الأحاديث المعلة في الصلاة [1]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد, وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

أول أحاديث اليوم هو حديث كعب بن عجرة عليه رضوان الله تعالى، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ومن ضيعهن )، يعني: الصلوات ولم يحافظ عليهن ( استخفافاً بحقهن فليس له عهد عندي, إن شئت عذبته وإن شئت أدخلته الجنة )، هذا الحديث قدسي، رواه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه جل وعلا، وهذا الحديث بهذا اللفظ منكر, أخرجه الإمام أحمد وغيره، وموضع النكارة فيه هو في قوله: ( ومن ضيعهن فليس له عهد عندي, إن شئت عذبته, وإن شئت أدخلته الجنة ) .

هذا الحديث يستدل به بعض العلماء على أن تارك الصلاة بالكلية لا يكفر, وهو تحت مشيئة الله جل وعلا، وحديث كعب بن عجرة هذا جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من طرق متعددة وليس فيه هذه اللفظة: ( ومن ضيعهن استخفافاً بحقهن )، وإنما المراد بالتضييع هنا: التخلف عن الوقت، وعدم الإتيان بها مع تمام ركوعها وسجودها.

ويؤيد هذا: أن الحديث قد رواه الإمام أحمد وغيره من حديث عبد الرحمن بن النعمان عن إسحاق بن سعد بن كعب بن عجرة عن أبيه عن كعب بن عجرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس فيه لفظة التضييع، وإنما فيه أنه لم يعط الصلاة حقها، واللفظ الأول وهو حديث كعب بن عجرة بلفظ: ( ضيعهن )، هذا الحديث منكر، فقد أنكره الحافظ ابن رجب رحمه الله كما في كتابه الفتح، وهو ظاهر صنيع محمد بن نصر المروزي وغيرهم.

وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث عبادة بن الصامت أيضاً، رواه الإمام مالك في كتابه الموطأ، ورواه الإمام أحمد في كتابه المسند، من حديث يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان عن ابن محيريز عن رجل من كنانة عن عبادة بن الصامت، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عن ربه: ( ولم يأت بها ) يعني: الصلاة، ( فليس له عهد عندي, إن شئت عذبته وإن شئت أدخلته الجنة )، وحديث عبادة بن الصامت بهذا اللفظ حديث منكر، وذلك للجهالة في إسناده.

وقد جاء من وجه آخر وليس فيه: (ولم يأت بها)، وإنما (لم يتم ركوعها وسجودها )، وذلك أنه قد جاء من حديث عطاء بن يسار عن الصنابحي عن عبادة بن الصامت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا هو الصواب في حديث عبادة.

وحديث عبادة هذا هو الحديث المشهور أن رجلاً من بني كنانة سمع رجلاً يقول: إن الوتر واجب، فأخبر بذلك عبادة بن الصامت فقال: كذب أبو محمد، فذكر ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أدلة كفر تارك الصلاة

ومسألة فرض الصلاة ليست موضع إيراد عند العلماء، وإنما الذي هو موضع إيراد هو أنه لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنص صريح صحيح يكون فيه تارك الصلاة بالكلية ممن هو تحت المشيئة كحال أصحاب الكبائر، وإنما ظواهر النصوص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما جاء في حديث جابر بن عبد الله، وبريدة بن الحصيب أن ( الرجل بينه وبين الشرك ترك الصلاة )، كما جاء في مسلم من حديث جابر، وجاء في المسند والسنن من حديث بريدة : ( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر )، وكذلك ظاهر إجماع الصحابة فيما يرويه بشر بن المفضل عن الجريري عن عبد الله بن شقيق أنه قال: ( ما كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة ) .

وهذا قد جاء عن أيوب بن أبي تميم السختياني كما رواه محمد بن نصر وغيره من حديث حماد بن زيد عن أيوب وهو من أجلة فقهاء التابعين، قال: ترك الصلاة كفر لا نختلف فيه، وهذا هو الوارد عن الصحابة عليهم رضوان الله تعالى كما جاء عن سعد بن أبي وقاص، وروي في ذلك جملة من النصوص وفيها ضعف، فقد جاء هذا عن عبد الله بن مسعود، وجاء عن عبد الله بن عمرو بن العاص، وروي هذا عن جماعة من التابعين كـسعيد بن جبير، والحكم، وجاء عن جماعة من الأئمة كالإمام أحمد، وإسحاق بن راهويه وغيرهم.

