شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صلاة المسافر والمريض - حديث 459-462


الحلقة مفرغة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون، وسلم تسليماً كثيراً.

ثم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أما بعد:

فهذا هو الدرس رقم: (167) من شرح بلوغ المرام، وهذه الدروس المستمرة ضمن الدورة العلمية المكثفة التي ينظمها مشكوراً مكتب الدعوة والإرشاد في بريدة، في هذا المسجد المبارك جامع الراجحي، وسوف تكون دروساً في البلوغ كما ذكرت لكم بعد صلاة العصر.

اليوم عندنا أحاديث ليست بعيدة عن هذا الموضوع، وسنحاول بإذن الله تعالى ضمن شرحها أيضاً أن نعرض للمسألة الأخرى المهمة جداً في السفر، وهي: متى ينتهي حد السفر ويعتبر الإنسان مقيماً؟

فالمصنف رحمه الله هنا ذكر لنا الحديث رقم: (434) قال: وعنه رضي الله عنه، فتبين لنا أن الضمير في قوله: (وعنه) يعود إلى أنس بن مالك راوي الحديث السابق، قال: ( خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من المدينة إلى مكة، فكان يصلي ركعتين ركعتين حتى رجعنا إلى المدينة ) قال: متفق عليه واللفظ للبخاري.

تخريج الحديث

وهذا الحديث رواه البخاري رحمه الله في أكثر من موضع، فقد رواه أولاً: في كتاب الجمعة، باب: ما جاء في التقصير وكم يقيم حتى يقصر، وزاد فيه على ما ساقه المصنف رواية، قال الراوي عن أنس، وهنا الراوي عن أنس هو يحيى بن أبي إسحاق البصري، الراوي عن أنس هو التابعي يحيى بن أبي إسحاق كما في سند البخاري، يقول يحيى : ( قلت لـأنس

: مكثتم بها شيئاً -كم جلستم بـمكة -؟ قال: مكثنا أو لبثنا بها عشراً
) يعني: عشر ليالٍ أو عشرة أيام. فهذه رواية، وسنعرض لها إن شاء الله.

وأخرجه البخاري أيضاً في موضع آخر في المغازي، في باب مقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة زمن الفتح بنفس الإسناد، واللفظ قريب منه: ( أقمنا مع النبي صلى الله عليه وسلم عشراً نقصر الصلاة ) وهنا إشكال قبل أن نستطرد في تخريج الحديث؛ فإن البخاري ساق الحديث هذا كما قلت لكم في كتاب المغازي باب إقامة النبي صلى الله عليه وسلم بمكة، زمن الفتح، طيب. هذا حديثنا في زمن فتح مكة؟

عشرة أيام، هذه ليست أيام فتح مكة، وإنما زمن حجة الوداع، أما فتح مكة فقد أقام النبي صلى الله عليه وسلم في مكة تسعة عشر يوماً، كما في حديث ابن عباس وسوف يأتي بعده، قال: ( أقمنا بـمكة تسعة عشر يوماً نقصر الصلاة ).

إذاً: حديث أنس الصواب أنه زمن حجة الوداع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع دخل مكة صبيحة رابعة، وخرج منها صبيحة أربعة عشر تقريباً، فيكون أقام عشرة أيام بـمكة وما حولها، وهذا هو الذي ينطبق عليه كلام أنس رضي الله عنه.

طيب. إذاً: لماذا ساق البخاري هذا الحديث في موضع المغازي في إقامة النبي صلى الله عليه وسلم بمكة زمن الفتح؟

قد يكون -والله أعلم- على ما هو معروف من طريقة البخاري وتفننه في سياق الأحاديث وفي التراجم؛ للفت نظر المتعلم والطالب إلى اختلاف حديث أنس عن حديث ابن عباس ؛ لأنه ساق بعده حديث ابن عباس في الباب نفسه كما سوف يأتي، فكأنه يريد أن ينتبه الطالب إلى أن هذا كان أيام الحج، وأما فتح مكة فتسعة عشرة يوماً، فهذا أحد احتمالات التخريج على كل حال.

وأيضاً: الحديث خرجه مسلم، فهو متفق عليه في كتاب الصلاة، باب: صلاة المسافرين وقصرها، وأبو داود أيضاً في أبواب الصلاة نفسها والسفر، والنسائي خرجه في السنن الكبرى له، وكأنه ليس في السنن المطبوع الذي هو المجتبى، وابن ماجه والبيهقي وأحمد والطبراني وأبو عوانة وغيرهم.

معاني ألفاظ الحديث

حديث أنس رضي الله عنه طبعاً انتهينا من تخريجه والآن ما يتعلق بألفاظه:

ففيه أولاً: قوله: (خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة )، نقول: علم بهذا أن هذا الخروج -لما أسلفناه قبل قليل- كان خروجاً لحجة الوداع.

