خطب ومحاضرات
هذا الحبيب يا محب 34
الحلقة مفرغة
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، ثم أما بعد ..
أيها الأبناء! والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة؛ ليلة السبت من يوم الجمعة المبارك ندرس السيرة النبوية العطرة من كتاب هذا الحبيب محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم يا محب. وبين يدي الدرس عندي مسألتان أطرحهما للسامعين:
أولاً: سألني سائل قال: أرى بعض المصلين لا يرفع يديه عند تكبيرة الإحرام، بل يقف فقط معتدلاً ويقول: الله أكبر. فسألت من يفعل هذا، فقال: إني إباظي! يعني أنه منسوب إلى عبد الله بن إباض، والأصل من الخوارج الذين خرجوا على علي رضي الله تعالى عنه.
هذه المسألة يا معشر الأبناء! ذات عروق مديدة وطويلة في تاريخ هذه الأمة، وما زالت آثارها إلى الآن، ولكن في الإمكان علاجها لو صدقنا الله وآمنا بلقائه.
فمثلاً: بصورة عامة -وإني والله لأتكلم على علم- أقول: الفرقة التي أصابت المسلمين فأصبحوا كتلاً وتجمعات، منشؤها ليس الخوف من الله، ولا الرغبة في الدار الآخرة، وإنما السياسة والعصبية، فقد هبطت الأمة إلى الأرض، فأصبحت تعيش على التعصب، ووجد من يقول: إقليمي! وبلدي! وموطني! ومذهبي! وطائفتي ..! وهذا من كيد أعداء الإسلام، من اليهود والنصارى والمجوس، فهم الذين وضعوا عناصر الفرقة والتمزيق.
فمن هنا كل طائفة تجتهد بواسطة أئمتها وعلمائها أن تبقى متباينة مع الآخرين، وقد تتبعنا هذا في المذهب الشيعي فما وجدنا عبادة -من الوضوء إلى الرباط - إلا ويضعون لهم فارقاً يفرقهم عن جماعة المسلمين؛ حتى يبقوا مستقلين يسوسوهم ساستهم ويقودهم أئمتهم.
فإخواننا الأباظيون يعرفون مجتمعهم ومذهبهم، فما الذي يحملهم على أن يتعصبوا لمذهبهم ولا يذوبون في جماعات المسلمين؟! فقط لا يرفع يديه؛ لأنه متلزم بمذهب .. هذا وقد رأى المسلمين في الشرق والغرب الكل يرفع يديه، هل يريد الدار الآخرة أم لا؟ هل هو مؤمن بالله ولقائه أم لا؟ هل الأمة كلها أخطأت في رفع يديها عند تكبيرة الإحرام؟ هل وهم جماعة لا يساوون واحد إلى مائة على الحق؟ وما هي أدلة الحق؟ ائتي بالأدلة والبراهين: حدثنا فلان عن فلان عن فلان عن رسول الله، أو حدثنا فلان عن فلان عن علي بن أبي طالب ، أو فلان عن فلان عن مالك ، فهذه كلها أدلة.
كيف نبيع آخرتنا بهذه العصبية؟ نحن نبحث عن سنة رسول الله وحيثما وُجدت فرحنا بها وعملنا، وإن خالف هذا العمل أهلي وقبيلتي بكاملها.
والشاهد عندنا في أننا ما زلنا ملتصقين بالأرض، وما عرفنا الطريق إلى الله بعد، هو كلمة حنبلي، ومالكي، وشافعي، وحنفي -مع أنها ليست بضارة- لأن الكل من أهل السنة والجماعة، ومع هذا ليس من حقي أن أقول: أنا حنبلي. ولِم أدعُ إلى الفرقة؟ أليس هؤلاء إخواني؟ وكذلك ليس من حقي أن أقول: أنا حنفي. وما معنى حنفي؟ هل جلست بين يدي أبي حنيفة ودرست وتعلمت، وإذا فرضنا أنك جلست بين يديه وتعلمت وعرفت، ثم التفت يوماً فوجدت سنة عند فلان من الناس فهل يمنعك هذا من ترك سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت مسلم؟! لولا عدم العلم والبصيرة، يجب أن تفرح لأنك وجدت سنة حقيقية، فلم تتركها.
