مختصر التحرير [68]


الحلقة مفرغة

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وبيانه بقول].

يعني: بيان الفعل بقولٍ، [كقوله: (صلوا كما رأيتموني أصلي)].

هذا بين حكم فعله في صلاته أنه مما نتعبد به؛ لقوله: (صلوا كما رأيتموني أصلي)، وكذلك قوله في الحج: (لتأخذوا عني مناسككم)، هذا أيضاً بيان حكم أفعاله في الحج بقوله: (لتأخذوا عني مناسككم).

قال المؤلف: [أو فعل عند حاجة كقطع من كوع وغسل مرفق].

هذا أيضاً من البيان بالفعل، كقطعٍ من كوع، وغسل مرفق، في القرآن الكريم: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا [المائدة:38]، وفيه أيضاً: فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ [المائدة:6]، في آية السرقة قطع النبي صلى الله عليه وسلم من الكوع، فليبين لنا خالد الكوع، والكوع هو العظم الذي يلي الإبهام، وأنشدناكم في هذا بيتاً قال:

وعظمٌ يلي الإبهام كوعٌ وما يلي لخنصره الكرسوع والرسغ ما وسط

وعظم يلي إبهام رجلٍ ملقب ببوعٍ فخذ بالعلم واحذر من الغلط

المهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قطع يد السارق من الكوع، مع أن الله قال: فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا [المائدة:38] ، ولم يقطعها من المرفق؛ لأن اليد عند الإطلاق تختص بالكف، ولهذا لما أراد الله عز وجل في الغسل أن يزيد على الكف قيد قال: إِلَى الْمَرَافِقِ [المائدة:6] .

في التيمم قال: فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ [النساء:43]، والذي يمسح في التيمم هو الكف فقط؛ لأن اليد عند الإطلاق للكف، كذلك غسله إلى المرفق، الرسول صلى الله عليه وسلم غسل المرفق مع أن الله قال: إِلَى الْمَرَافِقِ [المائدة:6] ، والقاعدة في اللغة العربية: أن (إلى) لانتهاء الغاية، وأن منتهى الغاية غير داخل؛ ولهذا من القواعد المقررة عندهم: ابتداء الغاية داخلٌ لا انتهاؤها، فإذا قلت: لك من هذا الجدار إلى هذا الجدار، فالجدار الأول داخل، والثاني غير داخل إلا بقليل.

إذا نظرنا إلى آية الوضوء، قال: فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ [المائدة:6]، فإننا نقول: مقتضى هذه القاعدة أن انتهاء الغاية -وهو المرفق- غير داخل، لكن قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يغسل المرفق، فيكون هذا مبيناً للآية؛ ولهذا يجب غسل المرفق؛ لما ثبت في صحيح مسلم : (أن أبا هريرة توضأ حتى أشرع في العضد، ثم قال: هكذا رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ).

فقوله: (أو فعل عند حاجة كقطع من كوع وغسل مرفق فواجب عليه)، يعني: يجب على الرسول صلى الله عليه وسلم أن يبين؛ لقوله تعالى: فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ الْمُبِينُ [النحل:82] ، وقوله: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ [المائدة:67] ، فإذا فعل النبي عليه الصلاة والسلام فعلاً مشروعاً وجب عليه أن يبينه للناس، فإذا بينه بالقول أو بالفعل عند الحاجة كما قال انتهى الأمر.

قال: [وغير ذلك، أي من فعله، يريد رحمه الله غير الذي مر علينا، وقد مر علينا الآن أربعة أشياء: ما اختص به، وما كان جبلياً، وما كان محتملاً، وما كان مبيناً، هذه أربعة أشياء واضحة.

