خطب ومحاضرات
الثبات حتى الممات
الحلقة مفرغة
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة.
من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
أيها الأبناء والإخوة المسلمون! أحييكم جميعاً بتحية الإسلام، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لقد اختار الأبناء عنوان كلمتنا هذه وجعلوه: (الثبات حتى الممات)، فماذا يعنون بهذا العنوان؟ على أي شيء الثبات؟
وهنا أذكر قول الله عز وجل في ندائنا معاشر المؤمنين والمؤمنات! من سورة آل عمران إذ قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]، فهذا النداء الإلهي الموجه إلينا معاشر المؤمنين والمؤمنات! يأمرنا فيه بالثبات على الإسلام حتى الموت، وهو نص صريح في هذا المعنى، إذ قال تعالى آمراً: اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ [آل عمران:102]، ومعنى: اتَّقُوا اللَّهَ [آل عمران:102] عز وجل: خافوه، ارهبوه، اخشوه، فلا تعصوه، وانهضوا بالتكاليف، وقوموا بها، وواصلوا ذلك حتى الموت، فإن من انقطع؛ انقطع حبله وسقط، وخسر خسراناً أبدياً.
أضيف إلى هذا ما أجمع عليه أهل العلم في هذه الأمة من أن الأعمال بالخواتيم، فقد يعمل أحدنا ما شاء الله أن يعمل ثم ينبت حبله وينقطع، فيسقط فيتلاشى ويتمزق.
ويشهد لهذا المعنى أيضاً: حديث عبد الله بن مسعود في الصحيح وهو: ( إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها ). فالعبرة إذاً: بالخواتيم؛ فلهذا الثبات.. الثبات! حتى الممات.
ويشهد لهذا أيضاً ويقرره ما صح عنه صلى الله عليه وسلم إذ يقول: ( ستكون فتن كقطع الليل المظلم، يصبح فيها الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل ).
(فتن كقطع الليل المظلم)، قد غشتنا هذه الفتن، وغطت عالمنا الأرضي.
(يصبح فيها الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، يمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع دينه..)، إذاً: الكفر وبيع الدين والتخلي عنه والتنكر له.
(يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل)، نعم! لو أعطي ملء الأرض ذهباً ما كان شيئاً كثيراً، فقد يقف أحدهم في عرصات القيامة فلو أن له ما في الأرض جميعاً ومثله معه لافتدى به، بنص كتاب الله.
إن الشقي من الناس عندما يعاين جهنم وقد برزت يود في ذلك المقام لو أن له ما في الأرض جميعاً ومثله معه؛ ليفتدي به، وليس له ذلك ولا يقبل منه؛ لأن حكم الله جرى في أن أصحاب الأرواح الطيبة والنفوس الزكية الطاهرة، يسكنهم في جواره في الملكوت الأعلى، وأن أصحاب الأرواح الخبيثة المنتنة، الشريرة المظلمة هؤلاء يلعنهم ويبعدهم عن ساحة الخير وعن دار السلام، ويحشرهم في ذلكم العذاب المقيم، في جهنم دار المتكبرين والظالمين.
ويشهد لهذه الحقيقة تلك الدعوة الربانية التي دعا بها يوسف عليه السلام، إذ قص الله تعالى لنا قصته، يوسف الصديق بن الصديق بن الصديق، يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، قال تعالى بعد ما قص أحداث قصته وقد دامت أربعين سنة، لما جلس يوسف على أريكة الملك، ودانت له تلك الديار، وأصبح الملك الحق، واجتمع شمله بأبويه وإخوته، وأصبح متمكناً من أن يأكل ما يشاء ويلبس ما يشاء ويسكن كيف شاء، وله أن يبطش أو ينتقم ممن يشاء في هذه الساعة، يرفع كفيه إلى ربه فيقول: رَبِّ [يوسف:101]، أي: يا رب! قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ [يوسف:101]، هذه أمنية يوسف بعد أن تمكن من أن يتقلب في تلك البلاد كيف شاء، إذ دانت له وخضعت، كان حنينه وشوقه إلى الملكوت الأعلى، يريد مواكبة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً.
فمن هنا كان هذا العنوان؛ عنوان الساعة: وهو الثبات حتى الممات؛ خشية أن ننقطع فيضيع كل شيء، فلم نستفد من صيام ولا صلاة، ولا من صدقة، ولا من زكاة، ولا من حج ولا اعتمار، ولا من ذكر ولا من تلاوة قرآن، بل ولا جهاد ولا رباط، يا ويل من انقطع! إنها الردة والرجعة إلى الظلمة بعد الدخول في النور، فما أحوجنا إلى الاستمرار في هذا الطريق حتى النهاية، وإن طلبنا عوناً وحق لنا أن نطلب العون، من يقوى على أن يموت مسلماً؟ من يملك ذلك وهو في خضم الفتن، لابد من اللجوء الصادق إلى الله، هو الذي يثبت عباده المؤمنين متى طلبوا ذلك ورغبوا فيه، وألحوا في تطلابه والحصول عليه، إذ كان الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم يناجي ربه في سجوده ويقول: ( اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك )، يعلن عن حاجته إلى ربه، عن ضعفه وقلة قدرته، يسأل ربه أن يثبت قلبه على ما هو عليه حتى يلقى ربه، فكيف بنا ونحن في ظلمات هذه الفتن، فلنسأل الله تعالى -إن أمكن- في كل ركعة لا في كل صلاة: ( اللهم يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلوبنا على دينك ).
