لقاء مفتوح مع طالبات كلية البنات بحائل


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل على نبيك ورسولك محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد:

إنها فرصة ولحظة مباركة أن يهيأ مثل هذا اللقاء الذي أرجو الله تعالى أن يكون سبب خيرٍ، وفرصة مناسبة للحديث في بعض الموضوعات المهمة.

أيها الأخوات الكريمات في هذه الكلية المباركة! أود أن أقدم بين يدي إجابتي على هذه الأسئلة الموجودة أمامي الآن، بمقدمة سريعة أتحدث فيها عن آفاق ومجالات، المرأة المسلمة، في ميادين العمل الدعوي، والإصلاحي، والجهادي.

إن المرأة هي صنو الرجل وشقيقته كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: {، إنما النساء شقائق الرجال} وإنما جاء الإسلام ليرفع من شأن الإنسان، كل الإنسان رجلاً كان أو امرأة.

إذاً: الذكر والأنثى كلاهما متعبد بهذا الدين، وكلاهما مطالب بالتكاليف، ومحاسب بين يدي الله تعالى يوم القيامة، وواجب على الأخت المسلمة أن تدرك هذه المسئولية.

نعم. قد يوجد في بعض المجتمعات نوع من النظرة الدونية للمرأة، وقد ينظر إليها بعض الناس على أنها مخلوق من الدرجة الثانية، أو الثالثة -مثلاً- وقد تكون محتقرة في بعض المجتمعات، ولكن هَدي الإسلام لا يؤخذ من خلال المجتمع، ولا يؤخذ من خلال التطبيق في بلدٍ أو مدينةٍ أو منطقةٍ أو أسرة معينة، إنما هدي الإسلام يؤخذ من خلال نصوص القرآن والسنة أولاً، ويؤخذ من خلال التطبيق الصحيح النموذجي للإسلام في عهود الصحابة رضي الله عنهم، وعهود السلف الصالح، حيث كانت المرأة تتبوأ أرقى المنازل وأعظمها، كانت مكرمة، وجاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى مجتمع يحتقر المرأة ويزدريها، فلم يهادن هذا المجتمع، ولم يجامله، بل صرخ بين أظهر الناس بضرورة إعادة الاعتبار والاحترام للمرأة، وتكريمها أُماً، أو بنتاً، أو أختاً، أو زوجةً، وإعطائها حقها الواجب لها.

القيود التي تواجهها المرأة

يجب على المرأة أن تدرك هذا الدور، وأن تدرك أن استعادتها لمكانتها لا يكون بتأثرها بتلك الدعوات العلمانية التي تدعو المرأة إلى خلع ما يسمونه بالمألوف، أو التقاليد البالية، أو العادات المتوارثة، والتحرر من ربقتها.

إن هذه الأصوات لا تعدو أن تكون استغلالاً لواقع قد تعيشه المرأة في بعض البيئات وفي بعض البلاد، ولكن النداء الحق والصوت الحق هو الذي ينادي ويدعو إلى تحرير المرأة من رق العبودية لغير الله عز وجل، ومن قيود التبعية للشرق أو الغرب.

نعم. قد تخرج المرأة -مثلاً- من قيد التبعية، أو التأثر بأوضاع اجتماعية لا تكون مرضية، ولكنها تقع في قيدٍ آخر وهو قيد أشد وأعظم وأنكى، فتقيد نفسها بقيود الموضة ورسومها، أو العادات الغربية المستوردة التي تفرض نفسها على المرأة حتى لا تجد لها عنها مخرجاً، وهناك فرق بين هذين النوعين:

النوع الأول من القيود التي تعانيها النساء في بعض المجتمعات العربية والإسلامية، هي: قيود ربما يفرضها المجتمع، فتشعر المرأة بكراهيتها، وتتنصل منها.

النوع الثاني من القيود التي أتت بها الحضارة الغربية، هي: قيود تقيد المرأة بها نفسها بطوعها واختيارها ورغبتها، وهذا سر خطورتها.