فغير ذلك من فعله فيه تفصيل، [إن علمت صفته من وجوب، أو ندب، أو إباحة]، إن علمت صفته من وجوب أو ندب أو إباحة [فالحكم واضح]، أي غير ذلك من فعل الرسول غير الأشياء الأربعة، إذا علمت صفته بأنه واجب فهو واجب، وإذا علمت صفته أنه مندوب فهو مندوب، إذا علم أنه مباح فهو مباح، وهذا واضح لا يحتاج إلى سؤال، ولا إلى بحث كثير، ولكن كيف نعلم الصفة؟

الطريقة الأولى لمعرفة حكم الأفعال الموضوعة للتأسي

قال: [بنصه]، يعني: بأن ينص عليه الصلاة والسلام على أن هذا واجب، فإنه يكون واجباً، مثل: غسل الجمعة، كان يغتسل عليه الصلاة والسلام وقال: (غسل الجمعة واجب)، هذا علمنا أنه واجب، أو علمنا أنه ندبٌ بنصه، مثل: قيام الليل، كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم الليل، ولكنه سأله الأعرابي لما ذكر له الصلوات الخمس قال: هل علي غيرها؟ قال: (لا، إذا أن تطوع)، فعلم أن صلاة الليل ندب.

يقول: [أو تسويته بمعلومها]، يعني بأن يقول: هذا مثل هذا، وقد علم أن المماثل واجب أو مندوب أو مباح.

[أو بقرينة تبين إحداها]، يعني الوجوب، أو الندب، أو الإباحة، والقرائن كثيرة، مثلاً: الختان واجب، والدليل: (خمس من الفطرة) يورد عليك شخص، حلق العانة هل هو واجب أم غير واجب؟ أخذ الظفر هل هو واجب أم غير واجب؟ نتف الإبط هل هو واجب أم غير واجب؟ إن قلت إنه واجب، قال: إذاً الختان واجب، وإن قلت: غير واجب والختان واجب، يقول: ما هو الدليل على التفريق؟ ولهذا ذهب بعض العلماء إلى أن الختان سنة في حق الرجال وفي حق النساء، وليس بواجب، ولكننا نقول: هنا قرينة تدل على وجوب الختان، والقرينة هي أن فيه استباحة قطع جزء من البدن؛ لأن البدن محترم، لا يجوز للإنسان أن يقطع منه شيئاً، لو قال واحد: هذا عضوي سأقطعه، أنا ما اعتديت لا على فلان ولا على فلان، لم نمكنه؛ لأنه ليس لأحد أن يقطع جزءاً من بدنه، والختان قطع جزء من البدن، قالوا: ولا يمكن أن يستباح الحرام إلا بواجب، فهذه قرينة تدل على الوجوب، وبهذا نتخلص من الإيراد الذي أوردناه سابقاً وهو أنه إذا قلنا: بوجوب الختان لزم القول: بوجوب أخذ الأظفار، وحلق العانة، وما أشبهها.

الطريقة الثانية لمعرفة الأفعال الموضوعة للتأسي

قال: [أو بوقوعه بيانًا لمجمل أو امتثالًا لنص يدل على حكم، فأمته مثله].

يعني: إذا وقع أيضاً بياناً لمجمل، يعني: وقع فعل الرسول صلى الله عليه وسلم بياناً لمجمل كان له حكم ذلك المجمل، يعني مثلاً جاء في القرآن أمرٌ مجمل كـ أَقِيمُوا الصَّلاةَ [البقرة:43]، فبين النبي صلى الله عليه وسلم الإقامة بفعله، نقول: هذا الفعل وقع بياناً لمجمل، فيكون له حكم ذلك المجمل، ولكن بالنسبة للرسول صلى الله عليه وسلم ظاهر أنه يجب عليه أن يبين المجمل؛ لأنه لا يتم البلاغ إلا به، أما بالنسبة لنا فيحتاج الوجوب إلى دليل؛ لأن الأصل براءة الذمة، فقول المؤلف رحمه الله: إن أمته مثله فيه نظر، بل نقول: ما وقع بياناً لمجمل فهو واجب على النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك لوجوب التبليغ عليه، والمجمل لا يمكن العمل به إلا ببيان، فإذا فعل النبي عليه الصلاة والسلام فعلاً يبين به ذلك المجمل فهو واجب عليه.