والله عز وجل يستجيب لعباده المؤمنين، وقد وعدنا بذلك، جاء هذا الوعد في آخر سورة إبراهيم الخليل عليه السلام، في قول الله تعالى: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ [إبراهيم:27]، فالله يفعل ما يشاء؛ لأن إرادته حرة مطلقة، فمن شاء هداه ومن شاء أضله، من شاء رحمه ومن شاء عذبه، من شاء أعطاه ومن شاء منعه، فإرادته فوق كل إرادة؛ لأنه عليم حكيم: إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ [يوسف:83].
فمن قصده وقرع بابه، ورفع صوته ضارعاً باكياً سائلاً، حاشاه أن يحرمه سؤله، أو أن يمنعه طلبه، ومن أعرض عنه وتشاغل بغيره، بل قرع باب سواه وطاح بين يدي غيره فهذا المحروم، ومثل هذا لا يعطى ولا يهدى ولا يرحم، فإن إرادته تتبعها حكمته، فلا يظن ظان أن من لازم باب الله يسأله الهداية أنه لا يهديه ما كان هذا، ولا تظن هذا في الله، ولا أن عبداً أذنب وغرق في ذنبه ثم رفع كفيه إلى ربه مستغفراً تائباً نادماً باكياً ولازم باب الله بالاستغفار والتوبة حاشا لله أن يحرمه قبول توبته، كيف وهو القائل: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53]، ومعنى هذه الآية، ومن حق كل سامع وسامعة أن يفهم معناها، وأن يفهم مراد الله منها، فقد اغتر بها من اغتر، وظن أن الله وعد عباده بأنه سيغفر ذنوبهم كلها ولم يؤاخذهم على شيء منها، محتجاً بهذا النص الكريم: إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا [الزمر:53]، إن مراد الله من هذا: أنه ليس هناك ذنب يعجز الله تعالى عن مغفرته والصفح عن فاعله والعفو عنه، لو أحرقت مصراً بكامله وتبت وقبل توبتك غفر لك، فإن ذلك الذنب لا يعجزه.
وأذكر لكم مذكراً الناسين أن سبب نزول هذه الآية الكريمة: أن مجموعة من المسرفين في الإجرام والظلم والشر والفساد، لما أصبح الناس يدخلون في دين الله أفواجاً وجماعات، تململوا وتضايقوا من بقائهم في تلك الظلمة، في ذلك الحيز من الضيق والهم والكرب، أيسلمون؟ وهل يُقبلون؟ وقد غطت ذنوبهم السهل والوهاد والجبال، ما تركوا ذنباً إلا قارفوه، فوفقهم الله إلى أن يراسلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبعثوا رسولهم إليه يقول له: فعلنا وفعلنا وفعلنا، فإن كان الله قادراً على أن يغفر لنا ويقبلنا دخلنا في دين الله وأسلمنا له، وإن كانت ذنوبنا مثلها لا يغفر لابد من المؤاخذة فلنترك أنفسنا على ما نحن عليه، فكان الرد كالبرقية العاجلة: قُلْ [الزمر:53] يا رسولنا! قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53].
إذاً: فلا يقنطن قانط ولا ييأسن يائس، مهما كانت ذنوبه إن هو عزم عزم الصادقين على أن يطهر ويصفو ويزكو، ورمى بنفسه في بحر طاعة الله الطاهر النقي، من صلاة إلى زكاة، ومن ذكر إلى دعاء، ومن صالحة إلى أخرى، وكره كل خبيث، واشمأزت نفسه وانقبضت من كل سوء، فإنه لو عاش يوماً واحداً، بل ساعة واحدة، غفر الله له ذنوبه، إنه يغفر الذنوب جميعاً.
معاشر المسلمين! كأن صائحاً يصيح من أعلى الجبل، يا قومنا الثبات.. الثبات؛ لما يشاهد من الأخطار المحدقة؛ لما يشاهد من سحب الضلال والفتن، وهي تتراكم والجو قد اختنق، اصبروا حتى الموت، وهذا هو الواقع.
فبسم الله، نذكر ما نثبت عليه وحتى الموت إن شاء الله.
الثبات على عقيدة التوحيد: لا إله إلا الله محمد رسول الله
وللبسطاء من الأبناء -إذ قد يرتبكون في هذا المعنى- نقول لهم: إن الأمة الإسلامية ذات الألف مليون قد استقلت من سلطة الاستعمار الغربي والشرقي، لم ما كتب على راية من رايات ثلاث وأربعين دولة إسلامية (لا إله إلا الله محمد رسول الله)؟ ما هو السر؟ السر أنه غير مسموح بهذا؛ لأنهم لا يريدون كلمة تشير إلى ألا يعبد إلا الله، ولا كلمة تشير إلى ألا يطاع ويتبع ويمشى وراءه إلا رسول الله.
