فتاوى نور على الدرب [110]


الحلقة مفرغة

السؤال: ما معنى قوله تعالى: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [النور:4]؟

الجواب: سؤال هذا الرجل من أجود الأسئلة وأحبها إلي، وذلك أنه سؤال عن تفسير آية من كلام الله سبحانه وتعالى الذي هو خير الكلام، والذي أود من جميع إخواني المسلمين ولا سيما طلبة العلم أن يعتنوا به، فإن العلوم تشرف بحسب معلوماتها، ولاشك أن أفضل المعلومات وأشرفها هو العلم بكتاب الله سبحانه وتعالى، فأدعو جميع المسلمين ولا سيما طلبة العلم إلى أن يتفهموا كلام الله سبحانه وتعالى حتى يستطيعوا تنفيذه والعمل به، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( خيركم من تعلم القرآن وعلمه).

أما الآية التي سأل عنها فإن الله تبارك وتعالى يأمر أن نجلد الذين يرمون المحصنات، ومعنى (يرمونهن) أي: يقذفونهن بالزنا، فيقولون: هذه المرأة زانية وما أشبه ذلك، والمحصنة: هي المرأة الحرة العفيفة عن الزنا، فإذا قذفها الإنسان بالزنا فإنه يكون بذلك مدنساً لعرضها مفترياً عليها، وحينئذٍ يجلد ثمانين جلدة، وإنما قلت: مفترياً عليها مع أنه قد يكون صادقاً؛ لأنه إذا لم يأت بأربعة شهداء فهو كاذب عند الله، كما قال الله تعالى: لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُوْلَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ [النور:13]، وفي الآية الكريمة التي سأل عنها الأخ رتب الله سبحانه وتعالى على القذف ثلاثة أمور:

الأول الأول: فاجلدوهم ثمانون جلدة.

الأمر الثاني: ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً.

الأمر الثالث: وأولئك هم الفاسقون.

فهم يجلدون ثمانين جلدة حد القذف، ولا تقبل شهادتهم بعد ذلك أبداً على أي شيءٍ شهدوا، وهم فاسقون يحكم بفسقهم ولا يتولون أمراً تشترط فيه العدالة، إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإنه يزول عنهم وصف الفسق، وكذلك يزول عنهم منع الشهادة على القول الراجح، وأما الحد فلا يسقط عنهم بتوبتهم؛ لأنه حق لآدمي فلابد من أن ينفذ.

السؤال: هل يحق للرجل الذي يبلغ من العمر ثماني عشرة سنة أن يصلي؟ لأنه أعتقد هناك من يقول: إن الرجل لا يجوز له أن يصلي قبل أن يبلغ أشده ويبلغ أربعين سنة، لأنه معرض إلى النظر للفاتنات ومعرض إلى الذهاب إلى بيوت لا ينبغي أن يُذهب إليها، وعند ذلك لا يجتمع الخبيث والطيب، ولا تجتمع الصلاة بهذه العادات وبهذا الفسق؟

الجواب: هذا غريب! المهم على كل حال متى بلغ الإنسان وجبت عليه الصلاة المفروضة، والبلوغ يحصل بواحد من الأمور الثلاثة: إما بأن يتم له خمس عشرة سنة، أو تنبت عانته، أو ينزل المني باحتلام أو يقظة، وتزيد المرأة أمراً رابعاً وهو الحيض، فمتى حصلت هذه العلامات في الإنسان صار بالغاً مكلفاً تجب عليه جميع الأعمال التي تجب على الكبار وإن لم يبلغ ثماني عشرة سنة، وأما قبل البلوغ فإن الصلاة في حقه مندوب إليها، فقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( مروا أبناءكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر).

السؤال: إني في الثامنة عشرة من العمر، وإني بدأت الصلاة في هذا العام إلا أني عندما أمشي في الطريق أنظر إلى الفتيات اللاتي أراهن في الطريق فهل يحق لي ذلك؟

الجواب: أولاً: لا يحق لك أن تؤخر الصلاة إلى الثامنة عشرة، بل الواجب عليك أن تصلي منذ بلغت، ولكن القول الراجح عندنا أنه لا يلزمك الآن قضاء ما فات بل أصلح عملك وتب إلى ربك واستغفر لذنبك.

