مختصر التحرير [14]


الحلقة مفرغة

قال: [وبما في القوة عن ما بالفعل].

معنى بما في القوة يعني: أن الشيء يتجوز به وهو لم يقع؛ لكن باعتبار أنه في قوة الواقع، وكذلك أيضاً مثلها بالعكس في الكل، إذا قلنا بالعكس في الكل صار يتجوز بالمعلول عن العلة، وبالمؤثر عن الأثر، وبالحال عن المحل، وبالكل عن البعض، والمتعلَّق عن المتعلِّق، وبما بالفعل عن ما بالقوة.

قال: [وباعتبار وصف زائل لم يتلبس حال الإطلاق بضده، أو آيل قطعًا أو ظنا].

باعتبار وصف زائل يقول: لم يتلبس حال الإطلاق بضده، مثلاً: الرجل يسمى طفلاً، يمكن أن نعبر بالطفل عن الرجل؛ لكن بشرط أن لا يكون رجلاً.

اليتيم: يمكن نعبر باليتيم عن شخص قد بلغ، وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ [النساء:6]، اليتامى هنا حقيقة؛ لقوله: حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ [النساء:6].

لكن قوله: وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ [النساء:2]، هذا مجاز؛ لأنه لا يؤتى ماله إلا بعد البلوغ وإيناس الرشد، وإذا بلغ وأنس منه الرشد زال وصف اليتم عنه.

كذلك يقول: (بوصف آيل قطعاً)، مثل قوله تعالى: أَتَى أَمْرُ اللَّهِ [النحل:1]، فهنا عبر بالماضي عن شيء مستقبل؛ لأن ذلك يؤول إليه قطعاً.

[أو ظناً] كقوله تعالى: إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا [يوسف:36]، وهو إنما يعصر عنباً ليجعله خمراً. وهذا آيلٌ ظناً.

قال: [بفعل أو قوة] معناه: أنه يؤول إليه بالفعل أو بالقوة، يعبرون كلمة (بالفعل) عن الشيء الذي يوجد حقيقة، و(بالقوة) عن الشيء الذي يوجد حكماً وإن لم يكن موجوداً فعلاً.

[وزيادة ونقص] يعني: ويُعبَّر أيضاً بالزيادة والنقص، يعني قد يكون الكلام مجازاً بالزيادة، ومجازاً بالنقص، مثلوا لذلك بقوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11]وقالوا: إن الكاف زائدة، ومثلوا للنقص بقوله: وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ [يوسف:82]، يعني: أهل القرية.

[وشكل]، معنى الشكل: أن يُعبَّر بالشكل عن الحقيقة، ترى إنساناً مصوَّراً فتقول: هذا فلان، وليس هو فلان، ولذلك لو قطعت رأسه في هذه الورقة لا يموت، ولو ضربته لم يتألم المصوَّر.

قال: [وفي صفة ظاهرة واسم ومقيد وضد ومجاورة ونحوه].

في صفة ظاهرة كإطلاق الأسد على الرجل الشجاع، يعني يتجوز بشيء فيه صفة ظاهرة، فالشجاعة في الأسد ظاهرة، فأقول: رأيت أسداً، أعني به الرجل الشجاع، لكن لو رأيت فيه بخراً، ورائحة منتنة كريهة في فمه، لم يصح أن تقول: رأيت أسداً؛ لأن البخر في الأسد صفة خفية، فلا يمكن أن يشبه به شيء فيه هذه الصفة الخفية، لأن هذا تلبيس.

التجوز بالاسم عن المسمى وبالمقيد والمطلق

وقوله: [وباسم ومقيد وضد] معناه: يتجوز بالاسم عن المسمى، وبالمقيد عن المطلق، وبالضد عن ضده، ونأخذ الأمثلة في هذا.

مجازاً باعتبار إطلاقه، كتسمية الدية دماً؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (تحلفون وتستحقون دم صاحبكم)، فيكون الكلام مجازاً باعتبار إطلاقه من مقيد على مطلق، كقول القائل: أصبحت ونصف الناس علي غضبان، المراد مطلق البعض لا مطلق الجمع، ومنه قول الشاعر:

إن نصف الناس أعداء لمن ولي الأحكام هذا إن عدل

هذا النصف مقيد، لكن المراد بذلك: مطلق البعض، لأنه ليس صحيحاً أن نصف الناس بالضبط أعداء للحاكم، يعني لو كانت البلدة فيها عشرون ألفاً هل يكون عشرة آلاف منهم أعداءً للقاضي؟ الجواب: لا، لكن مطلق البعض يكون عدواً للقاضي؛ لأن الغالب أن المحكوم عليه يكون عدواً للقاضي، لاسيما إذا كان القاضي غير معروف بتمام العدالة، أما إذا كان معروفاً بتمام العدالة، فالغالب أن المحكوم عليه يقتنع كما يقتنع المحكوم له.

قال الشارح: معنى ذلك: أنه يتجوز باسم مقيد عن مطلق، مثل قوله:

إن نصف الناس أعداء لمن ولي الأحكام هذا إن عدل

وقوله: (إن نصف الناس) ليس المراد النصف الحقيقي، بل المراد مطلق البعض، وقد يقال في مثل هذا: إن التجوز بلفظ الناس لا بلفظ النصف سيكون من الكل عن البعض القولي، وقد يقال: إن التجوز بنصف الناس، أي: وأن المراد بهم من يقضي بينهم الحاكم فقط، لأن المحكوم عليه غالباً يعادي الحاكم باعتقاده أنه ظلمه.