وقد كانت السياسة في يوم من الأيام مهيمنة على هذا الأمر، حتى وقع من أحد ملوك المغرب قوله: (من قبض يقبض)، يعني من رأيتموه يصلي قابضاً يديه اقبضوه إلى السجن. إنه هبوط ليس فيه عدل. ومن قال: كيف ولِم؟ نقول: انظر إلى حال المسلمين كيف تمزقوا وتشتتوا وذلوا وهانوا واستعبدوا واستغلوا، ولو كانوا أمة واحدة على منهج الحق لجمعوا الدنيا كلها تحت راية لا إله إلا الله محمد رسول الله، لكن الذنوب والآثام والهبوط هو الذي حصل.
إن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم هي القبض، وليغضب من يغضب، ومالك -والله- لا يغضب، أقسم بالله ما تعصب إمام من أئمة الإسلام، فمتى وصلت السنة فرح وعمل بها، وكيف يغضب أو يتعصب الذي يريد الله والدار الآخرة؛ هذا ليس إيمان حقيقي ولا إسلام لله، إن مالك هو الذي روى القبض وروى عنه محمد بن يوسف المصري وروى البخاري عن محمد بن يوسف المصري حديث الموطأ، فكيف يسبل مالك ؟!
وقد بينت لكم العلة: إن التقوقع والتجمع هو الذي أيد هذه البدع وأثبت الناس عليها، يقولون: كيف نكون مالكية ثم نذوب في الأحناف أو الشافعية، والشافعي يقول كذلك، والحنفي كذلك، والزيدي، والأباظي .. وما هكذا دين الله، فدين الله مبني على الإذعان والانقياد ومتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم، فمتى صح الخبر عن سيد البشر آمنا به وعملنا في حدود طاقتنا وقدرتنا.
فأي مسلم أتى إلى مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ووجد الناس كلهم يرفعون أيديهم فعليه أن يرفع يده، ولو لم يكن عنده دليل على هذا، وعلى فرض أنه وجد دليلاً فعليه أن يدخل في جماعة المسلمين ولو ترك السنة. وهذا من باب الفرض فقط، ولا نفرق المسلمين ولا نتميز عنهم.
إذاً: هذا مرده إلى الجهل أولاً، وعدم البصيرة واليقين بالدار الآخرة وما فيها، كسائر الذنوب والآثام، ولا سبيل أبداً إلى الرفعة والسمو والكمال إلا بالعلم الحق؛ قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم.
ثانياً: جاء شيخ من السودان يحمل خريطة لإنشاء مسجد، وقال لي: بعثوني إليك لكي تقوم ببناء المسجد، قلت له: كيف يقولون هذا؟ ومن أنا حتى أقوم ببناء المسجد؟ فقال: هكذا! قالوا لي: اذهب إلى الشيخ الفلاني وهو الذي سيدفع نفقة بناء المسجد. وقد حاولت معه فلم أستطع، وقال: أبداً أنا مرسول إليك. فأنا ساهمت بشيء، وعليه من كان له شيء من المال ويرغب في بناية مسجد أو المشاركة فيه -وكثير من يقول: أنا عندي أمانة ووقف أريد بناء مسجد- فالسوداني موجود وأنا الواسطة، وليتوكل على الله، وحتى لو فرضنا أنهم يكذبون فيكفي النية، فأنت دفعت لبناية مسجد والمساعدة عليه.
قال المؤلف: [الطريق إلى المدينة] الله أكبر! هيا نصحب رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة. ومن كان يحب الرسول حقاً والله إنه لينشرح صدره ويتخيل كأنه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن كان من الجماعة الأخرى فغني يا شيخ كما تغني ولا فائدة ..
