سلسلة الأندلس عبد الرحمن الداخل صقر قريش


الحلقة مفرغة

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم.

بسم الله الرحمن الرحيم.

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

وبعد:

فمع الحلقة الرابعة من حلقات الأندلس من الفتح إلى السقوط.

ذكرنا في الحلقات السابقة أن فترة الأندلس تقسم إلى عهود بحسب طريقة الحكم والإدارة.

فالعهد الأول: وهو عهد الفتح، واستمر ثلاث سنوات وبضعة شهور، فقد بدأ من سنة (92هـ) وانتهى في أواخر (95هـ).

العهد الثاني: عهد الولاة، وهو أن الحاكم على بلاد الأندلس يعتبر والياً يتبع الخلافة الأموية للمسلمين، والتي كان مقرها في دمشق، واستمر هذا العهد من أواخر سنة (95هـ) وأوائل (96هـ) إلى سنة (138هـ)، بمعنى أنه استمر مدة 42 سنة متصلة، وهذا العهد قسمناه إلى فترتين رئيسيتين:

الفترة الأولى: فترة قوة وجهاد ونشر للدعوة وتعليم للإسلام، وهذه الفترة استمرت من 96هـ إلى سنة 123هـ، أي: حوالي 27 سنة متصلة.

الفترة الثانية: فترة ضعف وانحطاط للمستوى الإيماني، والمستوى الحضاري في بلاد الأندلس، واستمرت هذه الفترة من سنة (123هـ) إلى سنة (138هـ) أي أنها استمرت (15) سنة متتالية.

وفي الدرس السابق تحدثنا عن الفترة الأولى منذ (96هـ) إلى سنة (114هـ)، وانتهى الحديث عند موقعة بلاط الشهداء والتي كانت في منطقة تسمى بواتييه في فرنسا، ومني المسلمون فيها بهزيمة، وتوقفت الفتوح في تلك المنطقة وانسحب الجيش الإسلامي، واستشهد فيها عبد الرحمن الغافقي رحمه الله تعالى.

أود أن أجيب عن بعض الأسئلة التي جاءت بخصوص الحلقات الثلاث السابقة.

سبب عدم وجود ثورات في الأندلس ضد المسلمين الفاتحين

السؤال: لماذا لم يثر أهل الأندلس على المسلمين الفاتحين في فترة عهد الفتح وأوائل عهد الولاة، مع أن الجيش الإسلامي الموجود في بلاد الأندلس كان (12) ألف مقاتل بقيادة طارق بن زياد رحمه الله، واستشهد منه ثلاثة آلاف مقاتل في موقعة وادي برباط، ثم استشهد ثلاثة آلاف آخرون في الطريق من وادي برباط إلى طليطلة، فوصل طارق بن زياد إلى طليطلة بستة آلاف فقط من الرجال.

ثم عبر موسى بن نصير بثمانية عشر ألفاً من الرجال، وأصبح قوام الجيش الإسلامي كله في بلاد الأندلس (24) ألف مقاتل موزعين على كل مناطق الأندلس، والأندلس بلاد واسعة جداً، وتضم الآن أسبانيا والبرتغال، بل وفتح المسلمون بعض المناطق في جنوب فرنسا، فكان في كل مدينة من المدن حامية صغيرة جداً؟ فلماذا لم يثر أهل البلاد على المسلمين والطاقة الإسلامية في هذه البلاد قليلة، والجيش لا يقارن بعدد سكان المنطقة؟

الجواب: من العجب أن يثور أهل الأندلس، وليس من العجب ألا يثوروا.

كان أهل الأندلس قبل دخول الإسلام يعيشون في ذل عميق، وفي ضنك شديد، تنهب أموالهم فلا يتكلمون، وتنتهك أعراضهم فلا يعترضون، يتنعم حكامهم بالقصور والثروات، وهم لا يجدون ما يسد الرمق، يباعون ويشترون مع الأرض التي زرعوها بكدهم، وأكل غيرهم ثمارها.

