأمة وأورعها حتى مرقوا منه كما يمرق السهم من الرمية، وهم الخوارج، فالخوارج من أعبد الناس، فقد كانوا رهباناً في الليل وأسوداً في النهار، فيصلون الليل، ويصومون النهار، وهم شجعان في الجهاد، فأخرجهم الشيطان عن كثير من شرائع الإسلام فكفروا المسلمين بالمعاصي، وقالوا: من فعل الكبيرة كفر، فمن زنا كفر، ومن سرق كفر، ومن شرب الخمر كفر، فهذا من إخراج الشيطان لهم عن شرائع الإسلام، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتالهم؛ لأنهم مارقون من الدين.
والمارقون: هم الخارجون بسرعة، فهم يخرجون منه بسرعة، وقد قال عنهم النبي صلى الله عليه وسلم: (يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية)، فالسهم حينما ترمي به فإنه يخرج بسرعة من الرمية، فكذلك هؤلاء فإنهم خرجوا بسرعة من الإسلام، ففي الصحاح وغيرها من رواية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وأبي سعيد الخدري وسهل بن حنيف وأبي ذر الغفاري وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر وابن مسعود ، وهؤلاء سبعة رضي الله عنهم وأرضاهم، أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الخوارج فقال: (يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، وقراءته مع قراءتهم) أي: أنك إذا رأيت كثرة صلاتهم وصيامهم وقراءتهم لرأيت عبادتك قليلة بالنسبة إلى عبادتهم.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم)؛ لأنهم لا يعملون به، ولا يعملون بالسنة التي هي وحي من الله، ولو تدبروا القرآن وتأملوه ما كفروا المسلمين، ثم قال: (أينما لقيتموهم فاقتلوهم)، أو قال: (أو فقاتلوهم فإن في قتلهم أجراً عند الله لمن قتلهم يوم القيامة، لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد)، وفي رواية: (شر قتيل تحت أديم السماء، وخير قتيل من قتلوه).
أي: أن مقتولهم شر قتيل، والذي يقتلونه هو خير قتيل، وفي رواية: (لو يعلم الذين يقاتلونهم ما زوي لهم على لسان محمد صلى الله عليه وسلم) أي: من الأجر والثواب، وما زوي أي: ما أخفي لهم، (لنكلوا عن العمل) أي: لاكتفوا بهذا الأجر.
اختلاف العلماء في حكم تكفير الخوارج
وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتالهم فقال: (أينما لقيتموهم فاقتلوهم؛ فإن في قتلهم أجراً عند الله لمن قتلهم)، ثم شبههم بعاد، فقال: (لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد)، وعاد قوم هود قوم كفار، فدل على كفرهم.
ومما احتجوا به أيضاً ما جاء في رواية: (يمرقون من الإسلام ثم لا يعودون إليه).
وذهب الجمهور إلى أنهم مبتدعة وليسوا كفاراً، وقالوا: إنهم متأولون، وفرق بين المتأول والجاحد، فالجاحد يكفر والمتأول لا يكفر، وهذه النصوص تدل على فسقهم وبدعتهم ولا تدل على كفرهم، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حيث قال: إن هذا هو حكم الصحابة عليهم، فالصحابة حكموا عليهم بأنهم مبتدعة ولم يحكموا عليهم بالكفر.
واحتجوا بقول علي رضي الله عنه لما سئل عنهم: أكفار هم؟ قال: لا، من الكفر فروا. والقول بتكفيرهم قول قوي؛ لأن النصوص صريحة بتكفيرهم، وإن كان الجمهور يرون أنهم مبتدعة.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وهؤلاء لما خرجوا في خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه قاتلهم هو وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمر النبي صلى الله عليه وسلم وتحضيضه على قتالهم، واتفق على قتالهم جميع أئمة الإسلام ].
أي: أن هؤلاء الخوارج لما خرجوا في خلافة علي رضي الله عنه قاتلهم هو والصحابة رضي الله عنهم؛ عملاً بالنصوص التي فيها الحض على قتالهم، كما سبق في الأدلة: (فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم عند الله) وقوله: (لئن لقيتهم لأقتلنهم قتل عاد)، فاتفق على قتالهم جميع أئمة الإسلام.
قوله رحمه الله: (وإذا كان الإسلام الذي هو دين الله لا يقبل من أحد سواه قد اعترض الشيطان كثيراً ممن ينتسب إليه حتى أخرجه عن كثير من الشرائع) وجواب (إذا) الشرطية يحتمل أنه سيأتي، أو أنه مقدر، أي: إذا كان الإسلام الذي هو دين الله قد اعترض الشيطان كثيراً ممن ينتسب إليه فغيره من باب أولى أن يعترضهم الشيطان.
