شرح ألفية ابن مالك[54]


الحلقة مفرغة

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [النداء].

النداء بالمد هو: طلب الإقبال بيا أو إحدى أخواتها.

ثم إن النداء قد يكون حقيقة أو ضمناً، فقوله تعالى: وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ [المائدة:58] ليس فيه يا أيها الناس احضروا، لكن (حي على الصلاة) هذا نداء ضمني.

والنداء له أحرف معينة جمعها أهل العلم حينما تتبعوا ذلك في اللغة العربية، فله حروف كحروف التنبيه لكنها خاصة بالنداء.

أحرف النداء

قال المؤلف رحمه الله:

(وللمنادى الناء أو كالناء يا) الناء يعني: البعيد، وأصله النائي بالياء، لكن حذفت الياء لضرورة الوزن.

(أو كالناء) يعني الذي كالنائي، أي: كالبعيد بكونه غافلاً أو ساهياً أو نائماً أو ما أشبه ذلك.

فالناء وشبهه له ياء فتقول: يا فلان! للبعيد بمد الصوت.

كذلك إذا كان غافلاً، مثل طالب من الطلبة يقلب الكتاب ولا ينتبه للمدرس فتقول له: يا فلان، ولو قال لك: أنا عندك قريب تقول: لكنك غافل.

كذلك النائم، نقول: يا فلان قم؛ لأنه كالبعيد في كونه يحتاج إلى مد الصوت. ولهذا يقول: (يا، وأي، وآ، كذا أيا، ثم هيا).

وفي (أي) لغتان ثانيهما: آي، ونضيفها إلى الحروف فتكون ستة.

وقوله: (والهمز للداني ووا لما ندب) فصارت حروف النداء ثمانية: يا وأي وآي، وآ، وأيا، وهيا، وأ، ووا.

وقوله: (الهمز للداني) يعني: القريب، فالهمز للقريب المنتبه.

إذاً: الهمز للداني المنتبه الذي هو غير غافل وغير نائم، تقول: أزيد، ولا يحتاج لمد الصوت لكونه قريباً ومنتبهاً.

واعلم أنه قد ينزل البعيد منزلة القريب، وقد ينزل القريب منزلة البعيد، فقد ينادي الإنسان قريبه وصديقه وهو بعيد بلفظ الهمز كقول الشاعر:

أفاطم مهلاً بعض هذا التدلل وإن كنت قد أزمعت صرماً فأجملي.

وقوله: (ووا لمن ندب) (وا) للذي ندب، وأصل الندب الدعاء؛ لكن المندوب عند النحويين هو المنادى المتفجع عليه أو المتوجع منه، فواحد يؤلمه ظهره، فيقول: واظهراه.

وواحد انهدم بيته يقول: وابيتاه!

وآخر ماتت ناقته يقول: واناقتاه! وهذا متفجع عليه.

وإنما اختارت العرب (وا)؛ لأن دلالتها على التوجع ظاهرة جداً؛ لأنها تقال في الأشياء التي توحش أو تؤلم أو ما أشبهها.

وقوله: (أو يا) يعني: ويجوز أن تستعمل يا في الندبة فتقول: يا ظهراه، وهذا كثير في اللغة العامية.

وقوله: (وغير وا لدى اللبس اجتنب).

فيا تستعمل في محل (وا) بشرط ألا يكون هناك لبس، فإن كان هناك لبس فإننا نرجع إلى الأصل وهو (وا).

فالذي يتفجع على ناقته فيقول: واناقتاه، ولو قال: يا ناقتا، فإنه يصح. لكن لو قال: يا ناقتي لا يكون ندبة، إذاً: لا يجوز أن تجعل (يا ناقتي) ندبة لأجل اللبس.

وقوله: (وغير وا) المقصود به (يا).

فانقسمت حروف النداء إلى أقسام.

الأول: ما كان للبعيد.

والثاني: ما كان للقريب.

والثالث: ما كان للندبة.

فالهمزة للقريب، و(وا) للندبة، والباقي للبعيد. و(يا) أيضاً للندبة بشرط ألا يكون هناك لبس.

حكم حذف حرف النداء مع المندوب

يقول المؤلف:

[ وغير مندوب ومضمر وما جا مستغاثاً قد يعرى فاعلما ]

وغير مندوب ومضمر وما جا مستغاثاً قد يعرى من حرف النداء، تقول مثلاً: يا زيد، وتقول: زيد. وسواء كان قريباً أو بعيداً، فتحذف حرف النداء.

وابن مالك يقول: (وغير مندوب)، فإذا قال: واظهراه، واصديقاه، واسيارتاه، وناقتاه، وما أشبه ذلك، نقول: فلا يجوز أن تحذف (وا)، لأنه مندوب.

ووجه ذلك أننا لو حذفنا هذا لم نعلم أن ذلك ندبة، وهو حرف جيء به ليدل على معنى خاص في النداء فلا يجوز أن يحذف، ولو حذفناه لفات هذا الغرض.

قوله: (ومضمر) يعني: المنادى المضمر لا تحذف منه ياء النداء، وظاهر كلام المؤلف أن الضمير ينادى مطلقاً.

وقال بعض النحويين: إن الضمير لا ينادى مطلقاً.

وقال آخرون: ينادى ضمير المخاطب دون غيره، فيقال: يا إياك قد أغثتك، يا إياك قد نفعتك.

ظاهر كلام ابن مالك أنه يجوز نداء ضمير الغائب، ولكن المشهور عدم الجواز.

ولو قيل: بعدم الجواز إلا فيما ورد به السماع لكان وجيهاً، فهو يحفظ ولا يقاس عليه.

