خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/142"> الشيخ ابو بكر الجزائري . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/142?sub=55">
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
الصبر ضياء
الحلقة مفرغة
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد:
فيا معاشر الأبناء والإخوان! نحييكم جميعاً بتحية الإسلام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ما زلنا والحمد لله مع حديث مسلم في صحيحه من رواية أبي مالك الأشعري رضي الله عنه، والذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السماوات والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء، والقرآن حجة لك أو عليك، كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها ) .
وموضوع محاضرتنا الليلة هي قوله صلى الله عليه وسلم: ( والصبر ضياء )، معاشر الأبناء والإخوان الصبر حقيقته: حث النفس وهي كارهة على ما تكره، لأن هناك صراعاً يدور بين جيشين:
الأول: الدين والعقل، هذا جيش الحق.
والثاني: النفس والهوى، وهذا جيش الباطل.
والمعركة دائرة بين الفريقين، ومن نصره الله انتصر، فلهذا قالوا: إن الصبر اشتق لفظه من مادة مرة شديدة المرارة، تعرف بالصبر، بفتح الصاد وكسر الباء، وأكثر الناس تذوقوها وعرفوا مرارتها، فالصبر إذاً مر وهو حثك -عبد الله- نفسك على ما تكرهه؛ لأن العقل والدين اقتضيا هذا، وأمرا به من أجل سلامة هذه النفس ونجاتها، وإلا فإنها تتعرض لشقاوة لا تنتهي.
فإذا ما أهملناها وتركناها للهوى يقلبها كيف شاء وتآخت معه واتحدت به، فإن سلطان الإيمان والدين يضعفان أمام هذه القوة المظلمة، فلابد إذاً من دخول المعركة والجهاد المتواصل والله عز وجل مع الصابرين، قال تعالى: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا [العنكبوت:69] أي: أنفسهم، لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69].
هذا الصبر أوجبه الله عز وجل فهو أحد الواجبات الفرائض المكتوبات على كل المؤمنين والمؤمنات، أمر الله تعالى به في غير ما موضع من كتابه، والآية الكريمة التي قرأها الإمام في صلاة المغرب أمر صريح يلزم به رسول الله سيد هذه الأمة وإمامها فَاصْبِرْ [الأحقاف:35] ويذكره بمن صبر قبله حتى يخفف عنه وطأة هذا الأمر: فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ [الأحقاف:35].
ونتائج الصبر الطيبة وثمراته الشهية التي هي من نصيب الصابرين كثيرة، وأعلاها: أن الله معهم، ومن كان الله معه فلا يخاف ولا يحزن، إن الله مع الصابرين، أما مثوبتهم أما جزاؤهم أما أجرهم عند الله فلا تسأل، فإن الله قال: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ [الزمر:10] فكل العاملين يعطون أجورهم عداً بمقادير وكميات محدودة إلا أهل الصبر فإن الله يعطيهم دون ما حساب.
قيل في هذه الآية: إن المراد بالصابرين هنا الصائمون، أو كانت عامة والعموم خير: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ [الزمر:10] يوم القيامة؛ لأن الجزاء في الدار الآخرة، وأما اليوم فلا جزاء بنص كتاب الله.
وما كان من حسنة فإنما هي من يمن الحسنات وبركتها، وما كان من سيئة في النفس أو المال أو الولد إنما ذلك من شؤم السيئة والعياذ بالله، أما الجزاء فأمامكم، واقرءوا إن شئتم قول الله عز وجل من سورة آل عمران: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ [آل عمران:185].
والشاهد في قوله: وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [آل عمران:185].
إذاً: ما يجده أهل الإيمان والتقوى من بركات في حياتهم إنما ذلك من يمن الحسنة فقط، وليس هو الجزاء، وما يجده أهل الكفر والفسق من أذى ومن سوء ليس هو الجزاء، وإنما ذلك من شؤم السيئة، فإن لها شؤماً ولها أثراً، كما قال الحكماء: الجزاء في الدنيا أثر طبيعي للعمل: مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ [النساء:123].
أما الجزاء الحق على كسبنا إنما هو في العالم الثاني بعد نهاية هذه الدورة لهذه الحياة، وانقلاب هذا الكون والعودة به كما كان، يومها يجزي الله عز وجل العاملين: مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ [الأنعام:160].
قال ابن عباس رضي الله عنهما: مواطن الصبر ثلاثة، فهيا نزور هذه المواطن ونقف فيها متأملين معتبرين دارسين أيضاً متعلمين، عسى الله تعالى أن ينصرنا في هذه المعارك الثلاث، فالمعركة دائرة بين من سمعتم، الدين والعقل من جهة، والنفس والهوى والشهوة من جهة أخرى، والمنصور من نصره الله.
هذه المواطن الثلاثة أولها: موطن الطاعة، فحث نفسك -عبد الله- على طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فالنفس لا تريد الطاعة، النفس تنزع نزعة إبليسية، وما حديث فرعون عنا ببعيد إذ قال: أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى [النازعات:24].
فالنفس في شرودها وتمردها وطغيانها تنزع النزعة الإبليسية، لا تريد العبودية أبداً، ومن صفات الإنسان: إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى [العلق:6] بهذا المعنى الذي يدل عليه لفظ الطغيان: كَلَّا إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى [العلق:6] والإنسان بوصفه لحماً ودماً ليس هو الذي يقع وإنما هي النفس، فحثها على الطاعة وهي تصرخ بأعلى صوتها، ألجئها إلجاءً واضطرها اضطراراً على طاعة الله ورسوله.
وهنا استعن بالله والجيش إلى جنبك الدين والعقل، فالدين يذكر جزاء الطاعة والمعصية، والدين يقيم الأدلة على نفع الطاعة وعلى ضرر المعصية، والدين أخبار إلهية صادقة لا يتطرق إليها الكذب، لا يتطرق إليها الاحتمال والشك.
والعقل يزن ويقدر، والعقل صادق إن هو صفا من رعونات النفس ودخانها، فالعقل -كذلك- يرى أن الطاعة أفضل من المعصية، وأن الحسنة أفضل من السيئة، وأن الجمال أفضل من القبح، وأن السمو أفضل من الهبوط والحبوط.
كذلك تمكن من هذه العدوة التي بين جنبيك، وقد قال الحكماء: أعدى أعدائك يا ابن آدم نفسك التي بين جنبيك، فتغلب عليها واحبسها حبساً واقصرها قصراً على الطاعة، الطاعة تبتدي من الغسل من الجنابة في الليالي البعيدة، وتستمر في سلسلة مستمرة إلى إزالة الأذى من طريق المؤمنين والمؤمنات، ثم إن أنت حبستها بعد أن غلبتها ومعك عقلك ودينك وما معها إلا الشيطان والهوى، إن أنت تمكنت منها فاشدد؛ فإنها لا يطول زمانها إلا وقد أفلتت لك القياد، إلا وقد لانت لك وذلت بين يديك.
