خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/985"> د. راغب السرجاني . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/985?sub=8341"> سلسلة السيرة النبوية
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
سلسلة السيرة النبوية إسلام عمر
الحلقة مفرغة
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم.
بسم الله الرحمن الرحيم.
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد:
فمع الدرس العاشر من دروس السيرة النبوية.
تكلمنا من قبل عن الهجرة الثانية إلى الحبشة، وعن استقرار المسلمين فيها، وعن الانتصار الكبير الذي حققه المسلمون على عمرو بن العاص وعبد الله بن أبي ربيعة أمام النجاشي رضي الله عنهم.
ثم ذكرنا قصة إسلام حمزة رضي الله عنه، وكيف كان إيمانه إضافة عظيمة للصف المسلم، ثم بعد ثلاثة أيام فقط من إيمان حمزة آمن رجل آخر، آمن عظيم سيغير الله عز وجل به وجه الأرض وحركة التاريخ، وسيزلزل به عروش ملوك الأرض في زمانه كسرى وقيصر وغيرهما، هذا المؤمن الجديد هو عمر الفاروق رضي الله عنه وأرضاه.
منذ أول لحظات إيمانه وحتى آخر لحظات حياته رضي الله عنه وأرضاه وهو فاروق.
كانت قصة إسلامه أعجب من قصة إسلام حمزة رضي الله عنه، فـحمزة رضي الله عنه خلال السنوات الست التي سبقت إسلامه كان بالنسبة للرسول صلى الله عليه وسلم، وبالنسبة للمؤمنين لا معهم ولا عليهم، أما عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقد كان تاريخه مع المسلمين كله قسوة وعنفاً.
كان عمر مثل حمزة رجل مغمور في التاريخ ككل رجال قريش قبل أن يسلموا، نعم كانت له سفارة قريش، كان مسموع الكلمة في قبيلته بني عدي وفي قريته مكة، لكن في النهاية ما هي قبيلة بني عدي، وما هي مكة بالنسبة للعالم قبل الإسلام؟ ما هي مكة بالنسبة لفارس والروم والحبشة ومصر والصين والهند؟ مجموعة من القبائل البدوية البسيطة تعيش وسط الصحراء على الرعي والتجارة وبيع الأصنام. هؤلاء هم أهل مكة قبل الإسلام، وكان عمر مثله مثل آلاف أو ملايين أو بلايين الرجال الذين مروا في التاريخ الذين لم يسمع بهم أحد قبل ذلك ولا بعد.
وعمر فوق ذلك كله كانت فيه قسوة على المسلمين قبل إسلامه، كان يعذب جارية له أسلمت من أول النهار إلى آخره، ويقول: والله ما تركتها إلا ملالة. يعني: ضجرت من كثرة الضرب والتعذيب.
شعرت زوجة عامر بن ربيعة رضي الله عنها برقة في كلام عمر ، لما رآها تجهز نفسها لهجرة الحبشة الأولى، قال لها كلمة رقيقة، قال لها: صحبكما الله. وهي غير معتادة منه على هذه الرقة، فقالت لزوجها في ذلك، فقال لها: أطمعت في إسلامه؟ قالت: نعم، قال: فلا يسلم الذي رأيت -يعني: عمر بن الخطاب - حتى يسلم حمار الخطاب ، يأس كامل في إسلام عمر . يرى عامر أن فرصة إسلام حمار الخطاب أكبر من فرصة إسلام عمر ، إلا أن نظرة المرأة كانت أدق من نظرة الرجل، ورأت بقلبها ما لم يره زوجها بعقله.
كان عمر يعيش في صراع نفسي بين أن يكون زعيماً قائداً في مكة، وبين أن يكون تابعاً لأمر هذا الدين، فقلبه يقول له: لعل هؤلاء على الحق، فرئيسهم الرسول صلى الله عليه وسلم الذي لم تكن حوله أي شبهات، فهو الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم، لكن عقله يقول له: أنت سفير قريش وقائد من قوادها، والإسلام سيضيع عليك كل هذا، قسم الإسلام مكة نصفين: نصفاً يؤمن به، والنصف الثاني يحاربه، ومنذ ستة أعوام ونحن في صراع وخلافات ومناظرات ومحاورات، وقد عشنا مئات السنين نعبد الآلهة دون اعتراض من أحد أو تخطئة، فلماذا محمد صلى الله عليه وسلم تجرأ وخطأنا؟
صراع شديد يدور في نفس عمر ، فقلبه في طريق وعقله في طريق آخر، وأصدقاء السوء كثر في مكة، وكلهم يزينون له المنكر، في النهاية شعر بكراهية شديدة للرسول صلى الله عليه وسلم الذي وضعه في مثل هذا الصراع النفسي الرهيب، فقد عاش عمر لا يعرف التردد، وهو الآن يريد أن يخلص نفسه ومكة من الرجل الذي كان سبباً في كل هذه المشاكل، أراد أن يحسم القضية كطبعه دائماً؛ لذا قرر أن يقتل الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن يفعل الذي فكرت فيه قريش ولم تستطع فعله، أتى القرار في ذهنه في لحظة، ومحاولة التنفيذ كانت في اللحظة الثانية مباشرة.
وكان مما زاد الأمر حماسة أن أبا جهل من يومين فُضح فضيحة غير مسبوقة في مكة، والذي فضحه حمزة عم الرسول صلى الله عليه وسلم، وحمزة يدعي بأنه قد أصبح على دين محمد صلى الله عليه وسلم، وأبو جهل خال عمر بن الخطاب.
فهذه المشاكل كلها بسبب محمد صلى الله عليه وسلم، وعمر أصيب في كرامته كما أصيب أبو جهل ، ورد الاعتبار يكون عادة في هذه البيئة بالسيف.
كل هذا جعله يرى لزاماً عليه أن يتخلص من محمد صلى الله عليه وسلم.
