أرشيف المقالات

ماذا تنتظرين؟!

مدة قراءة المادة : 9 دقائق .
ماذا تنتظرين؟!

من الأمور التي يَدمَى لها القلب وتبكي لها العين ما نراه في الشوارع، نشعر بالحسرة عندما نرى الكثير من المسلمات في الشوارع - ونضع عشرات الخطوط تحت كلمة مسلمات – لا يرتدين الحجاب؛ قال سبحانه وتعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [الأحزاب: 59]، ربك يخاطبكِ أنتِ، ألستِ من نساء المؤمنين؟ إذًا، أجيبي نداء ربكِ.
 
تخيلي وأنتِ في الشارع قد قابلتي فجأة رسولكِ صلى الله عليه وسلم ومعه أمهات المؤمنين، ماذا ستفعلين؟ هل ستجرين مقبلة عليهم فرحة لتريهم كيف تمسكتِ بأوامره وتشبهتِ بزوجاته، أو ستختبئين خجِلة حتى لا يروك على الحال التي أنتِ عليها، أو أن الأمر لن يعنيكِ؛ لأنكِ لو كنتِ تحبينه لأطعتِه؛ فإن المحب لمن يحب مطيع؟ ولو شعرتِ بالخجل من رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم لكِ، ألا تخجلين من ربكِ الذي يطلع عليكِ ويراكِ في كل وقت؟! ألهذه الدرجة أوامر ربك عندك هينة؟ هانت عليكِ نفسكِ حتى تعرضيها للناس وكأنها سلعة للعرض ينظر إليها كل من في الطريق؟ لماذا لا تحجبين جسدكِ عن عيون الذئاب؟ لماذا لا تحمين نفسكِ من شياطين الإنس؟ تفعلين ذلك رغم أنكِ لو رأيتِ حلوى غير مغلفة معروضة فلن تشتريها، فهل الحلوى أهم عندك من نفسكِ؟ لهذه الدرجة نفسكِ لا تساوي عندكِ حتى قطعة حلوى أو رغيف خبز؟
 
لو تعرفين نظرة الناس لكِ! لو تسمعين تعليقاتهم عليكِ! لو فطنتِ ماذا يقول عليكِ الشباب، لبكيتِ على حالكِ، وما وصلتِ له، وكيف جعلتِ نفسكِ صغيرة في عيون الناس، قد تقابلين صديقتكِ، فإذا بها غيَّرت من طريقة لبسها أو غيرت في كلامها، فإذا سألتِها عن السبب، قالت: لأن فلانًا لا تعجبه ملابسي، مع أن فلان – الذي كلامها معه حرام - ليس أباها، ولا أخاها، ولا زوجها، ولا حتى أحد محارمها، بل إذا طلب أحدهم منها ذلك، لأقامت الدنيا وما أقعدتها، هل تعرفون لماذا؟ لأن المحب لمن يحب مطيع، ألا تغيرين من نفسكِ، ومن نوع ملابسكِ وشكلها؛ لأن ربنا أمركِ بالستر والعفاف؟!
 
يبدو أنكِ تظنين أن الموضوع هين، قد تقول بعض الفتيات: "وماذا فيها عندما أخرج دون حجاب؟ وحتى لو كنت سأحصل على بعض الذنوب، فهي أمر بسيط، ثم إن قلبي يعمر بالإيمان ونيتي سليمة وأحب ربي، فلماذا تهتمون بمجرد قطعة من القماش وما في القلب أهم؟"، انتبهي - يا أختي - أنتِ مخطئة؛ لأن القلب إذا صَلُح، والباطن إذا طَهُر، والروح إذا زَكَت، بالتأكيد سيكون السلوك وفق ما أمر اللَّه تعالى، وبالتأكيد ستخضع الجوارح للاستسلام، وستنقاد الأعضاء لامتثال أوامر اللَّه واجتناب نواهيه، ومن المحال أن يجتمع صفاء الباطن، وطهارة القلب، مع الإصرار على المعصية، صغيرةً كانت أو كبيرة.
 