وإذا قال قائل: ما الدليل على الوجوب؟

قلنا: لأن النبي صلى الله عليه وسلم يجب أن يبلغ الشرع للأمة، ومن جملة البلاغ أن يبين المجمل، حتى لو فرض أن الأمر المجمل للندب كان بيانه بالفعل واجباً على الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن هل هو واجبٌ دائماً أو حتى يحصل البلاغ؟ حتى يحصل البلاغ، فإذا حصل البلاغ صار مندوباً، مثلاً: الذكر في الصلاة، قال الله تعالى: فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ [النساء:103] ، فالذكر بعد الصلاة مستحب، لكن كيف نذكر الله؟ بينت ذلك السنة بالفعل وبالقول، أما بالقول فقوله لفقراء المهاجرين: (تسبحون وتكبرون وتحمدون دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين)، (ومن قال: سبحان الله ثلاثاً وثلاثين، والحمد لله ثلاثاً وثلاثين، والله أكبر ثلاثاً وثلاثين، ثم قال تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قدير، غفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر)، هذا بيان بالقول.

وأما قوله: (اللهم أنت السلام، ومنك السلام) واستغفاره ثلاثاً، وقوله: (اللهم لا مانع لما أعطيت) وما أشبهها فهو بيان بالفعل، فنقول: إن بيان النبي صلى الله عليه وسلم للمجمل من قوله تعالى: فَاذْكُرُوا اللَّهَ [النساء:103] واجب عليه أن يبينه إما بالقول وإما بالفعل، وبيان هذا الذكر حصل بالقول وبالفعل، أما بالنسبة لنا فالذكر بعد الصلاة ليس بواجب، لكن على النبي عليه الصلاة والسلام واجبٌ حتى يحصل البلاغ، يعني: يجب أن يبين هذا المجمل إما بقوله وإما بفعله.

فإذا قال قائل: ما الفرق بيننا وبينه؟ لماذا يجب عليه ولا يجب علينا؟

نقول: لوجوب التبليغ عليه.

قال: [بنصه]، يعني: بأن ينص عليه الصلاة والسلام على أن هذا واجب، فإنه يكون واجباً، مثل: غسل الجمعة، كان يغتسل عليه الصلاة والسلام وقال: (غسل الجمعة واجب)، هذا علمنا أنه واجب، أو علمنا أنه ندبٌ بنصه، مثل: قيام الليل، كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم الليل، ولكنه سأله الأعرابي لما ذكر له الصلوات الخمس قال: هل علي غيرها؟ قال: (لا، إذا أن تطوع)، فعلم أن صلاة الليل ندب.

يقول: [أو تسويته بمعلومها]، يعني بأن يقول: هذا مثل هذا، وقد علم أن المماثل واجب أو مندوب أو مباح.

[أو بقرينة تبين إحداها]، يعني الوجوب، أو الندب، أو الإباحة، والقرائن كثيرة، مثلاً: الختان واجب، والدليل: (خمس من الفطرة) يورد عليك شخص، حلق العانة هل هو واجب أم غير واجب؟ أخذ الظفر هل هو واجب أم غير واجب؟ نتف الإبط هل هو واجب أم غير واجب؟ إن قلت إنه واجب، قال: إذاً الختان واجب، وإن قلت: غير واجب والختان واجب، يقول: ما هو الدليل على التفريق؟ ولهذا ذهب بعض العلماء إلى أن الختان سنة في حق الرجال وفي حق النساء، وليس بواجب، ولكننا نقول: هنا قرينة تدل على وجوب الختان، والقرينة هي أن فيه استباحة قطع جزء من البدن؛ لأن البدن محترم، لا يجوز للإنسان أن يقطع منه شيئاً، لو قال واحد: هذا عضوي سأقطعه، أنا ما اعتديت لا على فلان ولا على فلان، لم نمكنه؛ لأنه ليس لأحد أن يقطع جزءاً من بدنه، والختان قطع جزء من البدن، قالوا: ولا يمكن أن يستباح الحرام إلا بواجب، فهذه قرينة تدل على الوجوب، وبهذا نتخلص من الإيراد الذي أوردناه سابقاً وهو أنه إذا قلنا: بوجوب الختان لزم القول: بوجوب أخذ الأظفار، وحلق العانة، وما أشبهها.

