شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صلاة الخوف - حديث 504-509


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد:

فهذه ليلة الإثنين السادس عشر من شهر ربيع الأول من سنة (1426) للهجرة، ورقم هذا الدرس واحد وثمانون بعد المائة من شرح بلوغ المرام، عندنا فيه الأحاديث من (479) إلى (484) في باب صلاة الخوف، سوف نجهز الآن على ما تبقى من أحاديث صلاة الخوف إن شاء الله تعالى.

وقد ذكرنا فيما سبق أولاً: صفات صلاة الخوف، وقلنا: إن الإمام أحمد أوصلها إلى ست أو سبع، ومن أهل العلم من أوصلها إلى أكثر، وأقوى ما قيل ستة عشر وجهاً أو ست عشرة صفة في صفات صلاة الخوف, كما ذكر ذلك العراقي وابن العربي وغيرهم، وذكرنا بعض هذه الصفات السابقة, كحديث خوات بن جبير وغيره.

عندنا اليوم الحديث (479) يقول المصنف رحمه الله: وللنسائي من وجه آخر عن جابر : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى بطائفة من أصحابه ركعتين, ثم سلم, ثم صلى بآخرين أيضاً ركعتين, ثم سلم ).

تخريج الحديث

كما نسبه المصنف رحمه الله وعزاه للنسائي، أخرجه النسائي في سننه بيان عدد صلاة الخوف والاختلاف فيه.

وقد خرجه أيضاً الدارقطني والبيهقي وابن خزيمة في صحيحه وغيرهم، وهذا الحديث يقول المصنف: من وجه آخر؛ لأنه سبق أن ذكر حديث جابر قبل ذلك في صلاة الخوف، فذكر وجهاً آخر, يعني: إسناداً مختلفاً عن جابر رضي الله عنه، وهذا الحديث هو من رواية الحسن البصري عن جابر، وقد اختلف أهل العلم والحديث في رواية الحسن عن جابر وعن غيره من الصحابة, وأثبتوا روايته عن سمرة , وأخذه عنه مباشرة, أما ما سوى ذلك ففيه اضطراب, وكلام كثير.

ورواية الحسن عن جابر لم يثبتها علي بن المديني وأبو زرعة وأبو حاتم وغيرهم من أهل الحديث, فالحديث فيه إشكال.

وأيضاً فإسناد الحديث فيه ضعف، فهذا الحديث ليس بالقوي, لكن له أصل في الصحيحين من غير طريق الحسن البصري، ففي صحيح مسلم من رواية أبي سلمة عن جابر في القصة الطويلة .. قصة غورث بن الحارث الذي جاء للنبي صلى الله عليه وسلم وهو نائم ثم رفع السيف عليه وقال: ( من يمنعك مني يا محمد؟! فقال: الله، فسقط السيف من يده، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم السيف وقال: من يمنعك مني؟ قال: لا أحد، ولكن أعاهدك أن لا أحاربك, ولا أكون مع قوم يحاربونك، ثم جاء به النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه رضي الله عنهم ). فهذا الحديث في صحيح مسلم في آخره، ( أنه نودي بالصلاة, فجاءت طائفة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فصلى بهم ركعتين, ثم تأخروا وصلى بالطائفة الأخرى ركعتين, فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أربعاً, ولأصحابه ركعتان ركعتان ). فهذا الحديث في صحيح مسلم، وكذلك في صحيح البخاري عن أبي سنان عن جابر بنحو حديث الباب.

إذاً: حديث جابر هذا في ( أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه ركعتين, ثم سلم، ثم صلى بطائفة أخرى ركعتين, ثم سلم ) رواه النسائي وفيه مقال:

أولاً: للشك والتردد في سماع الحسن من جابر .

وثانياً: لأن إسناد الحديث فيه ضعف، لكن يغني عنه ما في صحيح مسلم عن أبي سلمة عن جابر، وما في صحيح البخاري عن أبي سنان عن جابر بمعنى الحديث.