وهذه المسألة وهي مسألة النصوص التي جاءت عن النبي عليه الصلاة والسلام وتحتمل أن تارك الصلاة تحت المشيئة؛ لا يثبت منها شيء على الإطلاق.

وثمة نصوص واهية جداً في هذا الموضوع ولسنا بحاجة إلى إيرادها.

وهذا الحديث حديث كعب بن عجرة من الأحاديث المشهورة التي يكثر إيرادها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيان عدم كفر تارك الصلاة, مع ظهور النصوص عن النبي عليه الصلاة والسلام في ذلك، إلا أن العلماء من المتأخرين يقولون: نقر بثبوت اللفظ في الكفر ولكن لا نقر بكون ذلك اللفظ من الكفر الأكبر, وإنما هو من الكفر الأصغر.

والذي جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو في إثبات إسلام الرجل الذي يترك الصلاة الواحدة والصلاتين والثلاث، كما جاء في مسند الإمام أحمد من حديث شعبة عن قتادة عن نصر بن عاصم ( أن رجلاً منهم جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأراد أن يبايعه على أن لا يصلي إلا صلاتين, فبايعه رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك )، وهذا إسناده صحيح، والمبايعة لا تكون على الكفر ولكنها قد تكون على شيء من التدرج من باب قبول الذنب؛ درءاً للشرك وهو الكفر الأكبر المخرج من الملة.

ويتكلم العلماء على هذه المسألة، وثمة مصنفات لجماعة من العلماء، قد أورد محمد بن نصر المروزي في كتابه تعظيم قدر الصلاة جملة من النصوص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن السلف الصالح في أبواب التكفير وعدمه لتارك الصلاة، وذكر إجماع السلف على كفر تارك الصلاة, وإنما الخلاف في تحقق ذلك الكفر، هل هو من الكفر الأكبر أو من الكفر الأصغر.

علة ضعف حديث كعب

حديث كعب بن عجرة عليه رضوان الله تعالى علته من عبد الرحمن بن الحارث وقد تكلم فيه غير واحد من الأئمة، كالإمام أحمد ويحيى بن معين، وأبي حاتم، وهو ضعيف في حفظه.

ومسألة فرض الصلاة ليست موضع إيراد عند العلماء، وإنما الذي هو موضع إيراد هو أنه لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنص صريح صحيح يكون فيه تارك الصلاة بالكلية ممن هو تحت المشيئة كحال أصحاب الكبائر، وإنما ظواهر النصوص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما جاء في حديث جابر بن عبد الله، وبريدة بن الحصيب أن ( الرجل بينه وبين الشرك ترك الصلاة )، كما جاء في مسلم من حديث جابر، وجاء في المسند والسنن من حديث بريدة : ( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر )، وكذلك ظاهر إجماع الصحابة فيما يرويه بشر بن المفضل عن الجريري عن عبد الله بن شقيق أنه قال: ( ما كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة ) .

وهذا قد جاء عن أيوب بن أبي تميم السختياني كما رواه محمد بن نصر وغيره من حديث حماد بن زيد عن أيوب وهو من أجلة فقهاء التابعين، قال: ترك الصلاة كفر لا نختلف فيه، وهذا هو الوارد عن الصحابة عليهم رضوان الله تعالى كما جاء عن سعد بن أبي وقاص، وروي في ذلك جملة من النصوص وفيها ضعف، فقد جاء هذا عن عبد الله بن مسعود، وجاء عن عبد الله بن عمرو بن العاص، وروي هذا عن جماعة من التابعين كـسعيد بن جبير، والحكم، وجاء عن جماعة من الأئمة كالإمام أحمد، وإسحاق بن راهويه وغيرهم.

وهذه المسألة وهي مسألة النصوص التي جاءت عن النبي عليه الصلاة والسلام وتحتمل أن تارك الصلاة تحت المشيئة؛ لا يثبت منها شيء على الإطلاق.

وثمة نصوص واهية جداً في هذا الموضوع ولسنا بحاجة إلى إيرادها.