إن المرأة يجب أن تتخلص من كل تلك القيود لتعيش في ظل الإسلام، والإسلام فيه تكاليف ولا شك، وفيه ضوابط، وأوامر، ونواهي، وقد يسمي البعض هذه الأشياء قيوداً، ولكنها قيود من عند الله عز وجل، وتكاليف أمر بها رب السماوات والأرض، وهي على المرأة، كما هي على الرجل أيضاً، هي على جنس الإنسان؛ لأن الإنسان عبد في هذه الدنيا، وليس حراً في الواقع، عبد ولكن لمن؟ ليس عبداً للمادة والشهوة، والدرهم والدينار والكراسي والعادات والتقاليد القبلية، وإنما هو عبد لله عز وجل، ومقتضى عبوديته لله تقتضي أن يطيع الله تعالى فيما أمر ونهى، وأن يدرك أن العبودية لله هي أعظم مظاهر الحرية الحقيقية، فمن كان عبداً لله تحرر من العبودية لغير الله، أما من رفض هذه العبودية وتمرد عليها، فإنه يكون عبداً لآلهة شتى: يكون عبداً للشهوة، وللمادة، وللحب، وللهوى، وللعشق، ولألوان من المذلة في حياته، ولهذا قال القائل:

أطعت مطامعي فاستعبدتني          ولو أني قنعتُ لكنت حرا

فعبودية الطمع في المال، أو فيما يريده الإنسان من أغراض وأعراض الحياة الدنيا هي أخطر ألوان العبودية.

إذاً: واجب أن تدرك المرأة المسلمة أن حريتها الحقيقية، وأن نجاتها، وخلاصها، ليس أن تخرج من قيد إلى قيد، ولا أن تهرب من مشكلة إلى مشكلة أعظم منها، ولا أن تعالج المرض بمرض مثله أو أشد، ولكن أن تخرج من ذلك كله وتتخلص من هذا الإسار والأغلال إلى الإيمان، والدين، وإلى طاعة الله تعالى، وأن تكون المرأة المسلمة منادية بكل ذلك.

أهمية القراءة للمرأة

إن مسئولية المرأة المسلمة كبيرة في المجتمع، فهي مطالبة أولاً: أن تبني نفسها بناءً صحيحاً، وأن تشعر بأنها كيان مستقل بذاته، مسئول ٌيوم القيامة مسئولية خاصة، ومحاسب، ومكلف، ومطالب، كما يطالب غيره، لذلك أقول: لماذا نجد إعراض الكثير من الفتيات -مثلاً- عن القراءة، بألوانها وأنواعها وعدم الاشتغال بذلك؟

فإنك تجد الكثير من الناس والفتيات على وجه الخصوص ليس لديها رغبة في القراءة والمطالعة، والمتابعة للكتب المفيدة، والدروس النافعة وغير ذلك مما تستفيد منه، سواء في دينها أو في دنياها، حتى في القضايا العلمية التي تحتاجها في أمورها الدنيوية، ربما يكون ذلك قليلاً أم غير موجود أحياناً، وربما تنهمك الفتاة بأمور لا تلام في الأصل على إعطائها قدراً من العناية، فالمرأة بل الإنسان قد لا يكون ملوماً أن يهتم بمظهره، ويحرص على أن يبرز أمام الآخرين بصورة حسنة جميلة، وأن يحرص على ذلك بقدر معتدل، وكذلك أن يحرص على الاتصال بالآخرين مباشرة أو هاتفياً بقدر ما يحتاج إليه، ويتحدث معهم وينبسط إليهم، لكن أن يتحول ذلك كله إلى هم يشغل كل وقتنا، وكل حياتنا، وفراغنا، ثم لا نجد وقتاً لنقرأ، أو نراجع، أو أن ندرس، أو أن نتابع، أو أن نفكر، فإنني أعتقد أن هذا خطأ.

