شرح نواقض الإسلام [6]


الحلقة مفرغة

قال المؤلف رحمه الله: (الناقض الرابع من نواقض الإسلام: من اعتقد أن غير هدي النبي صلى الله عليه وسلم أكمل من هديه، أو أن حكم غيره أحسن من حكمه كالذي يفضل حكم الطواغيت على حكمه).

تقدم أن الهدي المراد به: الطريقة والسيرة، ويدخل في ذلك سننه وأخلاقه عليه الصلاة والسلام، وبينا أن هدي النبي صلى الله عليه وسلم أكمل الهدي، وذكرنا الدليل على ذلك من كتاب الله، ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أما كتاب الله: فقوله سبحانه وتعالى: إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:4] .

وأما في السنة: فقول النبي عليه الصلاة والسلام في خطبة الجمعة: ( أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ).

وذكرنا أيضاً أن هذه المسألة لا تخلو من ثلاث حالات:

الحالة الأولى: أن يعتقد أن هدي غير النبي صلى الله عليه وسلم -يعني: أخلاقه وسنته وسيرته- أفضل من هدي النبي صلى الله عليه وسلم، هذا كفر ردة.

الحالة الثانية: أن يعتقد أن أخلاقه، وهديه مساوية لهدي النبي صلى الله عليه وسلم، فنقول أيضاً: هذا كفر وردة.

الحالة الثالثة: أن يعتقد أن هدي غير النبي عليه الصلاة والسلام أكمل من هدي النبي عليه الصلاة والسلام.

وهذا يوجد عند الخرافية من الصوفية، والرافضة، وغيرهم الذين يفضلون أولياءهم، فمنهم من يفضل وليه على الأنبياء والرسل ويعتقد أن سيرته وهديه أفضل من سيرة النبي عليه الصلاة والسلام.. إلخ.

قال المؤلف رحمه الله: (أو أن حكم غيره أحسن من حكمه كالذي يفضل حكم الطواغيت على حكمه).

أيضاً الذي يعتقد أن حكم غير النبي عليه الصلاة والسلام أفضل من حكم النبي عليه الصلاة والسلام فهذا كافر، والدليل على ذلك: قول الله عز وجل: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيدًا [النساء:60]، إلى أن قال الله عز وجل: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65]، فلا يكونون مؤمنين إلا بهذه الأمور الثلاثة:

فَلا وَرَبِّكَ [النساء:65]، قسم لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ [النساء:65]، يكون المرجع في التحاكم إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ [النساء:65] يعني: لا يجدون في أنفسهم بغضاً، أو كراهة، أو عدم إذعان وقبول لما قضيت.

وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65]، أيضاً أن يسلموا تسليماً كاملاً بحكم النبي عليه الصلاة والسلام.

وبهذا نعرف خطر تحكيم القوانين اليوم في بعض البلاد الإسلامية، فأولئك الذين يحكمون القوانين بأحكام المخلوقين، وينبذون أحكام الشرع هؤلاء أمرهم لا يخلو من ثلاث حالات:

الحالة الأولى: أن يعتقد أن تلك القوانين التي سنها البشر أفضل وأصلح للناس من الحكم بما في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأنه لا يصلح الناس إلا هذه القوانين، فمثلاً: الزاني الأفضل أن تحبسه كما في القانون ولا ترجمه، والسارق في القانون يُعذب ويُسجن ولا تقطع يده.. إلخ، فهذا كفر وردة إذا اعتقد أن الحكم بهذه الأشياء أفضل من الحكم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ودليل ذلك: ما تقدم من الأدلة، وهذا أيضاً إجماع من أهل العلم.

القسم الثاني: أن يعتقد أن تحكيم هذه القوانين مساوٍ لتحكيم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فهذا أيضاً كفر وردة.

القسم الثالث: أن يعتقد أن الحكم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم أفضل وأحسن؛ لكن يحمله الهوى والفسق على الحكم بغير ما أنزل الله، وهذا تحته مرتبتان:

المرتبة الأولى: أن يكون ذلك في أفراد المسائل، يعني: لا يجعله شريعة عامة، مثلاً: قاضٍ من القضاة يعتقد أن إصابة الحق هو الأفضل والأحسن من الظلم والجور؛ لكن حمله الهوى والعصبية فظلم في هذه الأفراد من المسائل، فنقول بأن هذا لا يكفر ولا يرتد، لقول الله عز وجل: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [المائدة:47].

القسم الثاني: أن يجعل ذلك شريعة عامة، يعني: ينبذ كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ويجعل ذلك شرعاً عاماً يتحاكم الناس إليه، فهذا موضع خلاف، والشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله ألف رسالة تحكيم القوانين وحكم بكفره، يعني: كونه يجعل ذلك شريعة عامة يستبدل به كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

قال المؤلف رحمة الله: [الناقض الخامس من نواقض الإسلام: من أبغض شيئاً مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وعمل به كفر].

من أبغض شيئاً مما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم كفر ولو عمل به، وقد نُقل الاتفاق على ذلك، نقل الحجاوي رحمه الله الاتفاق: على أن من أبغض شيئاً مما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم ولو عمل به فإنه يكفر، وهذا نوع من أنواع النفاق الاعتقادي الذي يكون صاحبه في الدرك الأسفل من النار، وسواء أبغض شيئاً من الأقوال التي جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم، أو شيئاً من الأفعال، وسواء أبغض شيئاً من الواجبات، أو أبغض شيئاً من المستحبات، أو أبغض شيئاً من الأوامر، أو أبغض شيئاً من النواهي، فهذا كله إذا أبغضه فإنه يكفر، ودليل ذلك قول الله عز وجل: وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ [محمد:8-9]، ولا يكون إحباط العمل إلا بالكفر، والشرك، والله عز وجل يقول: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ [الزمر:65]، وكذلك قول الله عز وجل: ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ [محمد:28].

وعلى هذا من يبغض الحجاب، أو يبغض تحريم الزنا، أو تحريم الخمر أو يبغض إعفاء اللحية، أو غير ذلك من الأشياء التي جاء بها الشرع، فنقول بأنه كفر.

أو يبغض الصلاة، أو الصيام، أو الزكاة حتى ولو عمل به، فإنه ردة عن دين الإسلام، وهذا كما قال الله عز وجل: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ [محمد:9]، ولا يحبط العمل إلا بالكفر، كما قال الله عز وجل: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ [الزمر:65] .

وهذا الناقض الخامس خطير جداً؛ لأنك الآن تجد بعض الناس ممن ينتسبون إلى الإسلام يبغض عدم اختلاط الرجال مع النساء، ويُحب اختلاط الرجال والنساء، وهذا لا شك أنه ردة؛ لأن الشرع جاء بعدم الاختلاط، حتى في الصلاة قال النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة: ( خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها ).

أو مثلاً: يبغض تحريم حلق اللحى، ونحو ذلك، فنقول بأن هذا ردة عن دين الإسلام نسأل الله السلامة.