وهذا الحديث حديث كعب بن عجرة من الأحاديث المشهورة التي يكثر إيرادها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيان عدم كفر تارك الصلاة, مع ظهور النصوص عن النبي عليه الصلاة والسلام في ذلك، إلا أن العلماء من المتأخرين يقولون: نقر بثبوت اللفظ في الكفر ولكن لا نقر بكون ذلك اللفظ من الكفر الأكبر, وإنما هو من الكفر الأصغر.

والذي جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو في إثبات إسلام الرجل الذي يترك الصلاة الواحدة والصلاتين والثلاث، كما جاء في مسند الإمام أحمد من حديث شعبة عن قتادة عن نصر بن عاصم ( أن رجلاً منهم جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأراد أن يبايعه على أن لا يصلي إلا صلاتين, فبايعه رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك )، وهذا إسناده صحيح، والمبايعة لا تكون على الكفر ولكنها قد تكون على شيء من التدرج من باب قبول الذنب؛ درءاً للشرك وهو الكفر الأكبر المخرج من الملة.

ويتكلم العلماء على هذه المسألة، وثمة مصنفات لجماعة من العلماء، قد أورد محمد بن نصر المروزي في كتابه تعظيم قدر الصلاة جملة من النصوص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن السلف الصالح في أبواب التكفير وعدمه لتارك الصلاة، وذكر إجماع السلف على كفر تارك الصلاة, وإنما الخلاف في تحقق ذلك الكفر، هل هو من الكفر الأكبر أو من الكفر الأصغر.

حديث كعب بن عجرة عليه رضوان الله تعالى علته من عبد الرحمن بن الحارث وقد تكلم فيه غير واحد من الأئمة، كالإمام أحمد ويحيى بن معين، وأبي حاتم، وهو ضعيف في حفظه.

الحديث الثاني: هو حديث سعيد بن المسيب عن أبي قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في حديث طويل في حفظ الصلاة قال: ( ومن لم يحافظ عليها )، ثم ذكر شبيهاً بنص حديث كعب وحديث عبادة، وإنما ذكر المحافظة هنا: ( ومن لم يحافظ عليها )، وهذا يستدل به من يقول بعدم كفر تارك الصلاة، وهذا الحديث رواه الإمام أحمد، وأبو داود، وابن ماجه، والدارقطني وغيرهم، من حديث ضبابة بن عبد الله عن دويد بن نافع عن ابن شهاب الزهري عن سعيد بن المسيب به، وهذا الحديث منكر، تفرد به بقية بن الوليد عن ضبابة بن عبد الله عن دويد بن نافع عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب به.

وذلك أن بقية بن الوليد في حفظه ضعف، وكذلك ضبابة فإنه مجهول، ودويد ليس بالقوي، والحديث في ذلك منكر لا يثبت عن رسول صلى الله عليه وسلم.

الحديث الثالث: هو حديث عبد الله بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( من الكبائر الجمع بين الصلاتين بغير عذر ).

هذا الحديث رواه الإمام أحمد والترمذي في كتابه السنن من حديث حنش وهو حسين بن قيس أبو علي الرحبي عن عكرمة عن عبد الله بن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم به، ويرويه عن حنش هذا معتمر بن سليمان عن أبيه، عن حنش بهذا الخبر, وهذا الخبر منكر, وقد تفرد به حنش مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو متروك الحديث مع قلة روايته، ولا يتفرد بشيء من المعاني عن الثقات ويكون مستقيماً، وقد حكم عليه بأنه ليس له أصل غير واحد من الحفاظ، كـالعقيلي في كتابه الضعفاء قال: هذا الحديث ليس له أصل، وقال أبو الفرج ابن الجوزي: لا يصح.

حكم جمع الصلاتين لحاجة

وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قد جمع لحاجة، ومعلوم أن ثمة فرقاً بين العذر والحاجة, فالعذر هو الشيء القاهر الذي يمنع الإنسان من القيام بالشيء، وأما بالنسبة للحاجة فهي التي تطرأ على الإنسان مع إمكانه أن يقوم بالأمر الواجب عليه، وهذا الإطلاق في حديث عبد الله بن عباس يخالف ذلك الأصل، وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما في الصحيحين وغيرهما: ( أنه صلى الظهر والعصر جمعاً ثمانياً، وصلى المغرب والعشاء جمعاً سبعاً، وقد سئل عبد الله بن عباس عن ذلك، فقال: لكي لا يحرج أمته ).