وأحياناً ربما أستطيع أن أقول: إن الفتاة تساهم من حيث تدري أو لا تدري في تلك النظرة المنحرفة التي ينظر إليها بعض الناس، من خلال أنها لا تكوِّن نفسها تكويناً صحيحاً، ولا تحفظ وقتها حفظاً جيداً، إنني أسمع الكثيرين يقولون:

إن المرأة لا هم لها إلا العناية بمظهرها وجمالها، وإن الفتاة تقضي أمام المرآة ساعات لإصلاح الماكياج، وإن المرأة تقتني عشرات الثياب والملابس، وتغيرها في كل يوم، نعم. أنا أعرف أن هذا الكلام فيه تحامل، وفيه تجنٍّ، وفيه عموم، وأنه ربما كان هذا الإنسان يستطيع أن يتكلم عمن يعرف من النساء أنهن كما وصف، لكنه لا يستطيع أن يعمم هذا الحكم على كل بنات حواء، فإن كثيراً من النساء ممن هن على مستوى من الوعي، والعلم، والعقل، والإدراك، والفهم، والدعوة، والنشاط، يجب أن يذكرن ويشكرن، وتعميم السلبيات خطأ.

ولكن مع ذلك أقول: ينبغي لنا أن ندرك، ولو أقل قدر من الخطأ الموجود عندنا فنعمل على تلافيه.

أهمية التعرف على المشكلات الاجتماعية

إن من الواجب على المرأة أيضاً أن تعمل على التعرف على المشكلات الاجتماعية، وعلى قضايا المرأة بصفة خاصة، وأن تسعى في حلها، لماذا لا يكون للمرأة مشاركة في دراسة أوضاع المجتمع ومشكلاته والظواهر السلبية الموجودة فيه وإعداد بعض الاستبيانات في هذا الموضوع ودراستها، والخروج منها بنتائج؟

مثلاً: قد توجد ظاهرة سلبية عند بعض البنات في المدارس أو في غيرها، وهي تختلف من مجتمع إلى آخر، فقد تكون هذه الظاهرة السلبية في بعض المجتمعات المنحرفة تصل إلى حد انتشار المخدرات، لكن في مجتمعات أخرى قد لا يكون الأمر كذلك، وقد تكون هذه الظاهرة السلبية ظاهرة الإعجاب المتبادل بين البنات، والذي يتعدى درجة المحبة المعتدلة، أو الصداقة المعقولة إلى لون من التعلق القلبي الكبير والخطير الذي تذوب فيه شخصية الفتاة، وتضيع فيه معالمها، وتصبح فيه مجرد ظل لفلانة، أو صورة عنها، أو تقليد لشخصيتها، فتفقد استقلالها، وتفقد ذاتها، وشخصيتها، وتذوب في شخصية معلمة أو زميلة أو صديقة أو ما أشبه ذلك، هذه ظاهرة سلبية ويجب أن تعالج، لكن أيضا العلاج يجب أن يكون مبنياً على معرفة.

ومن هو الذي يستطيع أن يدخل في أوساط البنات، ويطرح عليهن بعض الأسئلة، ويكتب الأجوبة بأمانة وبدقة وبعيداً عن التسمية -مثلاً- من أجل معرفة أسباب هذه المشكلة، ويدرس الأسباب، والحلول بشكل جيد ويقدم بعض المقترحات على شكل محاضرات، أو دروس، أو توجيهات، ولا مانع أيضاً أن يقدمها لمتحدثين من الرجال، يمكن أن يعالجوا هذه الظاهرة، ويمسوها بشكل يخدم وينفع ويزيل هذه المشكلة؟

قد تكون هناك مشكلة أعمق وأبعد في المجتمع كله، ليست مقصورة في أوساط الطالبات -مثلاً- ولا في مجتمع معين أو مدرسة معينة، مثلاً: ظاهرة تفشي الطلاق، ظاهرة خطيرة، ويجب أن تخيفنا فعلاً، فنسب الطلاق مرتفعة قد تصل في بعض المجتمعات أحيانا إلى (50%) من نسب الزواج، يعني (50%) من المتزوجين قد يطلقون، وربما -أيضاً- في السنة الأولى من الزواج، وهذا لا شك أنه خطر كبير، فكم بذل الإنسان في الزواج، تجربة نفسية ومالية والطرفان كلاهما خاسر في عملية الطلاق، ولكنه قد يجد نفسه مضطراً إليه لتجنب ما هو أخطر منه.