إذاً: فاثبتوا على توحيد الله، فلا قبة تبنى على ضريح أو قبر، فقد طهر الله دياركم من هذا النوع من الوثنيات، تلك الأضرحة التي تنسب إلى الصالحين وأكثر أهلها ما صلحوا، فتضرب القباب على أضرحة وتوابيت من أجل أن تناهض التوحيد، ومن أجل أن تصرف قلوب العباد عن الله إلى عباد الله، وبدلاً من أن تتقلب القلوب في الله وتتعلق بالله تنتكس فتتعلق بتلك القباب والأضرحة، هذا مما طهر الله دياركم منه فاثبتوا، لا يبنى قبر ولا ضريح ولا توضع خرقة ولا قبة على أحد منا في هذه الديار، فإن لم تثبتوا فسوف يحل بكم ما حل بغيركم.
ومع واجب البيان، وإن كنتم عن هذا غافلين، في هذه الآونة الأخيرة من سنيات قليلة، أصبحنا نشاهد القباب في المساجد وفي القصور وفي الدور من مكة وجدة إلى الرياض، ما سر هذه القباب الجديدة؟
سرها يا من يعرفون النفس البشرية! والأخلاق والطباع الإنسانية، أن ذلكم متنفس للغيظ المكتوم والهم المستور، بسبب هدم القباب على يد عبد العزيز.
هذا هو الذي وجد متنفساً فأصبح الغافلون إذا بنوا الدار أو القصر أو المسجد يجعلون فيه قبة تنعش آمال الجاهلين، وتحرك عواطف المكبوتين الذين عاشوا خمسين أو ستين أو سبعين سنة، وهم يتلهفون على قبة فلا يجدون.
منذ عشرين سنة قرأت كلمة في مجلة تسمى: مجلة العترة، تصدر في الديار المصرية، والأقلام التي تكتب فيها شيعية، والكاتب يتلهف متى تزول هذه الدولة الوهابية، ونعيد عهد ذلك السلف الذي كان يشيد القباب، ويبنيها ويضربها على أبناء الدوحة النبوية في الحرمين الشريفين، واسمحوا لي أن أقول ما يجيش في صدري، والحديث ذو شجون: لو تمت هذه المؤامرة التي أرادوا بها إطفاء هذا النور، وأرادوا بها تمزيق راية (لا إله إلا الله)، لبالوا عليها، وكيف يبولون على الراية وفيها (لا إله إلا الله)؟ لقد رأيناهم بالوا على المصاحف في الجامعات؛ لأنهم بلاشفة، لا يؤمنون بالله، فكيف لا يبولون عليها وقد باعوا كل شيء من أجل الوصول إلى هذا الهدف؟! وهل يسمى هدفاً؟! إنه هدف الحمقى والمجانين، هدف الملاحدة، هدف أصحاب الجحيم، لو تمت المؤامرة ودخلوا هذه الديار من شرقها وغربها وشمالها وجنوبها لا أشك في أن القباب ستعاد، وستبنى بالذهب ولو مطلاة، والروافض والمجوس مستعدون لأن يعيدوا قباب البقيع والمعلا بالذهب، ولكن الله سلم، فمن يحمد الله غيرنا؟ الحمد لله.
إن على كل مسلم في الأرض أن يقول: الحمد لله على أن الله أطفأ نار الفتنة، وأوقف أولئك المجرمين وردهم وصدهم يصرخون بأعلى أصواتهم، ينددون إذ فاتت الفرصة، وإلى الآن ما عرفوا أن الله هو الذي صدهم؛ لأن الشيطان أصمهم وأعمى أبصارهم، فهم إلى الآن يصرخون وما عرفوا أن الله ولي المؤمنين هو الذي رد كيدهم في نحورهم.
اثبتوا على التوحيد، فلا قبة تبنى، ولو استشارني أي غني من أغنيائنا ممن بنوا القباب على دورهم، لقلت لهم: اكرهوا القبة؛ لأنها عبدت مع الرب جل جلاله وعظم سلطانه، وإن قال قائل: ما هذا التشدد؟ قلت له: تعال، هذا أبو القاسم فداه أبي وأمي والناس أجمعون، أبو القاسم رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس فيرى صليباً منسوجاً بخيوط فيبغضه، لم؟ وما يفعل هذا الخيط؟ لأنه عُبد مع ربي، فوالله لينقضه بأسنانه الطاهرة، والغافلون يقولون: ماذا في ذلك؟ ما دام من تحت القبة عُبد مع الله، ودعي واستغيث به، وذبح له ونذر، كيف لا تغضب يا مؤمن؟! ولكن فعلوا وها نحن نندد بفعلهم، ولا أقول اهدموها، ووالله لو هدموها لكان خيراً لهم.
الثبات على إقام الصلاة
إذاً: لا يوجد تحت السماء جيش تقام فيه الصلاة سوى هذا الجيش، وابكوا على مسلميكم، واندبوا على مؤمنيكم لم لا تقام الصلاة في جيوش مرابطة تحمي البلاد والديار، من شاء فليصل ومن شاء فليغن، أبهذا جاء الإسلام؟ ومن هنا إقام الصلاة، اثبتوا على ذلك.
الطفل والطفلة والرجل والمرأة من ضبطتموه لا يصلي قدموه للمحكمة، ولا تبالي أن يكون ابنك أو امرأتك، فقط انذره ثلاثاً، حرّج عليه كالحية من الجن ثلاث مرات، وإلا استدعي هيئة الأمر بالمعروف، أو انقله إليهم وسوف يصلي.
