شرح تطهير الاعتقاد عن أدران الإلحاد لابن الأمير الصنعاني [7]


الحلقة مفرغة

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ فإن قلت: القبوريون وغيرهم من الذين يعتقدون في فسقة الناس وجهالهم من الأحياء يقولون: نحن لا نعبد هؤلاء، ولا نعبد إلا الله وحده، ولا نصلي لهم، ولا نصوم، ولا نحج.

قلتُ : هذا جهل بمعنى العبادة، فإنها ليست منحصرة فيما ذكرتَ، بل رأسها وأساسها الاعتقاد، وقد حصل في قلوبهم ذلك، بل يسمونه معتقداً، ويصنعون له ما سمعته مما تفرع عن الاعتقاد من دعائهم، وندائهم، والتوسل بهم، والاستغاثة، والاستعانة، والحلف والنذر وغير ذلك.

وقد ذكر العلماء: أن من تزيّا بزي الكفار صار كافراً، ومن تكلم بكلمة الكفر صار كافراً، فكيف بمن بلغ هذه الرتبة اعتقاداً وقولاً وفعلاً؟

فإن قلت : هذه النذور والنحائر ما حكمها؟

قلت: قد علم كل عاقل أن الأموال عزيزة عند أهلها، يسعون في جمعها ولو بارتكاب كل معصية؛ ويقطعون الفيافي من أدنى الأرض الأقاصي، فلا يبذل أحد من ماله شيئاً إلا معتقداً لجلب نفع أكثر منه، أو دفع ضرر، فالناذر للقبر ما أخرج ماله إلا لذلك، وهذا اعتقاد باطل، ولو عرف الناذر بطلان ما أراده ما أخرج درهماً، فإن الأموال عزيزة عند أهلها، قال تعالى: وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ * إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ [محمد:36-37] ].

المعنى الصحيح للصلاة

هاتان أيضاً شبهتان من سلسلة الشبهات التي يذكرها المؤلف، فإن قلت: القبوريون وغيرهم من الذين يعتقدون في فسقة الناس وجهالهم من الأحياء يقولون: نحن لا نعبد هؤلاء، ولا نعبد إلا الله وحده، ولا نصلي لهم، ولا نصوم ولا نحج.

يعني: أن القبوريين الذي يعبدون القبور يقولون: نحن لا نعبد القبور، وهذا أيضاً هو قول من يعتقد في الفسقة الأحياء، يقولون: نحن لا نعبدهم، نحن لا نعبد إلا الله، ولا نصلي إلا لله، ولا نصوم إلا لله، ولا نحج إلا لله، فكيف تجعلوننا مثل عباد الأصنام؟

قال المؤلف: هذا جهل بمعنى العبادة؛ لأن العبادة ليست منحصرة في الصلاة والصيام والحج، إنما العبادة أنواع كثيرة، فمنها: الدعاء، والذبح، والنذر، والاعتقاد، أي: إذا اعتقدتم أنه يجوز أن يصرف لهم أيُّ نوع من أنواع العبادة فهذا كفر حتى ولو صليتم وحججتم لن تنفعكم هذه العبادات؛ لأن الصلاة والزكاة والصوم والحج لا تنفع أحداً من فاعليها إذا وجد ناقض من نواقض الإسلام.

فالمؤلف يقول هذا جهل منكم بمعنى العبادة.

يقول المؤلف: وقد حصل في قلوبهم ذلك، أي: حصل في قلوبهم أن صاحب القبر يستحق أن تصرف له العبادة، بل يسمونه معتقداً، أي: يسمون صاحب القبر معتقداً، ويصنعون له ما سمعت مما تفرع عن الاعتقاد، ولولا أنهم يعتقدون أنه يستحق العبادة لما دعوه من دون الله، ولما توسلوا، واستغاثوه واستعانوه وحلفوا به، ونذروا له.

حكم التزيي بزي الكفار

وقول المؤلف: وقد ذكر العلماء: أن من تزيا بزي الكفار صار كافراً، هذا الأمر فيه تفصيل، فمجرد التزيي قد لا يبلغ به إلى درجة الكفر، أما إذا تزيا بزيهم تعظيماً لهم واستحل هذا التزيي وعظم دينهم فهذا كفر.

وأما من يعتقد كفرهم وبطلان دينهم ويعلم أنه عاصٍ بهذا التزيي، لكن لبسه من باب التساهل فلا يكفر، وهذا تفصيل المسألة وفيها خلاف لأهل العلم.