تظن بعض الفتيات أنه لا يوجد عقوبة محددة في نَصٍّ لترك الحجاب، وهذا غير صحيح؛ فقد وردت أحاديث كثيرة صحيحة تتكلم عن عقوبة المتبرجة - سواء من لا ترتدي الحجاب أو ترتديه لكنها تضع عطرًا - فقد وصف الرسول صلى الله عليه وسلم المتبرجة بأوصاف كل واحد منها أشد صعوبة من الآخر، منها:
1.
إنها من أهل النار، وأنها لا تقرب الجنة، بل لا تجد ريحها.
2.
إنها ملعونة مطرودة من رحمة الله.
3.
إنها زانية ولا يُقبل منها صلاة.
4.
إنها منافقة وأنها من شر هذه الأمة.
5.
إنها من صاحبات الكبائر التي تعادل الزنا والسرقة والقتل.
6.
إنها من جنود الشيطان.
 
ألا تصدقين؟ إذًا اقرئي أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((صِنْفانِ مِن أهْلِ النَّارِ لَمْ أرَهُما: قَوْمٌ معهُمْ سِياطٌ كَأَذْنابِ البَقَرِ يَضْرِبُونَ بها النَّاسَ، ونِساءٌ كاسِياتٌ عارِياتٌ مُمِيلاتٌ مائِلاتٌ، رُؤُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ البُخْتِ المائِلَةِ، لا يَدْخُلْنَ الجَنَّةَ، ولا يَجِدْنَ رِيحَها، وإنَّ رِيحَها لَيُوجَدُ مِن مَسِيرَةِ كَذا وكَذا))؛ [رواه مسلم]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((سيَكونُ في آخِرِ أُمَّتي رِجالٌ يَركَبون على سُرُوجٍ كأَشباهِ الرِّحالِ، يَنزِلون على أبوابِ المساجدِ، نِساؤُهُم كاسِياتٌ عارياتٌ، على رُؤُوسِهِنَّ كأَسْنِمَةِ البُخْتِ العِجافِ، الْعَنوهُنَّ؛ فإنَّهُنَّ مَلعوناتٌ))؛ [رواه أحمد]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أيُّما امرأةٍ اسْتَعْطَرَتْ فمرَّتْ على قومٍ لِيَجِدُوا رِيحَها فهيَ زَانِيَةٌ، وكلُّ عينٍ زَانِيَةٌ))؛ [رواه النسائي]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تقبلُ صلاةٌ لامرأةٍ تطيَّبتْ لهذا المسجدِ، حتى ترجعَ فتغتسلَ غسلَها من الجنابةِ))؛ [رواه أبو داود]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((شرُّ نِسائِكُمُ المُتَبَرِّجَاتُ المُتَخَيِلاتُ، وهُنَّ المُنافِقَاتُ، لا يدخلُ الجنةَ مِنْهُنَّ إلَّا مثلُ الغُرَابِ الأَعْصَمِ))؛ [صححه الألباني في السلسلة الصحيحة].
 
أعداؤك قالوها وأعلونها صريحة، إنهم يستخدمونكِ كأداة لهدم الأمة؛ قال أحد قادة الماسون: (كأس وغانية يفعلان بالأمة المحمدية ما لا يفعله ألف مدفع ودبابة فأغرقوها، أي أمة محمد أغرقوها في حب المادة والشهوات)، فهل ترضين أن تكوني قنبلة تنفجر في كبد الدين؟ ترضين أن تكوني سكينًا يطعن بها قلب الدين؟ لقد رضيتِ ووافقتِ، بل ونفذتِ.
 
