أرشيف المقالات

العناية بالوقت

مدة قراءة المادة : 5 دقائق .
العناية بالوقت
 
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وصلى الله وسلم على نبيه ومصطفاه، وعلى آله وصَحْبه ومن والاه.
 
إذا صحَّ الإيمان اهتمَّ العبد بوقته واشتدَّتْ عليه لحظاته في حسابه، وأصبح ضنينًا بالأنفاس، لا ينفقها إلا فيما يُقرِّبه إلى ربه جل جلاله؛ لأن الأيام خزائن فلنودعها الخير العظيم، والنَّفَس الذي يخرج لا يرجع، وكل يوم يبعدنا عن دنيانا يُقرِّبنا إلى الآخرة.
 
يقول الله تبارك وتعالى عن الكافرين موبِّخًا لهم: ﴿ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ ﴾ [فاطر: 37]، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن عمره فيما أفناه، وعن علمه فيما عمل به، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن جسمه فيما أبلاه)).
 
إن الخير يدل على الخير؛ فالحسنة تجرُّ مثيلاتها، ومن فتح على نفسه بابَ خيرٍ واحدًا بصدق، تسابقَتْ إليه الخيرات من كل جانب، وتدفَّقَتْ إليه المكرمات، وضاق وقته بها، واحتاج إليه الناس، وقد يُفتَح على الإنسان أبواب عظيمة من الخير، فإذا فُتِح لك باب خير فاعلم أنه ينبغي لك مراعاة عدد من الأمور، وقبل ذلك يقول خالد بن معدان رحمه الله: إذا فُتِح لأحدكم باب خير فليستثمره؛ فإنه لا يعلم متى يُغلَق دونه.
 
فإن هذا الباب الذي فُتِح عليك قد يُغلَق يومًا من الأيام؛ إما بمرض أو انشغال أو موت أو غير ذلك، فما دام أنه قد يُغلَق فاستثمره ما دام موجودًا، وما دام الأمر ممكنًا.
 
وإذا فتح الله تعالى عليك ذلك الباب فاعلم أنه ينبغي لك أربعة أمور:
الأمر الأول: الحمد والشكر لله تبارك وتعالى على هذا الباب العظيم الذي فتحه عليك، فإذا فتح عليك بقراءة القرآن أو الذكر أو الصيام أو النفقة أو غيرها من أبواب الخير، فاحمد الله تعالى واشكره على ذلك، فإن الله عز وجل شكور، ويقول جل جلاله: ﴿ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ﴾ [إبراهيم: 7].
 
والأمر الثاني: استفتح أبوابًا أخرى من الخير، فإن الله عز وجل يُعِينُكَ على ذلك، فإذا استفتحت أبوابًا لم تُفتَح عليك، ودعوت الله عز وجل بفتحها، فإن الله عز وجل قريب مجيب يفتح عليك تلك الأبواب التي أردْتَ من الخير.
 
والأمر الثالث: ادْعُ إلى ما فتح الله تعالى عليك به، فإذا فتح عليك في قراءة القرآن فادْعُ الناس إليه، وإذا فتح عليك في الصيام فادْعُ الناس إليه، وإذا فتح عليك في أي باب من أبواب الخير فادْعُ الناس إليه، واكسب الخير من جراء دعوتك لهم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((من دلَّ على خير فله مثل أجر فاعله))؛ رواه مسلم.
 
والأمر الرابع: لا تشمت بأحد لم يُفتَح عليه مثلُ ما فتح عليك؛ فإنه قد يكون فُتِح عليه شيء لم يفتح عليك أنت به.
 
إن ملء الوقت بما فتح الله تعالى عليك من الخير، هو توفيق من الله تبارك وتعالى وتيسير لك، ومن أهم ما يمكن أن تملأ به الأوقات هو ذكر الله تبارك وتعالى؛ ولهذا وصف الله تعالى تلك العبادة وهي ذكره جل جلاله، وصفها بالكثرة في عدد من آيات القرآن الكريم ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 41]، وقال تعالى: ﴿ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ ﴾ [الأحزاب: 35].
 
ولعل من أهم الأذكار هو ما ورد في قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((أحب الكلام إلى الله أربع لا يضرك بأيهن بدأت: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر))، وكما أن تلك الكلمات هي أحبُّ الكلام إلى الله فإنها أيضًا هي أحبُّ الكلام إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام؛ حيث يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لأن أقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، أحبُّ إليَّ مما طلعت عليه الشمس)).
 
فذكر الله تبارك وتعالى من القرآن أو الأذكار عمومًا؛ كالتسبيح أو الأذكار الفعلية أو الأذكار القلبية، من أعظم الأعمال وأفضل العبادات التي لا يمكن أن توجد عبادة من العبادات إلا وللذكر فيها علاقة إما قوية أو قصيرة، إما أن تكون علاقة في ذكر القلب أو علاقة في ذكر العمل، أو علاقة في ذكر اللسان.
 
أسأل الله تبارك وتعالى أن يُوفِّقنا لعبادته وذكره، وأن يتقبل منا، وأن يجعلنا من عباده الصالحين المصلحين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

شارك الخبر

المرئيات-١