مختصر التحرير [66]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

هل يجوز أن نفسر القرآن بمقتضى اللغة؟

المؤلف أطلق أنه يجوز، والصحيح أنه يجوز إذا لم يكن المعنى اللغوي قد نقل إلى معنى شرعي كالصلاة، فإن نقل إلى المعنى الشرعي فسر بما يقتضيه المعنى الشرعي.

إذاً: يجوز تفسيره بمقتضى اللغة ما لم ينقل إلى معنىً شرعي، فإنه لا يفسر إلا بالمعنى الشرعي.

وهل يجوز للإنسان أن يفسره برأيه، بمعنى أن يحمل القرآن على رأيه؟

الجواب: لا يجوز؛ للحديث الوارد في هذا: (من قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار) هذه واحدة. ولأن هذا تحريف للقرآن، وقد ذم الله الذين يحرفون الكلم عن مواضعه.

وهل يجوز أن يفسر القرآن بالاجتهاد؟

الجواب: إذا كان أهلاً للاجتهاد وله أصل فلا بأس.

وهل يجوز أن يفسر القرآن بغير اجتهاد ولا بالرأي في مقام التعلم؟

الجواب: يجوز؛ ولكن الأستاذ يصحح له.

تعريف السنة لغةً وشرعاً

انتهى الكلام على كتاب الله عز وجل الذي هو الأصل في الأدلة، ثم بدأ المؤلف بالسنة التي قال: إنها مخبرة عن القرآن، فقال: [السنة لغةً: الطريقة]، ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لتركبن سنن من كان قبلكم) يعني: طرق، فيدل على الطريقة.

[وشرعاً] أي: اصطلاحاً؛ لأن أهل الشرع يكون اصطلاحهم شرعياً، والاصطلاح في الأصل مأخوذ من الصلح، اصطلح بمعنى اصتلح، يعني: تصالح القوم، والتعريفات التي يعرفها الفقهاء يقولون: (اصطلاحاً)، يعني كأن القوم (الفقهاء) اجتمعوا عليها كاجتماع المتصالحين على الصلح.

قال: [واصطلاحًا: قول النبي صلى الله عليه وسلم غير الوحي ولو بكتابة، وفعله ولو بإشارة، وإقراره]، يعني: إقراره على أمر من الأمور فعله غيره.

قال: [وزيد الهم].

يعني: زاد بعض العلماء: الهم، أن يهم النبي صلى الله عليه وسلم بشيء، فيكون ذلك من سنته.

فقول النبي صلى الله عليه وسلم لا شك أنه من سنته، لكن استثنى المؤلف غير الوحي، يعني: غير القرآن، فإن القرآن ليس سنة ولكنه قرآن، وظاهر كلام المؤلف أن السنة ليست بوحي، فإن أراد أنها ليست من الوحي الإقراري ففيه نظر ظاهر، وإن أراد أنها ليست من الوحي الذي ينزل به جبريل على الرسول عليه الصلاة والسلام؛ بل يشرعه الرسول فهذا صحيح؛ لأن السنة يظهر حسب التأمل والتتبع أن منها ما أوحاه إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، ومنها ما فعله النبي عليه الصلاة والسلام وأقره الله عليه، سواء كان قولاً أو فعلاً، ولهذا لما قال: إن الشهادة تكفر كل شيء أو كل ذنب انصرف الرجل فدعاه فقال: (إلا الدين، أخبرني بذلك جبريل آنفاً)، وهذا يدل على أن القول الأول ليس بوحي، إذ إنه لو كان وحياً لكان الغالب أن يكون الوحي تاماً لا يحتاج إلى استثناء يأتي بعد.

الكتابة ودخولها في السنن القولية

وقول المؤلف: (ولو بكتابة) يعني: ولو كان قوله بكتابة.

وهنا بحث: هل الكتابة من الرسول صلى الله عليه وسلم أو بأمره يعد من السنة القولية؟

الجواب: هذا مبني على أن الرسول عليه الصلاة والسلام هل كان يكتب أو لا؟

نقول: أما قبل الوحي -أي: قبل أن ينزل عليه القرآن- فإنه لا يكتب، وَمَا كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ [العنكبوت:48].

وأما بعد ذلك فقد اختلف العلماء: هل كان النبي عليه الصلاة والسلام يكتب أو لا يكتب؟ وعلى القول بأنه يكتب: هل كان يكتب كل ما يريد أو لا يكتب إلا أشياء يسيرة كاسمه مثلاً؟ والقرآن ظاهره أنه كان لا يكتب ولا يقرأ قبل نزول الوحي، أما بعده فالآية لا تنفي ولا تثبت أنه لا يكتب.

فقول المؤلف هنا: (ولو كتابةً) يحتمل أنه يريد: ولو كتابة بنفسه، فيكون المؤلف قائلاً بالقول الذي يقول: إنه كان يكتب بعد نزول الوحي، ويحتمل أنه يريد بالكتابة: أمره، وأياً كان فإن الكتابة كالقول، يثبت بالكتابة ما يثبت بالقول، ولهذا لو كتب الرجل فقال: بيتي الفلاني وقف، دون أن ينطق صار البيت وقفاً، ولو كتب: امرأتي طالق، طلقت امرأته وإن لم يتكلم. ولو كتب: عبدي حر، عتق عبده وإن لم يتكلم، ولو كتب: في ذمتي لفلان ألف درهم.. ثبتت في ذمته وإن لم ينطق.

فالمهم أن الكتابة حكمها حكم القول في ثبوت ما يجب بها، ولكن ليست كحكم القول في الصلاة مثلاً، فلو سأله واحد وهو يصلي قال: أين مفتاح السيارة؟

فكتب: مفتاح السيارة في حقيبتي في الغرفة رقم ثلاثة، فهذا كلام لا تبطل به صلاته، ولو همس في أذنه فقال: مفتاح السيارة في حقيبتي في الغرفة الثالثة، بطلت صلاته.