عندما جاءت أميمة بنت رقيقة لتبايع النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: ((أُبايِعُكِ على ألَّا تشرِكي باللهِ شيئًا، ولا تسرِقي، ولا تزني، ولا تقتُلي وَلدَكِ، ولا تأتي ببُهتانٍ تفترينَه بين يدَيكِ ورِجلَيكِ، ولا تَنوحي، ولا تبرَّجي تبرُّجَ الجاهليَّةِ الأولى))؛ [رواه أحمد]، هل رأيتم كيف جعل عدم التبرج تبرج الجاهلية من بيعة الإسلام؟ وكيف جعل عدم التبرج مع عدم السرقة وعدم الزنا؟ كلها من الكبائر.
 
لم تقتنعي بعد؟ ما زلتِ تقولين ليس الآن؟ ماذا تنتظرين؟ هل تنتظرين حتى يأتي ملك الموت، وهو يأتي بلا استئذان ولا مقدمات، والموت لا يميز بين صغير ولا كبير، ولا بين سليم ومريض، ولا بين تقي وعاصٍ، بل يأتي بغتة، ووقتها سترتدين الحجاب وستسترين عورتك رغمًا عنك في الكفن، وستندمين وقت لا ينفع الندم.
 
وليس معنى الحجاب أن ترتدي ما تريدين ومعه قطعة من القماش تغطين بها شعركِ، فإن الحجاب له شروط.
 
شروط الحجاب:
• أن يكون ساترًا للجسد كله على خلاف في الوجه والكفين.
 
• أن يكون سميكًا لا يصف الجسم؛ أي: غير شفاف.
 
• أن يكون فضفاضًا، أي واسعًا غير ضيق، فعباءة ضيقة تصف الجسم وتظهر تفاصيله ليست حجابًا حتى غطت وجهها.
 
• ألَّا يكون زينة في نفسه، فلا تلبس ملابس فضفاضة، ولكن لونها فاقع، وعليها خرز يلمع، أو تكون ملفتة للأنظار.
 
• ألَّا يشبه لباس الكافرات.
 
• ألَّا يكون مبخرًا مطيبًا؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((أيما امرأةٍ استعطرتْ فمرتْ على قومٍ ليجدوا من ريحِها فهي زانيةٌ))؛ [رواه النسائي].
 
• ألَّا يكون لباس شهرة.
 
• أن يكون الخمار مغطيًا للصدر والنحر - أي الرقبة - ويشترط فيه ما يشترط في الملابس، أي: يكون كبيرًا غير شفاف، وليس زينة في نفسه، فلا يصح أن يكون خمارًا صغيرًا، أو ما يسمى هاي كول أو غيرهما، فكل هذا لا يصلح للحجاب، ولا ننسى تغطية القدمين ولبس جورب سميك.
 
حققي هذه الشروط، ثم ارتدي بعد ذلك ما تحبين: الإسدال، الملحفة، الخمار، العباية، التايير، الجيبة والبلوزة، المهم أن تتوفر فيها هذه الشروط.
 
نريد أن يكون رد فعلنا بعد كل ما قرأناه كرد فعل الصحابيات عندما سمعن بنزول آية الحجاب، هل تعرفون ماذا فعلن بمجرد سماعهن لآية الحجاب؟ شققن مروطهن فاختمرن بها، لم ينتظرن حتى الخروج وشراء ما يتحجبن به لينفذوا أمر الحجاب، وإنما قطعن من ملابسهن التي في البيت، فليس من الممكن أن يخرجن من بيوتهن من غير حجاب بعدما أمرهم به؛ قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: ((يَرحَمُ اللَّهُ نساءَ المُهاجراتِ الأُوَلَ، لمَّا أنزلَ اللَّهُ: ﴿ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ﴾ [النور: 31] شقَّقنَ أكنف مروطَهُنَّ فاختمرنَ بِها))؛ [رواه أبو داود].
 

التطبيق العملي:
خذي القرار بارتداء الحجاب الشرعي فورًا، ولو كان حجابكِ غير مطابق لشروط الحجاب، فاستبدلي به ما يرضي الله، واحتسبي الأجر عند الله مهما كانت معارضة من حولكِ.
 

شارك الخبر

روائع الشيخ عبدالكريم خضير