ومن تشبه بهم فقد أصابه حديث: (من تشبه بقوم فهو منهم) والتشبه بهم أقل أحواله التحريم، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية ، وإلا فظاهره الكفر، ولكن المراد أن التشبه والتزيي لا يكون كفراً إلا إذا انضم إليه اعتقاد أن دينهم حق، وتعظيم دينهم وما أشبه ذلك، وأما مجرد التزيي فقط من غير قصد تشبه ويعلم أن دينهم باطل، وهو مؤمن بالله، ويعتقد أن دين الإسلام هو الحق، وأنه عاص بفعله، وإنما وقع في هذا التزيي لهوىً، فهذا عاص.

قوله: (ومن تكلم بكلمة الكفر صار كافراً) كما سبق، فمن سب الله وسب الرسول صار كافراً، ومن تكلم بكلمة الكفر -أي: قاصداً لهذه الكلمة- فإنه يكفر، وأما من تكلم بكلمة الكفر ذاهلاً، أو جرت على لسانه بغير قصد، أو نائماً، أو هاذياً فلا يكفر، فكيف بمن بلغ هذه المرتبة اعتقاداً وقولاً وفعلاً ألا يكفر؟ أي: إذا كان الذي يتزيا بزي الكفار يكفر، والذي يتكلم بكلمة الكفر يكفر، فكيف بمن اعتقد أن صاحب القبر يستحق أن تصرف له أنواع العبادة؟ أو أمر بذلك، أو فعل ذلك، أو وقع في الشرك بقوله أو بفعله، ألا يكون أولى بالكفر من غيره؟

حكم النذور والذبائح للأضرحة والمشاهد

يقول المؤلف: فإن قلت هذه النذور والنحائر -وهي جمع نحيرة أي: الذبائح- ما حكمها؟

قلت: قد علم كل عاقل أن الأموال عزيزة عند أهلها، يسعون في جمعها ولو بارتكاب كل معصية، ويقطعون الفيافي -أي: الصحاري- من أدنى الأرض والأقاصي، فلا يبذل أحد من ماله شيئاً إلا معتقداً لجلب نفع أكثر منه، أو دفع ضرر، فالناذر للقبر ما أخرج ماله إلا لذلك.

مراد المؤلف: أن هذه النذور والذبائح التي تنذر لصاحب القبر، فيذبح له، وتدفع إليه الأموال، لماذا يدفعها أصحابها؟ يقول: ما دفعها أحدهم إلا لاعتقاده أن صاحب القبر يستحق التعظيم والعبادة، وهذا الاعتقاد كفر؛ لأن الأموال عزيزة، كما يقال: المال شقيق الروح، والأموال يجمعها صاحبها ويتعب، ثم يلقيها بسهولة عند صاحب القبر، كلا، فلا يمكن أن يلقيها جزافاً، بل يلقيها لاعتقاده أن صاحب القبر يستحق هذا التعظيم، وأنه تصرف له العبادة، فيكفر بهذا الاعتقاد، فإن الأموال عزيزة عند أهلها ويحبونها، قال تعالى: وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ [العاديات:8]، وقوله سبحانه: وَلا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ * إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ [محمد:36-37]، فإذاً يتبين أن حكم النذور والنحائر التي تنحر عند القبور شرك.

هاتان أيضاً شبهتان من سلسلة الشبهات التي يذكرها المؤلف، فإن قلت: القبوريون وغيرهم من الذين يعتقدون في فسقة الناس وجهالهم من الأحياء يقولون: نحن لا نعبد هؤلاء، ولا نعبد إلا الله وحده، ولا نصلي لهم، ولا نصوم ولا نحج.

يعني: أن القبوريين الذي يعبدون القبور يقولون: نحن لا نعبد القبور، وهذا أيضاً هو قول من يعتقد في الفسقة الأحياء، يقولون: نحن لا نعبدهم، نحن لا نعبد إلا الله، ولا نصلي إلا لله، ولا نصوم إلا لله، ولا نحج إلا لله، فكيف تجعلوننا مثل عباد الأصنام؟

قال المؤلف: هذا جهل بمعنى العبادة؛ لأن العبادة ليست منحصرة في الصلاة والصيام والحج، إنما العبادة أنواع كثيرة، فمنها: الدعاء، والذبح، والنذر، والاعتقاد، أي: إذا اعتقدتم أنه يجوز أن يصرف لهم أيُّ نوع من أنواع العبادة فهذا كفر حتى ولو صليتم وحججتم لن تنفعكم هذه العبادات؛ لأن الصلاة والزكاة والصوم والحج لا تنفع أحداً من فاعليها إذا وجد ناقض من نواقض الإسلام.

