فتاوى نور على الدرب [107]


الحلقة مفرغة

السؤال: ما حكم الاضطباع في طواف الوداع؟

الجواب: طواف الوداع لا اضطباع فيه؛ لأن الإنسان ليس بمحرم، فالإنسان يطوف طواف الوداع وعليه ثيابه المعتادة ليس عليه إزار ورداء، وحتى لو فرض أنه ليس لديه ثياب معتادة كالقميص وشبهه وأن عليه رداءً وإزاراً فإنه لا يضطبع في هذا الطواف؛ لأن الاضطباع إنما هو في الطواف أول ما يقدم الإنسان إلى مكة.

مداخلة: جعلت طواف الإفاضة يقوم مقام طواف الوداع وكانت علي أيضاً إحراماتي فاضطبعت في هذه الحال؟

الشيخ: نقول له: لا اضطباع أيضاً؛ لأن الاضطباع إنما هو في الطواف أول ما يقدم الإنسان إلى مكة كطواف العمرة أو طواف القدوم.

السؤال: يقول: سبق أن حجيت منذ خمس أو ست سنوات تقريباً وكنت بدلاً من أن أعمل السنة في الاضطباع عكست الأمر فجعلت طرف ردائي تحت إبطي الأيسر، وغطيت منكبي الأيمن، فهل علي شيء في ذلك من هدي أو فدي أو ما شابهها؟

الجواب: ليس عليك هدي ولا فدي، فإن كان ذلك نسياناً منك فنرجو أن يكتب لك الأجر كاملاً؛ لأنك قصدت الفعل وأخطأت في صفته، وإن كان هذا عن تخرص فنرجو الله تعالى أن يعفو عنك وألا تعود إلى التخرص في الدين، بل تسأل أهل العلم حتى تعبد الله على بصيرة.

السؤال: رجل حج لمدة سنوات يقول: فبعد قدومي في إحدى السنوات من مزدلفة رميت جمرة العقبة ثم الثانية ثم الثالثة لأني لم أتأكد أي الجمار هي فهل علي شيء في ذلك، وأقول: لا أعلم أي جمار هي -أي: العقبة- فأنا لا أعرف أي الثلاث جمرة العقبة، فقلت أتخلص من الجميع؟

الجواب: لا شي عليك في هذا، ولكني أنصحك بأن تتحرى العلم بها من قبل الفعل حتى يكون فعلك على وجه الصواب، ولكن مع هذا الآن أنت بفعلك هذا رميت جمرة العقبة يقيناً.

السؤال: هل نبدأ باليوم الثاني من العيد فما بعده بجمرة العقبة أو بالجمرة التي تلي مكة المكرمة؟

الجواب: جمرة العقبة هي الجمرة التي تلي مكة، ولكننا نقول: إنك تبدأ بالجمرة الأولى التي تلي مسجد الخيف ثم بالوسطى ثم بجمرة العقبة، فتكون جمرة العقبة في اليومين التاليين للعيد تكون هي الأخيرة، وبهذه المناسبة عن رمي الجمرات أود أن أذكر إخواننا المسلمين أن رمي هذه الجمرات عبادة يتعبد بها الإنسان لله سبحانه وتعالى بالقول وبالفعل وهي اتباع لرسول الله صلى الله عليه وسلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إنما جعل الطواف بالبيت وبالصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله)، وأنت عندما ترمي الجمرات تتعبد لله تعالى بالقول، فتقول: الله أكبر، وتتعبد له بالفعل فترمي هذه الجمرات في هذه المواضع لمجرد التعبد لله سبحانه، إذا أن الإنسان لا يعقل علة لها، وكون بعض الناس يقولون: إننا نرمي الشياطين، هذا لا أصل له، فالإنسان لا يرمي الشيطان وإنما يرمي هذه الأماكن امتثالاً لأمر الله تبارك وتعالى حيث أمرنا باتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ [الحشر:7] ، وقال النبي عليه الصلاة والسلام: ( خذوا عني مناسككم)، ثم إنه أيضاً ينبغي أن يكون الرمي بهدوء وخشوع لا بعنف وشدة وقسوة كما يفعل العامة الجهال، وينبغي إذا رميت الجمرة الأولى في اليوم الحادي عشر والثاني عشر أن تبعد قليلاً عن الزحام ثم تقف مستقبلاً القبلة رافعاً يديك تدعو الله سبحانه وتعالى بدعاء طويل، وكذلك إذا رميت الوسطى تقف بعدها وتدعو الله تعالى بدعاء طويل ثم تذهب وترمي جمرة العقبة ولا تقف بعدها.

