شرح نواقض الإسلام [2]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

تقدم لنا الناقض الأول من نواقض الإسلام: وهو الشرك، وذكرنا تعريف الشرك الأكبر، وكذلك تعريف الشرك الأصغر، وذكرنا أن الشرك الأكبر لا يُغفر بدليل قول الله عز وجل: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيدًا [النساء:116]، وأيضاً قول الله عز وجل: إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ [المائدة:72].

وذكرنا أيضاً الفرق بين الشرك والكفر، وهل بينهما فرق، أو ليس بينهما فرق... إلخ، هل هما مترادفان، أو متباينان.. إلخ، وكذلك تكلمنا على الشرك الأصغر هل يُغفر، أو لا يُغفر، وذكرنا في ذلك خلافاً بين أهل العلم، هل الشرك الأصغر يُغفر، أو لا يُغفر؟ ذكرنا في ذلك رأيين:

الرأي الأول: أنه لا يُغفر؛ لعموم قول الله عز وجل: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:116]، وقالوا بأن قوله: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ [النساء:116]، (إن) وما دخلت عليه في تأويل مصدر، أي: إن الله لا يغفر إشراكاً به، فيشمل الشرك الأكبر، والشرك الأصغر، وقلنا بأن هذا قول لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وأيضاً قال به من العلماء الشيخ: عبد الرحمن بن حسن ، وأيضاً صديق حسن خان وغيرهم من أهل العلم.

وذكرنا الرأي الثاني في هذه المسألة: أن الشرك الأصغر يكون داخلاً تحت المشيئة ككبائر الذنوب، وأن المراد بقول الله عز وجل: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ [النساء:116] هو الشرك الأكبر، والمراد بقوله: إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ [المائدة:72] الشرك الأكبر بدليل أن الله عز وجل قال: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ [الزمر:65]، حبوط العمل هنا مع الشرك الأكبر أو مع الشرك الأصغر؟ مع الشرك الأكبر لا إشكال في ذلك، والإجماع على أن العمل لا يحبط مع الشرك الأصغر، وإنما يحبط مع الشرك الأكبر، فكذلك أيضاً المغفرة، وتحريم النار؛ إنما تكون خاصة بالشرك الأكبر، وهذا القول هو الأقرب، وأن الشرك الأصغر تحت المشيئة، ومع ذلك يجب على الإنسان أن يحذر من الشرك، فإذا كان إبراهيم عليه السلام إمام الحنفاء يقول في دعائه: وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ [إبراهيم:35] يخشى على نفسه الشرك وعبادة الأصنام فغيره من باب الأولى، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر )، فمن تمام التوحيد أن يخاف المسلم على نفسه الشرك، وأن يكون دائماً وأبداً معلقاً قلبه بالله عز وجل.

قال: [ومنه الذبح لغير الله كمن يذبح للجن أو للقبر].

أي: من الشرك الأكبر الذي هو ناقض من نواقض الإسلام الذبح لغير الله تعالى، وإنما نص المؤلف رحمه الله على الذبح بالذكر هنا دون بقية العبادات؛ لأن كل صرف عبادة لغير الله عز وجل سواء لقبر، أو ولي، أو ميت، أو غير ذلك فهو شرك أكبر، وهو شرك في توحيد الإلهية، خص المؤلف رحمه الله الذبح لكثرة وقوعه في زمنه فنبه عليه.

فالذبح لغير الله كمن يذبح للجن أو للقبر هذا من الشرك في عبادة الله تعالى؛ لأن الذبح عبادة لا يجوز صرفه إلا لله عز وجل كما قال الله عز وجل: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ [الأنعام:162-163]، وثبت في صحيح مسلم من حديث علي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لعن الله من ذبح لغير الله ).

واعلم أن الذبح ينقسم إلى أقسام:

القسم الأول: الذبح التعبدي، فهذا إنما يكون لله عز وجل، وهو في أربعة مواضع:

ذبح الأضحية، والهدي، والعقيقة، وإيفاء النذر، هذا ذبح القربة والعبادة، وهذا يكون لله عز وجل.

القسم الثاني: الذبح لغير الله عز وجل تقرباً، فنقول بأن هذا شرك أكبر مخرج من الملة، فمثلاً: إذا ذبح لميت، أو ذبح لقبر، أو لولي، أو لغير ذلك، أو للجن كما أشار المؤلف، فنقول بأن هذا شرك أكبر مخرج من ملة الإسلام، إذا ذبح لغير الله تقرباً.

القسم الثالث: الذبح البدعي: وهو أن يتقرب إلى الله عز وجل بالذبح في غير المواضع التي ورد أن الذبح فيها قربة، أو يتقرب إلى الله عز وجل بغير الجنس الذي ورد به الشرع، أو يتعبد لله عز وجل بالذبح عند قبر، أو عند مكان يعتقد فيه البركة وغير ذلك، فهذا نقول بأنه ذبح محرم وهو من الذبح البدعي، وأما الذبح لغير الله عز وجل ليس على سبيل القربة، وإنما على سبيل الكرم والضيافة فإن هذا شيء مأمور به في الشرع.

هناك مسألة تكلم العلماء رحمهم الله عليها، وهي الذبح عند قدوم كبير، أو عند قدوم سلطان، أو عند قدوم حاكم، ونحو ذلك، ما حكم هذا؟

نقول بأنه ينقسم إلى أقسام:

القسم الأول: إذا ذبح لهذا القادم تقرباً، فما حكمه هنا؟ نقول: شرك أكبر.

القسم الثاني: أن يذبح تقرباً لله عز وجل عند قدومه، فنقول: هذا ذبح بدعي.

القسم الثالث: ذبح مستحب إذا قدم هذا الشخص وذبح هذا الشيء؛ لأن من عادة هؤلاء في إظهار كرمهم وضيافتهم لهذا الشخص أن تُذبح هذه الأشياء عند قدومه ومروره قصدهم المبالغة في إكرامه ونحو ذلك، فنقول بأن هذا ذبح مستحب، وليس ذبحاً داخلاً في الشرك، وبعض أهل العلم يُفصل؛ لكن هذا التفصيل فيه نظر، يقول: علامة ذلك إذا تُركت ولم تؤكل فهذا داخل في الشرك، وإن كانت تؤكل فليس كذلك.

لكن الصواب ما ذكرنا من التفصيل: أن يذبح تقرباً له، أن يذبح تقرباً لله عند مروره، أن يذبح لأن هذا من عادتهم في إكرام الضيف والمبالغة في السرور ونحو ذلك، فنقول بأن هذا مستحب.

قال المؤلف رحمه الله: [الثاني: من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويسألهم الشفاعة ويتوكل عليهم كفر إجماعاً].

هذا الناقض الثاني من نواقض الإسلام، من جعل بينه وبين الله عز وجل وسائط يدعوهم، ويسألهم الشفاعة، ويتوكل عليهم كفر إجماعاً.

قول المؤلف رحمه الله: [يدعوهم].

الدعاء ينقسم إلى قسمين:

القسم الأول: دعاء العبادة.

والقسم الثاني: دعاء المسألة.

أما دعاء العبادة فصرفه لغير الله عز وجل هذا لا شك أنه شرك مخرج من الملة؛ لأن القاعدة: أن من صرف شيئاً من أنواع العبادات لغير الله عز وجل فهذا شرك في توحيد الإلهية.

وأما بالنسبة لدعاء المسألة منه ما هو شرك ومنه ما هو ليس بشرك، دعاء المسألة تحته أقسام، هذا يأتينا إن شاء الله بيانه، والله أعلم.