قال: [أو بوقوعه بيانًا لمجمل أو امتثالًا لنص يدل على حكم، فأمته مثله].

يعني: إذا وقع أيضاً بياناً لمجمل، يعني: وقع فعل الرسول صلى الله عليه وسلم بياناً لمجمل كان له حكم ذلك المجمل، يعني مثلاً جاء في القرآن أمرٌ مجمل كـ أَقِيمُوا الصَّلاةَ [البقرة:43]، فبين النبي صلى الله عليه وسلم الإقامة بفعله، نقول: هذا الفعل وقع بياناً لمجمل، فيكون له حكم ذلك المجمل، ولكن بالنسبة للرسول صلى الله عليه وسلم ظاهر أنه يجب عليه أن يبين المجمل؛ لأنه لا يتم البلاغ إلا به، أما بالنسبة لنا فيحتاج الوجوب إلى دليل؛ لأن الأصل براءة الذمة، فقول المؤلف رحمه الله: إن أمته مثله فيه نظر، بل نقول: ما وقع بياناً لمجمل فهو واجب على النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك لوجوب التبليغ عليه، والمجمل لا يمكن العمل به إلا ببيان، فإذا فعل النبي عليه الصلاة والسلام فعلاً يبين به ذلك المجمل فهو واجب عليه.

وإذا قال قائل: ما الدليل على الوجوب؟

قلنا: لأن النبي صلى الله عليه وسلم يجب أن يبلغ الشرع للأمة، ومن جملة البلاغ أن يبين المجمل، حتى لو فرض أن الأمر المجمل للندب كان بيانه بالفعل واجباً على الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن هل هو واجبٌ دائماً أو حتى يحصل البلاغ؟ حتى يحصل البلاغ، فإذا حصل البلاغ صار مندوباً، مثلاً: الذكر في الصلاة، قال الله تعالى: فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ [النساء:103] ، فالذكر بعد الصلاة مستحب، لكن كيف نذكر الله؟ بينت ذلك السنة بالفعل وبالقول، أما بالقول فقوله لفقراء المهاجرين: (تسبحون وتكبرون وتحمدون دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين)، (ومن قال: سبحان الله ثلاثاً وثلاثين، والحمد لله ثلاثاً وثلاثين، والله أكبر ثلاثاً وثلاثين، ثم قال تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قدير، غفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر)، هذا بيان بالقول.

وأما قوله: (اللهم أنت السلام، ومنك السلام) واستغفاره ثلاثاً، وقوله: (اللهم لا مانع لما أعطيت) وما أشبهها فهو بيان بالفعل، فنقول: إن بيان النبي صلى الله عليه وسلم للمجمل من قوله تعالى: فَاذْكُرُوا اللَّهَ [النساء:103] واجب عليه أن يبينه إما بالقول وإما بالفعل، وبيان هذا الذكر حصل بالقول وبالفعل، أما بالنسبة لنا فالذكر بعد الصلاة ليس بواجب، لكن على النبي عليه الصلاة والسلام واجبٌ حتى يحصل البلاغ، يعني: يجب أن يبين هذا المجمل إما بقوله وإما بفعله.

فإذا قال قائل: ما الفرق بيننا وبينه؟ لماذا يجب عليه ولا يجب علينا؟

نقول: لوجوب التبليغ عليه.