دراسة هذه الظاهرة: أسبابها، عددها، تكثر في أي فئة، وفي أي طبقة، وفي أي مستوى، دراسة أحوال المطلقات -مثلاً- وأحوال أزواجهن إلى غير ذلك، هذه الظاهرة جزء كبير منها يمكن أن تقوم به الفتاة، ولا يشترط أن تكون فتاة دارسة في قسم علوم اجتماعية، ولا أن تكون فتاة مختصة، إنما هي فتاة معنية بأمر مجتمعها، ومعنية باستقامة هذا المجتمع على الدين، ومعرفة ظواهره السلبية، وتدرك أن أي ظاهرة سلبية توجد في المجتمع هي ضد الدين، وضد التدين الصحيح، لأن الدين إنما جاء لإقامة المجتمع على أحسن وأقوم السبل، والله تعالى يقول: لَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ [التين:4-6].

إذاً إدراك هذه المشكلة، وأبعادها وأسبابها، وحلولها، ونسب انتشارها، وتقديم الحلول المناسبة قد يقلل من هذه المشكلة، وقد يحجمها، ومشاركة الفتاة في مثل هذا المجال هي مشاركة ضرورية لا يمكن الاستغناء عنها بحال.

دور المرأة في الدعوة

لا تقتصر الفتاة على مجرد الرصد لهذه الظواهر أو دراستها أو تسجيل الإحصائيات حولها أو دراسة أسبابها، بل يتعدى الأمر للتصدي للتوجيه والتعريف والدعوة والإصلاح العام داخل المجتمع.

نحن لا نوافق أبداً على أن مجتمع النساء مجتمع قائم بذاته، ومعزول علمياً عن مجتمع الرجال، هو معزول عملياً، ولكن من الناحية العلمية فالمجتمع يحتاج بعضه إلى بعض، فالمرأة تحتاج إلى العالم لتستفتيه فيما أشكل عليها، وليس ضرورياً أن يكون في كل بلد مفتياً من الرجال، ومفتياً من النساء، لكن من الضروري أن يوجد في مجتمع النساء أعداد كافية من الفتيات المحتسبات في التعليم، والتوجيه، والإصلاح، والدعوة، وأن يكون لهن تأثير كبير في أوساط المجتمع لماذا يقع هذا؟ يقع لأسباب:

منها: أننا ندرك أن هناك في الطرف المقابل -ولا يخلو أي مجتمع من ذلك- عناصر تسعى إلى الهدم، وإلى الفساد، وإلى التخريب، لأي سبب!! قد يكون بسبب الظروف التعيسة الاجتماعية التي عاشتها البنت، وقد يكون بتأثير بعض الكتب، التي قرأتها، والأفلام التي رأتها، أو الصلات التي عقدتها، وقد يكون لسبب آخر.

إذاً هناك عناصر تسعى للفساد، وتسعى للهدم، وليس صحيحاً أن يُسَلِّم المجتمع لهذه العناصر، بل يجب أن يوجد في مجتمع المرأة فتيات معروفات بالدعوة، أنهن في المدارس بالنشاط الإسلامي والبيوت قائمات، وفي المساجد من خلال تجمعات النساء في رمضان أو في غيره، ومن خلال كل الوسائل الممكنة يبذلن المستطاع في الدعوة إلى الله، إما مباشرة، وإما بواسطة الكتاب، أو الشريط أو غير ذلك من الوسائل.

ونحتاج -أيضاً- إلى مثل هذا اللون من النساء الداعيات، العالمات، المربيات، الموجهات؛ لأن هناك أشياء كثيرة لا يمكن أن يقولها الرجل، ولا يمكن أن يتحدث فيها، قد لا يكون يعلمها -أيضاً- لأنها من خصائص النساء التي لا تعلمها إلا المرأة، أو لأنه حتى ولو تحدث عنها قد لا يلامس قلب المرأة، ولا يستطيع أن يصل إلى نفسها، ولا أن يخاطبها بالأسلوب الذي تفهمه وتحسنه، لكن المرأة تقدر مع بنات جنسها، ما لا يقدر عليه الرجل، وتستطيع أن تصل إلى قلوبهن بما لا يصل إليه غيرها، فهي تستطيع أن تصل إلى آفاق ومجالات وأبعاد لا يصل إليها الرجال، ولذلك هي مطالبة بهذا الجانب المهم في حياة المرأة المسلمة، ولذلك نحن ننادي من ينتدب لعملية الدعوة في أوساط النساء ومن تقول: أنا وترفع الراية وسط النساء، وتحمل المشعل، وتبذل جهداً في هذا السبيل.