قال: [وخرج الحبيب صلى الله عليه وسلم وصاحبه بعد هدوء الأحوال] لما فشلوا في المؤامرة الدنية التي اتخذوا فيها قراراً بقتل الرسول صلى الله عليه وسلم، وتوزيع دمه بين القبائل، وكان خزياً وعاراً لهم ذلك الحال، أخذوا يفتشون مكة ويقلبون ضواحيها ثلاثة أيام بحثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو في غار جبل ثور مع الصديق رضي الله عنه، وإذا تململ الصديق وأظهر الخوف قال له: ( ما بالك باثنين الله ثالثهما يا
قال: [تلقاهما من استأجراه بالراحلتين] تلقاهما في مكان ما من استأجراه بالراحلتين، وهما جملين لـأبي بكر الصديق [فقدَّم أبو بكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم أفضلهما] نظر إلى الراحلتين فاختار أحسنهما وقدمها لرسول الله صلى الله عليه وسلم: وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ [الحشر:9] [وقال: اركب -فداك أبي وأمي-] ومعنى فداك أبي وأمي: أفديك بأبي وأمي، أي: يموت أبي وأمي ويذبحان وأنت لا، لِما يعرف من قيمة حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهنا مناسبة: فكم من مرة أقول: والله إني لأرضى أن أذبح أنا وأفراد أسرتي -بناتي وابني وأمهم- ولا تسقط هذه الدولة السعودية، ولن تجد في الألف من يتذوق هذا أو يفهمه أو يعيه، ولكن فقط ينظرون إلي بنظرة سيئة، على أني عميل أو ذنب، أو من هذا الكلام .. ووالله لو أسقطت هذه الدولة -وهو يعملون على إسقاطها الليل والنهار الأبيض والأسود في الشرق والغرب؛ لإنهاء الإسلام- لما بقي من يستطيع أن يرفع يده ويقول: أنا مسلم! ولحل بهذه الديار من الخبث والفساد والشر ما لم يخطر بالبال، هذا كله لا يفكرون فيه.
فـأبو بكر قال للرسول صلى الله عليه وسلم: فداك أبي وأمي اركب؛ لعلمه ماذا يترتب على موت الرسول صلى الله عليه وسلم من انطفاء نور الإسلام ووقوف الدعوة المحمدية، وعليه فلا يحل لمؤمن ولا مؤمنة أن يراه الله تعالى يعمل ولو بكلمة على إطفاء هذه البقية الباقية التي تقوم بها الحجة لله تعالى، ونحن ننظر إلى ثلاث وأربعين دولة في العالم الإسلامي، ما وُجدت فيها دولة استحى رجالها وأقاموا الصلاة بين المؤمنين والمؤمنات، وهذه وحدها كافية، وما استطاعوا -فقط- أن يحولوا الضرائب المشئومة التي يفقرون بها كواهل المواطنين ويجبون الزكاة، ولكن يقولون: لا نريد زكاة، ولا نريد أن نذكر الناس بالإسلام أبداً، وما استطاعوا أن يسنوا قانوناً من القوانين يحرم الاختلاط بين النساء والرجال، وهذه البقية الباقية نريد أن نحطمها ونمزقها ويا ويل من يعيش يومها وقد تمزقت وتلاشت!
ستقولون: يا شيخ لم تقول هذا؟ قد تقوم دولة إسلامية كدولة عمر رضي الله عنه!! فأقول: والله لا يكون مع هذا المجتمع الهابط، حتى توجد أمة ربانية صادقة، تتنازل عن كل شيء من أجل محاب الله عز وجل، أما أن تقوم لنا دولة ونحن نشاهد الدش فقط، فمستحيل!
كم صرخنا وبكينا وبكى العلماء وقالوا: إن الربا حرام! لا تقفوا أمام البنوك، واتركوها تغلق أبوابها. وليس عندنا يهود ولا نصارى في المدينة، فنحن الذين نشجع هذا، فهل استجاب أحد؟ إنما يريدون العصا فقط، وحينئذ لا ينفع استجابة أبداً، فأنت الآن ممتحن، أما إذا صدر أمر سامٍ بإغلاق البنوك وأنت ما زلت كما كنت، فما أنت بالمؤمن الصادق الإيمان؛ لأنك خفت فقط لأنك منعت، ولكن امتنع بإيمانك إن كنت مؤمناً، وإن مت جوعاً لا يضرك ذلك.