وإن واصلت قبضتك فإن يوماً ما تصبح نفسك النفس المطمئنة، ويومها تزول الأتعاب وتنتهي المخاوف؛ لأنها أصبحت تحن إلى الطاعة وتتوق لها، ولو أردت أن تعذبها في تلك الفترة لكان تعذيبك لها أن تحرمها من الطاعة، فلو تحرمها من المسجد ما تغشاه أربعاً وعشرين ساعة لكان ذلك من أشد أنواع العذاب التي تصيبها به.
النفس ذات مراحل، المرحلة الأولى كما قال تعالى حكاية عن يوسف الصديق بن الصديق عليه السلام: وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي [يوسف:53] لم؟ فعلل لذلك بقوله: إِنَّ النَّفْسَ [يوسف:53] وعزة الله وجلاله لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ [يوسف:53] و(أمارة) كثيرة الأمر ما هي بالمرة ولا العشر، (أمارة بالسوء) أصبحت تعرف بالأمارة؛ لأنها حيثما يوجد سوء تأمر به، وقد رأيتموها أين تسوق رجالها ونساءها إلى المخامر إلى المعافن إلى المزابل إلى الشرور إلى ... إلى ما لا يرضى به عاقل لنفسه، وهي التي تأمر وتسوق؛ لأنها منتصرة عليهم، ضعف جيش الدين والإيمان، الدين ما عرفه الإنسان ولا عرف فوائده ولا أصوله ولا أوامره ولا نواهيه، والعقل فتر فتغلبت عليه الأهواء فضعف أمام هذا العدو فاستولى عليه فهي تأمرهم بما تعلمون: إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ [يوسف:53].
فإذا ما جاهدتها وانتقلت بك من هذه المرحلة إلى مرحلة ما يعرف بالنفس اللوامة، جاء هذا في سورة القيامة، إذ قال تعالى: لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ [القيامة:1-2] وأهل العلم يقولون: أداة النفي هنا زائدة، وزيادة المبنى تزيد في المعنى، ليس من الزيادة التي تعاب عند العرب، تزيد الحرف من أجل أن تقوي الكلمة أو العبارة، فزيادة المبنى تزيد في قوة المعنى؛ لأن السامع لما يسمع لأول مرة (لا أقسم) يقول: لم لا يقسم، ومن طالبه بقسم أو بإقسام؛ فيستوقفه الخطاب ويلقي بأذنه يسمع ثم يذكر الجواب: لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ [القيامة:1-2].
وجواب القسم محذوف لتبعثن بعد الموت ولتحاسبن ثم لتجازن بأعمالكم، أو نحو هذه المعاني التي يقسم الله عز وجل من أجلها تعليماً للناس وهداية الخلق.
والشاهد من هذا معاشر الأبناء أن المرحلة الثانية للنفس تصبح فيها لوامة، تقطع ثم تلوم، تسوق صاحبها إلى المعصية لما يغشاها ويتلطخ بها ثم تلومه: لم فعلت ذلك؟ لو أنك ما فعلت كذا لكان كذا، ومعنى هذا أنها أصبحت ذات وجهين، تنظر إلى الإشراقات والأنوار تأمرها من حيث الإيمان والدين فتخاطبك بهذا الخطاب، تلوي برأسها وتلتفت إلى غيرها وإلى غير الدين والعقل إلى الشهوات والأهواء والدنيا والشيطان فتصاب بالظلمة، وحينئذ تسوق العبد إلى الظلمات.
فإذا أنت واصلت الجهاد وواصلت القتال مع هذا العدو فإنها تنطرح بين يديك وتصبح النفس المطمئنة، واقرءوا قول الله عز وجل في سورة الفجر: يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي [الفجر:27-30].
كيف تنادى النفس بهذا اللفظ لو لم تكن أهلاً له ومتصلة به، هذه النفس أصبحت مطمئنة ساكنة، إذا دخل صاحبها في الصلاة تود ألا يخرج منها، وإذا بذل القليل تود لو أنه بذل الكثير، إذا صام تود أنه لو لم يفطر، إذا دخل المعركة يقاتل تود أنه استشهد وما رجع، إذا أخذ يتلو كتاب الله يعز عليها أن يترك التلاوة .. وهكذا تصبح مشتاقة إلى الطاعة وتحن لها حنين النوق إلى قطعانها، ولكن بعد ماذا بعد الانكسار، والانكسار لا يكون إلا بعد جهاد.
فهل جاهدنا نحن؟ من منكم فاز في معركته؟ ما زال منا من لم يبدأ الجهاد بعد، ومنا من لم ينتصر، هذا هو الطابع العام، أما أهل المقاهي والأهواء فهم يساقون سوقاً، لكن المجاهدين من أهل المساجد قل من أصبحت نفسه مطمئنة.
إذاً: فالمعركة طويلة، ونسأل الله تعالى أن ينصرنا إنه قوي عزيز.
ثم معاشر الأبناء! حبسها على الطاعة، فلا ننسى أنه يجب علينا أن نعرف الطاعات كما يجب علينا أن نعرف المعصيات، فالذي لا يعرف أرض المعركة كيف ينتصر؟ فلابد من معرفة كل محاب الله عز وجل ومساخطه، لابد من معرفة ما يحب الله تعالى من المعتقدات والنيات والخواطر، وما يحبه من الأقوال والكلمات الطيبات، وما يحب من الأعمال والأفعال التي تقوم بها جوارح الإنسان.
فطلب العلم فريضة ولابد من معرفة مساخط الله. أي: ما يكره الله ويسخط من المعتقدات والنيات والخواطر والأقوال والأعمال، وهذا هو الدين، فما الدين إلا معرفة محاب الله ومساخط الله.
هذه الطاعات ينظر إليها بعدة اعتبارات:
أولاً: عندما تريد أن تقوم بالعمل، جاهد نفسك هنا، بأن تتعلم كيف تؤدي هذا العمل فلن تخدم الله عز وجل بغير ما يحب أن يطاع به وفيه، فعندما تريد أن تقدم على العمل يجب أن تكون قد أحسنت وعرفت مدخله ومخرجه، عرفت شروطه وآدابه حتى تؤديه وفق ما يحب من تعبده به.
هنا تجاهد النفس فلا تأتي العمل وأنت لا تدري ماذا تعمل وكيف تعمل، ثم تخلصه لله وتبعد سائر الأدران من نفسك حتى لا يبقى في قلبك سوى الله، هو الذي تحركت له وخرجت من بيتك لبيته، فتحرر النية تحريراً كاملاً وتخلصها من كل الشوائب، حتى لا يبقى لك من هم إلا الله، سواء أردت أن تدخل معركة الجهاد، أو أردت أن تدخل معركة الصلاة، أو معركة القول والكلام، فكل ما كان عبادة وطاعة وجئت بها لتحبسها عليه قبل المباشرة للعمل هذبها وخلصها وخل العبادة لله.