معاني ألفاظ الحديث

فيما يتعلق بشرح معنى الحديث:

فهذا الحديث يذكر صفة جديدة لصلاة الخوف غير ما سبق، وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بالطائفة الأولى من أصحابه الصلاة الرباعية ركعتين مقصورة؛ لأنهم في سفر وخوف فيصلي بهم ركعتين, ثم يسلم ويسلمون معه, وينصرفون إلى العدو، ثم تأتي الطائفة الأخرى التي كانت تحرس, فيصلي بها النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً ركعتين, ثم يسلم ويسلمون معه، فيكون النبي صلى الله عليه وسلم صلى مرتين, ولابد أن تكون إحدى هاتين الصلاتين نافلة؛ لأن الفريضة لا تصلى مرتين، فهي للنبي صلى الله عليه وسلم نافلة, لكنها للصحابة الذين صلوا وراءه فريضة.

فوائد الحديث

من فوائد الحديث بيان إحدى صفات صلاة الخوف, وهو أن يصلي بإحدى الطائفتين ركعتين, ثم يسلم, ثم يصلي بالطائفة الأخرى مثل ذلك.

ومن فوائد الحديث أيضاً: جواز صلاة المفترض خلف المتنفل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان متنفلاً في الصلاة الثانية, والصحابة الذين وراءه كانوا مفترضين.

كما نسبه المصنف رحمه الله وعزاه للنسائي، أخرجه النسائي في سننه بيان عدد صلاة الخوف والاختلاف فيه.

وقد خرجه أيضاً الدارقطني والبيهقي وابن خزيمة في صحيحه وغيرهم، وهذا الحديث يقول المصنف: من وجه آخر؛ لأنه سبق أن ذكر حديث جابر قبل ذلك في صلاة الخوف، فذكر وجهاً آخر, يعني: إسناداً مختلفاً عن جابر رضي الله عنه، وهذا الحديث هو من رواية الحسن البصري عن جابر، وقد اختلف أهل العلم والحديث في رواية الحسن عن جابر وعن غيره من الصحابة, وأثبتوا روايته عن سمرة , وأخذه عنه مباشرة, أما ما سوى ذلك ففيه اضطراب, وكلام كثير.

ورواية الحسن عن جابر لم يثبتها علي بن المديني وأبو زرعة وأبو حاتم وغيرهم من أهل الحديث, فالحديث فيه إشكال.

وأيضاً فإسناد الحديث فيه ضعف، فهذا الحديث ليس بالقوي, لكن له أصل في الصحيحين من غير طريق الحسن البصري، ففي صحيح مسلم من رواية أبي سلمة عن جابر في القصة الطويلة .. قصة غورث بن الحارث الذي جاء للنبي صلى الله عليه وسلم وهو نائم ثم رفع السيف عليه وقال: ( من يمنعك مني يا محمد؟! فقال: الله، فسقط السيف من يده، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم السيف وقال: من يمنعك مني؟ قال: لا أحد، ولكن أعاهدك أن لا أحاربك, ولا أكون مع قوم يحاربونك، ثم جاء به النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه رضي الله عنهم ). فهذا الحديث في صحيح مسلم في آخره، ( أنه نودي بالصلاة, فجاءت طائفة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فصلى بهم ركعتين, ثم تأخروا وصلى بالطائفة الأخرى ركعتين, فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أربعاً, ولأصحابه ركعتان ركعتان ). فهذا الحديث في صحيح مسلم، وكذلك في صحيح البخاري عن أبي سنان عن جابر بنحو حديث الباب.

إذاً: حديث جابر هذا في ( أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه ركعتين, ثم سلم، ثم صلى بطائفة أخرى ركعتين, ثم سلم ) رواه النسائي وفيه مقال:

أولاً: للشك والتردد في سماع الحسن من جابر .