أما أن يكون المكر والخداع والحيل والفتن والضلال فكيف تقام الدولة!! وآخر كلامي: لا يراك الله بكلمة تقولها تحطم بها هذه البقية الباقية، واعمل على دعمها وإقامتها وشدتها وصلاحها باستقامتك فقط أنت، فإذا استقام الناس استقرت الحكومة وتاب حتى العصاة فيها إن كانوا، أما بالكلام فقط ونحن منغمسون في متاهات الضلال والشر والفساد وحب الدنيا والإسفاف والتكالب عليها فلا ينفع ذلك، وتعال عندنا لنريك أنّا ما أدخلنا بيتنا تلفازاً قط، ولا نشتري جريدة ولا مجلة فيها صور، وأنت بناتك ونساءك في أيديهن مجلات فيها صور الخلاعة والدعارة وتقول: لِم تنشر هذه؟ تنشر امتحاناً لك! وهل سألت أهل العلم وقالوا: لا بأس أن تتصفح امرأتك مجلة فيها عواهر، هل هناك من يفتي بالجواز؟ إذاً لم نفعل هذا؟! المهم والله إننا لتحت النظارة، ولا أدري كيف يغضب الله.
قال: [فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا أركب بعيراً ليس لي )] الله أكبر! أين المسلمون اليوم من هذا؟ هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدم له صاحبه الراحلة للسفر الضروري؛ ولطلب النجاة، فيقول: لا أركب راحلة ليست لي، يعني: أنا ما استأجرتها ولا أملكها فكيف أركب؟ [فقال الصديق : هو لك فداك أبي وأمي] يعني: هو لك أنا الذي استأجرته من أجلك، ووهبته لك، فهو لك فداك أبي وأمي [فقال الحبيب صلى الله عليه وسلم: ( لا، إلا بالثمن الذي ابتعتها به )] أي: اشتريتها به. وحينئذ هي راحلتي وأركبها.
[فقال أبو بكر : هو كذا وكذا] يعني: بألفين أو بثلاثة آلاف [فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( قد أخذتها به )] وأبو بكر أخبره بالواقع [وركبا وانطلقا وقد أردف أبو بكر مولاه عامر بن فهيرة ؛ ليخدمهما في رحلتهما إلى طيبة الطيبة] كيف يخدمهما؟ يجمع الحطب ويطبخ وكذا .. لأن أبا بكر مشغول بالرسول، فهل يتركه ويمشي يحتطب؟! فلا بد من خادم معهم [وساروا -ثلاثتهم- على بركة الله، وعين الله ترعاهم] كأنها سفينتهم وعين الله ترعاهم.
بعض الأحداث في مكة أثناء سفر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة
[والثاني: أن قريشاً ما إن فقدت النبي صلى الله عليه وسلم وطلبته ولم تجده حتى أعلنت عن جائزة مقدارها مائة بعير لمن يأتي برسول الله حياً أو ميتاً] لما فشلت في البحث وما وجدته، أعلنوا عن جائزة -بأعلى أصواتهم-: من أتانا بمحمد حياً أو ميتاً فله مائة بعير، حتى يصبح من أغنياء مكة.
[والثالث: أنه لما غادر رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة مع صاحبه، قالت أسماء : مكثنا ثلاثاً لا ندري أين اتجه رسول الله صلى الله عليه وسلم] ثلاث ليالٍ لا يدرون أين اتجه الرسول صلى الله عليه وسلم [وإذا برجل من الجن يُقبل من أسفل مكة يتغنى بأبيات من الشعر] وهذه معجزات تواكب عصر النبوة [وإن الناس ليتبعونه يسمعون صوته ولا يرونه، حتى خرج من أعلى مكة وبهذا عرفنا وجهة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه وأنهما اتجها إلى المدينة النبوية] ما استدلوا إلا بصوت الجن وكلامهم.
[وها هي ذي الأبيات التي كان يتغنى بها رجل الجن:
جزى الله رب الناس خير جزائه رفيقين حلا خيمتي أم معبد] نزلا في خيمة أم معبد في الطريق كما سيأتي.
[هما نزلا بالبر ثم تروحا فأفلح من أمسى رفيق محمد
ليهن بني كعب مكان فتاتهـم ومقعدها للمؤمنين بمرصد] وفتاتهم هي أم معبد ، عجوز كانت في الطريق تقوم بمهام لكل من يمر بها محتاجاً، فتحلب له على الأقل الحليب من شاتها. أي: تساعد المهاجرين.