السؤال: يشاهد كثير من اللحوم تذهب هدراً في منى وفي المجازر ويسأل: لو ترك ذبيحته إلى اليوم الثالث ثم ذبحها في منى وأكلها مع من بقي من الحجاج هل في ذلك شيء أم لا؟

الجواب: ليس في هذا شيء إذا أخر الذبح عن أول يوم إلى اليوم الثاني أو الثالث لأنه أنفع وأجدر فلا حرج عليه بل قد يكون ذلك أفضل من ذبحها في أول يوم ثم رميها بدون أن ينتفع بها أحد، كذلك أيضاً لو ذبحها في أول يوم بمكة وفرقها هناك على الفقراء فإنه لا بأس بذلك.

وأنا أنصح أيضاً إخواننا الحجاج إلى أن يحملوا اللحوم معهم من المجازر، فإذا خرجوا بها إلى الأسواق وإلى الطرقات وجدوا من يأخذها لكن أكثر الناس يذبحها ويدعها، لأنه يقول: في هذا مشقة عليَّ في حملها وهذا قصور منه، فالمشقة وإن حصلت فإنها امتثالاً لأمر الله: فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا [الحج:28]، وأنت الآن إذا ذبحتها وتركتها ما أكلت ولا أطعمت، والله يقول: فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا [الحج:28]، فأنت مأمور بأن تأكل وأن تطعم، وإذا لم يحصل ذلك إلا بحملها كان حملها من باب ما لا يتم المأمور إلا به.

السؤال: هل يجوز لي أن أرمي جمرة العقبة وأطوف بالبيت وأحلق رأسي وأتحلل وألبس ثيابي قبل أن أذبح ذبيحتي؟

الجواب: نعم يجوز؛ لأن الإنسان إذا رمى جمرة العقبة يوم العيد وحلق حل التحلل الأول وجاز له أن يلبس ثيابه وأن يفعل كل شيء كان محظوراً عليه في الإحرام ما عدا النساء، فإذا انضاف إلى الرمي والحلق طواف الإفاضة والسعي بين الصفا والمروة حل له كل شيء حتى النساء وإن لم يذبح الهدي، ولكن الأولى أن يبادر فيرمي جمرة العقبة أولاً ثم ينحر هديه ثم يحلق رأسه ثم يتحلل ثم ينزل إلى مكة فيطوف طواف الإفاضة ويسعى، هذا هو الأفضل.

مداخلة: لو رمى جمرة العقبة وذبح هديه هل يجوز له أن يتحلل؟

الشيخ: لا. ما يتحلل الصحيح أنه لا يتحلل إلا بالرمي والحلق، وأن الرمي وحده لا يحصل به التحلل.

السؤال: هل يجوز مس المصحف وقراءة القرآن منه، وكذلك القراءة غيباً للإنسان المحدث حدثاً أصغر كأن يكون غير متوضئ؟

الجواب: أما قراءة القرآن بدون مس للمحدث حدث أصغر فلا بأس بها ولا يجب عليه أن يتطهر، وإن كان التطهر أفضل وأكمل، وأما مس المصحف بدون وضوء فالصحيح أنه جائز ولكنه لا ينبغي أن يمس المصحف إلا بوضوء، وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أنه يحرم أن يمس المصحف بدون وضوء، مستدلين بقوله تعالى: إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ [الواقعة:77-79] ، وبقوله صلى الله عليه وسلم في حديث عمرو بن حزم : ( لا يمس القرآن إلا طاهر)، ولكن ليس في الآية ما يدل إلى ما ذهبوا إليه، وليس في الحديث ما يدل على ذلك صراحة، أما الآية فإن الله يقول: فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ [الواقعة:78-79] ، والقاعدة في اللغة العربية: أن الضمير يعود إلى أقرب مذكور إلا إذا وجد دليل على أنه يعود لما سبق، وهنا لا دليل على أن الضمير يعود للقرآن فهو يعود إلى الكتاب المكنون الذي هو اللوح المحفوظ، ويدل لذلك أن الله قال: لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ [الواقعة:79] ، الذين طهرهم الله، ولم يقل: إلا الطاهرون، ولم يقل: إلا المطِّهرون، فدل هذا على أن المراد بالمطهرون الملائكة الذين طهرهم الله عز وجل مما ينبغي أن يكونوا طاهرين منه، وأما الحديث: ( لا يمس القرآن إلا طاهر)، فكلمة (طاهر) محتملة لأن يكونوا المراد بها طاهراً من الحدث أو طاهراً من الكفر وكلاهما معنى صحيح، فالطهارة من الكفر مثل قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ [التوبة:28]، فيكون الموحدون طهراً، ومثل قوله صلى الله عليه وسلم: ( إن المؤمن لا ينجس)، فعلى هذا يكون معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (إلا طاهر) أي: إلا مؤمن، ولا يدل على اشتراط الطهارة من الحدث الأصغر، ويحتمل أن يكون المراد طاهر من الحدث الأصغر فيجب.

