فتاوى نور على الدرب [73]


الحلقة مفرغة

السؤال: هل يجوز سماع القصيدة البادية أم لا؟

الجواب: الغناء المجرد عن الموسيقى وآلات العزف الأخرى مثل: الربابة وشبهها يجوز استماعه، بشرط ألا يكون مشتملاً على أشياء توجب الفتنة، وبشرط ألا يصد الإنسان عن ما يجب عليه من إقامة الصلاة مع الجماعة، أو غير ذلك.

فأما إذا اقترن به عزف من الموسيقى أو آلات اللهو الأخرى، فإنه يكون محرماً من أجل ما صحبه من هذه الآلات؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بين تحريم المعازف حتى إنه قرنها بالزنا والخمر، ففي حديث أبي مالك الأشعري الذي رواه البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف).

(يستحلون الحر) يعني به الفرج، يعني: الزنا. والحرير: معروف. والخمر معروف، والمعازف: قال العلماء: كل آلة لهو يعزف بها، ولم يستثن من ذلك شيئاً.

فالخلاصة: أن هذا الغناء الذي للبادية إذا لم يكن مشتملاً على معازف، فإن استماعه جائز بالشرطين السابقين.

السؤال: هل يجوز إخراج قيمة الكفارة بدلاً منها؟

الجواب: ظاهر القرآن أنه لا يجوز، لأن الله تبارك وتعالى يقول: إِطْعَامُ [المائدة:89] ، وما أوجبه الله تعالى فليس لنا العدول عنه إلا بدليل يدل على ذلك، ولكن الإطعام على القول الصحيح يجوز على وجهين:

أحدهما: أن يجمع المساكين الواجب إطعامهم على غداء أو عشاء.

والثاني: أن يعطيهم شيئاً يتولون هم إصلاحه، يعني: مداً من البر أو نحوه أو نصف صاع مما دون ذلك كالتمر ونحوه.

السؤال: إنني فتاة هل يجوز لي أن ألبس الذهب في الحفلات والمناسبات السعيدة؟

الجواب: نعم، يجوز لها أن تلبس الذهب في المناسبات والحفلات إذا لم يشاهدها أحد من الرجال الذين لا يحل لهم مشاهدتها، يعني: بأن لم يكن عندها إلا نساء أو رجال من محارمها.

السؤال: ما الكتاب الذي يحمل أحاديث كثيرة وتنصحوني به أو بامتلاكه؟

الجواب: الكتب في ذلك مختلفة متنوعة، وكل منها يبحث في موضوع معين ولكن من خير ما نعلم لها ولأمثالها: رياض الصالحين الذي ألفه النووي رحمه الله.

السؤال: إنني أتسأل في زيارتي المقابر ويقولون: إن قراءة سورة أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ [التكاثر:1] عند دخول المقبرة يؤجر قارئها، وهل البكاء في المقبرة حرام أم لا؟

الجواب: زيارة القبور مستحبة للرجال، لكن المقصود بها هو الاتعاظ والتذكر، تذكر الإنسان مآله كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة).

وكذلك يقصد منها الدعاء للأموات، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج إلى المقبرة سلم عليهم ودعا لهم.

وأما قراءة ألهاكم التكاثر عند دخول المقابر فلا أعلم فيها سنة، فلا يسن للزائر قراءتها، لأن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وأما البكاء في المقبرة فلا بأس به إذا لم يصل إلى حد النياحة أو الندب، ولكننا ننصح من علم من نفسه أنه إذا ذهب إلى المقبرة تذكر قريبه أو صديقه، ثم جعل يبكي لأن ذلك مما يجدد الأحزان، والشيء الذي يجدد الأحزان لا ينبغي للإنسان أن يتذكره بل يبتعد عنه حتى ينسى هذه المصيبة، ويشتغل بمصالح دينه ودنياه.

السؤال: لدي مشكلة وهي أنني عمرت مسجداً في طرف بلادي، ولدي جماعة تبعد بيوتهم عن المسجد المشار إليه خمسمائة متر ولا يصلون معي بحجة أن المسجد بعيد عنهم، ويرغبون مني مشاركتهم في عمارة مسجد آخر ويكون قريباً منهم، وأكون أيضاً إماماً لهم، فما هو رأيكم في المسجد الذي سبق وأن عمرته من مدة خمس عشرة سنة، هل يجوز لي هجره أنا وأولادي، أو هدمه أو أبقيه، أفتوني جزاكم الله خيراً، والسلام عليكم؟

الجواب: إذا كان المسجد الذي عمرته لهؤلاء ولكنه صار بعيداً عليهم ويرغبون أن تنقله إلى مكان يكون أقرب إليهم، وليس ثمة أحد محتاج إلى المسجد الأول فإنه لا بأس أن تنقله إلى المسجد الذي يرغبونه، ويكون المسجد الأول ملكاً لك تتصرف فيه كما شئت، لأن الصحيح جواز نقل المسجد من مكان إلى آخر لمصلحة المصلين.