فإن غفلت فقد تصلي وما صليت، وتتصدق وما تصدقت، وتجاهد في صفوف المؤمنين أعداء الله المشركين والكافرين وما جاهدت؛ لأن العمل مختل، لقد غُلبت وضحكت عليك النفس، وما عرفت سياستها، ولهذا لابد من أول مجاهدة عند الطاعة أن تعرف الطاعة كيف تؤديها وتخلصها كلها لله، فلا تتحرك وأنت تريد زيداً أو عمراً، لا تتحرك وأنت تريد معنى من المعاني إلا معنى واحداً عبد الله، وهذا الإخلاص هو روح الأعمال.
فمع الالتفات ما نجحت وإن جئت بالنفس وحبستها على الطاعة وأكرهتها عليها، لكن سمحت لها أن تلتفت إلى زيد أو عمرو، وبذلك خرجت من يدك وما استفدت من حبسها على هذه الطاعة.
ثانياً: عندما تدخل في الطاعة وتباشرها وتأخذ في أدائها جاهد نفسك أيضاً، وهذه حلقة مفقودة يا أبنائي، إننا لمورطون في ذلك، وعلى سبيل المثال: الصلاة أو تلاوة كتاب الله أو ذكر الله عز وجل، بل حتى الصدقات، ومثل ذلك حجنا واعتمارنا، ندخل في عبادة بصدق النية نريد وجه الله، لكن لما ندخل فيها تصرفنا عن الله، فنؤديها ونخرج منها وليس لله منها شيء؛ لأن الذي يعبد الله ولا يفقه ما يقول ولا يعرف مع من هو يتكلم أو يعمل، صدقوني إذا قلت لكم: إنه يخرج من العبادة صفر اليدين، وهذه هزيمتنا العامة، أين آثار العبادة؟ يدخل أحدنا يتوضأ من لحظة بدء الطهارة: بسم الله ناوياً رفع الحدث يغيب عن وجوده، يسرح هناك وهناك يتجول في عوالم حتى يسرح عن الوضوء، وبعد ذلك ما ذكر الله فما استفاد من هذه الطهارة؛ إذ المقصود منها ليس هو إزالة الدرن؛ لأنه لو كان المقصود إزالة الدرن كم من إنسان نظيف الجسم لا يحتاج إلى غسل، وإنما هو ذكر الله.
فندخل في الوضوء ونخرج ولا نشعر أننا نذكر الله أو نتوضأ من أجل الله، ما نفقه هذا، يجلس أحدنا ليتلو كتاب الله فيقرأ الآيات ويقرأ السور والأجزاء، واللسان ينطق والقلب معرض وذهبت النفس به بعيداً، فما كأنه يتكلم مع الله، وليس هذا من السهل، ولكنه سهل على من سهله الله عليه، يدخل أحدنا في الصلاة ونحن نؤمن أن الله عز وجل معنا، ومعية الله أشد وأقوى من معيتنا الآن نحن فيما بيننا.
المصلي يناجي ربه، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم مبلغاً عن الله: ( المصلي يناجي ربه، وإن الله لينصب وجهه لعبده في الصلاة، وهو يقول: أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ وجماعة ذكرته في ملأ خير منه، أنا مع عبدي ما ذكرني وتحرك بي شفتاه ).
وعلمنا الأبناء وقلنا: سبحان الله! إن الله عز وجل يضع الأرض في كفة ويقلبها كحبة خردل وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ [الزمر:67].
عرفنا هذا وتتمرد النفس وتستعين بأعوانها من الشياطين والأهواء وجيوش الشهوات، وندخل للصلاة فوالله لو نفقه لغشي على أحدنا، تجلس بين يدي الله تناجي وقد نصب وجهه الكريم إليك يسمعك ويراك، ثم تلتفت وتتركه وتذهب هنا وهناك تشرد بعيداً، والله لتذهب بنا النفس إلى القاذورات والأوساخ المهم ألا تستفيد من هذه المناجاة، أين الجهاد؟ هذه هي الحقيقة.
فمجاهدتها هنا أثناء العمل حتى لا تضحك عليك وتخرج بلا عمل، فالعديد يتكلف المصاريف والتكاليف ليحج أو يعتمر أو يزور وبالتالي يعود بلا شيء، غافل شارد لا يدري ماذا يفعل، ولن يستفيد عبد من عمل لم يكن ذاكراً فيه لله، إن لله من أعمالنا قبل كل شيء القلوب، ( إن الله لا ينظر إلى صوركم وأشكالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وإلى أعمالكم ) الأعمال من حيث كونها موافقة له ولما شرع أو غير موافقة، لكن القلوب غافلة أو ذاكرة.
وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ [الأعراف:205] فالغافلون ليسوا دائماً رواد المقاهي وشذاذ الناس في الظلمات، فالغفلة معروفة، نحن أغلب أوقاتنا من الغافلين؛ لأننا ما انتصرنا بعد على النفس وما تمكنا منها، متى نعرف أننا تمكنا منها وانتصرنا؟ يوم تصبح مطمئناً، إذا دخلت المسجد تريد ألا تخرج منه، وفي الحديث الصحيح: ( ورجل قلبه معلق في المساجد لا يخرج منه حتى يعود إليه ) من علق قلبه؟ الله؛ بسبب الرياضة والمجاهدة، جاهد فانتصر فأصبحت نفسه مطمئنة، تتضايق للشر فلا تتحمل المعصية ولا تقوى عليها، لا رؤية ولا تفكيراً فضلاً عن المباشرة في العمل.
معاشر الأبناء! أنا أشكو إلى الله هذا الداء وأذكركم به، فقط أين الذكر؟ ندخل العبادة ونحن غافلون ونخرج منها ونحن غافلون، أين آثارها؟
إذاً ففرغ قلبك لله أثناء دعائه، جاء في الحديث: ( إن الله لا يستجيب أو لا يقبل دعاء غافل )، ما معنى هذا؟ كونك تقول: يا رباه أعطني وافعل لي كذا وأنت مع سلمى وليلى والدكان والحاجة و.. و.. واللسان ينطق: وأعطني وأعطني، لا ينفع هذا، ولا يستجيب الله؛ لأنه لا يقبل دعاء من غافل، إما أن تكون معه بين يديه تستحي حتى أن ترفع رأسك أو تحرك إصبعك منه وإلا أنت جسم بلا روح.
وأنا على يقين -أبنائي- أن الواقع يشهد أننا ما وجدنا بعد لذة العبادة ولا طعمها، وأننا نعيش على الكفاف.