ويكون من همها -أيضاً- تخريج أعداد من الفتيات الداعيات المصلحات، ليس همها فقط أن تبذل نفسها كداعية، بل ينبغي أن تحرص على تجنيد الجميع، حتى تلك الفتاة المقصرة التي قد تكون عندها خطأ أو عندها تقصير، يجب أن نربيها، وأن نطالبها بأن تقدم ما تستطيع للدين، ولو كانت مقصرة، وليس من شرط الفتاة الداعية أن تكون كاملة، ولا من شرطها أن تكون معصومة، فالعصمة للأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، المهم أن يكون عندها نية صالحة واحتساب، وإخلاص لتقوم بالدعوة إلى الله تعالى في أوساط النساء.

يجب على المرأة أن تدرك هذا الدور، وأن تدرك أن استعادتها لمكانتها لا يكون بتأثرها بتلك الدعوات العلمانية التي تدعو المرأة إلى خلع ما يسمونه بالمألوف، أو التقاليد البالية، أو العادات المتوارثة، والتحرر من ربقتها.

إن هذه الأصوات لا تعدو أن تكون استغلالاً لواقع قد تعيشه المرأة في بعض البيئات وفي بعض البلاد، ولكن النداء الحق والصوت الحق هو الذي ينادي ويدعو إلى تحرير المرأة من رق العبودية لغير الله عز وجل، ومن قيود التبعية للشرق أو الغرب.

نعم. قد تخرج المرأة -مثلاً- من قيد التبعية، أو التأثر بأوضاع اجتماعية لا تكون مرضية، ولكنها تقع في قيدٍ آخر وهو قيد أشد وأعظم وأنكى، فتقيد نفسها بقيود الموضة ورسومها، أو العادات الغربية المستوردة التي تفرض نفسها على المرأة حتى لا تجد لها عنها مخرجاً، وهناك فرق بين هذين النوعين:

النوع الأول من القيود التي تعانيها النساء في بعض المجتمعات العربية والإسلامية، هي: قيود ربما يفرضها المجتمع، فتشعر المرأة بكراهيتها، وتتنصل منها.

النوع الثاني من القيود التي أتت بها الحضارة الغربية، هي: قيود تقيد المرأة بها نفسها بطوعها واختيارها ورغبتها، وهذا سر خطورتها.

إن المرأة يجب أن تتخلص من كل تلك القيود لتعيش في ظل الإسلام، والإسلام فيه تكاليف ولا شك، وفيه ضوابط، وأوامر، ونواهي، وقد يسمي البعض هذه الأشياء قيوداً، ولكنها قيود من عند الله عز وجل، وتكاليف أمر بها رب السماوات والأرض، وهي على المرأة، كما هي على الرجل أيضاً، هي على جنس الإنسان؛ لأن الإنسان عبد في هذه الدنيا، وليس حراً في الواقع، عبد ولكن لمن؟ ليس عبداً للمادة والشهوة، والدرهم والدينار والكراسي والعادات والتقاليد القبلية، وإنما هو عبد لله عز وجل، ومقتضى عبوديته لله تقتضي أن يطيع الله تعالى فيما أمر ونهى، وأن يدرك أن العبودية لله هي أعظم مظاهر الحرية الحقيقية، فمن كان عبداً لله تحرر من العبودية لغير الله، أما من رفض هذه العبودية وتمرد عليها، فإنه يكون عبداً لآلهة شتى: يكون عبداً للشهوة، وللمادة، وللحب، وللهوى، وللعشق، ولألوان من المذلة في حياته، ولهذا قال القائل:

أطعت مطامعي فاستعبدتني          ولو أني قنعتُ لكنت حرا

فعبودية الطمع في المال، أو فيما يريده الإنسان من أغراض وأعراض الحياة الدنيا هي أخطر ألوان العبودية.

