شرح نواقض الإسلام [3]


الحلقة مفرغة

الحمد رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال المؤلف رحمه الله: (الناقض الثاني من نواقض الإسلام من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم، ويسألهم الشفاعة، ويتوكل عليهم كفر إجماعاً).

قوله: (وسائط) جمع واسطة، والمراد بواسطة هنا: من يتوسط ويشفع لهذا عند الله عز وجل، هذا المراد به، يعني: يجعل بينه وبين الله عز وجل وسائط يشفع له ويتوسط له عند الله عز وجل بجلب النفع ودفع الضر، هذا المراد به.

قال: [يدعوهم ويسألهم الشفاعة، ويتوكل عليهم كفر إجماعاً]، هؤلاء الوسائط ذكر المؤلف رحمه الله فيهم ثلاثة أشياء:

الشيء الأول: الدعاء.

والثاني: الشفاعة.

والثالث: التوكل، يتوكلوا عليهم.

أقسام الدعاء

فالأول: الدعاء، والدعاء ينقسم إلى قسمين:

القسم الأول: دعاء عبادة، والقسم الثاني: دعاء مسألة.

دعاء العبادة هذا صرفه لغير الله عز وجل شرك لا إشكال في ذلك، فمثلاً: الصلاة دعاء، الركوع، السجود، التعظيم.. إلخ، هذه كلها دعاء، الذبح دعاء؛ لأن الإنسان بهذه العبادات وإن لم يدع بلسان المقال، فإنه يدعو بلسان الحال، فإنك إذا سألت هذا الشخص لأي شيء صلى؟ قال: طلباً لمحبة الله ورضوانه، وجنته، ومغفرته، ورحمته... إلخ، هذا القسم الأول.

القسم الثاني: دعاء المسألة، دعاء المسألة منه ما يكون شركاً، ومنه ما لا يكون شركا، والذي يكون شركاً أقسام:

القسم الأول: أن يدعو غير الله عز وجل دعاء مصحوباً بكمال الذل وكمال المحبة، فنقول: هذا شرك أكبر؛ لأن هذا لا يكون إلا لله عز وجل.

القسم الثاني: أن يدعو غير الله عز وجل دعاءً برغبة ورهبة لا تكون إلا لله عز وجل، هذا هو الشرك الأكبر.

القسم الثالث: أن يدعو غير الله عز وجل شيئاً لا يقدر عليه المخلوق، مثلاً: إذا دعا غير الله عز وجل أمراً لا يقدر عليه إلا الله عز وجل، فهذا أيضاً شرك أكبر، مثل دعائه في إنزال الغيث، وإجراء السحاب، أو في رزقه الولد، أو غير ذلك من هذه الأمور التي لا يقدر عليها إلا الله عز وجل، فنقول: هذا شرك أكبر.

القسم الرابع: أن يدعو ميتاً، أو صاحب قبر، أو نحو ذلك مطلقاً، أو يدعو غائباً مطلقاً، فنقول بأن هذا حكمه أيضاً شركٌ أكبر ولو كان في حال الحياة يقدر عليه، مثل لو قال لميت: اسقني ماء، لو كان حياً يقدر أن يسقيه الماء؛ لكنه الآن فقد الأسباب الحسية التي تمكنه من تحقيق هذا الدعاء، فكونه يطلب منه هذا اعتقد في نفسه اعتقاداً خفياً أن له تصرفاً في الكون، مثلاً أن تدعو الغائب، تدعو زيداً من الناس وهو غائب أن يفعل كذا وكذا حتى ولو كان يقدر عليه، فنقول بأن هذا حكمه شرك أكبر.

القسم الخامس: أن يدعو مخلوقاً شيئاً يقدر عليه المخلوق؛ لكن هذا المخلوق لا يقدر عليه، يعني: أن تسأله شيئاً يقدر عليه المخلوق؛ لكن هو لا يقدر عليه، فهذا نقول: بأنه شرك أصغر، فمثلاً: تطلب من زيد كذا وكذا ولا يقدر عليه؛ لكن غيره يقدر عليه، هذا من باب ظن الشيء سبباً وليس سبباً.