ثالثاً: إذا انتصرت في داخل العبادة وأديتها، سواء كانت طويلة أو قصيرة، قد تكون الصلاة ركعتين، وقد تكون حجاً يقتضي منك الذكر عشرين يوماً وليلة وأنت مع الله، أثناء أداء المعركة وفي وسط صفوف الجهاد أيضاً لا تسمح لنفسك أن تشرد بك وتتركك جسماً بلا روح، وفي الحديث الصحيح: ( أن تعبد الله كأنك تراه )، ما قال هذا الرسول صلى الله عليه وسلم عبثاً أبداً، ولا قاله لطبقة من الناس دون طبقة، هذا بيانه لهذه الأمة سئل ولا يدري من السائل: ( ما الإحسان يا رسول الله؟ فقال: أن تعبد الله كأنك تراه ).
ماذا نقول في هذا النص؟ أن تعبد الله سواء بالغسل بالوضوء بالتيمم بالذكر بالدعاء بكلمة الخير بالمعروف بالنهي عن المنكر، عندما تدخل في الطاعة تدخلها وتبقى فيها وتؤديها وكأنك تنظر إلى الله، فالذي يعمل عملاً وكأنه ينظر إلى ربه، أسألكم بالله لو ارتفع الإيمان إلى درجة اليقين وأصبح العبد موقناً ألا يستحي؟
أو ما يحصل الحياء ويخجل الإنسان؟ أما يخاف لو يترك شيئاً؟ إذا كان بلغ هذا الحد من اليقين فهو يخيط الثوب وهو يراقب الله حتى لا يغش أو يفسد، كأنه ينظر إلى الله بمعنى أنه يعمل تحت نظر الله، فلا يستطيع أن يفسد العمل ولا أن يغش فيه أبداً، أما إذا أخذ يعمل وهو نائم، فهذا قد يعمل ويضحك.
فلهذا لابد من واحدة من اثنتين إما أن تفوق عبد الله وتصبح من الكمال بحيث تؤدي عملك الذي تعبد الله به دنيوياً كان أو أخروياً كأنك تنظر إلى الله، وحينئذ فلا غش فلا إفساد فلا عبث، يخرج العمل صالحاً متقناً مجوداً لا عيب فيه أبداً؛ لأنك تعمل تحت نظر الله عز وجل، فإن عجز المرء عن هذه المرتبة السامية ينزل إلى التي دونها مباشرة وهي أن يعبد الله وهو يعلم أن الله يراه، وهذا ليس بالصعب، لأن علمنا العام هو أن الله يعلمنا كما نحن عليه، سواء كنا في ظلمات البر أو البحر في الأرض أو في السماء، نحن مكشوفون لله، يعلمنا كما نحن عليه، ظواهرنا كبواطننا.
لكن هذا العلم إذا لم تستحضره ما أفاد، مثل: تاجر عنده مليون ريال في البنك ثم ما عنده فلس في جيبه ماذا يغني عنه؟ هذا العلم معلوم عندنا من عقائدنا لكن إذا لم نستحضره لا ننتفع به.
أولاً: إياك أن تعجب بعملك فإن نفسك تزينه وتحسنه بعدما أخرجتك مسلوب الفائدة، ومع هذا تريك عملك وكأنك سيد الأولياء وإمام المتقين، وأن كل الناس دونك، وأن عملك فوق كل عمل، حتى تهتز أعطافك ولا تعرف كيف تمشي أو تنطق؛ لأن هذه عوارض العجب، وترى لك الأفضلية على غيرك، ثم ذبحتك ذبحاً كاملاً فما انتصرت.
هذا فيما لو انتصرت داخل العمل، أما خارجه فلا تفوت أبداً، وأكبر ما يصيب العبد العجب، ومن أعجب بعمله بطل، كان بعض الصحابة وهم خارجون من مكة ومعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد الخلق قد أصيبوا بهذا فأصابتهم نكبة وحلت بهم هزيمة ولا سبب لها إلا هذه النفس الخبيثة، إذ قال قائلهم: لن نغلب اليوم من قلة، فقال تعالى: لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ [التوبة:25].
يا عبد الله! إذا فرغت من عمل وانتصرت عليها أثناءه فإنها لن تعطيك القيادة لأن معها جيشها المظلم، إياك وأن تعجب بعمل هي التي تزينه حتى ترى عملك أفضل الأعمال وأنت خير الرجال، ثم تقتلك.
ثانياً: احذر بعد العجب أن تحملك نفسك على السمعة، فتجعلك تقول: أنا البارح -ما شاء الله- قضيت ليلتي في قراءة كتاب الله، أو قمت آخر الليل فتهجدت ورأيت كذا وكذا، أو تقول: ما شاء الله وفقنا الله ويسر لنا وبنينا المسجد الفلاني، أو أسهمنا في كذا بكذا.
إن النفس تريد أن تبطل العمل؛ فتحسن لك السمعة، فتكون مدفوعاً من حيث لا تشعر وتتحدث بعملك، وبمجرد أن تتحدث به تكون قد نالت منك، هذا إذا أنت قهرتها قبل الدخول في العمل ثم قهرتها أثناءه، فإن قهرتها هنا انتصرت عليها.
السمعة والرياء والعجب هذه التي تستغلها النفس، فاحذر أن تعجب بعملك، فإنها هي التي تحملك على العجب، وهي التي تزين بمعونة أفراد قواتها: الشيطان، والدنيا، والهوى، والشهوة.
السمعة كذلك تريد أن تقول: فعلنا كذا، وحصلنا على كذا، وقد تقول: من فضل الله وبمعونة الله فعلت كذا وكذا، وهي التي تحمل على هذا، فإن انتصرت يا بني في هذه المراحل الثلاث انتصرت عليها، وهنيئاً لك ونجحت في هذا الميدان: ميدان الطاعة، وبقي موطنان.
الحياة شاقة: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا [العنكبوت:69] لا تحسب الحياة تمراً أنت آكله، الحياة جهاد، عرفتم هذا الموطن، وكيف تجاهدون، وكيف يتم لكم النصر إن شاء الله؟
ننتقل إلى الموطن الثاني: وهو حبس النفس -وهي كارهة ولها عويل- عن المعاصي، وربطها بعيداً، وهي تهفو وتخفض بجناحيها تواقة للمعصية، وأنت ترغمها وتقصرها بعيداً عن المعصية قصراً.
يا بني! إنها تحب اللهو، تحب الباطل، تحب العبث، تحب السخرية، تحب الأكل، تحب الشرب، تحب الجماع، تحب الرياسة، تحب الكبر، تحب وتحب .. ما تركت لك شيئاً لا تحبه من الباطل، وبهذا طبعت، فكيف إذاً تجاهدها؟ وكيف تنتصر عليها؟
من هم رجال قواتك المسلحة؟ الدين، فإن وازعه قوي وسيفه حديد، ثم العقل، لا تنس عقلك، لا تتخلَّ عنه، فإنه من أعظم ما تستعين به على حبسها بعيداً عن المعاصي.