خرج عمر من بيته متوشحاً سيفه، خرج ليقتل الرسول صلى الله عليه وسلم، ظل يبحث في كل مكان عن الرسول وهو لا يدري أين يجلس، ودار الأرقم بن أبي الأرقم لم يكن يعرفها أحد، وفي أثناء بحثه قابله نعيم بن عبد الله رضي الله عنه، ولكن لم يكن أحد يعلم بإسلامه، وهو من نفس قبيلة عمر من بني عدي، وكان واضحاً من عمر أنه في قمة الغضب، فقال له نعيم : أين تريد؟ فقال له في منتهى الصرامة والجدية: أريد محمداً، هذا الصابئ الذي فرق أمر قريش، وسفه أحلامها، وعاب دينها، وسفه آلهتها فأقتله!
كان نعيم رضي الله عنه يعلم أبعاد هذه الكلمات، ولا يوجد لديه وقت لتنبيه الرسول صلى الله عليه وسلم، فلم يفكر كثيراً، ووجد نفسه مضطراً إلى كشف سر إسلام أخت عمر بن الخطاب السيدة فاطمة بنت الخطاب وإسلام زوجها سعيد بن زيد رضي الله عنه وأرضاه، حتى وإن كان عمر سيقتلهما، ولكنه في المقابل سيجد الوقت الكافي ليبلغ الرسول صلى الله عليه وسلم حتى يأخذ حذره.
فـنعيم كان يظن أن هذا هو الحل الوحيد الذي قد يصرف عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن مراده؛ لأنه لو أخبره عن إسلام أي شخص آخر لن يهتم، ولكن إسلام أخته وزوجها شيء يطعن في كرامة عمر رضي الله عنه، قال نعيم: والله لقد غرتك نفسك يا عمر أترى بني عبد مناف تاركيك تمشي على الأرض وقد قتلت محمداً؟
يخوفه من بني عبد مناف، فربما تنفع، ثم قال له: أفلا ترجع إلى أهل بيتك فتقيم أمرهم.
يعني: اذهب إلى أهل بيتك أولاً وابدأ بهم ثم التفت إلى محمد.
فصرخ عمر في فزع: أي أهل بيتي؟ فقال: ابن عمك سعيد بن زيد بن عمرو وأختك فاطمة بنت الخطاب فقد والله أسلما، وتابعا محمداً على دينه، فعليك بهما.
فشعر عمر أن الدماء تغلي في قلبه، ونسي كل شيء عن الرسول صلى الله عليه وسلم، فذهب مسرعاً إلى بيت أخته، وذهب نعيم مسرعاً إلى دار الأرقم بن أبي الأرقم رضي الله عنه.
في هذا الوقت كان خباب بن الأرت رضي الله عنه وأرضاه يجلس مع سعيد بن زيد وزوجته في بيتهما يعلمهما القرآن؛ فالرسول كان يقسم الصحابة إلى مجموعات، كل مجموعة تقوم بمدارسة القرآن مع بعضها، ثم يجتمعون كلهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في دار الأرقم بن أبي الأرقم . وكان خباب بن الأرت هو المعلم لـسعيد وزوجته.
وصل عمر إلى بيت أخته ووضع أذنه على الباب فسمع صوتهم وهم يقرءون القرآن، فظل يضرب الباب بكل قوته، ولو كان يستطيع كسره لكسره، وهو ينادي بعنف: افتحوا الباب.. افتحوا الباب.
وإذا كان عمر مرعباً في هدوئه فما بالك في غضبه، أما خباب فاختبأ في غرفة داخلية، وقال في نفسه: لئن نجا سعيد بن زيد وفاطمة بنت الخطاب فلن أنجو أنا، وخباب من الموالي ديته بسيطة، وعمر لن يفكر كثيراً قبل أن يقتله.
بعد اختباء خباب أصبح الدور على سعيد وفاطمة .
قام سعيد رضي الله عنه وفتح الباب، فدخل عمر إلى البيت وهو يحترق من الغضب، قال عمر : لقد أخبرت أنكما تابعتما محمداً على دينه، ثم بدأ يضرب سعيداً فقامت فاطمة بنت الخطاب ووقفت بينه وبين سعيد تدافع عن زوجها، فالتفت إليها عمر وترك سعيد بن زيد وبدأ يضربها حتى سالت الدماء على وجه فاطمة رضي الله عنه، لما رأى سعيد هذا الأمر لم يجد بداً من الهجوم على الأمر، وقال له في تحدٍ شديد: نعم قد أسلمنا وآمنا بالله ورسوله، فاصنع ما بدا لك!
استغرب عمر من شجاعة سعيد ؛ فلا يوجد في مكة من يكلمه بهذه الطريقة، وأعجب من هذا أن فاطمة المرأة الضعيفة البسيطة وقفت وأمسكت بوجه عمر ، وقالت له في قوة: وقد كان ذلك على رغم أنفك يا عمر )، ذهل عمر. من هذا الذي يتحدث؟ أليست هذه أخته؟ ما الذي جرأها عليه؟! أحس عمر على بأسه وشدته وسطوته أنه صغير لا يستطيع أن يقف أمامها، وشعر أن الدنيا تغيرت وهو لا يعلم، أول مرة يتعرض لمثل هذا الموقف في حياته، ثم قال عمر كلمة تدل على رقة قلبه التي تختفي وراء هذه الغلظة الظاهرة، قال: فاستحييت حين رأيت الدماء.
الرجل الذي ليس فيه خير لا يستحي من رؤية دماء تسيل على وجه امرأة خرجت عن دينه، ووقفت أمامه وتحدته، وبالذات في هذه البيئة القبلية الجاهلية.
ماذا بعد الاستحياء؟
يقول عمر : فجلست ثم قلت: أروني هذا الكتاب حتى أقرأه، تنازل عمر وسكت عن تحدي سعيد وفاطمة ، ثم في هدوء يطلب أن يقرأ الكتاب الذي معهما، لكن فاطمة وجهت له ضربة ثانية موجعة لـعمر ، قالت: يا أخي! إنك نجس على شركك وإنه لا يمسه إلا الطاهر!
كنت أقرأ هذه القصة وأتصور أني سأجد خبر مقتل فاطمة بنت الخطاب رضي الله عنها، لكن الموقف كان غير ذلك، قام عمر في هدوء ليغتسل! أليس هذا هو عمر بن الخطاب ؟! هناك شيء غريب، فهذه ظروف ليس لها إلا تفسير واحد: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [القصص:56]، شاء الله عز وجل هداية عمر ، وشاء الله عز وجل الخير لـعمر وللمسلمين وللأرض بكاملها.