مرة ثانية وكأني مودع: إياكم ثم إياكم أن يضعف شأن الصلاة بينكم، اذكروا عهدها الأول على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كانوا يأتون بالرجل يهادونه بين اثنين ليوضع في الصف؛ ليصلي في جماعة المسلمين، واذكروا عهد عبد العزيز حتى جرى مثل عندنا في المدينة يقولون: (صلاة سعودية بلا وضوء ولا نية). لم هذا المثل؟
لأن الهيئة لا تسمح ومنادي الله ينادي أن حي على الصلاة وأنت مدبر وذاهب إلى حيث تشاء، يجب أن ترجع وتصلي وإن كنت على غير طهارة؛ لأنهم يتعللون أنا على غير وضوء، لم ما توضأت وقد مضت ساعات فلما نودي لها وأقبل المؤمنون عليها، تقول: أنا ذاهب لأتوضأ؟! فيأتي ويصلي بلا وضوء، خائف، ترتعد فرائصه، فلا يسمح له بترك الصلاة؛ لأن هذا الكون بكامله ما وجد إلا من أجل هذه الصلاة، كيف إذاً أنت تعطلها والحياة كلها من أجلها؟
أما علمتم أن الله قال: ( يا ابن آدم لقد خلقت كل شيء من أجلك وخلقتك من أجلي )، هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا [البقرة:29]، وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ [الجاثية:13]، وهو خلقنا لم؟ خلق كل شيء من أجلنا، حتى الجنة والنار، وخلقنا نحن لماذا؟ للهو واللعب؟! للفرفشة والأغاني؟ أو لسفك الدماء والدمار والخراب والتكالب على الدنيا والعهر والزنا؟ خلقنا لأي شيء؟ قال: ( خلقتكم لأجلي )، ماذا تفعل بنا يا ربنا؟ قال: ( لتعبدوني ).
فقد جاء في سورة (الذاريات)، قوله تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، والعبادة كلها لم تخرج عن دائرة معنى الذكر والشكر: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ [البقرة:152].
إذاً: الصلاة أكبر مظهر من مظاهر ذكر الله وشكره، فمن لم يقمها ما ذكر ولا شكر، لو أنفق ما في الأرض جميعاً يتقرب به إلى الله ما تقبل منه.
الصلاة إحدى دعائم أربع تقام عليها الدولة الإسلامية، هذه الكلمة ساقني الله وهداني إلى التكلم بها أكثر من أربعين سنة، وأرددها في الشرق والغرب، وإلى الآن لم تسمعها أذن قط من آذان المؤمنين.
أقول: يا عباد الله! إن الله عز وجل وضع دعائم للدولة الإسلامية، لم تعرضون عنها وترغبون في غيرها؟ ما حملكم على هذا الإعراض والصدود؟ إن كان الاستعمار فقد خرج من دياركم، وإن كانت السيطرة على قلوبكم فأخرجوها بذكر الله.
عايشت كل الديار الإسلامية في استقلالاتها والحمد لله، من سوريا الشام إلى موريتانيا، كلما استقل إقليم هللنا وكبرنا، ولم تقم دولة واحدة على الدعائم الأربع التي وضعها الله للدولة الإسلامية، كأنهم لا يقرءون القرآن، نعم. أكثر المسئولين لا يقرءونه، وغير المسئولين يقرءونه على الموتى لا للتدبر والتفكر، ولا لاستخراج الدرر وتصيد المعاني التي تكمل الإنسان وتسعده، يقرءونه على الموتى فقط بالأجرة؛ فلهذا ما فهموه إلى الآن، ما المانع يا عبد الله! يا رئيس الدولة! أن تجتمع مع رجالك وتقول: كنا غافلين والآن انتبهنا أن الله خالقنا، ربنا، مالك الملك، ذا الجلال والإكرام، وتضع للدولة أربع دعائم، وتقول: ضعوا دولتكم عليها، لم لا نضع دولتنا على ذلك، ولتغضب الدنيا، وليسخط الجن كلهم؟ لم؟ ولا يكلف ذلك ديناراً ولا درهماً أبداً.
والآية الكريمة من سورة الحج المدنية المكية قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا [الحج:38]، حقاً أو لا؟ أما دافع عنكم، أيها المؤمنون! أتنكرون! ألم يسخر دول الشرق والغرب؟! نعم، لقد دافع ويدافع وما زال يدافع، ومن شك في هذا كذب ربه وكفر، وإنما هل هذا الوصف ثابت؟ أنحن مؤمنون؟ هنا فقط الشك، أما متى كان الوصف كائناً ثابتاً فلا تتردد في أن الله يدفع عنك ويدافع عنك: إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ [الحج:38].
(خَوَّانٍ)! كثير الخيانة، المتآمرون -والله العظيم- خونة، وخيانة مضاعفة، خوان أثيم، إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ [الحج:38]، أي: كثير الخيانة، وكثير كفران النعم، سبحان الله! كأن الآية نزلت اليوم فقط، لا إله إلا الله إن هذا القرآن عجب لم تنقض عجائبه أبداً، وصدق إخواننا من الجن عندما قالوا: إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا [الجن:1]، كيف يقول: خَوَّانٍ كَفُورٍ [الحج:38]؟
فالمتآمرون كم أنعم عليهم هذا البلد وأعطاهم وأسدى إليهم وما قصر في إكرامهم، كيف ينكرون هذا ويقولون: نذبحهم؟ عجب!
أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ [الحج:39]، (أُذِنَ) من الذي يأذن؟ رب العرش والملكوت.
أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ [الحج:39]، لم؟ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا [الحج:39]؛ بسبب أنهم ظلموا.
وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ [الحج:39-40]، أبمثل هذا يخرج العبد، إن صدق في دعوته وقال: ربي الله؟
وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ [الحج:40] سبحان الله! كأنها الآن نزلت هذه الآية، لولا أن الله دفع البغاة والمتآزرين والمتعاونين دفعهم بأمريكا وبريطانيا وفرنسا وصيحات الشرق والغرب لواصلوا زحفهم، ولسفكوا دماءكم ومزقوا بطونكم وفعلوا الفاحشة بنسائكم، وحولوا الحرمين إلى ساحة للصيادة والعملة الصعبة والله العظيم.
عجب هذا القرآن! وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ [الحج:40]، من يأخذ بهذا عهداً على الله؟
وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ [الحج:40]، أبيض كان أو أسود عربياً أو عجمياً، ومن شك في هذا إيمانه مهلهل فليراجع الطريق، إقسامٌ ظاهرٌ لفظيٌ.
وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ [الحج:40]، من نصر الله نصره الله، والبغاة ينصرون الله بالتدجيل والكذب، كل شيء مباح، والصلاة متروكة، والزكاة مهجورة، ومن شاء أن يكفر فليكفر؟ ينصرهم على ماذا وهم ما نصروا الله في أي شيء؟
لكن الذين ينصرون الله في كتابه ليسود ويحكم، في دينه ليسود ويحكم ويقود ويسعد، في أوليائه ليواصلوا ذكر الله وعبادة الله، هؤلاء تعهد الله جل جلاله بأن ينصرهم، ومن شك ففي خلال خمس وعشرين سنة فقط بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وإذا بالإسلام تجاوز الشرق والغرب، وانتهى إلى ما وراء السند، وبحر الظلمات (الأطلنطي).
خمس وعشرون سنة لا تكفي لإقامة مصنع حتى ينتج؛ لكن وعد الله حق: وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ [الحج:40]، كيف إذاً؟ قوي وعزيز، عزيز لا يمانع في مراده، إذا أراد الشيء كان، ليس هناك قوة تصرفه عنه أو تحول بينه وبين فعله.
الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ [الحج:41]، يشرح لكم ربكم ذاك الغموض الذي تابعتموه في أنوار الآيات، فيقول لكم: الذين تعهدنا بنصرتهم هم أولئك الذين ينصروننا، من هم؟ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ [الحج:41]، والتمكين في الأرض بأن أصبحوا حكاماً، يتصرفون ويديرون شئون البلاد.
معاشر الأبناء! قضية فلسطين، قضية الإسلام والمسلمين، أستغفر الله! قضية الإسلام والمسلمين! سبحان الله! قضية الفلسطينيين؟! نعم، قضية الفلسطينيين، أخرجوا من ديارهم وأموالهم، أما قضية الإسلام والمسلمين، أين المسلمون؟ وأين رايات الإسلام في العالم؟ لم ما نصر الله العرب على اليهود؟ كم دخلوا معهم في معارك ويخرجون مهزومين؟ لم؟ لأن الله سحب هذا العهد، فعلينا أن نراجع القضية، فتعالى الله أن يكون له البداء، إذاً لم لا ينتصر العرب وهم يطوقون حفنة اليهود من كل جانب؟
الجواب: لأنهم لما قاتلوا ما أرادوا أن يقيموا فيها الصلاة، ولا يجبوا فيها الزكاة، ولا يأمروا بمعروف ولا ينهوا عن منكر؛ لأنهم لو أرادوا هذا لأرادوه في ديارهم التي يسوسونها ويحكمونها.
بهلول من بهاليل الشبان به ضعف أو اختلال منذ حوالي أكثر من عشرين سنة في بيت من بيوت المغرب، قال لي هذا البهلول: يا شيخ! لا ينصر الله العرب، قلت له: لماذا لا ينصرهم يا بني؟ قال: لأنهم لا يريدون أن يقيموا له دولة في فلسطين.
الذي لا يعمل لله لا ينصره الله، فلو أن حفنة من المؤمنين الصادقين وطنوا العزم على أن يقيموا دولة لله على أرض فلسطين ثم دخلوا المعركة وصبروا فيها، والله لأنجز الله لهم ما وعد، وبدون تلك العزيمة وهذه الإرادة والنية لو يجتمع ألف مليون مسلم فقط للانتقام من اليهود وإخراجهم ما نصرهم الله، ولا تقولوا: هذا الكلام يفشل العرب الآن؛ لأنهم فاشلون.
إذاً: ما هي الدعائم التي تقوم عليها الدولة الإسلامية يا عباد الله؟!
أن تقام الصلاة، أن تجبى الزكاة، أن يؤمر بالمعروف وينهى عن المنكر، فإذا تمت هذه الأربع، فأيسر وأسهل منها أن تقام الحدود، إذ ما بقي من يزني حتى يرجم، ولا يسرق حتى تقطع يده، ولا مرتد حتى يقام عليه الحد، لو أقيمت الصلاة فقط ما بقيت حدود إلا وتقام، فيكون في العشرين سنة يجني جان ويقام عليه الحد، فيقال: عام كذا قطعت يد فلان، لكن إذا لم تقم الدولة على هذه الأسس الأربعة لن يسودها أمن ولا طهر ولا صفاء، بل لابد من الغبار والضياع.