لما يريد العبد أن يقدم على زنية -والعياذ بالله- ينتفخ جسمه وينتشر دمه ويصبح كالطفل، يهيج من أجل أن يقضي دقائق يترتب على هذه الزنية إعدامه فيموت، أو يترك لا يقام عليه حد فيدخل النار، فيشقى شقاء أبداً.
فالعقل يقول: كيف تضحي بصلتك بالله: بولايتك لله؟ كيف تضحي بطهارتك وصفائك ومكانتك بين المؤمنين المتقين؟ كيف تبيع آخرتك؟ كيف تغضب ربك وتسخط مولاك؟ كيف تعيش بعد ذلك من أجل لذة ساعة وتترك المخالفات وتعقب آثاراً سيئة هبوطاً في النفس وهبوطاً في العقل وهبوطاً في الجسم، وأذى لا يتحمل؟ هذا صوت العقل، فمن استجاب وانتصر للعقل ينتصر على هذه النفس الخبيثة.
والدين يبين لك أن هذا خبث، وأن هذا جريمة قبيحة منكرة، وأن ربك توعد عليها بالعذاب في الدنيا وفي الآخرة، وأنها قطع لصلتك بربك، فتمسي عدواً لله بعد أن كنت في الصباح ولياً لله، فإذا استعنت بعقلك ودينك بعد ربك تعالى، والاستعانة بالله أن تفزع إلى الله عند كل ملمة، أي رباه أنقذني من هذه الورطة، نجني ربي، واطلب النجاة.
فإن أنت انتصرت عليها في موطن المعصية أفلحت، واعلم أنها أشد من موطن الطاعة، فالطاعة قد تألفها شيئاً فشيئاً، وتشع أنوار العبادة على القلب، وتستطيع ما تقضي إلا فترة بسيطة إلا ونفسك تحب الخير وتهفو إليه، وتحب المعروف وتطلبه، وتحب الطهارة وترحل إليها، لكن المعصية شهوات يلوح بها الشيطان ويزينها للناس، فالمعركة في هذا الموطن لا تقل أبداً قوة وعنفاً عن الموطن الأول، والمستعان هو الله، ثم العقل والدين ثم صحبة الصالحين؛ فإنها تعين على ذلك، فالإنسان إذا حشر نفسه مع جماعة من المؤمنين الصالحين يحتذي بهم، ولا يأكل ذئب الغنم إلا القاصية، فلهذا دعينا إلى الجماعة، فالشاب العزب يجاهد نفسه أكبر جهاد، وقد جربناه أيام الشباب، وعرفنا الجهاد المرير الذي يجاهده الشاب، فإذا ما ترك نفسه للشيطان -والله- ليفترسنه افتراس الذئب للشاة، ويجعلنه سخرة وألعوبة يلعب به كما شاء، فلابد من حماية.
أولاً: الوالد يجب أن يمد يده إلى ابنه في هذه الفترة، فإذا بلغ غلامك الرابعة عشرة -يا عبد الله- اسحبه معك لا تتركه، خذه معك حتى تصل به إلى باب المسجد ويصلي إلى جنبك في الصف، خذه معك إلى المدرسة وضعه عند الباب حتى يدخل، وقل له: لا تخرج حتى آتيك، ولا تتركه وحده.
فإن الحماية كل الحماية أن تصاحب الصالحين: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ [الكهف:28] فإذا خفت -يا بني- فلازم الصالحين، فإذا كنت في مجموعة من الصالحين فلا تنطق بالسوء ولا تلفظ بالبذاء، ولا تتناول حراماً، ولا تنظر إلى محرم، الآن لو تمر بين أيدينا امرأة نستحي من بعضنا البعض أن نحملق فيها أو ننظر إليها، لكن لو كنا منفردين تدور معركة بيننا وبين النفس وينصر الله من ينتصر، لكن قل من يسلم، فوجودك في جماعة -أيها الشاب- تصلي معهم، وتنام معهم، وتأكل معهم، وتشرب معهم حماية، ولهذا يقول عمر رضي الله عنه: (لاعب ابنك سبعاً وأدبه سبعاً واصحبه سبعاً).
هذا المبدأ لو أخذنا به لكنا غير ما نحن عليه الآن، سبع سنوات لاعب ولدك، دخل الثامنة أو السابعة علمه، أفرغ في حافظته أو ذاكرته كل العلوم والمعارف، سبع سنوات مع صفاء الروح يحفظ فيها الولد القرآن والحديث والسيرة والحكمة، ويكون قادراً على استيعاب كل شيء، فإذا انتهت السبع إن كنت نجاراً فهو معك في المنجرة، وإن كنت تاجراً فهو معك في المتجر، وإن كنت راعي غنم فهو معك في المرعى، كنت معلماً .. كنت كاتباً .. كنت طبيباً حاول أن تعطيه ما أنت فيه، فيرثك بعد سبع سنين.
وأي شيء أحب إلى الإنسان من أن يرثه ابنه ويصبح هو هو، وبعد سبع سنين يذهب حيث شاء فقد أمنت عليه، والآن يضحون بفلذات أكبادهم فيتركونهم لليالي، ولشياطين الإنس والجن مع النفس الأمارة العدوة، فقلّ من ينجو من المذبحة ويدخل طيب النفس سليم الخلق معافى في عقيدته وجسمه.
معركة خطيرة حبس النفس دون المعصية، يجب أن تستعين أولاً بالدعاء ولا تفتر، فتسأل الله أن يعصمك وأن يحفظك، فلو وصلت إلى نفسك ما استطعت أن تنتصر عليها، ثم تستحضر كل ما في الدين من جيوش ومعان وأحكام، ثم استخدم عقلك أنت ابن من؟ وأنت في ديار من؟ وأنت في دولة من؟ هذه المعاني يوردها العاقل على نفسه، فإن أعرض الناس في إيطاليا لا يعرضون في المدينة النبوية، هذا موطن.
الموطن الأخير والمعركة الأخرى وهو موطن حث النفس على البلاء، أين الأبطال؟ هنا تتجلى البطولات، وإن أبطال هذه المعركة هم الذين انتصروا في الأولى والثانية، أما المهزومون في الموطنين أنى لهم أن ينتصروا في الثالث.
الذين ما انتصروا في المعركة الأولى قبل الدخول في العمل وأثنائه وبعد الخروج من العمل الصالح كالطاعة لله والرسول، ولم ينتصروا في حبس النفس وإبعادها عن المعاصي كيف ينتصرون في هذا الموطن؟
يبتلي الله عز وجل بالخير والشر، قال تعالى: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ [الأنبياء:35]، وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ [البقرة:155].