قام عمر ليغتسل في بيت أخته، وكأني بالماء ينزل على رأس وجسد عمر فيغسل كل أدران الكفر والجحود، لم يكن الماء يغسل من الخارج فقط، بل يغسل قلبه وعقله معاً.
لما خرج عمر من الاغتسال أعطته فاطمة الصحيفة وبدأ يقرأ، ولكن بدأ يقرأ بلسانه وبعقله، قرأ: بسم الله الرحمن الرحيم، فقال: أسماء طيبة طاهرة. من أول البسملة ظهر الخير الذي في داخل عمر ، ثم قرأ: طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى [طه:1-2] ويلاحظ أن عمر ممن كان سبباً في إيجاد شقاء للرسول صلى الله عليه وسلم ولصحابته، ثم هو الآن يقرأ قول الله عزوجل: طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى * إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى * تَنزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّمَوَاتِ الْعُلى * الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى * لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى * وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى * اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى [طه:1-8].
تزلزل عمر من داخله، ووجد نفسه خاشعاً متصدعاً من خشية الله عز وجل، يقول عمر : (فتعظمت هذه الآيات في صدري، فقلت: ما أحسن هذا الكلام وما أجمله.
لقد أسلم عمر بمعنى الكلمة، أسلم لله إسلاماً كاملاً بكل ذرة في جسده رضي الله عنه، ووالله إن هذه اللحظة من أعظم لحظات البشرية على الإطلاق، لحظة تحول فيها رجل بسيط يسجد لصنم ويعذب المؤمنين إلى عملاق من عمالقة الإيمان، ورجل يراقب الله عز وجل في كل حركة وكل سكنة وكلمة وهمسة، ثمان آيات صنعت الأسطورة الإسلامية العجيبة عمر رضي الله عنه وأرضاه.
عندما سمع خباب هذا الكلام من عمر خرج من مخبئه، وقال له: يا عمر ! والله إني لأرجو أن يكون الله قد خصك بدعوة نبيه؛ فإني سمعته بالأمس وهو يقول: (اللهم أيد الإسلام بـ
أخذ عمر سيفه فتوشحه ثم انطلق من جديد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنه في هذه المرة انطلق بقلب مؤمن، ضرب عمر الباب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى الصحابة في دار الأرقم ، فقام أحد من الصحابة ينظر فوجد عمر وسيفه على صدره فعاد مرتعداً يقول: هذا عمر بن الخطاب متوشحاً سيفه. كان داخل بيت الأرقم أربعين صحابياً، لكن الذي قام ليدافع عن كل الصحابة وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه وأرضاه، مع أنه لم يؤمن إلا من ثلاثة أيام فقط، لكن إيمانه كالجبال.
قال حمزة في صلابة: وإن كان عمر ، افتحوا له الباب، فإن كان يريد خيراً بذلناه له -يعني: إن كان يريد الإسلام- وإن جاء يريد شراً قتلناه بسيفه. الله أكبر! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ائذنوا له)، دخل عمر ثم أدخلوه إلى غرفة في الدار، ثم قام إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل عليه واقترب منه، وأخذ بمجامع ثيابه وقال له في قوة: (ما جاء بك يا
كان هذا يمثل انتصاراً هائلاً للدعوة، وبالذات بعد دخول حمزة رضي الله عنه وأرضاه في دين الله عز وجل، كانت الفرحة في قلب الرسول صلى الله عليه وسلم لا توصف، أول رد فعل للرسول أن كبر الله عز وجل؛ فهو الذي صنع هذه المعجزة وأتى بـعمر إلى هذه الدار، فلما علم الصحابة دخلوا عليه يهنئونه، كل العداوة القديمة انتهت، وحل محلها الحب والمودة.
ولد عمر من جديد، كما ولد حمزة عملاقاً، فإن عمر أيضاً ولد عملاقاً.
ولد عمر فقيهاً حازماً مضحياً، فأول كلمة قالها بعد الإسلام كانت: يا رسول الله! ألسنا على الحق؟ قال: بلى، قال: ففيم الاختفاء؟! وانتبه لما يقول: ألسنا على الحق؟ لا يقول: ألستم على الحق؟ فقد أصبح مسلماً، ويقترح عليهم آراء ويفكر لخدمة الدين، وينظر ما هو الأصلح، ويتحرك للدعوة، هذا هو عمر.
الاختفاء كما هو معلوم كان لأسباب، فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يحسب كل شيء بدقة، يأخذ بكل الأسباب، أما الآن فعلى الرسول صلى الله عليه وسلم أن يعيد حساباته مرة أخرى؛ لأن الوضع تغير من ثلاثة أيام مضوا، إن كان للاختفاء مزايا قبل ذلك فللإعلان أيضاً مزايا، فإيمان حمزة وعمر غير الوضع، والرسول صلى الله عليه وسلم وافق على الإعلان؛ لأن اثنين من رجال المسلمين غيرا مسار الدعوة بكاملها.
في هذه الفترة الحرجة سيبدأ إعلان الإسلام في مكة، ويظهر المسلمون الشعائر أمام الناس في مكة.
غير الرسول صلى الله عليه وسلم كل المرحلة عندما دخل حمزة وعمر في الدين، أخذوا القرار وخرجوا في نفس اللحظة في صفين: عمر على أحدهما، ولم يؤمن إلا منذ دقائق، وحمزة على الآخر، وما آمن إلا منذ ثلاثة أيام فقط.
سارت الكتيبة العسكرية الإسلامية من دار الأرقم إلى المسجد الحرام أكثر الأماكن ازدحاماً في مكة، حتى يراهم أكبر عدد من قريش، رأت قريش المسلمين وأمامهم حمزة وعمر فأصابتهم كآبة شديدة، يقول عمر : (فسماني رسول الله صلى الله عليه وسلم الفاروق يومئذ.