على خلاف عند العلماء في سبب جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة، والأصل أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يحافظ على أداء الصلاة في أول وقتها ولا يؤخرها إلا فيما ندر للحاجة والمصلحة أو للعذر، ولهذا قال عبد الله بن مسعود عليه رضوان الله، كما جاء في الصحيحين وغيرهما: ( لم يصل رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة في غير وقتها قط إلا صلاة بجمع )، وهذا إشارة إلى أنه لم يعهد عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه كان يجمع الصلوات في أمور الحاجات، وإنما في مقام الأعذار.

ثبوت الحديث عن عمر رضي الله عنه

وحديث عبد الله بن عباس هذا في جمع الصلاة إلى الصلاة كبيرة من كبائر الذنوب إنما قلنا بنكارته مع ثبوته عن عمر لأن عموم لفظ النبي صلى الله عليه وسلم يختلف عن عموم لفظ غيره, وذلك أن عمر بن الخطاب عليه رضوان الله إذا أطلق لفظاً لا يؤخذ بعمومه كما يؤخذ عن النبي عليه الصلاة والسلام، والنبي صلى الله عليه وسلم جاء بجوامع الكلم، وقد صح هذا اللفظ عن عمر عليه رضوان الله وهو أن الجمع بين الصلاتين كبيرة من كبائر الذنوب بلا عذر.

وقد رواه ابن أبي شيبة في كتابه المصنف، وابن المنذر في الأوسط، والبيهقي في السنن من حديث قتادة عن أبي العالية رفيع بن مهران الرياحي عن عمر بن الخطاب أنه قال: من جمع بين صلاتين بغير عذر فقد أتى باباً من أبواب الكبائر، وهذا الحديث قد أعله بعضهم بعدم سماع أبي العالية من عمر بن الخطاب , أعله بذلك الشافعي والبيهقي .

ولكن يقال: إن هذا الخبر قد جاء عن عمر بن الخطاب من غير طريق، جاء عند مسدد في كتابه المسند من حديث بكر بن عبد الله المزني عن عمر بن الخطاب أنه كتب إلى أبي موسى أن من جمع بين الصلاتين فقد أتى كبيرة من كبائر الذنوب، وجاء عند أبي إسحاق الفزاري من حديث التمار عن حميد بن هلال أن عمر بن الخطاب كتب إلى أبي موسى وذكر نحوه، وجاء من حديث أبي قتادة العدوي كما رواه عبد الرزاق في كتابه المصنف وابن أبي شيبة أيضاً من حديث أبي قتادة العدوي عن عمر بن الخطاب أنه كتب إلى أبي موسى أن من الكبائر ثلاثة: الجمع بين الصلاتين بغير عذر، والتولي يوم الزحف، والنهبى.

وهذه بمجموعها تدل على أن الأثر ثابت، وقد جاء هذا عن جماعة رووه عن عمر: أبو العالية رفيع بن مهران، وحميد بن هلال، وبكر بن عبد الله المزني، وأبو قتادة العدوي كلهم يروونه عن عمر بن الخطاب وأبو قتادة العدوي قد أدرك عمر بن الخطاب عليه رضوان الله، وقد قوى هذا الخبر البيهقي كما في كتابه السنن بمخرجين له، وقد وجدنا أيضاً مخرجين آخرين لهذا الحديث؛ فدل على أن الاعتضاد في هذا أقوى.

وإنما يقول بعض العلماء: إن العمل على حديث عبد الله بن عباس المرفوع كما قال ذلك الترمذي قال: وعليه العمل عند أهل العلم، يعني: حديث عبد الله بن عباس في أن من جمع بين الصلاتين بغير عذر فقد أتى باباً من أبواب الكبائر، قالوا: وذلك هو الأصل وما خرج عن الأصل فإنه يرجع إليه بورود الدليل.

ولكن مثل هذا الإطلاق نقول: إن العمل عليه من جهة الأصل لكن لا يكون هذا اللفظ من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا العموم قياساً على كثير من إطلاقاته عليه الصلاة والسلام بالأمر والنهي، وإنما نقول: عليه العمل إذا لم يقم عذر ولم تقم حاجة، وإذا كان كذلك فإننا نقول: إن العمل على ذلك بهذين القيدين.