الابتلاء موجود والمعركة دائرة، فكيف ننتصر؟ هنا ثلاث مراتب، نختصر الكلام ونذكر الأبناء أن هناك مرتبة هي درجة أهل الإيمان، درجة ينزلها أهل الإيمان ما هي؟ هي التسليم لله في قضائه وما يحكم به على عبده، فإذا فقئت العين أو قطعت اليد أو مات الولد أو سرق المال يعلم أن هذا البلاء أراده الله؛ ليمحصه وليظهر ما فيه، وليرفع له الدرجات، ومن أجل أن يقبل عليه ولا ذنب عليه، والابتلاء مقصود لله مراد.
حينئذ إذا ابتلي العبد المؤمن يسلم لله ولا ينازع، ولا يضجر ولا يتسخط ولا يقول: ماذا فعلت لك يا رب، كما يقول أهل الجزع، ولا يترك الصلاة؛ لأنه أصيب في ماله، ولا يترك ذكر الله؛ لأنه أصيب في جسمه، فليصبر الصبر الجميل، وهو الذي لا تقع معه شكوى، فيحمد الله على حاله وإن كانت يده مقطوعة أو عينه مفقوءة أو جسمه مشلولاً، يسلم لربه؛ فهو -إن صح التعبير- بضاعة الله يفعل فيها ما يشاء يغليها أو يرخصها.
هذه مرتبة عليا أنك لا تنازع، فإن أصاب الله منك فقل: الحمد لله: وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ [البقرة:155-157].
وبشرهم بالخلف وبالعاقبة الحسنة وبالمثوبة العظيمة، هل تعرفون أن الله إذا ابتلى عبده بأخذ عينه أو بعينيه فصبر لا يجزيه إلا بالجنة، ( إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه أو بإحدى حبيبتيه فصبر فله الجنة )، فالصبر أبنائي على ما تجري به أقضية الله وأقداره، ويكون في النفس والمال والولد.
ولو أن يسلط عليك ظالماً شريراً يؤذيك فصبرت واحتسبت وقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، الجزاء عظيم لا يقدر قدره، عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ [البقرة:157] لم؟ لأنهم مؤمنون بربهم فقضى فيهم وأصدر حكمه عليهم؛ امتحاناً لهم واختباراً أو تطهيراً لهم وإعداداً للملكوت الأعلى، فسلموا له، فكانوا أهل الصبر الفائزين.
وهناك مرتبة أعلى من هذه: مرتبة أهل اليقين، أتدرون ما هي؟ هي أن ترضى بحكم الله، هناك سلمت فقط ما نازعت وهنا تكون راضياً، أرضيت عبدنا عنا؟ نعم ربي راض، أخذنا منك كذا أخذنا منك كذا أصبناك بكذا، وأنت راض عني يا رب؟ يقول: لولا رضائي بهذا لما فعلته، فتقول: وأنا راض، وتأمل إذا رضي سيدك بالشيء وأنت عبده أو طالب وده وحبه، إذا رضي هو قابل أنت الرضا بالرضا، لا مجرد تسليم فقط وعدم الضجر، بل أنت راض في نفسك.
هذه مرتبة أو درجة أهل اليقين، إذا بلغ المرء درجة اليقين في إيمانه أصبح يرضى بكل ما يرضى الله تعالى به، هذا رضاً زائد على التسليم.
وآخر مرتبة وأعلاها -كما يقول أهل العلم- هي مرتبة الصديقين، وهي أن تحب البلاء إذا نزل، لا أنك تسأله، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى أن نسأل البلاء، وأمر أن نسأل العافية، لكن إذا نزل البلاء فالصالحون الصديقون يتلذذون به كما نتلذذ نحن بالعافية، بل نحن ما تلذذنا بالعافية، يمضي علينا العام والأعوام لا نمرض ولا نبتلى ولا نصاب بمصيبة ولا نذكر هذا لله؛ لأننا مقهورون مغلوبون، لكن هم يتلذذون بالبلاء.
قيل لـأبي بكر الصديق : أندعو لك الطبيب؟ قال: الطبيب أمرضني، هو يريد أن يلتحق بالصالحين، أنا أريد الله والدار الآخرة.
إذاً: معنى هذا أن هناك مرتبة ينزلها أهل الصدق في إيمانهم واليقين في عقائدهم، حتى إنهم ليحبون هذا الذي ابتلاهم الله به، يحبون البلاء ويتلذذون به.
لما جاء أحدهم وأراد أن يسأل المرض فأدبه الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: لا، اسأل الله العافية، ولكن أعطاه الله فعاش محموماً طوال حياته، ولكنه لا يتعطل عن جهاد ولا عن إقامة صلاة ولا عن أداء الواجب، وكلما مسسته الحمى يتلذذ، هذه مواطن الصبر الثلاثة.
وهنا الجهاد، وينصر الله من ينصره إن الله لقوي عزيز.
معاشر الأبناء! لا شك أنني أثقلت عليكم والكلام ينسي بعضه بعضاً، وإنما هي ذكرى للذاكرين، الصبر ضياء، كيف يكون ضياء؟
أضرب مثلاً بالكتابة فقط، وأكثركم طلبة علم، قد يريد أحد أن يكتب فلا يستحضر ما يكتب فيه، يأخذ رءوس مسائل يضيف إليها بعض العناصر، فيكتب ويمحو ويفسد ويصلح، وشيئاً فشيئاً صابراً حتى تشرق أنوار الموضوع أمامه وتتضح معالمه.
الصبر ضياء .. إشراقات .. أنوار، يبدأ الإنسان العمل وكأنه في الظلام، مستقبله أمامه غير معلوم، جاء بالفسيلة وحفر الأرض ووضعها، فمتى يجني الثمر؟ لكن إذا صبر على سقيها ورعايتها شهراً بعد شهر أو أسبوعاً بعد أسبوع عاماً بعد عام وإذا بالضياء كضياء النهار، وإذا بها قد أثمرت.
يبدأ الإنسان عمله من الصفر كما يقولون، ونحن نقول: يبدأ عمله في ظلام؛ لأنه لا يدري ماذا يحدث؟ فيدخل المدرسة أو الجامعة ولا يدري، يموت، يودع الدراسة، يرسب، ينجح، يتوظف لا يدري ما الذي يحصل؟ لكن يحبس نفسه ويصبر، ثم شيئاً فشيئاً فإذا بالنور وإذا بالأنوار، والضياء أعظم من النور.
فالصبر عاقبته الظفر وفي الحديث: ( من صبر ظفر )، من صبر في عمله ظفر بنتاجه، ومن فشل وانقطع ترك كل شيء وضاع منه كل شيء، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( الصبر ضياء )، نكتفي بهذا القدر، وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم تسليماً.
الحكم على حديث: (رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر ..)