إذاً: اثبتوا على إقام الصلاة.
الثبات على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
والله الذي لا إله غيره، لو أقيمت الصلاة كما أراد الله، ووجدت هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بإذن الله وعلى مراد الله، لما احتجنا إلى شرط ولا بوليس، ولا أنظمة الشرطة والبوليس، ولما احتجنا إلى دراسة بوليسية ولا أمنية في ديار الكفر والكافرين، ووالله لساد أمن لم يسد بلداً غير هذا البلد، واسمعوا -لا تقولوا: الشيخ خرف، أو يتملق- هذا الكلام قاله الناس وهم هابطون غارقون، أنا أتكلم على علم، وعلى بينة ونقول: والله لو أقيمت الصلاة وجبيت الزكاة فَسدَّتْ خلة المحتاجين، وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر، بنظام وانتظام ما احتجنا أبداً إلى شيء اسمه بوليس، إلا ما كان في المرور، حين يغلط الغالط ويتجاوز الضوء الأحمر فيصدم؛ لأن كل فرد منا بوليس، وكل واحد منا من المباحث، يعجبهم عندما نقول هذا المهم أنه يجب على كل مؤمن أن يكون أميناً حافظاً.
لم ننتظر البوليس؟ وأنت، لم لا تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ لم المباحث فقط يكشفون المخبآت والمؤامرات؟ وأنت، كيف تقع الجريمة بين يديك وتسكت يا عدو الله أو يا ولي الله؟! أين تقع الجريمة بيننا، وكلنا عين ساهرة؟ لكن دياراً ما أمر فيها بمعروف ولا نهي عن منكر، ولا أقيمت فيها الصلاة، ولا علتها راية: (لا إله إلا الله)، ينبغي أن يجعلوا فيها نصف الشعب بوليساً، وهل نفعهم؟ والله ما نفعهم، تدمروا، ففي فرنسا الكافرة -كما بلغنا من جهات معلومة- أن إحصائية يومية في الجمهورية الفرنسية تقول: عشرة آلاف جريمة يومية تسجل، أين قوى الأمن؟ أين تلك الأجهزة والآلات؟ ما نفعت.
والله لو أقيمت الصلاة وأمر بالمعروف في صدق وعزز الآمنون وأعطوا القوة وعلموا ودربوا لأصبحت دارنا كالجنة، دار سلام.
بناءً على أنهم يحاولون إطفاء هذا النور، وأنهم يعملون على أن تعم الفوضى، ولا صلاةَ ولا أمر بمعروف ولا نهي عن منكر؛ ليقربوا من أملهم، أوصيكم أن تثبتوا على هذا، اثبتوا، وأقيموا الصلاة، وأمروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر، وعززوا الهيئة وارفعوا قيمتها وساعدوها، واتصلوا بمن هو أعلى منها ليكون عوناً ودرعاً لها.
الثبات على بيعة آل سعود والالتفاف حولهم ما أقاموا الدين في الناس
مرة ثانية -وأُشهد الله- أدعوكم أن تثبتوا حتى الموت على بيعة حكومة آل سعود أولاد عبد العزيز ما أقاموا فيكم دين الله، وإن رأيتم هناك خللاً فأصلحوه لا أن تتكلموا سراً وتثيروا الفتنة، وتغيظوا الصدور بشيء لا ينفع، إن كنت المؤمن المحب ورأيت اعوجاجاً وتأكدت منه فاتصل بهذا المسئول بوليسياً كان أو أميراً أو مديراً أو كان الملك، وقل: سيدي يقع كذا وكذا، أصلح هذا الفساد.
مرة أخرى: والله العظيم ما أنتم بواجدين خيراً من هذه الأسرة في هذه الظروف القائمة اليوم، فمن هنا وجب الثبات حتى الموت.
معاشر المسلمين! أستميحكم عذراً في كل ما أقول.
إن مما يجب أن تثبتوا عليه حتى الموت -كما اختار الأستاذ العنوان- أن تثبتوا على التفافكم حول راية: (لا إله إلا الله)، التي حملها ورفعها عبد العزيز وخلفه من بعده، فهذه الأسرة أقسم بالله إني لأحبها من أجل والدها، نعم من أحب الوالد أحب الأولاد؛ لأن الله ضرب به المثل، بعد أن أيست الدنيا من أن يعود للقرآن يوم أو دولة أو قضاء وحكم فيأتي هذا الرجل فيعلن راية: (لا إله إلا الله)، فيطهر هذه الديار من رجس الشرك والخبث والظلم ويسودها الطهر والصفاء مع الفقر والحاجة؛ لأنها صحراء قاحلة.
فهذه الأسرة المؤمنة أحبها من أجل أبيها، منذ شهر دعتني امرأة يقال لها: فلانة بنت عبد العزيز جمعت لي ساحة كاملة من النساء لم ير منهن وجه ولا يد، وتطلب وعظهن، أتوجد هذه المرأة في دنيا الناس اليوم؟ فلهذا أقول على علم: اثبتوا على عهدكم وبيعتكم والتفافكم حول هذه البقية الباقية، فإنكم والله لم تجدوا غيرها، وقد شرقنا وغربنا، ودرسنا النفسيات، وعرفنا العقول والقلوب، مَن مِن المسلمين من يقوى على حمل رسالة كهذه؟ انفضح الذين يدّعون الحكم الإسلامي والدولة الإسلامية، وانكشفت عورتهم، ما هم بأهل لأن يقيموا دين الله، فلهذا اثبتوا يرحمكم الله.