كما أنك ذكرت في السؤال: أنهم لا يتمكنون من الحضور إليه، وعلى هذا فسيبقى المسجد مهجوراً لا يصلي فيه أحد إذا لم يكن أناس آخرون يصلون به، وهذا مما يؤكد عليك أن تنقله إلى المكان الذي يمكن أن ينتفع المسلمون به ويصلون.

السؤال: يوجد عندنا أغلب الناس يصومون ويصلون ويحجون ويزكون ويقولون: لا إله إلا الله، ولكن والعياذ بالله يجعلون لقبور الصالحين واسطة بينهم وبين الله، ويقول: إنهم يشدون لها الرحال ويعملون حفلات فوق القبور، ويأخذون الأطفال والنساء، ويذبحون الكثير من الغنم والماعز، ويحلفون بهذه الأوثان، فهل نأكل من هذه الذبائح وهم يذكرون الله عليها، نرجو التوجيه منكم لنا ولهم وفقكم الله؟

الجواب: هذه الذبائح إذا كان المقصود بها التقرب إلى هؤلاء الأموات فهي مما ذبح لغير الله، فلا يحل أكلها، ولو ذكروا اسم الله عليها؛ لأنها داخلة في قوله تعالى: وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ [المائدة:3] فحرام عليكم أن تأكلوا منها شيئاً.

أما بالنسبة لهم فإن عملهم هذا إشراك بالله عز وجل، لأن التقرب بالذبح من خصائص الله سبحانه وتعالى، أي: من الأمور المختصة به فلا يجوز صرفها لغيره؛ لأنها من العبادة، كما قال الله تعالى: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام:162-163] .

وعلى هذا فيجب على العلماء أن ينصحوا أولئك الجهال، وأن يبينوا لهم أن هذا من الشرك بالله، وأن الشرك بالله لا يقبل الله معه عملاً، لأن الله تعالى قال: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48] ، ولا يجوز للعلماء العالمين بأحوال هؤلاء العالمين بأحكام ما يصنع ما يفعلونه لا يجوز لهم السكوت، لأن السكوت في مثل هذه الحال إقرار لهم على هذا الشرك، والعامة متعلقون بالعلماء، والعلماء مسئولون عنهم، وهم -أعني: العلماء- ورثة الأنبياء في العلم والعمل والدعوة إلى الله عز وجل، وسيسألهم الله عز وجل يوم القيامة عما علموا: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ [آل عمران:187] .

فالحاصل أنه إذا كان الأمر كما وصف السائل شائعاً كثيراً بين الناس فما ذلك إلا لتقصير أهل العلم في بيان الحق، وإلا فلو أن أهل العلم بينوا للعامة حكم صنيعهم هذا لكان العامة أقرب شيء إلى الامتثال والانقياد.

ونسأل الله تعالى لنا ولهم التوفيق، وأن يعيننا على أداء ما حملنا بمنه وكرمه.

السؤال: ما هي المحرمات التي لا تقبل التوبة منها؟

الجواب: كل المحرمات وأعظمها الشرك تقبل التوبة منها: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48].

وقال في آية التائبين: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا [الزمر:53] .

وفي الحديث القدسي أن الله تبارك وتعالى يقول: ( يا عبادي! إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم)، ولكن الحقوق المتعلقة بمظالم العباد لا تتم التوبة فيها إلا بأداء الحق إلى أهله، فمن ظلم شخصاً بنفس أو مال أو عرض ثم تاب إلى الله من ذلك فإنه لابد أن يؤدي إلى صاحب الحق حقه: إما باستحلاله، أو معاوضته عنه، أو بالاستغفار له إذا كان الحق غير مالي، فإنه يستغفر له والله تبارك وتعالى يثيب هذا المستغفر على توبته إذا صحت نيته، نعم.

السؤال: إذا أقام المسافر في بلد ثلاثة أيام وهو ناوٍ مواصلة السفر، هل يجوز له الجمع أم لا؟

الجواب: يجوز له في هذه الحال أن يقصر الصلاة، وأن يجمع، لكن القصر أفضل من الإتمام، وعدم الجمع أفضل من الجمع، ولكنه إذا كان في البلد وهو يسمع الأذان فإنه يجب عليه أن يحضر صلاة الجماعة مع الناس، ولا يجوز له أن يتخلف، لأن صلاة الجماعة واجبة على المقيمين وعلى المسافرين.

السؤال: أفيدكم بأني أرى بعض الناس يفرشون الديباج وتحتها منقوش مفروش بالزل، ونريد أن نفرش بالديباج، وهل هذا يجوز أم لا؟ علماً بأن المساجد لا تفرش بالديباج؟

الجواب: الديباج الذي أكثره حرير لا يجوز فرشه، وإذا كان الحرير أقل من الموجود فيه مما نسج معه فإنه جائز، ولكن الأولى ألا يفعل؛ لأن هذا قد يكون من الإسراف الذي لا يحبه الله عز وجل، وفي الافتراش بالديباج المحرم لا فرق بين أن يكون المفترش له رجلاً أم امرأة، لأن القول الصحيح أن الديباج أو الحرير إنما يباح للنساء في ألبستهن فقط، وأما في الفرش فإنه لا فرق بين المرأة والرجل في منعها من افتراش الحرير.