الجواب: أهل العلم على أن هذا ليس بحديث، ورفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم غير صحيح، هذا من جهة حتى لا ننسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ما هو الحق، ولو صح لوجب التسليم لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيه، ووجب الإيمان به، لكن ما دام لم يصح تبقى القضية على ما هي عليه، بعض الناس يصعب عليه جهاد الأعداء وقتال المشركين، والتنقل من غزوة إلى غزوة كالجبناء مثلي، فيكون جهاد الكفار أصعب وأكبر؛ لأنه يورده موارد الخطر؛ لأنه يهلكه.
وبعض الشجعان يفرحون بالجهاد ويطربون لدخول المعركة وهم يلوحون بسيوفهم، ويكون جهاد النفس لهم شاقاً، فالمشقة وعدمها تختلف -فيما أرى- باختلاف أنفس الناس واستعداداتهم، من الناس من يبقى في المسجد طول العام ولا يستطيع أن يخرج للمعركة ولا أن يسمع صوت مدفع.
ومن الناس -كما قلت- يريدون الحرب ويتلذذون بها، ويعجز أن يجلس في المسجد ساعة يقرأ جزءاً من القرآن، فلهذا لو كان الحديث صحيحاً ما جاز لنا أن نقول، لكن ما دام الحديث أهل العلم يقولون بعدم صحته ونسبته إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فالذي أُراه أن هذا الموضع يختلف باختلاف استعدادات النفس، منهم من يشق عليه القتال ويكون هو الجهاد الأكبر ويسهل مجاهدة النفس؛ لأنها لينة أو طيعة أو روضها وأصبح لا يشق عليه جهادها، والعكس كذلك صحيح.
كلمة توجيهية للنساء المسلمات
الجواب: مرحباً بهذا الاقتراح والكلمة موجزة!
أيتها المؤمنات، يا أمة الله! إنك لفي خير وعافية، لقد وضع عنك الشارع عشرات التكاليف وخفف عنك ما أثقل الرجال به فاحمدي الله أولاً، ثم أنت تطالبين بماذا؟ أنت أمة الله خلقك وصورك ورزقك وزوجك أيضاً وأولدك وجعلك أماً وجدة -إن شاء الله- والفضل له، أنت أمته اسألي عنه وتعرفي إلى سيدك، وعيب على الخادمة ما تعرف سيدها ومن تخدم، فتعرفي إلى الله عن طريق السؤال، أو اقرئي كتابه القرآن فإنه تعرف إلينا فيه أعظم معرفة.
فإذا عرفته حاولي ما استطعت أن تحبيه؛ لأنه سيدك وولي نعمتك، ثم الطاعة التي فرضها عليك محدودة فقط صلّ الخمس وأطيعي زوجك إن كان لك زوج، هل هناك شيء فوق هذا؟ لا جماعة ولا جمع، ولا جهاد ولا أمر بمعروف ولا ولا، فقط بيتك الزمي البيت، إن كان لك زوج فأطيعيه لله، وإن كان لك أولاد فربيهم على الطهر والصفاء، وصوني حجابك ولا يغرنك ما يتهوك فيه المتهوكات، البقاء في البيت يكاد يكون شطر دينك فالزمي البيت ولا تخرجي إلا من ضرورة، وبعد هذا فأنت من أولياء الله.
أحذر المؤمنات من فتنة التلفاز، وقد أعطاكن الله إذاعة القرآن وهي آية من آيات الله، اتركي المذياع مفتوحاً عليها من انفتاحها الساعة السادسة إلى انغلاقها الساعة الثانية عشرة، فإنك لا تسمعين إلا الهدى ولا يغشى بيتك إلا الطهر والصفاء، إذاعة عظيمة جزى الله المسئولين عنا خيراً.
كنا نقول: كيف المؤمنة ما تسمع شيئاً في بيتها؟ الآن عوضنا الله نعم العوض، اجعلي المذياع لاصقاً في الكهرباء وافتحيه على نوع من درجة معينة واتركيه، فإنك لا تسمعين إلا ذكر الله، والله إنها لنعمة، أما التلفاز وفتنته فطهري بيتك ولا ترضي لزوجك أن يدخله عليك وعلى أطفالك وبناتك، وإن كان ولابد يجعله في غرفته حماية لك؛ لأن العين منفذ من منافذ العدو يتخذها سبيلاً إلى إفساد القلب؛ ولأن الأذن كذلك طريق من الطرق الموصلة إلى تدمير المحطة والقضاء على قلب الآدمي، فإن الإنسان يتأثر بسمعه وبصره، والتلفاز يعرض ما لا ينبغي أن يرى ويسمع، أنا ما أستسيغ أبداً أن امرأة ذات حجاب وطهر تنظر إلى رجل يغني أمامها كيف يبقى قلبها؟
أنا ما أستطيع أن تنظر امرأتي إلى رجل يغني، والله ما أقدر، ولست بممتاز عن باقي الفحول، كل الرجال فحول، كيف يرضى لأنثاه أن تتلذذ بصوت أجنبي يغني لها ليطربها، أموت هذه أم حياة؟
وأنا أستحي أيضاً أن أنظر إلى أجنبية وقد تصنعت وتزينت لترقص أمامي أو تغني، أو تلفظ البذاء وتنطق بكلمات السوء، هذا عمل يصل إلى القلب، وأنا قلت هذه الكلمة: المرأة المؤمنة هي المسئولة عن البيت، وعلى الزوج أن يعمل خارج البيت، ولتكن هي اللبؤة الحاضنة للأسود والمربية لهم، لعل الرجل يفهم ويعقل.
كذلك أنصح لك أقيمي الصلاة والزمي البيت والحجاب، وافتحي أذنيك وقلبك لإذاعة القرآن، فإن فيها الخير العظيم، ولم يبق لامرأة من عذر تقول: وأنا ما أسمع شيئاً؟ اسمعي والله إني لمعجب بهذه الإذاعة ببرامجها وكلماتها كيف تجمعها، كيف سخرت مئات العلماء، كل يتكلم في درس.
وكم وددت لو أن هذه البرامج يومياً تنقل إلى العالم الإسلامي فالتي تذيعه عندنا السعودية هذا اليوم تذيعه السودان ومصر بعد اليوم، المهم لا أطيل، أبشر المؤمنة بأنها قريبة من الجنة؛ لأنها ما تكون إلا في الصلاة .. تقيم الصلاة في وقتها، وتطيع زوجها، وتربي أولادها، وتصون حجابها، وتحفظ لسانها وأذنها وبصرها.
الحكم على حديث: (من صامت شهرها .. وصلت فرضها .. وأطاعت زوجها ضمنت لها الجنة)
الجواب: هذا المعنى صحيح، وأذكر أنه بهذا اللفظ أو بما يقاربه ورد حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا الذي قلته بالمعنى وأحسنت.