فالمؤلف يقول هذا جهل منكم بمعنى العبادة.

يقول المؤلف: وقد حصل في قلوبهم ذلك، أي: حصل في قلوبهم أن صاحب القبر يستحق أن تصرف له العبادة، بل يسمونه معتقداً، أي: يسمون صاحب القبر معتقداً، ويصنعون له ما سمعت مما تفرع عن الاعتقاد، ولولا أنهم يعتقدون أنه يستحق العبادة لما دعوه من دون الله، ولما توسلوا، واستغاثوه واستعانوه وحلفوا به، ونذروا له.

وقول المؤلف: وقد ذكر العلماء: أن من تزيا بزي الكفار صار كافراً، هذا الأمر فيه تفصيل، فمجرد التزيي قد لا يبلغ به إلى درجة الكفر، أما إذا تزيا بزيهم تعظيماً لهم واستحل هذا التزيي وعظم دينهم فهذا كفر.

وأما من يعتقد كفرهم وبطلان دينهم ويعلم أنه عاصٍ بهذا التزيي، لكن لبسه من باب التساهل فلا يكفر، وهذا تفصيل المسألة وفيها خلاف لأهل العلم.

ومن تشبه بهم فقد أصابه حديث: (من تشبه بقوم فهو منهم) والتشبه بهم أقل أحواله التحريم، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية ، وإلا فظاهره الكفر، ولكن المراد أن التشبه والتزيي لا يكون كفراً إلا إذا انضم إليه اعتقاد أن دينهم حق، وتعظيم دينهم وما أشبه ذلك، وأما مجرد التزيي فقط من غير قصد تشبه ويعلم أن دينهم باطل، وهو مؤمن بالله، ويعتقد أن دين الإسلام هو الحق، وأنه عاص بفعله، وإنما وقع في هذا التزيي لهوىً، فهذا عاص.

قوله: (ومن تكلم بكلمة الكفر صار كافراً) كما سبق، فمن سب الله وسب الرسول صار كافراً، ومن تكلم بكلمة الكفر -أي: قاصداً لهذه الكلمة- فإنه يكفر، وأما من تكلم بكلمة الكفر ذاهلاً، أو جرت على لسانه بغير قصد، أو نائماً، أو هاذياً فلا يكفر، فكيف بمن بلغ هذه المرتبة اعتقاداً وقولاً وفعلاً ألا يكفر؟ أي: إذا كان الذي يتزيا بزي الكفار يكفر، والذي يتكلم بكلمة الكفر يكفر، فكيف بمن اعتقد أن صاحب القبر يستحق أن تصرف له أنواع العبادة؟ أو أمر بذلك، أو فعل ذلك، أو وقع في الشرك بقوله أو بفعله، ألا يكون أولى بالكفر من غيره؟

يقول المؤلف: فإن قلت هذه النذور والنحائر -وهي جمع نحيرة أي: الذبائح- ما حكمها؟

قلت: قد علم كل عاقل أن الأموال عزيزة عند أهلها، يسعون في جمعها ولو بارتكاب كل معصية، ويقطعون الفيافي -أي: الصحاري- من أدنى الأرض والأقاصي، فلا يبذل أحد من ماله شيئاً إلا معتقداً لجلب نفع أكثر منه، أو دفع ضرر، فالناذر للقبر ما أخرج ماله إلا لذلك.

مراد المؤلف: أن هذه النذور والذبائح التي تنذر لصاحب القبر، فيذبح له، وتدفع إليه الأموال، لماذا يدفعها أصحابها؟ يقول: ما دفعها أحدهم إلا لاعتقاده أن صاحب القبر يستحق التعظيم والعبادة، وهذا الاعتقاد كفر؛ لأن الأموال عزيزة، كما يقال: المال شقيق الروح، والأموال يجمعها صاحبها ويتعب، ثم يلقيها بسهولة عند صاحب القبر، كلا، فلا يمكن أن يلقيها جزافاً، بل يلقيها لاعتقاده أن صاحب القبر يستحق هذا التعظيم، وأنه تصرف له العبادة، فيكفر بهذا الاعتقاد، فإن الأموال عزيزة عند أهلها ويحبونها، قال تعالى: وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ [العاديات:8]، وقوله سبحانه: وَلا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ * إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ [محمد:36-37]، فإذاً يتبين أن حكم النذور والنحائر التي تنحر عند القبور شرك.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ فالواجب تعريف من أخرج النذر بأنه إضاعة لماله، وأنه لا ينفعه ما يخرجه ولا يدفع عنه ضرراً، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (إن النذر لا يأتي بخير، وإنما يستخرج به من البخيل) ويجب رده إليه، وأما القابض للنذر فإنه حرام عليه قبضه؛ لأنه أكل لمال الناذر بالباطل، لا في مقابلة شيء، وقد قال الله تعالى: وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ [البقرة:188].