[والرابع: أن أسماء قالت: لما خرج أبو بكر مهاجراً أخذ كل ماله معه] لأنه ليس هناك صناديق، فالذي عنده مال يضعه عند رأسه، أو يحفر له في الأرض، أو تحت جدار فقط، حتى في أوروبا كانوا لا يعرفون صناديق الحديد ولا البنوك [وكانت ستة آلاف درهم] يعني: ممكن ما يعادل ستين ألف ريال الآن تقريباً [فدخل علينا جدي أبو قحافة ] شيخ هرم مثلي [وكان قد ذهب بصره] عمي لكبر سنه [فقال: إني أراه قد فجعكم بماله مع نفسه؟] يعني: هو ذهب من عندكم وترككم كاليتامى وزاد بأخذ المال، ولم يكن أبو قحافة قد أسلم وقتها بعد.
[قالت: قلت له: كلا يا أبت!] وهذه الزعيمة تعدل نساء العالم كلهم اليوم [إنه قد ترك لنا خيراً كثيراً، وأخذت أحجار فوضعتها في كوة في البيت الذي كان أبي يضع ماله فيها، ثم وضعت عليها ثوباً ثم أخذت بيده فوضعتها عليها وقلت: يا أبت! هذا المال الذي ترك لنا أبو بكر ، فقال: إن كان ترك لكم هذا فقد أحسن، وفي هذا بلاغ لكم] يعني: يصل بكم إلى نهاية حاجتكم [قالت أسماء بعد ذلك: والله ما ترك لنا شيئاً، وإنما أردت أن أسكن الشيخ بذلك لا غير] هذه أسماء تتصرف بحكمة! فهل تخرجت من جامعة أكسفورد؟ أو من كلية السياسة والمال والاقتصاد كبعض نسائنا وبناتنا؟ تجدها تتخرج من كلية كافرة فتصبح شر البرية.
واحر قلباه من قلبه شبم .. إن إخواننا وآباءنا وأجدادنا لم يجدوا من يعلمهم، وما سمعوا بهذا الكلام ولا اجتمعوا عليه قط، فكيف يكملون ويسعدون وهم لا يعرفون؟! إننا نظلمهم.
قال: [عودة إلى مسايرة الركب الميمون: وفي طريق الركب الميمون مروا بخيمة أم معبد فسألوها طعاماً أو شراباً فلم يصيبوا عندها شيئاً] لم تكن تملك شيئاً [وكانت بكسر خيمتها شاة هزيلة خلفتها لهزالها] وكسر البيت: جانبه [فقال الحبيب الطيب: ( هل بها من لبن ) فقالت: هي أجهد من ذلك] فكيف يكون فيها اللبن؟ [فقال: ( هل تأذنين لي أن أحلبها؟ ) فقالت: بأبي أنت وأمي إن رأيت بها حليباً فاحلبها، فدعا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءت فمسح بيده ضرعها، وسمى الله تعالى ودعا لها في شأنها فتفاجت ودرت واجترت، ودعا بإناء يروي الرهط فحلب فيه ثجاً حتى علاه لبنها، ثم سقاها (أم معبد ) حتى رويت] لأنها عطشى وظمأى وجائعة [وسقى أصحابه حتى رووا وشرب آخرهم] أعطوني رجلاً من هذا النوع [وكيف لا وهو القائل: ( ساقي القوم آخرهم شرباً )] وهذه نعمل بها حتى في الشاهي، فمن يصب الشاهي لا يشرب إلا بعدما يبقى هو الأخير [ثم بايع أم معبد على الإسلام وارتحل معه رفاقه] بايعها على الإسلام، قال لها قولي: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
قصة لحاق سراقة بن مالك بركب النبي صلى الله عليه وسلم
قال: [وركبت سائراً في أثري حتى بدا لي القوم ورأيتهم عثر بي فرسي] والإنسان يعثر أيضاً برجله [فذهبت يداه في الأرض] أي: ساخت قدما الفرس في الأرض [وسقطت عنه] لما يهبط الفرس لا بد أن ينكب هو [ثم انتزع يده من الأرض] أي الفرس [وتبعهما دخان كأنه إعصار، فعرفت حين رأيت ذلك أنه قد مُنع مني، وأنه ظاهر] أي: منتصر [فناديت القوم قائلاً: أنا سراقة بن جعشم ] والقوم هم: أبو بكر ورسول الله وعامر بن فهيرة ، والخريت الذي معهم [أنظروني أكلمكم فوالله لا أريبكم] يعني: فقط أمهلوني أصل إليكم وأخبركم. وأسلم تقريباً؛ لأنه شاهد الآيات [فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لـأبي بكر : ( قل له: وما تبغي منا؟ )] يعني ماذا تريد؟ والرسول لم يخاطبه ولكن وكّل الوزير [قال: خذ يا رسول الله! سهماً من كنانتي، وإن إبلي بمكان كذا فخذ منها ما أحببت، فقال له صلى الله عليه وسلم: ( لا حاجة لي بإبلك )] وهو كذلك [فلما أراد سراقة أن يرجع، قال له صلى الله عليه وسلم: ( كيف بك يا
وصول النبي صلى الله عليه وسلم إلى ديار بني عمرو بن عوف
لا إله إلا الله! أين نحن الآن؟ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. هل أصحاب الموالد يفعلون هذا؟ والله لا يفعلون، لِم؟ لأنهم يريدون الأكل والشاي واللحم، والأغاني والأناشيد، وإذا لُمتهم يقولون: هذا وهابي!. إن الاجتماع على سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكون يوماً في العام أو يومين.