إذاً: الكتابة يثبت بها ما يثبت بالقول، وليس حكمها حكم القول في كل شيء.

فعل النبي صلى الله عليه وسلم وإقراره من السنة

يقول: [وفعله] يعني: فعل الرسول صلى الله عليه وسلم، [ولو بإشارة]، يعني: إذا فعل شيئاً ولو بإشارة فإنه سنة، فمثلاً: (قام النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بأصحابه وهو يشتكي، فصلى قاعداً فصلوا خلفه قياماً، فأشار إليهم أن اجلسوا)، نقول: هذا على كلام المؤلف يعتبره فعلاً، وإن كان يدل على ما يدل عليه القول لكنه فعل.

(وكان يشير بالسلام إذا سلموا عليه وهو يصلي، يرفع هكذا يده)، هذا أيضاً يدل على أن الإشارة فعل؛ لكنها مع ذلك تدل على ما يدل عليه القول، كما أن الكتابة فعل وتدل على ما يدل عليه القول، فالإشارة أيضاً فعل، وتدل على ما يدل عليه القول.

قال: [وإقراره]، إقرار يعني: إذا أقر النبي صلى الله عليه وسلم أحداً على قول دل ذلك على الجواز، أو على فعل دل ذلك على الجواز، فمن إقراره على القول: إقراره الرجل الذي كان يختم بـ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] إذا صلى بأصحابه، فإن الرسول أقره على ذلك.

ومن الإقرار على الفعل: إقراره لـسعد بن عبادة رضي الله عنه على أن يتصدق لأمه بمخراف، أي: بنخلة. فهذا إقرار على الفعل، والأمثلة على هذا كثيرة، والنبي عليه الصلاة والسلام لا يمكن أن يقر على باطل، بل لا يقر إلا على حق، إما جائز، وإما مطلوب ومشروع.

الهم ودخوله في السنة النبوية

قال: [وزيد الهم].

يعني: إذا هم بشيء كان ذلك من سنته، مثل: (لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام)، إلى أن قال: (ثم أنطلق إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار)، فهذا هم، فيجوز أن يهم الإنسان بمثل هذه العقوبة على من تخلف عن الصلاة وإن لم يفعل.

يقول في الشرح: (وزيد الهم) أي: وزاد الشافعية على ما ذكر من أقسام السنة: ما هم النبي صلى الله عليه وسلم بفعله ولم يفعله; لأنه صلى الله عليه وسلم لا يهم إلا بحق محبوب مطلوب شرعًا; لأنه مبعوث لبيان الشرعيات. ومنه: همه صلى الله عليه وسلم بمعاقبة المتخلفين عن الجماعة.

انتهى الكلام على كتاب الله عز وجل الذي هو الأصل في الأدلة، ثم بدأ المؤلف بالسنة التي قال: إنها مخبرة عن القرآن، فقال: [السنة لغةً: الطريقة]، ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لتركبن سنن من كان قبلكم) يعني: طرق، فيدل على الطريقة.

[وشرعاً] أي: اصطلاحاً؛ لأن أهل الشرع يكون اصطلاحهم شرعياً، والاصطلاح في الأصل مأخوذ من الصلح، اصطلح بمعنى اصتلح، يعني: تصالح القوم، والتعريفات التي يعرفها الفقهاء يقولون: (اصطلاحاً)، يعني كأن القوم (الفقهاء) اجتمعوا عليها كاجتماع المتصالحين على الصلح.

قال: [واصطلاحًا: قول النبي صلى الله عليه وسلم غير الوحي ولو بكتابة، وفعله ولو بإشارة، وإقراره]، يعني: إقراره على أمر من الأمور فعله غيره.

قال: [وزيد الهم].

يعني: زاد بعض العلماء: الهم، أن يهم النبي صلى الله عليه وسلم بشيء، فيكون ذلك من سنته.

فقول النبي صلى الله عليه وسلم لا شك أنه من سنته، لكن استثنى المؤلف غير الوحي، يعني: غير القرآن، فإن القرآن ليس سنة ولكنه قرآن، وظاهر كلام المؤلف أن السنة ليست بوحي، فإن أراد أنها ليست من الوحي الإقراري ففيه نظر ظاهر، وإن أراد أنها ليست من الوحي الذي ينزل به جبريل على الرسول عليه الصلاة والسلام؛ بل يشرعه الرسول فهذا صحيح؛ لأن السنة يظهر حسب التأمل والتتبع أن منها ما أوحاه إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، ومنها ما فعله النبي عليه الصلاة والسلام وأقره الله عليه، سواء كان قولاً أو فعلاً، ولهذا لما قال: إن الشهادة تكفر كل شيء أو كل ذنب انصرف الرجل فدعاه فقال: (إلا الدين، أخبرني بذلك جبريل آنفاً)، وهذا يدل على أن القول الأول ليس بوحي، إذ إنه لو كان وحياً لكان الغالب أن يكون الوحي تاماً لا يحتاج إلى استثناء يأتي بعد.


استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة اسٌتمع
مختصر التحرير [69] 3202 استماع
مختصر التحرير [54] 3191 استماع
مختصر التحرير [70] 3080 استماع
مختصر التحرير [33] 2825 استماع
مختصر التحرير [36] 2823 استماع
مختصر التحرير [47] 2754 استماع
مختصر التحرير [23] 2743 استماع
مختصر التحرير [45] 2741 استماع
مختصر التحرير [4] 2691 استماع
مختصر التحرير [34] 2624 استماع