الثبات على الحجاب
إذاً: بناتكم نساؤكم، لن تنكشف لهن سوأة، ولن تظهر لهن عورة، ولن ينكشف منهن وجه حتى الموت، والذين يقولون: كشف الوجه ما هو بعورة، أنا حاججتهم ودحضت باطلهم وقلت لهم: انظروني أنا الآن متحجب أو لا؟ أسألكم بالله يبدو مني شيء غير وجهي وكفي؟
نحن الآن متحجبون، السعوديون الرجال متحجبون حتى الملك، إذاً العنوهم، هؤلاء مكرة ماسونية يهودية، أصابع الماسونية؛ لأن كشف الوجه يتبعه الوظيفة، الاختلاط، العهر والزنا، ثم لن يبق معنا (لا إله إلا الله)، إنها خطوات معروفة.
نساؤنا كعهد نبينا صلى الله عليه وسلم، لا يجتمعن مع رجالنا أبداً، للنساء رواق وللرجال رواق، في المشافي والمصحات رواق للنساء ورواق للرجال، أما أن نقلد هؤلاء المغرضين، ونكشف عن وجوه بناتنا، وتصبح إذا قلت لها: ألا تستحين؟ تضحك وتخرج لسانها، فهذا هو الدمار.
الثبات على الحجاب حتى الممات، وإن عذبتم حاشا الله أن يعذبكم، ولن يسلط عليكم لا صداماً ولا غيره، ما دمتم أولياءه، والله لن يزيدكم الحجاب إلا عزاً وكرامة وهيبة من الساقطين والهابطين.
الثبات على عدم اختلاط النساء بالرجال في الوظائف
وإذا كان هناك جماعة أرادت أن تشغّل نساء فلتنشئ مزرعة، وتربتنا طيبة وماؤنا عذب، وتعلن: كل فتاة تريد أن تشتغل فلتتفضل، ويكون على أبوابها وأسوارها النساء واقفات: ادخلي اشتغلي، حولي التراب إلى ذهب، ماذا تفعلون؟ أنشئوا مصنعاً لإنتاج الحرير أو إنتاج الخيش واجمعوا فيه خمسين امرأة، كل من أراد ابنته أو زوجته تشتغل أرسلها، تشتغل مع النساء وتنتج، لكنهم لا يريدون هذا.
أنا طالبتهم بهذا في الشرق والغرب، لكنهم يريدون وظيفة ليغازلوا النساء ويضاحكوهن في الدكاكين والدور والمكاتب، والدليل عندما تتقدم فتاة رمشاء أو عمساء أو معيبة -والله- لا يقبلونها؛ أهذه تصلح تدخل على الوزير وتخرج؟! لا تقبل!
إذاً: هم مكرة يهودية، كيف ما نتفطن وننتبه، لا وظيفة للمرأة وليموتوا بغيظهم، وسوف يعوضنا الله بالفحول.
الثبات على الشوق إلى لقاء الله تعالى
اللهم حقق لنا دار السلام، واجعلنا من أهلها يا رب العالمين.
اللهم حقق لنا أملنا فيها واحشرنا جميعاً في ساحتها، وذكرنا هذا اليوم الذي ذكرناك فيه يا رب العالمين.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم.
أولاً: اثبتوا على عقيدة (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، واثبتوا على: راية (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، وإياكم أن تستبدلوا بها راية أخرى، ترمز إلى البلشفية الحمراء أو الماسونية المظلمة، اثبتوا حتى الموت على (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، وعلى راية تحمل هذه المعاهدة الإلهية، فإن تلك الراية التي كتب عليها: (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، أهل الغفلة والجهل لا يعرفون لهذا معنى، ولا يضرهم أو يسوءهم لو استبدلت براية أخرى، أو بكلمات غير هذه، أما أهل العلم والبصيرة من الأصدقاء والأعداء يعرفون أنها تقول: إن أرضاً تظللها كلمة: (لا إله إلا الله)، لا ينبغي أن يعبد فيها سوى الله، وإن أرضاً تظللها راية فيها (محمد رسول الله) ترمز وتصرخ وتصيح هنا تحت هذه الراية لا يتابع إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، عرف هذا أولو البصائر، وعرفه أيضاً الخصوم؛ خصوم التوحيد من الإنس والجن، فهم يتغيظون ويتحرقون ويودون ولو بجدع أنوفهم أن تمزق هذه الراية، وإني لعلى بينة من أمري، ما يريدون أن تبقى راية تحمل: (لا إله إلا الله محمداً رسول الله).
وللبسطاء من الأبناء -إذ قد يرتبكون في هذا المعنى- نقول لهم: إن الأمة الإسلامية ذات الألف مليون قد استقلت من سلطة الاستعمار الغربي والشرقي، لم ما كتب على راية من رايات ثلاث وأربعين دولة إسلامية (لا إله إلا الله محمد رسول الله)؟ ما هو السر؟ السر أنه غير مسموح بهذا؛ لأنهم لا يريدون كلمة تشير إلى ألا يعبد إلا الله، ولا كلمة تشير إلى ألا يطاع ويتبع ويمشى وراءه إلا رسول الله.