وأما نظرك للفتيات فإن هذا لا يجوز بل الواجب عليك أن تغض من بصرك، قال الله تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ [النور:30] ، واعلم أنك متى أتبعت نفسك هواها بالنظر إلى النساء فإنه لن يقر لك قرار ولن يهدأ لك بال، فستكون دائماً حبيس الشيطان ومصاباً بسهم مسموم من سهامه، وربما يدركك هذا السهم حتى تقع في المحظور الكبير، كما جاء في الحديث: ( إن العينين تزنيان وزناهما النظر، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه)، فربما تقع في الزنا الأعظم وحينئذ تبوء بالعقوبة.

السؤال: والدتي ذهبت إلى حج بيت الله الحرام إلا أنها طافت الصفا والمروة سبعة أشواط قبل أن تطوف الكعبة فما تقولون عن ذلك؟

الجواب: إن كان هذا في الحج فالصحيح أنه لا بأس به، كما لو نزلت يوم العيد فطافت لطواف الإفاضة وسعي الحج وسعت قبل أن تطوف فإنه لا حرج عليها في ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سأله رجل، فقال: ( سعيت قبل أن أطوف فقال: لا حرج ) وهو حديث جيد وصححه بعض أهل العلم، وهو ظاهر من عموم قوله في الحديث الصحيح: ( ما سئل يومئذ عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: افعل ولا حرج )، والأول ذكر السعي من رواية أبي داود والثاني في الصحيحين.

وأما إذا كان ذلك في العمرة فإن جماهير أهل العلم يرون أن السعي فاسد بتقديمه على الطواف، وفي هذه الحال إذا كان السعي فاسداً فإن والدته تكون قارنة وحينئذٍ يكون نسكها تاماً، ويرى بعض أهل العلم وهم قلة أن تقديم السعي على الطواف حتى في العمرة إذا كان عن جهل فإنه لا يضر.

فعلى كل حال والدتك حجها صحيح وعمرتها تامة، سواء كانت متمتعة أم قارنة ولا شيء عليها.

مداخلة: لكن كيف تنتقل من التمتع إلى القران ربما تحل؟

الشيخ: إحلالها لا يمنع مادام النسك باقياً؛ لأن من خصائص الحج والعمرة أن النية لا تؤثر فيهما، بمعنى: أن الإنسان لو نوى الخروج ونسكه باق فلا يخرج من ذلك، يعني: لو تحلل ورفض إحرامه وقد بقي عليه شيء منه فإنه لا ينفع هذا التحلل، يعني: أنه لا يخرج منه بالنية، وهذا من خصائص الحج، وعلى هذا فإذا كانت تحللت على -أنها أي: عمرتها- انقضت وهي لم تنقض فعمرتها باقية.

مداخلة: لكن ألا يلزمها شيء عن هذا التحلل؟

الشيخ: ما يلزمها شيء؛ لأنها جاهلة.

السؤال: ذهبت بقصد العمرة في شهر رمضان ولكنني لم أكمل العمرة، فقد قمنا بالطواف حول الكعبة والصفا والمروة، وقد مرضت مرضاً شديداً هو الجنون ورجعنا إلى البلد بألم وحزن، وبعد فترة قصيرة استيقظت من هذا المرض ولله الحمد، ولكنني منذ تلك الفترة وحتى الآن يوجد في قلبي وسواس من إلحاد وعدم رضا الله مع العلم أنني أؤدي جميع الفروض من صلاة وصوم وزكاة ولا أستطيع أن أمسح هذا الشعور من قلبي برغم محاولتي بالتوبة والدعاء إلى الله؟

الجواب: أما بالنسبة لعمرتها فإن ظاهر كلامها أنها أدت العمرة؛ لأنها تقول: إنها طافت حول الكعبة وفي الصفا والمروة، وما بقي عليها إلا التقصير إذا كانت لم تقصر.

وأما بالنسبة لما تجد في قلبها من هذه الوسواس فإن ذلك لا يضرها بل إن هذا من الدلالة على أن إيمانها خالص وصريح وصحيح؛ وذلك لأن الشيطان إنما يتسلط على ابن آدم بمثل هذه الوسواس إذا رأى من إيمانه قوة وصراحة، فإنه يريد أن يبطل هذه القوة ويضعفها ويزيل هذه الصراحة إلى شكوك وأوهام، ودواء ذلك ألا تلتفت إلى هذه الوساوس إطلاقاً ولا تهمها ولا تكون لها على بال، ولتمض في عبادتها لله عز وجل من طهارة وصلاة وزكاة وصيام وحج وغيرها، وهذا يزول عنها إذا غفلت عنه، فالدواء هو ما أرشد إليه النبي عليه الصلاة والسلام أن ينتهي الإنسان عن ذلك ويعرض عنه، وأن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، وأن يشتغل بفرائضه وسننه عن مثل هذه الأمور وسيزول بإذن الله.