يعني هنا يمكن أن نقول: التجوز في النصف، ويمكن أن يكون التجوز في الناس ليس بالنصف، فنقول: (الناس) عام يراد به الخاص، وهم الخصم، فيقول: إن نصف المحكوم عليهم أعداءٌ لمن ولي الأحكام.

ومثال المجاز في علاقة المجاورة: إطلاق لفظ الراوية على بعض الناس، وإنما هي في الأصل البعير الذي يُستقى عليه.

الراوية يطلق على الوعاء الذي فيه الماء، يقال: راوية. وأصلها هو البعير الذي يستقى عليه، فهنا العلاقة هي المجاورة؛ لأن الراوية تكون على ظهر البعير، فهي مجاورة له فسميت باسمه.

وقوله: [وباسم ومقيد وضد] معناه: يتجوز بالاسم عن المسمى، وبالمقيد عن المطلق، وبالضد عن ضده، ونأخذ الأمثلة في هذا.

مجازاً باعتبار إطلاقه، كتسمية الدية دماً؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (تحلفون وتستحقون دم صاحبكم)، فيكون الكلام مجازاً باعتبار إطلاقه من مقيد على مطلق، كقول القائل: أصبحت ونصف الناس علي غضبان، المراد مطلق البعض لا مطلق الجمع، ومنه قول الشاعر:

إن نصف الناس أعداء لمن ولي الأحكام هذا إن عدل

هذا النصف مقيد، لكن المراد بذلك: مطلق البعض، لأنه ليس صحيحاً أن نصف الناس بالضبط أعداء للحاكم، يعني لو كانت البلدة فيها عشرون ألفاً هل يكون عشرة آلاف منهم أعداءً للقاضي؟ الجواب: لا، لكن مطلق البعض يكون عدواً للقاضي؛ لأن الغالب أن المحكوم عليه يكون عدواً للقاضي، لاسيما إذا كان القاضي غير معروف بتمام العدالة، أما إذا كان معروفاً بتمام العدالة، فالغالب أن المحكوم عليه يقتنع كما يقتنع المحكوم له.

قال الشارح: معنى ذلك: أنه يتجوز باسم مقيد عن مطلق، مثل قوله:

إن نصف الناس أعداء لمن ولي الأحكام هذا إن عدل

وقوله: (إن نصف الناس) ليس المراد النصف الحقيقي، بل المراد مطلق البعض، وقد يقال في مثل هذا: إن التجوز بلفظ الناس لا بلفظ النصف سيكون من الكل عن البعض القولي، وقد يقال: إن التجوز بنصف الناس، أي: وأن المراد بهم من يقضي بينهم الحاكم فقط، لأن المحكوم عليه غالباً يعادي الحاكم باعتقاده أنه ظلمه.

يعني هنا يمكن أن نقول: التجوز في النصف، ويمكن أن يكون التجوز في الناس ليس بالنصف، فنقول: (الناس) عام يراد به الخاص، وهم الخصم، فيقول: إن نصف المحكوم عليهم أعداءٌ لمن ولي الأحكام.

ومثال المجاز في علاقة المجاورة: إطلاق لفظ الراوية على بعض الناس، وإنما هي في الأصل البعير الذي يُستقى عليه.

الراوية يطلق على الوعاء الذي فيه الماء، يقال: راوية. وأصلها هو البعير الذي يستقى عليه، فهنا العلاقة هي المجاورة؛ لأن الراوية تكون على ظهر البعير، فهي مجاورة له فسميت باسمه.

ثم قال المؤلف: [وشرط نقل في كل نوع لا في آحاد]:

يعني: يُشترط للمجاز أو للتجوز بالكلمة عن كلمة أخرى النقل، والنقل هنا ليس عن الكتاب والسنة، ولكن عن اللغة، يعني بحيث نعلم أن اللغة تجيز أن نعبر بالسبب عن المسبَّب، أو المسبَّب عن السبب، أو بالكل عن البعض، أو بالبعض عن الكل.

وقوله: (لا في آحاد)، يعني: لا يشترط النقل في نفس المثال، المهم أن تكون اللغة مجيزة أن يتجوز بالسبب عن المسبَّب، أما أن نشترط أن ينقل نفس اللفظ الذي تجوزناه فليس بشرط.

وبهذا يفهم الفرق بين النوع والآحاد، فالنوع مثل: أن يرد في اللغة التجوز بالسبب عن المسبَّب، (لا في آحاد)، يعني: لا يشترط أن تكون هذه الصيغة المعينة قد وردت في اللغة العربية، إنما الشرط النوع فقط.

وعليه: ففي التعبير بالبعض عن الكل أو بالكل عن البعض، هل يشترط أن يوجد في اللغة هذا البعض المعين عن الكل للمعين؟

الجواب: لا، بل أن يُعبَّر بالبعض عن الكل فقط، مثل: أعتق رقبة، هذا تجوز بالبعض عن الكل، يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ [البقرة:19] بالكل عن البعض، فيجوز أن نعبر بالكل عن البعض في غير هذا المثال، ويجوز أن نعبر بالبعض عن الكل في غير هذا المثال، المهم أن يرد في اللغة العربية تجوز بهذا النوع من المجاز بقطع النظر عن المثال.