قوله: (فكان يصلي ركعتين) ما المقصود بالركعتين؟ ما هي الصلاة التي تصلى ركعتين؟ الرباعية، إذاً: يستثنى من قوله: (فكان يصلي ركعتين) ماذا؟ صلاة المغرب، فإنها كانت ثلاثاً ولا تقصر باتفاق العلماء، وهذا ما ورد في رواية البيهقي من حديث إسحاق نفسه، عن أنس قال: ( فكان يصلي ركعتين إلا المغرب حتى رجعنا إلى المدينة ) . طيب.

قوله في اللفظ الآخر الذي سقته لكم قبل قليل لما سأل أنساً : (قال: أقمتم بها، أو مكثتم بها شيئاً؟ قال: أقمتم بها شيئاً؟ قال: أقمنا بها، كم؟ عشرة) فنقول: قوله: (أقمتم) معناه: لبثتم أو مكثتم، فهو دليل على أن الإقامة داخل السفر تسمى إقامة، ولو لم يكن الإنسان قطع بها مسمى السفر، يعني: قد يقيم إنسان في البلد الذي سافر إليه يوماً أو يومين أو ثلاثة أو أربعة أو عشرة، ويسمى مكثه في ذلك البلد إقامة، ومع ذلك لا يترتب عليه انقطاع سفره، فهذا من باب التسمية اللغوية التي لا ينقطع بها مسمى السفر.

وقوله: (عشراً) هكذا بالتذكير، دليل على أن مراده عشر ليالٍ، ولو أراد الأيام لقال: أقمنا بها عشرةً.

هذا ما يتعلق بألفاظ الحديث، وهذه أيضاً فوائده، والحديث ليس فيه مسائل علمية كثيرة سوى ما ذكرنا.

فوائد الحديث

ننتقل إلى فوائد الحديث، فنقول:

من فوائد الحديث: تسمية اللبث أو المكث داخل السفر إقامة.

ومن فوائد الحديث: استحباب القصر ومحافظة النبي صلى الله عليه وسلم عليه في سفره كما سبق تأكيده.

ومن فوائد الحديث: عدم قصر صلاة المغرب بالاتفاق، ويرشد لذلك لفظ البيهقي قال: (إلا المغرب).

ومن فوائد الحديث أيضاً: تسمية البلد وما جاوره باسم واحد، فإن قوله: (أقمنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بـمكة، أو خرجنا إلى مكة) هل الأيام العشرة كلها كانت إقامة النبي صلى الله عليه وسلم فيها بـمكة ؟ وأين كان؟ ومتى خرج إلى منى؟

في اليوم الثامن الذي هو يوم التروية، وخرج إلى عرفة في اليوم التاسع، مع ملاحظة أن عرفة ليست من الحرم أصلاً، ثم رجع إلى مزدلفة وهي من الحرم، ثم رجع إلى منى، ثم رجع إلى مكة وطاف بها طواف الوداع، ثم خرج، فنحن نقول: إن مكة هنا أطلقت على البلد وما جاورها.

من فوائد الحديث أيضاً، هذه فائدة مهمة أريد منكم أن تكشفوا لي من أين نأخذها؟

أن الحديث مستند للشافعي وأحمد ومالك ومن وافقهم في اعتبار أن أربعة أيام هي حد الإقامة التي ينقطع بها التمتع برخص السفر، من أين نأخذ هذه الفائدة؟

دخل مكة قلنا: في اليوم الرابع، ومكث فيها الرابع والخامس والسادس والسابع، هذه أربعة أيام، ثم خرج إلى منى في اليوم الثامن وصلى بها الظهر، ولذلك الحنابلة يقولون: إحدى وعشرون صلاة؛ لأنهم حسبوا صلاة الفجر هذه مع الأيام الأربعة تعد (4×5=20+1=21)، وصلى النبي صلى الله عليه وسلم الظهر بـمنى، فاحتج بهذا الحديث الشافعي رحمه الله ونص عليه في الأم وغيره، وأحمد ومالك على أن الإقامة إذا تجاوزت أربعة أيام فإنه لا يتمتع برخص السفر ويعتبر مقيماً لا يقصر الصلاة، وهذا استدلالهم بالحديث واضح، وسوف يأتي بسط المسألة إن شاء الله تعالى.

هذا بالنسبة للحديث الأول، ما في أكثر من هذا.

وهذا الحديث رواه البخاري رحمه الله في أكثر من موضع، فقد رواه أولاً: في كتاب الجمعة، باب: ما جاء في التقصير وكم يقيم حتى يقصر، وزاد فيه على ما ساقه المصنف رواية، قال الراوي عن أنس، وهنا الراوي عن أنس هو يحيى بن أبي إسحاق البصري، الراوي عن أنس هو التابعي يحيى بن أبي إسحاق كما في سند البخاري، يقول يحيى : ( قلت لـأنس

: مكثتم بها شيئاً -كم جلستم بـمكة -؟ قال: مكثنا أو لبثنا بها عشراً ) يعني: عشر ليالٍ أو عشرة أيام. فهذه رواية، وسنعرض لها إن شاء الله.