القسم السادس: أن تطلب من المخلوق شيئاً يقدر عليه، فهذا جائز ولا بأس به، ويدل لذلك قول النبي عليه الصلاة والسلام: ( من دعاكم فأجيبوه ).

حكم سؤال الأولياء الشفاعة

قال رحمه الله: (ويسألهم الشفاعة).

يعني: يسأل هؤلاء الميتين، وأصحاب القبور، أو الأولياء الشفاعة، وطلب الشفاعة من هؤلاء هل هو شرك أكبر أو نقول بأنه ليس شركاً؟

هذا موضع خلاف، فذهب بعض أهل العلم إلى أنه شركٌ أكبر، ولهذا حكى الله عز وجل عن المشركين بقولهم: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر:3]، فقالوا بأن كونهم يسألونهم يأتون إليهم ويطلبون من أصحاب القبور، أو من الأولياء أن يشفعوا لهم عند الله عز وجل، قالوا بأن هذا شرك أكبر، هذا هو الرأي الأول، ودليلهم على ذلك: أن الله عز وجل حكى عن الكفار أنهم قالوا: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر:3]، وأن هؤلاء الأصنام، أو من يُعبد من دون الله عز وجل، أو أن هؤلاء الكفار كانوا يأتون إليهم ويسألونهم الشفاعة عند الله عز وجل لهم.

الرأي الثاني: أن هذا ليس شركاً، وإنما هو من قبيل البدع، وهذا قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وهذا القول هو الصواب، وأنه ليس شركاً بل هو بدعة، وهو وسيلة إلى الشرك الأكبر؛ لأننا كوننا نحكم عليه بأنه شرك أكبر هذا فيه نظر، إذ إنه لم يتضمن صرف نوع من أنواع العبادة لغير الله عز وجل، ليس فيه صرف، وإنما سألوا هؤلاء الأموات أو أصحاب القبور أن يشفعوا لهم عند الله عز وجل، فليس فيه صرف شيء من أنواع العبادة لغير الله عز وجل.

قال: (ويسألهم الشفاعة)، الشفاعة مأخوذة من الشِفع: وهو جعل الفرد زوجاً.

وأما في الاصطلاح: فهو التوسط للغير بجلب منفعة أو دفع مضرة.

أقسام التوكل

قال: (ويتوكل عليهم).

لا شك أن التوكل عبادة، فصرفها لغير الله عز وجل هذا شركٌ أكبر، والتوكل ذكر العلماء رحمهم الله- له ثلاثة أقسام:

القسم الأول: الوكالة، وهي إنابة الغير فيما تدخله النيابة، فهذا جائز، والنبي عليه الصلاة والسلام وكل عروة بن الجعد في أن يشتري له أضحية، فنقول: القسم الأول: الوكالة، فهذه جائزة ولا بأس بها، وذكرنا الدليل.

القسم الثاني: أن يتوكل على المخلوق في ما أقدره الله عليه، كالذي يتوكل على السلطان في الرزق، أو يتوكل على الطبيب في الشفاء ونحو ذلك، يعني: يتوكل على المخلوق في ما أقدره الله عليه، فهذا شرك أصغر؛ لأن كون الإنسان توكل على هذا الشخص في ما يقدر عليه جعله أكثر من السبب، والعلماء رحمهم الله يقولون: التفات القلوب إلى الأسباب شركٌ في التوحيد، فإذا التفت القلب إلى السبب، فإن هذا شرك في التوحيد بحيث إن الإنسان يُعلق قلبه بالسبب وينسى المسبب الذي هو الله عز وجل.

القسم الثالث: ما يكون شركاً أكبر: وهو يتوكل على أصحاب القبور، أو الأولياء وغيرهم، فهذا شرك أكبر؛ لأنه كونه يتوكل عليهم ويعتمد عليهم... إلى آخره، هذا صرف الآن نوعاً من أنواع العبادة لغير الله عز وجل، فإذا توكل على هؤلاء، اعتقد أن لهم تصرفاً خفياً في الكون، فيكون شركاً أكبر.

نقف على هذا، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.