فالشيطان قد اعترض كثيراً ممن ينتسب إليه حتى أخرجهم عن كثير من الشرائع، بل أخرج طوائف من أعبد هذه الأمة وأورعها حتى مرقوا منه كما يمرق السهم من الرمية، وهم الخوارج، فالخوارج من أعبد الناس، فقد كانوا رهباناً في الليل وأسوداً في النهار، فيصلون الليل، ويصومون النهار، وهم شجعان في الجهاد، فأخرجهم الشيطان عن كثير من شرائع الإسلام فكفروا المسلمين بالمعاصي، وقالوا: من فعل الكبيرة كفر، فمن زنا كفر، ومن سرق كفر، ومن شرب الخمر كفر، فهذا من إخراج الشيطان لهم عن شرائع الإسلام، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتالهم؛ لأنهم مارقون من الدين.
والمارقون: هم الخارجون بسرعة، فهم يخرجون منه بسرعة، وقد قال عنهم النبي صلى الله عليه وسلم: (يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية)، فالسهم حينما ترمي به فإنه يخرج بسرعة من الرمية، فكذلك هؤلاء فإنهم خرجوا بسرعة من الإسلام، ففي الصحاح وغيرها من رواية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وأبي سعيد الخدري وسهل بن حنيف وأبي ذر الغفاري وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر وابن مسعود ، وهؤلاء سبعة رضي الله عنهم وأرضاهم، أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الخوارج فقال: (يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، وقراءته مع قراءتهم) أي: أنك إذا رأيت كثرة صلاتهم وصيامهم وقراءتهم لرأيت عبادتك قليلة بالنسبة إلى عبادتهم.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم)؛ لأنهم لا يعملون به، ولا يعملون بالسنة التي هي وحي من الله، ولو تدبروا القرآن وتأملوه ما كفروا المسلمين، ثم قال: (أينما لقيتموهم فاقتلوهم)، أو قال: (أو فقاتلوهم فإن في قتلهم أجراً عند الله لمن قتلهم يوم القيامة، لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد)، وفي رواية: (شر قتيل تحت أديم السماء، وخير قتيل من قتلوه).
أي: أن مقتولهم شر قتيل، والذي يقتلونه هو خير قتيل، وفي رواية: (لو يعلم الذين يقاتلونهم ما زوي لهم على لسان محمد صلى الله عليه وسلم) أي: من الأجر والثواب، وما زوي أي: ما أخفي لهم، (لنكلوا عن العمل) أي: لاكتفوا بهذا الأجر.
وهذه النصوص استدل بها بعض العلماء على تكفير الخوارج، وقالوا: إن هذه الأدلة صريحة في كفرهم، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية)، والذي يمرق من الشيء فإنه يخرج منه، فدل ذلك على كفرهم.
وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتالهم فقال: (أينما لقيتموهم فاقتلوهم؛ فإن في قتلهم أجراً عند الله لمن قتلهم)، ثم شبههم بعاد، فقال: (لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد)، وعاد قوم هود قوم كفار، فدل على كفرهم.
ومما احتجوا به أيضاً ما جاء في رواية: (يمرقون من الإسلام ثم لا يعودون إليه).
وذهب الجمهور إلى أنهم مبتدعة وليسوا كفاراً، وقالوا: إنهم متأولون، وفرق بين المتأول والجاحد، فالجاحد يكفر والمتأول لا يكفر، وهذه النصوص تدل على فسقهم وبدعتهم ولا تدل على كفرهم، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حيث قال: إن هذا هو حكم الصحابة عليهم، فالصحابة حكموا عليهم بأنهم مبتدعة ولم يحكموا عليهم بالكفر.
واحتجوا بقول علي رضي الله عنه لما سئل عنهم: أكفار هم؟ قال: لا، من الكفر فروا. والقول بتكفيرهم قول قوي؛ لأن النصوص صريحة بتكفيرهم، وإن كان الجمهور يرون أنهم مبتدعة.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وهؤلاء لما خرجوا في خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه قاتلهم هو وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمر النبي صلى الله عليه وسلم وتحضيضه على قتالهم، واتفق على قتالهم جميع أئمة الإسلام ].
أي: أن هؤلاء الخوارج لما خرجوا في خلافة علي رضي الله عنه قاتلهم هو والصحابة رضي الله عنهم؛ عملاً بالنصوص التي فيها الحض على قتالهم، كما سبق في الأدلة: (فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم عند الله) وقوله: (لئن لقيتهم لأقتلنهم قتل عاد)، فاتفق على قتالهم جميع أئمة الإسلام.
استمع المزيد من الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الراجحي - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
شرح الوصية الكبرى لابن تيمية [13] | 2049 استماع |
شرح الوصية الكبرى لابن تيمية [11] | 1984 استماع |
شرح الوصية الكبرى لابن تيمية [10] | 1716 استماع |
شرح الوصية الكبرى لابن تيمية [5] | 1656 استماع |
شرح الوصية الكبرى لابن تيمية [3] | 1580 استماع |
شرح الوصية الكبرى لابن تيمية [4] | 1576 استماع |
شرح الوصية الكبرى لابن تيمية [2] | 1564 استماع |
شرح الوصية الكبرى لابن تيمية [8] | 1553 استماع |
شرح الوصية الكبرى لابن تيمية [1] | 1522 استماع |
شرح الوصية الكبرى لابن تيمية [12] | 1434 استماع |