إذاً: واجب أن تدرك المرأة المسلمة أن حريتها الحقيقية، وأن نجاتها، وخلاصها، ليس أن تخرج من قيد إلى قيد، ولا أن تهرب من مشكلة إلى مشكلة أعظم منها، ولا أن تعالج المرض بمرض مثله أو أشد، ولكن أن تخرج من ذلك كله وتتخلص من هذا الإسار والأغلال إلى الإيمان، والدين، وإلى طاعة الله تعالى، وأن تكون المرأة المسلمة منادية بكل ذلك.

إن مسئولية المرأة المسلمة كبيرة في المجتمع، فهي مطالبة أولاً: أن تبني نفسها بناءً صحيحاً، وأن تشعر بأنها كيان مستقل بذاته، مسئول ٌيوم القيامة مسئولية خاصة، ومحاسب، ومكلف، ومطالب، كما يطالب غيره، لذلك أقول: لماذا نجد إعراض الكثير من الفتيات -مثلاً- عن القراءة، بألوانها وأنواعها وعدم الاشتغال بذلك؟

فإنك تجد الكثير من الناس والفتيات على وجه الخصوص ليس لديها رغبة في القراءة والمطالعة، والمتابعة للكتب المفيدة، والدروس النافعة وغير ذلك مما تستفيد منه، سواء في دينها أو في دنياها، حتى في القضايا العلمية التي تحتاجها في أمورها الدنيوية، ربما يكون ذلك قليلاً أم غير موجود أحياناً، وربما تنهمك الفتاة بأمور لا تلام في الأصل على إعطائها قدراً من العناية، فالمرأة بل الإنسان قد لا يكون ملوماً أن يهتم بمظهره، ويحرص على أن يبرز أمام الآخرين بصورة حسنة جميلة، وأن يحرص على ذلك بقدر معتدل، وكذلك أن يحرص على الاتصال بالآخرين مباشرة أو هاتفياً بقدر ما يحتاج إليه، ويتحدث معهم وينبسط إليهم، لكن أن يتحول ذلك كله إلى هم يشغل كل وقتنا، وكل حياتنا، وفراغنا، ثم لا نجد وقتاً لنقرأ، أو نراجع، أو أن ندرس، أو أن نتابع، أو أن نفكر، فإنني أعتقد أن هذا خطأ.

وأحياناً ربما أستطيع أن أقول: إن الفتاة تساهم من حيث تدري أو لا تدري في تلك النظرة المنحرفة التي ينظر إليها بعض الناس، من خلال أنها لا تكوِّن نفسها تكويناً صحيحاً، ولا تحفظ وقتها حفظاً جيداً، إنني أسمع الكثيرين يقولون:

إن المرأة لا هم لها إلا العناية بمظهرها وجمالها، وإن الفتاة تقضي أمام المرآة ساعات لإصلاح الماكياج، وإن المرأة تقتني عشرات الثياب والملابس، وتغيرها في كل يوم، نعم. أنا أعرف أن هذا الكلام فيه تحامل، وفيه تجنٍّ، وفيه عموم، وأنه ربما كان هذا الإنسان يستطيع أن يتكلم عمن يعرف من النساء أنهن كما وصف، لكنه لا يستطيع أن يعمم هذا الحكم على كل بنات حواء، فإن كثيراً من النساء ممن هن على مستوى من الوعي، والعلم، والعقل، والإدراك، والفهم، والدعوة، والنشاط، يجب أن يذكرن ويشكرن، وتعميم السلبيات خطأ.

ولكن مع ذلك أقول: ينبغي لنا أن ندرك، ولو أقل قدر من الخطأ الموجود عندنا فنعمل على تلافيه.


استمع المزيد من الشيخ سلمان العودة - عنوان الحلقة اسٌتمع
أحاديث موضوعة متداولة 5118 استماع
حديث الهجرة 5007 استماع
تلك الرسل 4155 استماع
الصومال الجريح 4146 استماع
مصير المترفين 4123 استماع
تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة 4052 استماع
وقفات مع سورة ق 3976 استماع
مقياس الربح والخسارة 3929 استماع
نظرة في مستقبل الدعوة الإسلامية 3872 استماع
التخريج بواسطة المعجم المفهرس 3833 استماع