نظر عمر إلى المسجد الحرام فلم يجد أبا جهل مع الناس، وهو أشدهم محاربة للإسلام، فقرر أن يذهب إليه في بيته، ويعلن له أمر إسلامه.
يقول عمر : فأتيته حتى ضربت عليه بابه، فخرج إلي وقال: مرحباً وأهلاً يا ابن أختي، فقال عمر : جئت لأخبرك أني قد آمنت بالله وبرسوله محمد، وصدقت بما جاء به، قال عمر : فضرب الباب في وجهي، وقال: قبحك الله وقبح ما جئت به، لكن عمر كان سعيداً؛ لأنه كاد لـأبي جهل.
وكان عمر يرى أنه ما زال هناك كثر لم يعلموا بعد بأمر إسلامه، ولن يذهب إلى كل واحد في بيته يخبره، فذهب لرجل اسمه جميل بن معمر الجمحي ، وهو كما يقول سيدنا عمر أنقل قريش لحديث. يعني: مثل وكالات الأنباء، لا يستطيع حفظ السر، لا يسمع شيئاً إلا ونقله للناس، فذهب سيدنا عمر إليه، وقال له: يا جميل ! لقد أسلمت، فنادى جميل بأعلى صوته قائلاً: إن ابن الخطاب قد صبأ، يعني: ارتد، لكن سيدنا عمر جرى وراءه، وقال له: كذبت ولكني أسلمت.
المهم أن كل مكة علمت أن عمر قد دخل في دين الإسلام، وهذا هو المطلوب.
اجتمع أهل مكة حول سيدنا عمر بن الخطاب وقاموا بضربه، فظل يضرب وهم يضربون حتى تعب رضي الله عنه وأرضاه وجلس على الأرض، وهو يقول: افعلوا ما بدا لكم، فأحلف بالله أن لو كنا ثلاثمائة رجل لقد تركناها لكم أو تركتموها لنا. يعني: اصبروا علينا حتى نصل إلى ثلاثمائة، وهذا الرقم الذي قاله هو عدد المسلمين في غزوة بدر. فـعمر من أول يوم أسلم فيه ضرب، وكأن الله سبحانه وتعالى يعرفه طريق الدعوة وهو لا يزال في أول أيام إسلامه، كل الناس التي تحملت هم الدعوة تعبوا، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة!
ومع أن عمر ضُرب في أول يوم من إسلامه إلا أن هذه كان ردة فعل استثنائية نتيجة للمفاجأة، ثم إن مكة رجعت للصواب فـعمر تخاف منه الناس، ويؤكد على ذلك كلام صهيب الرومي رضي الله عنه وأرضاه، يقول: لما أسلم عمر ظهر الإسلام، ودعي إليه علانية، وجلسنا حول البيت حلقاً، وطفنا بالبيت، وانتصفنا ممن غلظ علينا، ورددنا عليه بعض ما يأتي به.
ويقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه: ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر.
ومع أن وضع المسلمين تحسن بهذه الصورة، وأصبح أهل الإسلام يظهرون عباداتهم وشرائعهم في مكة، إلا أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يعلن الحرب على قريش، ولم يبدأ في مواجهة عنترية مع صور الباطل في مكة، وما زالت الأصنام منتشرة في مكة، بل ما زالت الرايات الحمر للزانيات مرفوعة في مكة، والخمور تشرب، والمشركون يعبدون آلهة غير الله عز وجل، والقتال ممنوع على المسلمين، وهذا من فقه المرحلة.
ربما يتحمس الشباب للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالقوة والسلاح والعنف، يظنون أنهم في زمن التمكين والسيادة، وينسون أن الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه كف عن كل هذا في فترة مكة.
الجرأة لو حصلت من شباب المسلمين في فترة مكة على المشركين لا تعد شجاعة ولا جهاداً إنما تعد تهوراً وتسرعاً وجهلاً بفقه المرحلة، وميزان المسلمين ثقل بـحمزة وبـعمر لكن بحساب.
وهي رسالة إلى كل المتحمسين من الشباب، ممن يعيشون ظروفاً مشابهة لظروف مكة، وأيضاً من غير حمزة وعمر، ومع ذلك يحدث تهور واندفاع، أقول لهم: كم تخسر الدعوات من حماسة في غير موضعها تماماً، كما تخسر من روية في غير موضعها.
إذاً: كان وضع المسلمين التعذيب، ولا يوجد قتال، وأيضاً لا توجد مواجهة مع المشركين في مكة، مع كون قوتهم زادت؛ لأن هناك الكثير في مكة سيفكر في الإسلام، وسوف يتحفزون بإسلام حمزة وعمر؛ ولأن المسلمين أعلنوا إسلامهم وبدءوا بالصلاة وقراءة القرآن أمام الناس، ومكة بدأت تنظر إلى حلاوة الإسلام وشرائعه.
وأهل الباطل كانوا في موقف صعب، وكأن الموضوع سيخرج من أيديهم، فالدعوة تتسلل وتدخل إلى كل بيت حتى بيوت الزعماء منهم، فماذا صنعوا؟
عقد أهل مكة اجتماعاً على مستوى القادة والزعماء، وحضره كل زعماء مكة، وتقدم عتبة بن ربيعة -زعيم بني أمية، وأحد حكماء قريش باقتراح، قال: يا معشر قريش! ألا أقوم إلى محمد صلى الله عليه وسلم فأكلمه وأعرض عليه أموراً لعله يقبل بعضها فنعطيه أيها شاء، ويكف عنا. وهي أمور مغرية، والرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي سيختار، وهذا يمثل تنازلاً خطيراً من زعماء قريش، يفسر الوضع الذي أصبحت فيه مكة بعد إسلام حمزة وعمر رضي الله عنهما، ومع أن هذا على غير هوى المعظم، إلا أنهم وافقوا مضطرين، قالوا: بلى يا أبا الوليد قم إليه فكلمه.
ذهب عتبة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فوجده جالساً لوحده بجانب البيت الحرام، فتلطف معه وابتسم وقعد وبدأ يتكلم، وكان ذكياً، وكلامه في عرف كل الناس لا يرفض، قال عتبة : يا ابن أخي! إنك منا حيث قد علمت من الثقة في العشيرة، والمكان في النسب.