السؤال: زرت مكة المكرمة لمدة يومين ولكن عند رجوعي لم أتحجب الحجاب وما جزاء ذلك؟

الجواب: إذا كان ذلك في حال زوال عقلها -كما ذكرت- فإنه لا إثم عليها؛ لأن المجنون قد رفع عنه التكليف، وأما إذا كان بعد أن زال عنها هذا البلاء فإنه يجب عليها أن تتوب إلى الله وتستغفر من ذنبها وتعود إلى تسترها.

السؤال: في أحد المرات حرمت عليّ ركوب الطائرات كما حرمت النار على محمد صلى الله عليه وسلم، وبعد ذلك حكمت عليها الظروف الصحية لابنها للسفر للخارج، فما حكم ذلك في الإسلام، فهل تسافر وتكفر عن يمينها أم لا؟

الجواب: تسافر وتكفر عن يمينها؛ لقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ [التحريم:1-2]، فبين الله تعالى أن تحريم ما أحل الله ينحل بكفارة اليمين قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ [التحريم:2] فسماه الله تعالى يميناً، وعلى هذا فتكفر عن يمينها وتركب الطائرة.

السؤال: منذ عدة سنوات رزقني الله بطفل، وبعد ولادته امتنعت عن رضاعته وأخذت من أجل ذلك أدوية لا لشيء إنما للحياء آنذاك في نفسي، وبعد ذلك ندمت أشد الندم وكل ما مر علي ذلك الموقف أتألم أشد الندم، وإنني نادمة على ذلك؟

الجواب: ما دامت المرأة هذه قد أحست بما فعلت وندمت عليه، فإن الله سبحانه وتعالى يعفو عنها ما حصل منها، وليس في ذلك شيء عليها بعد أن ندمت وتابت واستغفرت من ذنبها.

السؤال: قمت بأعمال غير مرضية لله ولا لرسوله، والآن هداني الرحمن بعدما كنت في ضلال مبين، وأنا أشكر الله دائماً على هذه النعمة الكبيرة التي أنعمها علي، علماً أنني كنت أصلي الصلاة المفروضة علينا نحن المسلمين وقرأت القرآن وختمته ثلاث مرات، ويقول: لساني أيضاً قد تغير والله يهدي من يشاء، وأنا دائماً أطلب من الله أن يتوب علي ويغفر لي، أرجو من علماء المسلمين أن يفيدوني ولهم جزيل الشكر عن هذه التوبة وعن مدى المغفرة هل تقبل توبتي ويغفر ذنوبي وما مصيري؟

الجواب: إذا تاب الإنسان إلى ربه من ذنبه توبة نصوحاً غفر الله له ذنبه مهما كان؛ لقول الله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53]، والتوبة الصادقة النصوح: هي التي جمعت خمسة شروط:

الأول: أن تكون خالصة لله سبحانه وتعالى.

والثاني: أن تكون في الوقت التي تقبل به التوبة وهو ما كان قبل الموت وقبل خروج الشمس من مغربها.

والثالث: أن يندم على ما وقع منه.

والرابع: أن ينزع عنه.

والخامس: أن يعزم على أن لا يعود في المستقبل.

فإذا تمت هذه الشروط فإن التوبة تكون نصوحاً، والله تبارك وتعالى يحب التوابين ويحب المتطهرين.

السؤال: حصلت على ثوب شخص في بيته وأخذت منه فلوساً مرات كثيرة ولا أدري ما عدد الفلوس التي أخذتها، ويوم كبرت تبت إلى الله، وسمعت حديثاً يشدد على من أخذ مثل هذه النقود؟

الجواب: الواجب عليك أن تتوب إلى الله سبحانه وتعالى مما فعلت، وأن تتصل بصاحب هذه النقود وتصطلح معه عما أخذت، فأنت ابحث عن الرجل هذا واتفق معه على أي شيء تتفقان قليلاً كان أم كثيراً يحصل به المقصود وبراءة الذمة.


استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة اسٌتمع
فتاوى نور على الدرب [707] 3913 استماع
فتاوى نور على الدرب [182] 3693 استماع
فتاوى نور على الدرب [460] 3648 استماع
فتاوى نور على الدرب [380] 3501 استماع
فتاوى نور على الدرب [221] 3497 استماع
فتاوى نور على الدرب [411] 3479 استماع
فتاوى نور على الدرب [21] 3440 استماع
فتاوى نور على الدرب [82] 3439 استماع
فتاوى نور على الدرب [348] 3419 استماع
فتاوى نور على الدرب [708] 3343 استماع