وثانياً: لأن إسناد الحديث فيه ضعف، لكن يغني عنه ما في صحيح مسلم عن أبي سلمة عن جابر، وما في صحيح البخاري عن أبي سنان عن جابر بمعنى الحديث.

فيما يتعلق بشرح معنى الحديث:

فهذا الحديث يذكر صفة جديدة لصلاة الخوف غير ما سبق، وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بالطائفة الأولى من أصحابه الصلاة الرباعية ركعتين مقصورة؛ لأنهم في سفر وخوف فيصلي بهم ركعتين, ثم يسلم ويسلمون معه, وينصرفون إلى العدو، ثم تأتي الطائفة الأخرى التي كانت تحرس, فيصلي بها النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً ركعتين, ثم يسلم ويسلمون معه، فيكون النبي صلى الله عليه وسلم صلى مرتين, ولابد أن تكون إحدى هاتين الصلاتين نافلة؛ لأن الفريضة لا تصلى مرتين، فهي للنبي صلى الله عليه وسلم نافلة, لكنها للصحابة الذين صلوا وراءه فريضة.

من فوائد الحديث بيان إحدى صفات صلاة الخوف, وهو أن يصلي بإحدى الطائفتين ركعتين, ثم يسلم, ثم يصلي بالطائفة الأخرى مثل ذلك.

ومن فوائد الحديث أيضاً: جواز صلاة المفترض خلف المتنفل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان متنفلاً في الصلاة الثانية, والصحابة الذين وراءه كانوا مفترضين.

الحديث الذي بعده مثله أيضاً قال: ومثله لـأبي داود عن أبي بكرة أن النبي صلى الله عليه وسلم - طبعاً لم يذكر المصنف ابن حجر رحمه الله لفظ أبي داود , وهو بنحو حديث جابر , لكن فيه-: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم الظهر, فصلى بهم ركعتين, ثم سلم وذهبوا, وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم ركعتين, ثم سلم, فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أربعاً, ولهم ركعتين ركعتين ). قال أبو داود : وبذلك كان يفتي الحسن، يعني: الحسن البصري راوي الحديث.

تخريج الحديث

حديث أبي بكرة رضي الله عنه رواه أبو داود كما ذكر المصنف في كتاب السفر, باب: من قال: يصلي بكل طائفة ركعتين، ورواه أيضاً النسائي في كتاب الإمامة, باب: صلاة المفترض بالمتنفل، ورواه أحمد وابن حبان في صحيحه، وصححه والدارقطني والبيهقي وغيرهم.

وهذا الحديث أيضاً يقال فيه ما يقال في الذي قبله, فهو من رواية الحسن البصري عن أبي بكرة رضي الله عنه، وفيها اختلاف, هل سمع الحسن من أبي بكرة أو لم يسمع، والإمام البخاري رحمه الله يرجح أن الحسن سمع من أبي بكرة , فقد خرج له في الصحيح حديثاً عنه، وبناءً على طريقة البخاري فإن هذا الحديث متصل, خلافاً لـأبي حاتم والدارقطني , الذين يرون أن الحسن البصري لم يسمع من أبي بكرة .

حكم صلاة الإمام لكل طائفة من أصحابه ركعتين بسبب الخوف

نبقى أيضاً في مسألة هذا الحديث, وهي: أن يصلي ركعتين ثم يسلم، ثم يصلي بالطائفة الأخرى ركعتين, هذه الصفة قال بها من الصحابة رضي الله عنهم جابر بن عبد الله وأبو بكرة، وأفتى بها الحسن البصري كما ذكره عنه أبو داود في سننه وجماعة من السلف، وهو قول الشافعي وأحمد والأوزاعي وغيرهم، يرون أن إحدى صفات صلاة الخوف أن يصلي بطائفة ركعتين ويسلم بهم، ثم يصلي بالطائفة الأخرى مثل ذلك ويسلم بهم، وتكون إحدى التسليمتين للإمام نافلة.

وقد ذكر النووي وغيره أنه يمكن أن يكرر ذلك أكثر من مرة، بمعنى: أن يصلي بطائفة ركعتين, ثم يصلي بأخرى وثالثة ورابعة, وهكذا.