ولأنه تقرير للناذر على شركه وقبح اعتقاد، ورضاه بذلك، ولا يخفى حكم الراضي بالشرك إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ [النساء:48] الآية، فهو مثل حلوان الكاهن ومهر البغي.

ولأنه تدليس على الناذر، وإيهام له أن الولي ينفعه ويضره، فأي تقرير لمنكر أعظم من قبض النذر على الميت؟ وأي تدليس أعظم وأي رضى بالمعصية أبلغ من هذا؟ وأي تصيير لمنكر معروفاً أعجب من هذا؟ وما كانت النذور للأصنام والأوثان إلا على هذا الأسلوب: يعتقد الناذر جلب النفع في الصنم ودفع الضرر؛ فينذر له جزءاً من ماله، ويقاسمه في غلات أطيانه، ويأتي به إلى سدنة الأصنام فيقبضونه منه، ويوهمونه حقية عقيدته، وكذلك يأتي بنحيرته فينحرها بباب الصنم. وهذه الأفعال هي التي بعث الله الرسل لإزالتها ومحوها وإتلافها والنهي عنها ].

مراد المؤلف: أنه يجب على المسلم أن ينكر المنكر، وأعظم المنكرات الشرك، وهذه النذور منكرات شركية، فالواجب تعريف من أخرج النذر بأنه إضاعة لماله، وأنه لا ينفعه ما يخرجه، ولا يدفع عنه ضرراً.

هذا رأي المؤلف في كيفية نصح عباد القبور، ونحن نقول: بل يجب على المسلم أن ينصحه بأن فعله هذا شرك، والشرك محبط للأعمال، ولا يدخل صاحبه الجنة إن مات على ذلك، وأنه بفعله هذا يكون مرتداً عن الإسلام، وهذا قبل أن يخبره بأنه إضاعة لماله وأنه لا ينفعه.

ويعرف بأن فعله شرك، كأن يقال له: هذه النذور لغير الله، ومن نذر لغير الله فقد أشرك، ثم يبين له ثانياً: أنه مع كونه شركاً فهو أيضاً إضاعة للمال، فيقال له: كيف تأتي بمال تعبت في جمعه ثم تضعه عند قبر؟ بماذا ينفعك القبر؟ ولو كشفت عن القبر لوجدت صاحبه عظاماً بالية، فقد بلي من نذرت له وصار تراباً، فكيف تضع الأموال عنده وهذا حاله؟ لماذا ألغيت عقلك؟ ووقعت في الشرك بهذا الفعل، وأيضاً أضعت مالك.

والنذر عموماً مكروه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن النذر لا يأت بخير، وإنما يستخرج به من مال البخيل)، ويعلّم أن هذا في حق الناذر الذي ينذر لله، ليس في حق المشرك، وكذلك حديث: (النذر لا يأت بخير) ليس في النذر الذي ينذر صاحبه بالشرك؛ لأن الذي ينذر نذراً شركياً يكون مشركاً كافراً، لكن هذا الحديث إنما هو في الناذر الذي ينذر لله.

فالنذر مكروه، بل افعل العبادة بدون نذر؛ لأنك تكلف نفسك بالنذر شيئاً قد عافاك الله منه، فالإنسان قد ينذر أن يصلي لله كذا إن شفى الله مريضه، أو ينذر بدون قيد، أو يلزم نفسه أن يصوم كذا، أو ينفق كذا من الأموال، ثم بعد ذلك يعجز، فافعل العبادة من دون نذر.

وإذا كان النذر مكروهاً أو حراماً في الطاعة فكيف بالنذر لأصحاب القبور، أو للأصنام فإنه يكون شركاً بالله.

فالذي يلاحظ كلام المؤلف يجد كأنه يقول: الواجب الإنكار على الناذر؛ لكون فعله هذا شركاً، ثم البيان له بأن هذا النذر إضاعة للمال، فلا يدفع ضرراً ولا يجلب نفعاً، وأن هذا الحديث المتقدم في الناذر الذي ينذر لله.