وقوله: (وما جا مستغاثاً) كأن تستغيث الله عز وجل فتقول: يا لله للمسلمين.

فـ (يا) تدخل على المستغاث، وتكون اللام مفتوحة فيه، تقول يا لله للمسلمين.

وتقول: يا لرجل المرور لقاطع الإشارة، تستغيث برجل المرور لقاطع الإشارة.

وإعراب: (فاعلما).

(الفاء) حرف عطف، و(اعلما) أصلها (اعلم) فعل أمر مبني على السكون وحرك بالفتح لمناسبة ألف الإطلاق.

قال:

[ وذاك في اسم الجنس والمشار له قل ومن يمنعه فانصر عاذله ]

(وذاك) المشار إليه التعرية، يعني أن حذف حرف النداء في اسم الجنس وفي اسم الإشارة قليل.

مثال ذلك في اسم الجنس، تقول: يا نهار ما أطولك، يا ليل ما أطولك، يا جمل ما أحرنك، وما أشبه ذلك. فاسم الجنس حذف الياء منه قليل، فتقول: ثوبي حجر، واسم الجنس ليس كالعلم الذي يوجه له الخطاب فلذلك لا تحذف منه الياء.

وكذلك في اسم الإشارة تقول: يا هذا ما أغفلك، يصف فلاناً بالغفلة، وحذف الياء قليل، ومنه قول الشاعر:

ذا ارعواء فليس بعد اشتعال الرأس شيباً إلى الصبا من سبيل

الشاهد قوله: (ذا ارعواء) يعني يا هذا، فحذف الياء في اسم الإشارة قليل.

وذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا يجوز أنه تحذف ياء من اسم الجنس ومن اسم الإشارة، ولكن ابن مالك يقول:

(من يمنعه فانصر عاذله) أي: لائمه، أي: من يقول: إنه لا يجوز حذف ياء النداء في اسم الجنس وفي اسم الإشارة، وجاء أحد يلومه فانصر اللائم.

والحقيقة أن مثل هذا الترتيب يعتبر في البلاغة تعقيداً؛ لأنك لا تكاد تفهم المعنى منه.

لكن ضرورة الشعر تلجئه رحمه الله إلى أن يقول مثل هذا الكلام.

قال المؤلف رحمه الله:

(وللمنادى الناء أو كالناء يا) الناء يعني: البعيد، وأصله النائي بالياء، لكن حذفت الياء لضرورة الوزن.

(أو كالناء) يعني الذي كالنائي، أي: كالبعيد بكونه غافلاً أو ساهياً أو نائماً أو ما أشبه ذلك.

فالناء وشبهه له ياء فتقول: يا فلان! للبعيد بمد الصوت.

كذلك إذا كان غافلاً، مثل طالب من الطلبة يقلب الكتاب ولا ينتبه للمدرس فتقول له: يا فلان، ولو قال لك: أنا عندك قريب تقول: لكنك غافل.

كذلك النائم، نقول: يا فلان قم؛ لأنه كالبعيد في كونه يحتاج إلى مد الصوت. ولهذا يقول: (يا، وأي، وآ، كذا أيا، ثم هيا).

وفي (أي) لغتان ثانيهما: آي، ونضيفها إلى الحروف فتكون ستة.

وقوله: (والهمز للداني ووا لما ندب) فصارت حروف النداء ثمانية: يا وأي وآي، وآ، وأيا، وهيا، وأ، ووا.

وقوله: (الهمز للداني) يعني: القريب، فالهمز للقريب المنتبه.

إذاً: الهمز للداني المنتبه الذي هو غير غافل وغير نائم، تقول: أزيد، ولا يحتاج لمد الصوت لكونه قريباً ومنتبهاً.

واعلم أنه قد ينزل البعيد منزلة القريب، وقد ينزل القريب منزلة البعيد، فقد ينادي الإنسان قريبه وصديقه وهو بعيد بلفظ الهمز كقول الشاعر:

أفاطم مهلاً بعض هذا التدلل وإن كنت قد أزمعت صرماً فأجملي.

وقوله: (ووا لمن ندب) (وا) للذي ندب، وأصل الندب الدعاء؛ لكن المندوب عند النحويين هو المنادى المتفجع عليه أو المتوجع منه، فواحد يؤلمه ظهره، فيقول: واظهراه.

وواحد انهدم بيته يقول: وابيتاه!

وآخر ماتت ناقته يقول: واناقتاه! وهذا متفجع عليه.

وإنما اختارت العرب (وا)؛ لأن دلالتها على التوجع ظاهرة جداً؛ لأنها تقال في الأشياء التي توحش أو تؤلم أو ما أشبهها.

وقوله: (أو يا) يعني: ويجوز أن تستعمل يا في الندبة فتقول: يا ظهراه، وهذا كثير في اللغة العامية.

وقوله: (وغير وا لدى اللبس اجتنب).

فيا تستعمل في محل (وا) بشرط ألا يكون هناك لبس، فإن كان هناك لبس فإننا نرجع إلى الأصل وهو (وا).

فالذي يتفجع على ناقته فيقول: واناقتاه، ولو قال: يا ناقتا، فإنه يصح. لكن لو قال: يا ناقتي لا يكون ندبة، إذاً: لا يجوز أن تجعل (يا ناقتي) ندبة لأجل اللبس.

وقوله: (وغير وا) المقصود به (يا).

فانقسمت حروف النداء إلى أقسام.

الأول: ما كان للبعيد.

والثاني: ما كان للقريب.

والثالث: ما كان للندبة.

فالهمزة للقريب، و(وا) للندبة، والباقي للبعيد. و(يا) أيضاً للندبة بشرط ألا يكون هناك لبس.