يعني: مكانتك عندنا كبيرة، ونحن نحبك ونحترمك، وهذه طريقة ثعبانية مشهورة عند عتبة وعند أمثال عتبة .
ثم بدأ يذكر مراده، فقال: ومع مكانتك العالية إلا أنك عملت أشياء تعتبر في عرف مكة جرائم عظمى، فأنت متهم بكذا وكذا وكذا، وهذا شيء خطير وموقفك صعب!
قال له: إنك قد أتيت قومك بأمر عظيم، فرقت به جماعتهم، وسفهت به أحلامهم، وعبت به آلهتهم ودينهم، وكفرت به من مضى من آبائهم. يعني: أنت متهم بزعزعة نظام الحكم في مكة، فاترك الدين لأهله من الكهان وسدنة الأصنام، وإلا فإن مستقبلك في خطر، وأنت لك مكانة، وعندك أولاد، ونحن نريد مصلحتك ونحبك، ولأننا نحبك سنعرض عليك كذا وكذا من الاقتراحات فاختر منها ما يعجبك ونحن تحت أمرك.
إذاً: بهذه المقدمة الثعبانية يقدم له الاقتراحات المغرية، ويبين له أن رفضها معناه تأكيد هذه التهم الخطيرة في حقك، وأما عقابها فأنت تعلمه.
حرب نفسية شديدة، لكن هذه الحرب مغلفة بابتسامة وضحكة وسلام واحترام.
يعلم الرسول صلى الله عليه وسلم هذه اللعبة من أولها إلى آخرها، ويدرك أن هذه مساومة على الدين، ومع ذلك كان في غاية الأدب مع عتبة المشرك، وقال له في منتهى الرقة: (قل: يا أبا الوليد أسمع. وبدأ في الكلام والرسول صلى الله عليه وسلم يسمع ولم يقاطعه حتى يعطيه عتبة فرصة أن يتكلم، وسنرى بعد ذلك كيف أن عتبة كان يسمع للرسول من غير مقاطعة أيضاً.
بدأ عتبة في عرض أمور لو عرض عشرها على مفاوضي هذه الأيام لقبلوها دون تردد، قال عتبة:
العرض الأول: يا ابن أخي! إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً. يعني: ستكون أغنى رجل في مكة، وكم من أناس تضحي بحياتها من أجل المال، وها هو يبذل له المال ليكون الأغنى في مكة من غير أي مجهود.
العرض الثاني: وإن كنت تريد به شرفاً سودناك علينا، حتى لا نقطع أمراً دونك. وهذا شيء غريب في مكة، فكل قبيلة كانت كأنها دولة مستقلة، لكن عتبة يقول له: رأيك سيعمم على كل الناس.
العرض الثالث: وإن كنت تريد به ملكاً ملكناك علينا. وهذا أمر لم يحلم به أحد في مكة أبداً، سيكون أول ملك على مكة.
العرض الرابع وهو عرض غير مؤدب، إلا أنه يحاول أن يقوله في صورة مؤدبة، يقول: وإن كان هذا الذي يأتيك رئياً تراه لا تستطيع رده عن نفسك طلبنا لك الطب، وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه، فإنه ربما غلب على الرجل حتى يداوى منه.
يعني: أنت لو لم تقبل كل تلك العروض فأنت مجنون، تحتاج إلى علاج أو أن الجن توجهك من غير قصدك، ونحن نعلم أنك رجل صالح، وليس لدينا أي مانع من علاجك في أي مكان تريده، لو أردت أن نسفرك أو نجلب لك دكتوراً فارسياً أو رومياً أو هندياً.
كانت هذه عروض عتبة بن ربيعة التي كان يذكرها، وهو يرى أنه يقدم أكبر تنازل ممكن أن يقدمه في تاريخ مكة كلها، وهذه حقيقة، فلا يوجد أحد في مكة قد عرضت عليه هذه الأمور التي عرضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي عرف أهل مكة أن الذي سيرفض هذا مجنون أو فيه جن، وكل هذه العروض في مقابل السكوت عن الحق وترك الدعوة وعدم الكلام فيما لا يرضي الأسياد في مكة.
كان الرسول صلى الله عليه وسلم يدرك تماماً أن التنازلات الضخمة في حياة الدعاة تبدأ عادة بتنازل صغير، والرسول صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يتنازل، ومع أنه من أول كلمة قالها عتبة -وهو يعلم أنها مساومات لا قيمة لها- عازم على رفض كل هذه العروض الدنيوية السفيهة في نظر الدعاة الصادقين، ومع كل ذلك إلا أنه لم يقاطع عتبة ولا مرة، ولم يسخط عليه ولم يعاتبه، بل تركه يتكلم حتى أنهى كلامه، ثم رد عليه بهدوء وعدم انفعال.
أقد فرغت يا أبا الوليد؟ قال: نعم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فاسمع مني، قال: أفعل. وهذا هو المطلوب، وهو لا يستطيع أن يرفض، فبعد الأدب العظيم الذي رآه من رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مضطراً لأن يسمع، فبدأ الرسول صلى الله عليه وسلم في الكلام، ولم يتكلم بكلامه هو صلى الله عليه وسلم إنما تكلم بالقرآن، قال صلى الله عليه وسلم: بسم الله الرحمن الرحيم.
حم * تَنزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ [فصلت:1-3]، ومن هؤلاء القوم عتبة بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ [فصلت:4]، وأيضاً من هؤلاء عتبة ومن معه، وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ [فصلت:5]، أليس هذا كلام عتبة ؟ وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ * قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ [فصلت:1-7].
كان عتبة يسمع ولا يستطيع أن يرد؛ لأنها كلمات معجزة تكشف عما بداخله وداخل كل بني آدم، وكلما سمع أكثر يخاف أكثر، فالآيات تلقى عليه مثل الصاعقة، فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم قول الله سبحانه وتعالى: قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ * ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ [فصلت:12].