ثم يقول: وأما القابض للنذر فإنه يحرم عليه قبضه؛ لأنه أكل لمال الناذر بالباطل لا في مقابلة شيء، وقد قال تعالى: وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ [البقرة:188]، ولأنه تقرير للناذر على شركه وقبح اعتقاده، ورضاه بذلك، ولا يخفى حكم الراضي بالشرك، ويعني بالراضي به هنا: الذي يقبض النذر، أو السادن الذي يكون عند القبر لقبض النذور.

يقول المؤلف: نقول لقابض النذور هذا مال حرام، ثم نقول له: إن هذا تقرير للشرك، والأولى أن يقدم المؤلف الثاني، أي: الأولى أن نقول له: كونك الآن تقبض النذور فعلك هذا إقرار للشرك، ومن أقر الشرك ورضي به فهو مشرك، ثم نقول له: إنك ستأكل مالاً حراماً وسحتاً، فالمؤلف قدم الأول وهو معصية على الثاني وهو شرك، وكان الأولى به أن يقدم الثاني.

ثم يقول: فهو مثل حلوان الكاهن ومهر البغي.

أما حلوان الكاهن فهو: أجرته على الكهانة، وأما مهر البغي -وهي الزانية- فهو أجرتها على الزنا، والكل حرام، فكذلك هذه النذور حرام.

ثم قال المؤلف: ولأنه تدليس على الناذر، وإيهام له أن الولي ينفعه ويضره. فإذا قبض النذر وسكت أوهم الناذر أن الولي ينفع ويضر، فأي تقرير لمنكر أعظم من قبض النذر على الميت؟ وأي تدليس أعظم وأي رضى بالمعصية أبلغ من هذا؟

يقول: هذا القبض إقرار للشرك، وهو أعظم المنكرات وهو تدليس وإيهام للناذر بأنه على حق، وأن ما فعله ينفعه، وأي رضى أبلغ من هذا؟ وأي تصيير لمنكر معروفاً أعجب من هذا؟

يقول: وما كانت النذور للأصنام والأوثان إلا على هذا الحال، فما يفعله عباد القبور مثلما يفعله أصحاب الأصنام والأوثان؛ لأن الناذر يعتقد في الصنم جلب النفع ودفع الضرر، فيجلب لهم نفعاً، كظنهم أنه -أي: صاحب القبر- يشفع لهم عند الله، ويقضي حوائجهم عنده، فينذر له جزوراً من ماله، وهكذا عباد الأصنام، وكذلك عابد القبر ينذر لسيده جزوراً، كما يذبح المسلمون لربهم الأضحية، ويقاسمه في غلات مزرعته، ويأتي به إلى هؤلاء السدنة فيقبضون منه النذر ويوهمونه حقيقة عقيدته، وكذلك يأتي ببحيرته، والبحيرة: هي الناقة التي تلد خمسة بطون آخرها ذكراً، فيشقون منها الأذن، ويمنعون ركوبها وذبحها، ويتركونها للأصنام فينحرونها لهم، فالخلاصة: أن ما يفعله عباد القبور هو مثلما يفعله عباد الأصنام، وهذه الأفعال هي التي بعث الله الرسل لإزالتها ومحوها وإتلافها والنهي عنها وقتال أهلها؛ لأنها أفعال شركية.


استمع المزيد من الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الراجحي - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح تطهير الاعتقاد عن أدران الإلحاد لابن الأمير الصنعاني [2] 2283 استماع
شرح تطهير الاعتقاد عن أدران الإلحاد لابن الأمير الصنعاني [3] 2006 استماع
شرح تطهير الاعتقاد عن أدران الإلحاد لابن الأمير الصنعاني [4] 1720 استماع
شرح تطهير الاعتقاد عن أدران الإلحاد لابن الأمير الصنعاني [9] 1447 استماع
شرح تطهير الاعتقاد عن أدران الإلحاد لابن الأمير الصنعاني [8] 1428 استماع
شرح تطهير الاعتقاد عن أدران الإلحاد لابن الأمير الصنعاني [5] 1229 استماع
شرح تطهير الاعتقاد عن أدران الإلحاد لابن الأمير الصنعاني [6] 918 استماع
شرح تطهير الاعتقاد عن أدران الإلحاد لابن الأمير الصنعاني [1] 651 استماع