إذاً: فاثبتوا على توحيد الله، فلا قبة تبنى على ضريح أو قبر، فقد طهر الله دياركم من هذا النوع من الوثنيات، تلك الأضرحة التي تنسب إلى الصالحين وأكثر أهلها ما صلحوا، فتضرب القباب على أضرحة وتوابيت من أجل أن تناهض التوحيد، ومن أجل أن تصرف قلوب العباد عن الله إلى عباد الله، وبدلاً من أن تتقلب القلوب في الله وتتعلق بالله تنتكس فتتعلق بتلك القباب والأضرحة، هذا مما طهر الله دياركم منه فاثبتوا، لا يبنى قبر ولا ضريح ولا توضع خرقة ولا قبة على أحد منا في هذه الديار، فإن لم تثبتوا فسوف يحل بكم ما حل بغيركم.
ومع واجب البيان، وإن كنتم عن هذا غافلين، في هذه الآونة الأخيرة من سنيات قليلة، أصبحنا نشاهد القباب في المساجد وفي القصور وفي الدور من مكة وجدة إلى الرياض، ما سر هذه القباب الجديدة؟
سرها يا من يعرفون النفس البشرية! والأخلاق والطباع الإنسانية، أن ذلكم متنفس للغيظ المكتوم والهم المستور، بسبب هدم القباب على يد عبد العزيز.
هذا هو الذي وجد متنفساً فأصبح الغافلون إذا بنوا الدار أو القصر أو المسجد يجعلون فيه قبة تنعش آمال الجاهلين، وتحرك عواطف المكبوتين الذين عاشوا خمسين أو ستين أو سبعين سنة، وهم يتلهفون على قبة فلا يجدون.
منذ عشرين سنة قرأت كلمة في مجلة تسمى: مجلة العترة، تصدر في الديار المصرية، والأقلام التي تكتب فيها شيعية، والكاتب يتلهف متى تزول هذه الدولة الوهابية، ونعيد عهد ذلك السلف الذي كان يشيد القباب، ويبنيها ويضربها على أبناء الدوحة النبوية في الحرمين الشريفين، واسمحوا لي أن أقول ما يجيش في صدري، والحديث ذو شجون: لو تمت هذه المؤامرة التي أرادوا بها إطفاء هذا النور، وأرادوا بها تمزيق راية (لا إله إلا الله)، لبالوا عليها، وكيف يبولون على الراية وفيها (لا إله إلا الله)؟ لقد رأيناهم بالوا على المصاحف في الجامعات؛ لأنهم بلاشفة، لا يؤمنون بالله، فكيف لا يبولون عليها وقد باعوا كل شيء من أجل الوصول إلى هذا الهدف؟! وهل يسمى هدفاً؟! إنه هدف الحمقى والمجانين، هدف الملاحدة، هدف أصحاب الجحيم، لو تمت المؤامرة ودخلوا هذه الديار من شرقها وغربها وشمالها وجنوبها لا أشك في أن القباب ستعاد، وستبنى بالذهب ولو مطلاة، والروافض والمجوس مستعدون لأن يعيدوا قباب البقيع والمعلا بالذهب، ولكن الله سلم، فمن يحمد الله غيرنا؟ الحمد لله.
إن على كل مسلم في الأرض أن يقول: الحمد لله على أن الله أطفأ نار الفتنة، وأوقف أولئك المجرمين وردهم وصدهم يصرخون بأعلى أصواتهم، ينددون إذ فاتت الفرصة، وإلى الآن ما عرفوا أن الله هو الذي صدهم؛ لأن الشيطان أصمهم وأعمى أبصارهم، فهم إلى الآن يصرخون وما عرفوا أن الله ولي المؤمنين هو الذي رد كيدهم في نحورهم.
اثبتوا على التوحيد، فلا قبة تبنى، ولو استشارني أي غني من أغنيائنا ممن بنوا القباب على دورهم، لقلت لهم: اكرهوا القبة؛ لأنها عبدت مع الرب جل جلاله وعظم سلطانه، وإن قال قائل: ما هذا التشدد؟ قلت له: تعال، هذا أبو القاسم فداه أبي وأمي والناس أجمعون، أبو القاسم رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس فيرى صليباً منسوجاً بخيوط فيبغضه، لم؟ وما يفعل هذا الخيط؟ لأنه عُبد مع ربي، فوالله لينقضه بأسنانه الطاهرة، والغافلون يقولون: ماذا في ذلك؟ ما دام من تحت القبة عُبد مع الله، ودعي واستغيث به، وذبح له ونذر، كيف لا تغضب يا مؤمن؟! ولكن فعلوا وها نحن نندد بفعلهم، ولا أقول اهدموها، ووالله لو هدموها لكان خيراً لهم.
استمع المزيد من الشيخ ابو بكر الجزائري - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
انتبه .. إنها الساعة الحاسمة | 3860 استماع |
لماذا نصوم - شرح آخر -1 | 3656 استماع |
القرآن حجة لك أو عليك | 3552 استماع |
لماذا نصوم -1 | 3494 استماع |
سر الوجود | 3489 استماع |
الأمة الوسط | 3483 استماع |
وصايا لقمان كما وردت في القرآن | 3348 استماع |
دولة الظلم ساعة ودولة العدل إلى أن تقوم الساعة | 3239 استماع |
مناسك الحج | 3190 استماع |
الذكر والشكر | 3142 استماع |