قال: [ هذا ونعود إلى مكة؛ لتسجيل حادثتين أو ثلاث من مهمات الأحداث: الأول: أن قريشاً لما كانوا يبحثون عن النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه أتوا دار أبي بكر ] جاء إلى دار أبي بكر الشرط والجندرمة والدرك [فخرجت لهما أسماء ] بنت الصديق ذات النطاقين [فسألوها: أين أبوك يا بنت أبي بكر؟] ولطيفة هذه الكلمة! ولو قسنا كرامة العرب ومروءتهم الآن لا نجدها حتى في المسلم. فكانوا يمتازون بأشياء، حتى قال بعض المعاصرين: (كفار قريش أشراف الكفار)، ولو كان جماعة العرب الآن لقالوا: أين أباك يا كلبة؟ أو ينغزها بالحربة [قالت: لا أدري والله أين أبي] وهي صادقة ما كذبتهم [فرفع أبو جهل يده -وكان فاحشاً خبيثاً- فلطم خد أسماء لطمة أسقط قرطها من أذنها] حملته العنجهية والغضب فلطم أسماء حتى أسقط قرطها من أذنها. وهذه حادثة ما كنا لنعرفها لو مشينا مع الرسول صلى الله عليه وسلم.
[والثاني: أن قريشاً ما إن فقدت النبي صلى الله عليه وسلم وطلبته ولم تجده حتى أعلنت عن جائزة مقدارها مائة بعير لمن يأتي برسول الله حياً أو ميتاً] لما فشلت في البحث وما وجدته، أعلنوا عن جائزة -بأعلى أصواتهم-: من أتانا بمحمد حياً أو ميتاً فله مائة بعير، حتى يصبح من أغنياء مكة.
[والثالث: أنه لما غادر رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة مع صاحبه، قالت أسماء : مكثنا ثلاثاً لا ندري أين اتجه رسول الله صلى الله عليه وسلم] ثلاث ليالٍ لا يدرون أين اتجه الرسول صلى الله عليه وسلم [وإذا برجل من الجن يُقبل من أسفل مكة يتغنى بأبيات من الشعر] وهذه معجزات تواكب عصر النبوة [وإن الناس ليتبعونه يسمعون صوته ولا يرونه، حتى خرج من أعلى مكة وبهذا عرفنا وجهة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه وأنهما اتجها إلى المدينة النبوية] ما استدلوا إلا بصوت الجن وكلامهم.
[وها هي ذي الأبيات التي كان يتغنى بها رجل الجن:
جزى الله رب الناس خير جزائه رفيقين حلا خيمتي أم معبد] نزلا في خيمة أم معبد في الطريق كما سيأتي.
[هما نزلا بالبر ثم تروحا فأفلح من أمسى رفيق محمد
ليهن بني كعب مكان فتاتهـم ومقعدها للمؤمنين بمرصد] وفتاتهم هي أم معبد ، عجوز كانت في الطريق تقوم بمهام لكل من يمر بها محتاجاً، فتحلب له على الأقل الحليب من شاتها. أي: تساعد المهاجرين.
