نعمة بلوغ شهر رمضان المبارك - ربيع عبد الرؤوف الزواوي
مدة
قراءة المادة :
5 دقائق
.
إنها لنعمة كبيرة، ولفرصة عظيمة أن يبلغنا الله سبحانه هذا الشهر الفضيل، الذي حاز من كل الفضائل، واشتمل على درر من خير الغنائم، وفيه من الأجر العظيم ما الله وحده به عليم، ويكفينا على ذلك قول الله عز وجل في الحديث القدسي: «… كل عمل ابن آدم له إلا الصوم؛ فإنه لي، وأنا أجزي به» فقد خصه دون سائر العبادات بهذا الفضل.. فإنه لي!..
إنه شرف كبير..
أن يخص الله شيئا دون سائر أجناسه لنفسه!
وللعلماء أقوال حول تفسير هذا الحديث الكريم؛ فإنه لي فلا رياء فيه كما يكون في باقي العبادات، فهو سر بين العبد وربه، ولا يمكن أن يرائي أحد بهذه العبادة.
هذا رأي، أو أن المقصود فإنه لي؛ أي أنا من يعرف قدره ومكانته، وعظيم أجر الصائمين يوم القيامة .
وقال بعض المحققين: أن كل عبادة يتقرب بها لغير الله، فجميع المعبودات الباطلة من دون الله يُتقرب إليها أحيانا بالسجود وأحيانا بالنفقات وأحيانا بالحج إليها إلى غير ذلك، لكن أن يصام لها! فهذا لم يحدث.
وهذا رأي في نظري فيه شيء من الوجاهة..
فإنه لي.
وقوله: وأنا أجزي به.
أي أن الله وحده من يتولى مكافأة الصائمين على صيامهم يوم القيامة ، أو أنه لا ملك مقرب ولا نبي مرسل يعرف عظيم أجرهم أو مكافأتهم على هذا العمل.
وكذلك ما ثبت من أحاديث مثل قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «..
ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من المسك..» وقوله: «من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفرت ذنوبه..» وقوله: « الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة…» إلى غير ذلك من الأحاديث التي صحت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وبناء عليه فعلى العاقل أن يغتنم هذه الفرصه العظيمة في الإقبال على الله، والتوبة من سائر الذنوب ، ومراجعة النفس ، والحرص على الأعمال الصالحة في هذا الشهر الفضيل، ومن أول ما ينبغي الاعتناء به – بعد صوم الشهر إيمانا واحتسابا؛ إيمانا بفرضيته، واحتسابا للأجر على ما يكابد من مشقة وتعب – أن يواظب على الصلوات الخمس في جماعة أن كان رجلا، وتحرص المرأة على الصلوات الخمس في بيتها أو في المسجد إن تيسر لها ذلك، وأن يؤدي المسلم ما عليه من زكاة المال ، وكذا سائر الفرائض التي افترضها الله علينا.
كما يجب أن نحرص على بر الوالدين وصلة الرحم، والمحافظة على حقوق الجار، وأن نحسن معاملة الناس جميعا، ولا نفعل كما يفعل بعض المخطئين حيث يكون سيئ الخلق في نهار رمضان، بحجة أنه صائم، بل ينبغي على المسلم أن يلين جانبه للناس، ويسعى في قضاء مصالح الأرامل والأيتام والمساكين، وأن يكثر من ذكر الله ، ومن أفضل صور الذكر تلاوة القرآن الكريم ، يتلوه بالليل في القيام أو من غير قيام، وكذلك يقرؤه بالنهار، فيجمع بالنهار بين الصيام والقرآن لينال شفاعتهما كما تقدم معنا في الحديث السابق؛ «القرآن والصيام يشفعان للعبد يوم القيامة..».
كما يحرص المسلم على صلاة النوافل وغيرها من السنن الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومن السنن الثابتة في رمضان صلاة التراويح، وهي قيام ليالي شهر رمضان، وذلك لما صح فعلها من النبي صلى الله عليه وسلم، فلها من الأجر العظيم ما ثبت في قول الرسول صلى الله عليه وسلم «من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفرت ذنوبه…».
فإذا حاول المسلم فعل ذلك واجتهد في تحصيله أو تحصيل بعض ذلك تحقق فيه مقصوم الصيام الذي أراده الله منا؛ وهو التقوى ، قال تعالى: {..
كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ..}.
فنسأل الله تعالى أن يوفق الجميع لما فيه رضاه، وأن يتقبل منا ومن سائر المسلمين صالح الأعمال والأقوال، إنه نعم المولى ونعم النصر.