ومادام الاحتمال قائماً فإنه لا وجه لإلزام الناس بما ليس بظاهر في الوجوب، فنقول: الاحتياط والأفضل ألا يمس القرآن إلا على طهارة، وإذا مسه وهو محدث حدث أصغر فلا حرج عليه.

السؤال: إنني لم أحافظ على الصلاة المفروضة إلا بعد أن بلغت التاسعة عشرة، فهل أقضي الفترة السابقة وكيف أقضيها إذا كانت علي أم ماذا أعمل؟ مع العلم أنني قد حججت إلى بيت الله الحرام؟

الجواب: تركك للصلاة حتى سن التاسعة عشرة خطأ وهو أمر عظيم، وترك الصلاة كفر مخرج عن الملة، ولكن مع هذا نقول لك: إنه لا يلزمك قضاء ما سبق من الصلوات بل تتوب إلى الله وتحسن العمل وتكثر من الاستغفار ومن النوافل والله تبارك وتعالى يعفو عنك ما سبق، وأما حجك للبيت فإن كان في السنوات التي لا تصلي فيها فإنه يجب عليك إعادته؛ لأنك حججت وأنت على غير الإسلام؛ وإن كان حجك بعد أن بدأت بالصلاة فحجك صحيح ولا يجب عليك إعادته.

السؤال: هل الناس العوام غير العالمين بالمذاهب ملزمون باتباع مذهب معين من المذاهب الأربعة وما هو المذهب الذي تحبذون اتباعه؟

الجواب: الصحيح أنه لا يلزم أحد أن يتبع مذهباً دون مذهب إلا مذهباً واحداً وهو مذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء الأئمة الأربعة كلهم يريدون أن يتمسكوا بمذهب الرسول عليه الصلاة والسلام، ولكنهم بشر يخطئون ويصيبون، ولا نرى أن واحداً منهم يجب اتباع قوله اتباعاً مطلقاً بل نقول: من تبين أن الصواب في قوله وجب اتباعه من أجل أنه صواب لا من أجل أنه قول فلان أو فلان، هذا ما نراه في هذه المسألة.

السؤال: رجل في عام من الأعوام الماضية حج إلى بيت الله الحرام لكنه بعد أن أحرم وقبل أن يصل إلى مكة بات هو وزوجته فحصل بينهما الجماع فما الذي يترتب بالتفصيل يقول: علماً أنني قد ذبحت شاة العام الماضي وحيث أنني قد نويت أو أنوي الحج هذا العام أرجو أن أكون على بينة من أمري؟

الجواب: إذا كنت جاهلاً أن هذا العمل محرم أنت وزوجتك فلا شيء عليكما وحجكما صحيح ولا فدية، وإذا كنت تعلم أنت وزوجتك أن هذا محرم فإن النسك الذي وقع فيه الجماع يكون فاسداً، فإن كنتما متمتعين فقد فسدت عمرتكما ويجب عليكما أن تقضيا بدلها، وإن كنتما مفردين أو قارنين فقد فسد حجكما، والمفهوم أنكما مضيتما في الحج وأكملتماه، فعليه يجب عليكما إعادة هذا الحج هذه السنة، ويجب على كل واحد منكما فدية وهي بدنة يذبحها كل واحد منكم وتتصدقون بها على الفقراء في الحرم أو في المكان الذي وقع منكما فيه هذه المخالفة، والله أعلم.