وأما ثبوت ذلك إسناداً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يثبت، ولهذا نجد عامة العلماء يستنكرون هذا الخبر رواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه جمع بين صلاتين من غير حاجة ولا عذر، فإن لم يكن عذر فهو حاجة، وإن لم يكن حاجة فهو عذر، والعذر تدخل فيه الحاجات وهي الضرورات التي تطرأ على الإنسان، وعلى هذا الحديث طرأ خلاف العلماء في مسألة جمع الإنسان لمرضه، أو جمعه في حال الإقامة.

وقد جاء أيضاً في الجمع بين الصلاتين أنه كبيرة من كبائر الذنوب عن عمر بن عبد العزيز، كما رواه ابن أبي شيبة في كتابه المصنف من حديث حفص بن غياث عن أبي بن عبد الله عن عمر بن عبد العزيز .

وأما بالنسبة للحاجة فأن يكون الإنسان محتاجاً إلى شيء مع قدرته على القيام به، ومن ذلك ما روى ابن أبي شيبة في كتابه المصنف عن عبد الرحمن بن حرملة أن رجلاً جاء إلى سعيد بن المسيب، فقال له: إني راعي وإني أرجع بها صلاة المغرب, وإني أضع رأسي وأفوت العتمة، فقال له: لا تفوتها وإلا فاجمعها إلى المغرب.

وهذا يكون في حال الإقامة كحال بعض الناس الذي يأتي عابراً مسافراً ودخل البلدة فأصبح في حكم أهل الإقامة, ويجب عليه أن يؤدي الصلاة في وقتها، ومثل أن يكون الإنسان قد جد به السير واستمر طويلاً كأن يسير الإنسان عشرين ساعة أو أربعاً وعشرين ساعة، أو كان الإنسان يواصل سهراناً ولم ينم طويلاً وخشي أنه إذا كان في الإقامة نام عن الصلاة التي تليها وأراد أن يجمع بينهما، كأن يقدم في أذان الظهر، فنقول في مثل هذا: اجمع العصر إلى الظهر، وإذا كان في المغرب فاجمع إليه العشاء خشية من تفويت العشاء.

وهذا أيضاً يكون كحال الإنسان الذي يكون متابعاً لحالة مريض يخشى عليه، أو حال الشرط الذين يتابعون عدواً، أو سارقاً، أو مجرماً، أو نحو ذلك، أو الأطباء الذين لا يدرون إذا اعتنوا بمريض هل يستطيعون الخروج عنه كحال غرف العمليات أو نحو ذلك، فلا يدري الطبيب متى ينتهي، فالعملية قد تأخذ ساعتين أو ربما يكون ثمة خطورة بأن كانت مغادرته في ذلك موضع هلاك للمريض، فنقول في مثل هذا: لا حرج عليه أن يجمع تقديماً ولا يؤخرها بعد ذلك؛ لأن تأخيرها إثم قطعي لا علاج له، وأما التبكير بها فقد جاء النص به جمعاً، فيجمعها الإنسان، وهذا له صور كثيرة مما يتعلق بأمور حاجات الإنسان، سواء كان في الحاجات اللازمة أو المتعدية.

وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قد جمع لحاجة، ومعلوم أن ثمة فرقاً بين العذر والحاجة, فالعذر هو الشيء القاهر الذي يمنع الإنسان من القيام بالشيء، وأما بالنسبة للحاجة فهي التي تطرأ على الإنسان مع إمكانه أن يقوم بالأمر الواجب عليه، وهذا الإطلاق في حديث عبد الله بن عباس يخالف ذلك الأصل، وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما في الصحيحين وغيرهما: ( أنه صلى الظهر والعصر جمعاً ثمانياً، وصلى المغرب والعشاء جمعاً سبعاً، وقد سئل عبد الله بن عباس عن ذلك، فقال: لكي لا يحرج أمته ).

على خلاف عند العلماء في سبب جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة، والأصل أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يحافظ على أداء الصلاة في أول وقتها ولا يؤخرها إلا فيما ندر للحاجة والمصلحة أو للعذر، ولهذا قال عبد الله بن مسعود عليه رضوان الله، كما جاء في الصحيحين وغيرهما: ( لم يصل رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة في غير وقتها قط إلا صلاة بجمع )، وهذا إشارة إلى أنه لم يعهد عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه كان يجمع الصلوات في أمور الحاجات، وإنما في مقام الأعذار.