حكم التصوير
الجواب: التصوير حرام، إذ لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المصورين، وقال: ( إن من أشد الناس عذاباً يوم القيامة المصورون ) هذا على خلاف القاعدة النبوية.
ثم لما ابتلينا بحضارة العصر وأصبحنا مضطرين إلى التصوير اضطراراً رغم أنوفنا حكومات وشعوباً، لنتعايش مع العالم الغربي والشرقي ونحن أقلية وضعفة أيضاً، لو كان الزمام بأيدينا لفرضنا سلطاننا على الأبيض والأسود، لكن نحن في وضعية معلومة ما نستغني عن الغرب ولا الشرق فنحن محتاجون إليهم، فما نستطيع أن ندخل بلادهم بدون جواز أليس كذلك؟ وهكذا فلتبق هذه المعصية في محيطها الخاص، يجوز للضرورة أن تتصور للجواز أو للشهادة أو لأمر يقضي بذلك.
ولكن لا يجوز أن تهدي صورك وأن تعلقها في منزلك أو تضعها أمامك في سيارتك، كأنك لا تدين لله بالإسلام، وكأنك لم تكن من المحمديين، إذ نحن المسلمين لنا صبغة خاصة: صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً [البقرة:138] فلابد وأن نتميز عن اليهود والنصارى فنقدر الأشياء ونعطيها قدرها، وضرورة التصوير معروفة، تحتاج إلى رخصة إلى شهادة .. إلخ، اتخذتها وأنت تستغفر الله، وغير راض أنك تصور أولادك ونساءك وتهدي صورتك وتعلقها في مكان وإطار أمامك وتتباهى بها.
أنسيت أنك من المسلمين؟ إن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه كلب ولا صورة، وإذا حرمنا من بركة الملائكة ودخولها بيوتنا ماذا بقي لنا؟ يغزونا الشيطان، ونحن لقمة أيضاً وفريسة بين يديه، فلا نزيد الطين بلة كما يقولون، ولا المحنة محنة، على الأقل بيتك أيها المسلم لا يكون فيه صور؛ لأنك مسلم، أما إذا استرسلنا وراء الهوى، فلن يكتفي الناس بالصورة، والله ليضعون التماثيل في بيوتهم.
وحينئذٍ انفتح الباب؛ لأنه ما دام أنهم أجازوا الصورة وأفتاهم علماؤهم أصبحوا يضعون التماثيل، ويقول قائل: نحن ما نعبدها، هذا لو قيل لرسول الله وقال: نعم ما دمتم ما تعبدونها وأقرهم فلا بأس.
وقد يقولون: إنها حرمت في وقت يخاف فيه الشرك، أما الآن لا يخاف وقوع الشرك، نقول: الآن لم يبق التوحيد؛ لأنهم غرقوا في أوحال الشرك، وهكذا فاقد العقل.
طرق تربية الأطفال
الجواب: بالقدوة الحسنة، والطفل يرى المتناقضات، فإذا كان الوالد سكيراً عربيداً كفاراً كذا نقول: (صاحب ابنك) نحن نتكلم عن ذوي القدوة الحسنة، نتكلم عن الصالحين من هذه الأمة بأن يصحبوا أولادهم في هذه الفترة فترة المراهقة؛ ليعصموهم، ولا أقول: كل واحد يصاحب ابنه وهو غير صالح، بل يجب إبعاد ابنه عنه حتى لا يعدي ابنه معه؛ لأن الوالد مريض، هذا نبعثه مع خاله أو مع عمه أو نربطه بأخيه حتى نحفظه من الفتنة، فـعمر يتكلم مع جماعة المسلمين الصالحين.
قد يقول قائل: إذاً نحكم على أطفال هذا الزمان بالحبس في المنزل، وهذا يعزله عن المجتمع.
أنا لا أقول: تحبس ولدك في المنزل، البنت نعم، أما الولد فيذهب إلى المدرسة والمسجد، والملعب الرياضي إذا كانت الرياضة حميدة وعليها مشرفون صالحون يغذون أرواح الأبناء وأبدانهم، فالولد لا يحبس في البيت، وإذا عم الوباء وعم المرض وكلما خرج الولد هلك فالوالد مضطر أنه يحبس ولده حتى يفرج الله.
حكم الذكر الجماعي
الجواب: متى قلت: إن الاجتماع على الذكر جائز؟ ذكر الجماعة الغافلة هذا هو الذكر، أما قال صلى الله عليه وسلم: ( إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا )، فذكرنا أن هذا هو الذكر الحق، هل فيكم من لم يذكر الله؟ نقول: هل فيكم من نسي الله؟ ما فيكم أحد نسي الله، نسيتم الله وأنتم في بيته وتسمعون كلامه؟ هذا هو الذكر وأعظمه، أما ذكر جماعة الطرق: هو الحي، والقفز ذاك شيء آخر، لسنا منه، وليس هو منا.
حكم سماع الغناء للرجل والمرأة والأناشيد أو مباشرته
الجواب: الغناء بمد الصوت الحسن لا يحل لمؤمنة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تستمع إلى رجل أجنبي يغني؛ لأنه يفسد عليها قلبها، ولا يحل لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسمع إلى أجنبية تغني، فإنها تفسد عليه قلبه، هذا هو المنطق الحرام، وما عدا ذلك أناشيد للرجال فيما بينهم إذا ما فيها شرك ولا بذاء اسمع وتشوق، والمؤمنات فيما بينهن في عرس أو نحوه وأنشدت واحدة أو ترنمت بصوتها للنساء بالكلام الطيب يجوز كإنشاد الشعر.
المنطق الحرام هي أن تغني للرجل أجنبية فهذا بريد الزنا، والله ما يسلم من زنا القلب إن هو سلم من زنا الفرج، الذي يسمع أجنبية تتكسر وتتغنج بألفاظها لابد وأن ينفذ الزنا إلى قلبه، والعين تزني والأذن تزني والقلب يشتهي، ثم إذا كثرت الشهوة طلبها صاحبها، فلا يحل لامرأة أن تغني لرجل أجنبي، ولا يحل لأجنبي أن يغني لأجنبية، إلا إذا قلنا: على الدين والطهارة والعفاف، وعلى المروءة والرجولة السلام، وأصبحنا -والعياذ بالله- كمجتمعات الخنازير ينزو بعضها على بعض.
حكم الكمان والرباب والبيانو وغيرها من آلات الطرب
الجواب: ما عندنا هذه يا سيد، نحن بيوتنا كمساجدنا، ما لا يصلح في المسجد لا يصلح في بيوتنا، هذه الآلات كلها محرمة وإن ترخص فيها أهل الأهواء، فإن كل باطل رخصوا فيه، تريد أن تسمع عن الرخص؟ لقد رخصوا في عبادة غير الله، ورخصوا في هذه الآلات كما هو دأبهم، وإلا فهي حرام، وأدلة تحريمها معروفة في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.