أفبعد كل هذه الصفات يذهب أحدكم ليسجد لهبل أو اللات أو العزى؟ أين عقلك يا عتبة ؟! أين عقل كل المشركين؟! ثم قرأ عليه الرسول صلى الله عليه وسلم: فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ [فصلت:13]، أحس عتبة أن الصاعقة نازلة أو ستنزل الآن، فلم يتمالك نفسه، ونسي وقاره ومكانته في مكة، وكل المفاوضات وعداوته للإسلام، نسي كل شيء، وقام يترجى الرسول صلى الله عليه وسلم، ووضع يده على فم الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يقول: أنشدك الله والرحم.. أنشدك الله والرحم، ثم ذهب وهو يتخبط، لا ينظر وراءه، وهو واضع يده على رأسه يخاف الصاعقة أن تنزل عليه.
رجع عتبة إلى الكفار بمنظر عجيب، وزعماء قريش لم يكونوا محتاجين لأي ذكاء حتى يعرفوا الذي حصل له، حتى قال بعضهم: نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به، قالوا: ما وراءك يا أبا الوليد؟
فقص عليهم ما جرى بمنتهى الصدق، وكأنه أحد الدعاة إلى الإسلام، قال: تسألون ما الذي حصل لي؟ ورائي أني سمعت قولاً والله ما سمعت مثله قط، والله ما هو بالشعر ولا بالسحر ولا بالكهانة، يا معشر قريش! أطيعوني واجعلوها فيَّ، وخلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه -أي: اعتزلوه ليس لكم دخل به، اتركوه في حاله، لستم نداً له- فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت منه نبأ عظيم، فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم، وإن يظهر على العرب فملكه ملككم، وعزه عزكم، وكنتم أسعد الناس به.
لم يعجب زعماء قريش ما جاء به عتبة ، وقالوا له: سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه، فقال: هذا رأيي فيه، فاصنعوا ما بدا لكم.
كان معنى هذا أن المفاوضات بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين المشركين فشلت، مع أن العروض كانت مغرية، حتى يعلمنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن السلام ليس معناه التنازل، وأنه لا يكون إلا بحفظ الحقوق، وأول حق لابد أن تحافظ عليه هو حق ربنا سبحانه وتعالى، لا يجوز أبداً لمفاوض أو معاهد أن يبني عهده وميثاقه على مخالفة لحق الله عز وجل، هذا دستور إسلامي واضح.
بعد هذا الانهيار الكامل للمباحثات بدا وكأن حدثاً كبيراً سيقع، كان أبو طالب يراقب الموقف، ويرى أن قريشاً لن تسكت على هذا الذي حدث، وكان يخشى أن أحداً من سفهاء قريش يتهور ويذهب لقتل الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو يحبه أكثر من أولاده؛ لذا لم يجد إلا حلاً واحداً، قام أبو طالب بسرعة ودعا بني عبد مناف بشقيها بني هاشم وبني المطلب- المطلب هو عم عبد المطلب جد رسول الله صلى الله عليه وسلم- وطلب منهم أن يجتمعوا لحماية محمد صلى الله عليه وسلم، فأجاب جميع القوم مسلمهم وكافرهم حمية وقبلية وطاعة لكبيرهم أبي طالب، وبذلك انقسمت مكة إلى نصفين: بني عبد مناف في جهة، وبقية أهل مكة في جهة أخرى، وإذا كان أبو طالب يخاف من زعماء مكة، فأيضاً زعماء مكة يخافون من المسلمين، ولا قدرة لهم بهم بعد إسلام حمزة وعمر، فـحمزة من فرسان قريش الأشداء، وعمر سفير مكة الرسمي، وبنو عبد مناف اتحدوا من أجل حماية الرسول صلى الله عليه وسلم، والطرق السلمية لم تعد تنفع، وفي نفس الوقت لا طاقة لهم بقتال الرسول صلى الله عليه وسلم ومن معه من بني عبد مناف؛ لذا اجتمع كفار قريش من جديد وخرجوا بفكرة جديدة في حرب الدعوة وهي المقاطعة، سياسة الحصار الاقتصادي لبني عبد مناف، سياسة التجويع الجماعي لبني عبد مناف، سواء كانوا مسلمين أو كفاراً.
ومع العلم أن هذا القانون الجديد يعتبر مخالفاً لأعراف مكة وقوانينها السابقة، لكن لا توجد مشكلة في أن يتغير الدستور، فكل شيء بأيديهم، فلا يهم الشهر الحرام ولا البلد الحرام، المهم المصالح فهي ما يقدم على الأعراف والقوانين، فلا مبدأ، ولا قانون ولا حتى عهد يُحترم.
كتبوا قانون المقاطعة، وفيه: على أهل مكة بكاملها في علاقتهم مع بني عبد مناف ألا يناكحوهم. أي: لا يتزوجوا منهم ولا يزوجهم.
وألا يبايعوهم. أي: لا يبيعوا لهم ولا يشتروا منهم.
وألا يجالسوهم ولا يخالطوهم ولا يدخلوا بيوتهم ولا يكلموهم، وألا يقبلوا من بني هاشم وبني المطلب صلحاً أبداً، ولا تأخذهم بهم رأفة؛ حتى يسلموا رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم للقتل.
هكذا بمنتهى الوضوح.
وبدأ تنفيذ الحصار الرهيب في أول ليلة من ليالي المحرم في السنة السابعة من البعثة، ودخل بنو هاشم وبنو المطلب مؤمنهم وكافرهم إلى شعب أبي طالب ومعهم الرسول صلى الله عليه وسلم؛ حتى يتجمعوا كلهم حول الرسول صلى الله عليه وسلم، ويحموه من أهل مكة.
ومن هنا تبدأ مرحلة جديدة من المعاناة والألم، فقد قطع الطعام تماماً عن المحاصرين، فلا بيع ولا شراء، حتى الطعام الذي يأتي مكة من خارجها يشتريه الكفار بسعر عال؛ حتى لا تستطيع بنو عبد مناف شراءه، وأصبح الموقف صعباً، فقد أخذوا الأولاد والنساء في داخل الشعب؛ حتى كان يسمع أصوات النساء والصبيان يصرخون من الجوع، وحتى اضطروا إلى أكل أوراق الشجر، وظلوا كذلك ثلاث سنين كاملة! من محرم في السنة السابعة من البعثة إلى المحرم سنة عشر من البعثة، مأساة بشرية حقيقية.