[والرابع: أن أسماء قالت: لما خرج أبو بكر مهاجراً أخذ كل ماله معه] لأنه ليس هناك صناديق، فالذي عنده مال يضعه عند رأسه، أو يحفر له في الأرض، أو تحت جدار فقط، حتى في أوروبا كانوا لا يعرفون صناديق الحديد ولا البنوك [وكانت ستة آلاف درهم] يعني: ممكن ما يعادل ستين ألف ريال الآن تقريباً [فدخل علينا جدي أبو قحافة ] شيخ هرم مثلي [وكان قد ذهب بصره] عمي لكبر سنه [فقال: إني أراه قد فجعكم بماله مع نفسه؟] يعني: هو ذهب من عندكم وترككم كاليتامى وزاد بأخذ المال، ولم يكن أبو قحافة قد أسلم وقتها بعد.
[قالت: قلت له: كلا يا أبت!] وهذه الزعيمة تعدل نساء العالم كلهم اليوم [إنه قد ترك لنا خيراً كثيراً، وأخذت أحجار فوضعتها في كوة في البيت الذي كان أبي يضع ماله فيها، ثم وضعت عليها ثوباً ثم أخذت بيده فوضعتها عليها وقلت: يا أبت! هذا المال الذي ترك لنا أبو بكر ، فقال: إن كان ترك لكم هذا فقد أحسن، وفي هذا بلاغ لكم] يعني: يصل بكم إلى نهاية حاجتكم [قالت أسماء بعد ذلك: والله ما ترك لنا شيئاً، وإنما أردت أن أسكن الشيخ بذلك لا غير] هذه أسماء تتصرف بحكمة! فهل تخرجت من جامعة أكسفورد؟ أو من كلية السياسة والمال والاقتصاد كبعض نسائنا وبناتنا؟ تجدها تتخرج من كلية كافرة فتصبح شر البرية.
واحر قلباه من قلبه شبم .. إن إخواننا وآباءنا وأجدادنا لم يجدوا من يعلمهم، وما سمعوا بهذا الكلام ولا اجتمعوا عليه قط، فكيف يكملون ويسعدون وهم لا يعرفون؟! إننا نظلمهم.
قال: [عودة إلى مسايرة الركب الميمون: وفي طريق الركب الميمون مروا بخيمة أم معبد فسألوها طعاماً أو شراباً فلم يصيبوا عندها شيئاً] لم تكن تملك شيئاً [وكانت بكسر خيمتها شاة هزيلة خلفتها لهزالها] وكسر البيت: جانبه [فقال الحبيب الطيب: ( هل بها من لبن ) فقالت: هي أجهد من ذلك] فكيف يكون فيها اللبن؟ [فقال: ( هل تأذنين لي أن أحلبها؟ ) فقالت: بأبي أنت وأمي إن رأيت بها حليباً فاحلبها، فدعا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءت فمسح بيده ضرعها، وسمى الله تعالى ودعا لها في شأنها فتفاجت ودرت واجترت، ودعا بإناء يروي الرهط فحلب فيه ثجاً حتى علاه لبنها، ثم سقاها (أم معبد ) حتى رويت] لأنها عطشى وظمأى وجائعة [وسقى أصحابه حتى رووا وشرب آخرهم] أعطوني رجلاً من هذا النوع [وكيف لا وهو القائل: ( ساقي القوم آخرهم شرباً )] وهذه نعمل بها حتى في الشاهي، فمن يصب الشاهي لا يشرب إلا بعدما يبقى هو الأخير [ثم بايع أم معبد على الإسلام وارتحل معه رفاقه] بايعها على الإسلام، قال لها قولي: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
استمع المزيد من الشيخ ابو بكر الجزائري - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
هذا الحبيب يا محب 115 | 4084 استماع |
هذا الحبيب يا محب 111 | 4080 استماع |
هذا الحبيب يا محب 7 | 3824 استماع |
هذا الحبيب يا محب 47 | 3819 استماع |
هذا الحبيب يا محب 126 | 3695 استماع |
هذا الحبيب يا محب 102 | 3682 استماع |
هذا الحبيب يا محب 9 | 3650 استماع |
هذا الحبيب يا محب 32 | 3574 استماع |
هذا الحبيب يا محب 99 | 3489 استماع |
هذا الحبيب يا محب 48 | 3472 استماع |