وأخرجه البخاري أيضاً في موضع آخر في المغازي، في باب مقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة زمن الفتح بنفس الإسناد، واللفظ قريب منه: ( أقمنا مع النبي صلى الله عليه وسلم عشراً نقصر الصلاة ) وهنا إشكال قبل أن نستطرد في تخريج الحديث؛ فإن البخاري ساق الحديث هذا كما قلت لكم في كتاب المغازي باب إقامة النبي صلى الله عليه وسلم بمكة، زمن الفتح، طيب. هذا حديثنا في زمن فتح مكة؟

عشرة أيام، هذه ليست أيام فتح مكة، وإنما زمن حجة الوداع، أما فتح مكة فقد أقام النبي صلى الله عليه وسلم في مكة تسعة عشر يوماً، كما في حديث ابن عباس وسوف يأتي بعده، قال: ( أقمنا بـمكة تسعة عشر يوماً نقصر الصلاة ).

إذاً: حديث أنس الصواب أنه زمن حجة الوداع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع دخل مكة صبيحة رابعة، وخرج منها صبيحة أربعة عشر تقريباً، فيكون أقام عشرة أيام بـمكة وما حولها، وهذا هو الذي ينطبق عليه كلام أنس رضي الله عنه.

طيب. إذاً: لماذا ساق البخاري هذا الحديث في موضع المغازي في إقامة النبي صلى الله عليه وسلم بمكة زمن الفتح؟

قد يكون -والله أعلم- على ما هو معروف من طريقة البخاري وتفننه في سياق الأحاديث وفي التراجم؛ للفت نظر المتعلم والطالب إلى اختلاف حديث أنس عن حديث ابن عباس ؛ لأنه ساق بعده حديث ابن عباس في الباب نفسه كما سوف يأتي، فكأنه يريد أن ينتبه الطالب إلى أن هذا كان أيام الحج، وأما فتح مكة فتسعة عشرة يوماً، فهذا أحد احتمالات التخريج على كل حال.

وأيضاً: الحديث خرجه مسلم، فهو متفق عليه في كتاب الصلاة، باب: صلاة المسافرين وقصرها، وأبو داود أيضاً في أبواب الصلاة نفسها والسفر، والنسائي خرجه في السنن الكبرى له، وكأنه ليس في السنن المطبوع الذي هو المجتبى، وابن ماجه والبيهقي وأحمد والطبراني وأبو عوانة وغيرهم.

حديث أنس رضي الله عنه طبعاً انتهينا من تخريجه والآن ما يتعلق بألفاظه:

ففيه أولاً: قوله: (خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة )، نقول: علم بهذا أن هذا الخروج -لما أسلفناه قبل قليل- كان خروجاً لحجة الوداع.

قوله: (فكان يصلي ركعتين) ما المقصود بالركعتين؟ ما هي الصلاة التي تصلى ركعتين؟ الرباعية، إذاً: يستثنى من قوله: (فكان يصلي ركعتين) ماذا؟ صلاة المغرب، فإنها كانت ثلاثاً ولا تقصر باتفاق العلماء، وهذا ما ورد في رواية البيهقي من حديث إسحاق نفسه، عن أنس قال: ( فكان يصلي ركعتين إلا المغرب حتى رجعنا إلى المدينة ) . طيب.

قوله في اللفظ الآخر الذي سقته لكم قبل قليل لما سأل أنساً : (قال: أقمتم بها، أو مكثتم بها شيئاً؟ قال: أقمتم بها شيئاً؟ قال: أقمنا بها، كم؟ عشرة) فنقول: قوله: (أقمتم) معناه: لبثتم أو مكثتم، فهو دليل على أن الإقامة داخل السفر تسمى إقامة، ولو لم يكن الإنسان قطع بها مسمى السفر، يعني: قد يقيم إنسان في البلد الذي سافر إليه يوماً أو يومين أو ثلاثة أو أربعة أو عشرة، ويسمى مكثه في ذلك البلد إقامة، ومع ذلك لا يترتب عليه انقطاع سفره، فهذا من باب التسمية اللغوية التي لا ينقطع بها مسمى السفر.

وقوله: (عشراً) هكذا بالتذكير، دليل على أن مراده عشر ليالٍ، ولو أراد الأيام لقال: أقمنا بها عشرةً.

هذا ما يتعلق بألفاظ الحديث، وهذه أيضاً فوائده، والحديث ليس فيه مسائل علمية كثيرة سوى ما ذكرنا.


استمع المزيد من الشيخ سلمان العودة - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب الوضوء - حديث 38-40 4784 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صلاة الجماعة والإمامة - حديث 442 4394 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب الوضوء - حديث 57-62 4213 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صفة الصلاة - حديث 282-285 4095 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الحج - باب فضله وبيان من فرض عليه - حديث 727-728 4047 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صلاة التطوع - حديث 405-408 4021 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صفة الصلاة - حديث 313-316 3974 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب الوضوء - حديث 36 3917 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب المياه - حديث 2-4 3900 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الحج - باب فضله وبيان من فرض عليه - حديث 734-739 3879 استماع