ثلاث سنوات من الظلم والحصار الجماعي، صورة جاهلية تكررت كثيراً بعد ذلك في الدنيا، نعم اخترعها أهل قريش في ذلك الوقت، لكن للأسف حصلت كثيراً ودائماً مع المسلمين، تكررت في العراق وفي ليبيا والسودان وأفغانستان والصومال وإيران ولبنان وفلسطين، كثير من المسلمين يحاصرون في بقاع الأرض.
ليس الغريب في هذا الحصار أن يضحي المسلمون من بني هاشم وبني المطلب بأنفسهم وبزوجاتهم وبأولادهم؛ لأنهم يقاتلون من أجل عقيدة، لكن الغريب فعلاً أن يصبر الكافر من بني هاشم وبني المطلب على هذا الحصار وهو لا يرجو جنة ولا يخاف من نار، بل لا يؤمن بالبعث، ومع ذلك وقفوا هذه الوقفة الرجولية مع مؤمني بني عبد مناف، لكنهم وقفوا هذه الوقفة حمية، حمية الكرامة أن يهان رجل من نفس القبيلة، حمية الدم والقرابة، حمية العهد الذي قطعوه على أنفسهم قبل رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم أن يتعاونوا سوياً في حرب غيرهم، حمية واقعية ليست بالخطب والمقالات والأشعار، وضحوا بأنفسهم وأولادهم وزوجاتهم من أجل كلمة.
بعد ثلاث سنوات من حصار الشعب شاء الله عز وجل أن يفك الحصار، وذلك بأن أحد المشركين من بني عامر بن لؤي، لا هو من بني هاشم ولا من بني المطلب أحس بشيء في صدره، وهذا الرجل هو هشام بن عمرو ، ظل يسأل نفسه: كيف نأكل ونشرب وهؤلاء لا يأكلون ولا يشربون؟ كيف ينام أطفالنا شابعين وهؤلاء ينام أطفالهم جائعين؟ فكان يحمل الطعام بنفسه سراً إلى شعب أبي طالب ، وظل على ذلك فترة، وبعد ذلك أحس بأن ذلك ليس بكاف، ولابد أن يكون هناك موقف أكبر، وأن يفعل شيئاً حتى ينقض هذه الصحيفة، ويلغي هذا القانون الظالم، ولكن هو لوحده وقبيلته ليست كبيرة، كما أن زعماء مكة كلهم يقفون خلف هذا القانون.
بدأ يبحث عمن يساعده، فبدأ برجل من بني مخزوم أكبر القبائل القرشية، وهي قبيلة اعتادت أن تعارض بني هاشم وتتنافس معها، فإذا قبلت هذه القبيلة بفك الحصار فبقية القبائل ستفك الحصار في الغالب، لكن من الذي سيرضى من بني مخزوم بالوقوف مع بني هاشم ضد بني مخزوم، ولا ننسى أن أبا جهل هو زعيم بني مخزوم، وهو من أشد المتحمسين للمقاطعة، فكان لابد من شخصية تعادله، وتستطيع الوقوف أمامه، فذهب إلى زهير بن أبي أمية المخزومي ؛ لأن أمه عاتكة بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلديه دوافع فطرية عصبية، فذهب إليه وكلمه، فقال له: يا زهير أرضيت أن تأكل الطعام وتشرب الشراب وأخوالك حيث تعلم. يعني: هؤلاء أخوالك وأنت تتبع أبا جهل ؟ هل نسيت أن بني هاشم أخوالك؟ ثم قال له كلمة خطيرة جداً، قال له: أما إني أحلف بالله أن لو كانوا أخوال أبي الحكم بن هشام -يعني: أخوال أبي جهل - ثم دعوته إلى مثل ما دعاك إليه من المقاطعة ما أجابك إليه أبداً. يعني: أنت بذلك تخاف من أبي جهل ، فقال له زهير : ويحك ما أصنع وأنا رجل واحد؟ ثم قال: أما والله لو كان معي رجل آخر لقمت في نقضها، فقام هشام بن عمرو وفاجأه وقال له: وجدته لك، قال: فمن هو؟ قال: أنا، قال زهير : فلننظر لنا ثالثاً أيضاً.
ترك هشام بن عمرو زهيراً وذهب يبحث عن ثالث من ذوي الأخلاق، ذهب إلى المطعم بن عدي من بني نوفل، -أتى بقبيلة ثالثة، ذهب إليه وذكره بأرحام بني المطلب وبني هاشم، فقال المطعم : ويحك ماذا أصنع؟ إنما أنا رجل واحد، قال: قد وجدت ثانياً، قال: من هو؟ قال: أنا، قال المطعم : ابحث لنا عن رجل ثالث؟ فقال: قد فعلت، قال: من هو؟ قال: زهير بن أبي أمية، قال: ابحث لنا عن رجل رابع.
المهمة صعبة جداً؛ لأن هؤلاء سيقفون أمام كل زعماء الكفر في مكة، ومن أجل رجل خرج عن دينهم، ويقوم بشتم الآلهة، ويأتي بقوانين جديدة لمكة، مهمة صعبة فعلاً أن تدافع عن هذا الرجل، وعن أولئك الذين ساعدوه والتزموا بدينه.
لكن هشام بن عمرو الكافر لم ييأس، وذهب يبحث عن رابع، فذهب إلى أبي البختري بن هشام -البختري بفتح الباء- وقال له مثل ما قال للمطعم ، فقال له: وهل من أحد يعين على هذا؟ قال هشام : نعم، زهير بن أبي أمية والمطعم بن عدي وأنا، فقال أبو البختري : ابحث لنا عن رجل خامس؟
فذهب هشام بن عمرو بمنتهى الحمية يبحث من جديد عن رجل خامس، ذهب إلى زمعة بن الأسود وهو من بني أسد، فقال له زمعة : وهل على هذا الأمر الذي تدعوني إليه من أحد؟ قال: نعم، ثم ذكر له الأربعة السابقين، فوافق زمعة بن الأسود الأسدي ولم يطلب السادس، واجتمع الخمسة وأخذوا القرار الجريء الذي سيعارضون به أكابر القوم، فهم سيطرحون رأياً قد يؤدي إلى انقسام حاد في المجتمع المكي ونصرة دين لا يقتنعون به ولا يرتبطون.