والواقع أن هذه الصفة ليس فيها إشكال؛ لأن قصارى ما فيها اختلاف النية بين الإمام والمأموم، وباب اختلاف النية أوسع من صلاة الخوف, فقد ورد اختلاف النية بين المفترض والمتنفل في حديث معاذ بن جبل الذي رواه أهل السنن وغيرهم وإسناده صحيح: ( أنه كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم ينصرف إلى جماعته بني سلمة فيصلي بهم صلاة العشاء ) . وأيضاً حديث: ( من يتصدق على هذا ). اختلاف النية في كون الإمام مفترضاً والمأموم متنفلاً, وهو عند أبي داود , وسنده صحيح، وهكذا اختلاف النية بين فرض وفرض آخر, فباب اختلاف النية واسع, وهذه الصفة ليس فيها من مخالفة الصلاة إلا اختلاف النية بين الإمام والمأموم, ولذلك ليس فيها كبير إشكال.

حديث أبي بكرة رضي الله عنه رواه أبو داود كما ذكر المصنف في كتاب السفر, باب: من قال: يصلي بكل طائفة ركعتين، ورواه أيضاً النسائي في كتاب الإمامة, باب: صلاة المفترض بالمتنفل، ورواه أحمد وابن حبان في صحيحه، وصححه والدارقطني والبيهقي وغيرهم.

وهذا الحديث أيضاً يقال فيه ما يقال في الذي قبله, فهو من رواية الحسن البصري عن أبي بكرة رضي الله عنه، وفيها اختلاف, هل سمع الحسن من أبي بكرة أو لم يسمع، والإمام البخاري رحمه الله يرجح أن الحسن سمع من أبي بكرة , فقد خرج له في الصحيح حديثاً عنه، وبناءً على طريقة البخاري فإن هذا الحديث متصل, خلافاً لـأبي حاتم والدارقطني , الذين يرون أن الحسن البصري لم يسمع من أبي بكرة .

نبقى أيضاً في مسألة هذا الحديث, وهي: أن يصلي ركعتين ثم يسلم، ثم يصلي بالطائفة الأخرى ركعتين, هذه الصفة قال بها من الصحابة رضي الله عنهم جابر بن عبد الله وأبو بكرة، وأفتى بها الحسن البصري كما ذكره عنه أبو داود في سننه وجماعة من السلف، وهو قول الشافعي وأحمد والأوزاعي وغيرهم، يرون أن إحدى صفات صلاة الخوف أن يصلي بطائفة ركعتين ويسلم بهم، ثم يصلي بالطائفة الأخرى مثل ذلك ويسلم بهم، وتكون إحدى التسليمتين للإمام نافلة.

وقد ذكر النووي وغيره أنه يمكن أن يكرر ذلك أكثر من مرة، بمعنى: أن يصلي بطائفة ركعتين, ثم يصلي بأخرى وثالثة ورابعة, وهكذا.

والواقع أن هذه الصفة ليس فيها إشكال؛ لأن قصارى ما فيها اختلاف النية بين الإمام والمأموم، وباب اختلاف النية أوسع من صلاة الخوف, فقد ورد اختلاف النية بين المفترض والمتنفل في حديث معاذ بن جبل الذي رواه أهل السنن وغيرهم وإسناده صحيح: ( أنه كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم ينصرف إلى جماعته بني سلمة فيصلي بهم صلاة العشاء ) . وأيضاً حديث: ( من يتصدق على هذا ). اختلاف النية في كون الإمام مفترضاً والمأموم متنفلاً, وهو عند أبي داود , وسنده صحيح، وهكذا اختلاف النية بين فرض وفرض آخر, فباب اختلاف النية واسع, وهذه الصفة ليس فيها من مخالفة الصلاة إلا اختلاف النية بين الإمام والمأموم, ولذلك ليس فيها كبير إشكال.