لماذا هذا كله؟ ما الذي حركهم؟ حركتهم حمية النخوة، فأنت ترفض أن ترى أي إنسان مؤمناً كان أو كافراً يعذب أو يظلم أو يجوّع أو يعطِّش. هذه النخوة التي زرعت في قلوب أناس ما عرفوا الله عز وجل، لكن هذه النخوة للأسف لم نرها من مسلمين كثر رأوا وشاهدوا بأعينهم جرائم الحصار والقتل في آلاف وملايين المسلمين في العراق والبوسنة وكوسوفا والشيشان وفلسطين.. وغيرها.
كيف أن هشام بن عمرو الكافر والكفار الذين معه لم يأتهم نوم؛ لأن المسلمين يعذبون؟ وكيف يوجد في الأرض مسلمون ينامون ويأكلون ويشربون ولا يهمهم ما يحدث لإخوانهم وأخواتهم في أكثر من مكان في العالم؟! كيف؟!
أين النخوة التي تحركت في قلوب الكافرين الخمسة؟ أين النخوة التي دفعتهم لمعاداة قريش دون مصلحة شخصية متحققة؟ أيأتي على المسلمين زمان نرجو فيه أن تكون أخلاقهم كبعض أخلاق الكافرين، نحن نحتاج فعلاً إلى وقفة مع النفس.
اجتمع الرجال الخمسة واتفقوا على نقض الصحيفة وحددوا اليوم، قال زهير: أنا أبدؤكم فأكون أول من يتكلم، وقف زهير في المسجد ونادى على أهل مكة، ثم قال: يا أهل مكة! أنأكل الطعام ونلبس الثياب وبنو هاشم هلكى لا يباع ولا يبتاع منهم، والله لا أقعد حتى تشق هذه الصحيفة القاطعة الظالمة.
لم يسكت أبو جهل زعيم مكة وزعيم بني مخزوم، فقام وقال بمنتهى الحماسة: كذبت والله لا تشق، فقام زمعة بن الأسود ، وقال: أنت والله أكذب، ما رضينا كتابتها حين كتبت، فقام أبو البختري بن هشام فقال: صدق زمعة لا نرضى ما كتب فيها ولا نقر به، فقام المطعم بن عدي وقال: صدقتما وكذب من قال غير ذلك، نحن نبرأ إلى الله منها ومما كتب فيها، ثم قام هشام بن عمرو الذي جمعهم فقال نفس الكلام، وصدق المطالبون بنقض الصحيفة، فوجد أبو جهل نفسه محاصراً بآراء خمسة من الرجال، فقال: إن هذا أمر دبر بليل.
فإذا كان أبو جهل زعيم مكة ووراءه كثير من زعماء مكة، فالله سبحانه وتعالى قدر فك الحصار، فحدث شيء آخر تزامن مع هذه الأحداث، وأوحى الله عز وجل إلى نبيه أن الأرضة -دودة الأرض- قد أكلت الصحيفة، ولم تترك فيها إلا ما كان من اسم الله عز وجل.
وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمه أبا طالب بذلك الأمر، فأخذ أبو طالب الكلمات، وذهب إلى نادي قريش، فوجد المشكلة قائمة فتدخل في الحديث، وقال: إن ابن أخي قال كذا وكذا؛ فإن كان كاذباً وكانت الأرضة لم تأكل الصحيفة ولم تترك فيها إلا باسمك اللهم خلينا بينكم وبينه، تأخذونه وتقتلونه، وإن كان صادقاً رجعتم عن قطيعتنا وظلمنا.
فقال زعماء قريش في المسجد الحرام: قد أنصفت يا أبا طالب ، وذهبوا إلى الصحيفة في جوف الكعبة، فإذا هي كما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
آية واضحة لم يكن عند زعماء مكة أمامها أي اختيار سوى نقض الصحيفة وإنهاء المقاطعة، بعد ثلاث سنوات كاملة من الحصار والتجويع.
لم يضع مجهود هشام بن عمرو مع أنه كافر وانتهى الحصار، ثم إن هشام بن عمرو أسلم بعد ذلك بعد فتح مكة، بعد أكثر من عشر سنين من هذه القصة.
وأيضاً زهير بن أبي أمية أسلم، أما الثلاثة الباقون فماتوا على الكفر.
شاء الله عز وجل أن يتأخر هذا الإنقاذ إلى ثلاث سنوات، وكان من الممكن أن يقع بعد فترة وجيزة جداً من الحصار كشهر أو اثنين أو ثلاثة، لكن لابد من التأخير، فقد خرج المؤمنون من هذا الحصار أشد شكيمة، وأعمق إيماناً، وأقوى تمسكاً بدينهم وعقيدتهم، لقد تم الابتلاء والامتحان، ونجح المؤمنون.
لابد أن يثبت الصادقون صدقهم بالتعرض للبلاء والثبات على الحق، يقول الله تعالى: أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ [الرعد:17]، لابد أن يصهر المؤمنون في نار الابتلاء؛ للتنقية وللتربية وللتزكية، للتنقية من المنافقين والكاذبين، وللتربية على الثبات والتضحية في سبيل الله، وللتزكية وتطهير النفوس من الذنوب والخطايا؛ لذلك كان هناك حصار وهجرة للحبشة، وإيذاء وتعذيب.. كل هذه مراحل تربوية في غاية الأهمية صنعت جيلاً من الصحابة، يستطيع أن يلقى الأهوال ولا تلين له قناة، ولا تخور له عزيمة، ولا يهتز له قلب ولا عقل ولا جارحة.
نسأل الله عز وجل أن يثبتنا على طريق الإيمان، وأن يجمع بيننا وبين حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم في أعلى عليين، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وجزاكم الله خيراً كثيراً، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.