أيثور شعب الأندلس من أجل هذا الذي أذاقه العذاب ألواناً؟

أيثور من أجل ظهور لذريق جديد أو غيطشة جديد أو ألفونسو جديد؟

إذا كان من فطرة الناس الطبيعية أنهم يحبون أوطانهم؛ لما فيها من ذكريات جميلة منذ الطفولة حتى الممات، لكن في بلاد الأندلس كانت الذكريات مليئة بالجوع والعطش والسياط والتعذيب والظلم والفساد والرشوة والجبروت والكبر والسرقة والنهب.. وما إلى ذلك من الأمور التي تكره الناس في حياتهم وأوطانهم.

ثم إن البديل المطروح البديل هو الإسلام الذي دخل على أيدي هؤلاء الفاتحين، عندما تجد رجلاً يقول لك: تعال أعطك بدلاً من الظلم عدلاً ليس هبة مني، ولكنه حق مكتسب لك ولقومك ولأهلك ولأولادك ولذريتك من بعدك، لا فرق فيه بين حاكم ومحكوم إن حدثت لك أو عليك مظلمة، والقاضي لا يفرق بين مسلم ويهودي ونصراني في الحكم، فالدين لا يرفع من قيمة الأشخاص بقدر أموالهم، ولكن يرفع بقدر أعمالهم، والأعمال مفتوحة للجميع، للغني والفقير والحاكم والمحكوم، والحاكم في الإسلام لا يفرض الضرائب على الناس وإنما الزكاة إن كانوا من المسلمين، ومقدارها ربع العشر، أي: (2.5%) في العام إن حال الحول على المال، ووجد نصاب الزكاة، والفقير المعدم لا يدفع شيئاً، بل يأخذ من بيت مال المسلمين، كيف يكون شعورك وأنت فقير معدم تدفع عشرين أو ثلاثين أو أربعين في المائة من مالك لحاكمك أو السلطان المتولي عليك، ثم تجد من يقول لك: ليس عليك أن تدفع من مالك للحاكم، بل هو لك ولأهلك ولعشيرتك إلى أن تغتني، ويكتمل الحول على مالك وكنت غنياً فتدفع الزكاة، أما إن كنت غير ذلك فستأخذ المال من بيت مال المسلمين.

فالإسلام كان خلاصاً للشعوب، والناس في بلاد الأندلس لما رأوا هذا الإسلام تمسكوا به واعتنقوه اعتناقاً، ولم يرضوا عنه بديلاً، فكيف يحارب هؤلاء الناس من أجل من أذاقهم هذا العذاب السابق، ويضحون بهذا النعيم المقيم في الدنيا وفي الآخرة؟

سبب خوف الكفار أصحاب المصالح في الأندلس

السؤال: هل من المعقول أن أهل الأندلس جميعاً قد أعجبوا بهذا الدين ودخلوا في الإسلام راغبين، ولم يوجد فيهم رجل واحد يثور ويعترض ويحب ما كان له من السلطان والمصلحة؟

الجواب: نعم، كان هناك كثير من الرجال أصحاب المصالح، الذين كان لهم كثير من الأعوان، يريدون أن يثوروا على حكم الإسلام، ويحققوا المصالح السابقة التي كانت لهم، وإنما لم يثر هؤلاء القوم؛ لأن رب العالمين سبحانه وتعالى يقول: لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ [الحشر:13]، فالمجاهد المؤمن في الفتوحات الإسلامية كانت له رهبة في قلوب النصارى واليهود والمشركين بصفة عامة، والمؤمن يلقي الله عليه جلالاً، فيخافه القريب والبعيد، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (نصرت بالرعب مسيرة شهر).

ويقول سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ [الحشر:2]، هذا الرعب لم يكن متولداً عن بشاعة الحرب، ولا عن إجرام منقطع النظير، ولكن هو هبة ربانية لجنده ولأوليائه ولحزبه سبحانه وتعالى، بل على العكس من ذلك تماماً، كانت حرب الإسلام رحمة للناس، ففي صحيح مسلم عن بريدة رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما كان يودع الجيوش كان يقول: (اغزوا باسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلوا -أي: تأخذوا من الغنيمة قبل قسمتها- ولا تغدروا -أي: في عهد مع المشركين- ولا تمثلوا -أي: ولا تمثلوا بجثة بعد أن تقتل- ولا تقتلوا وليداً) وفي رواية: (ولا تقتلوا شيخاً فانياً، ولا طفلاً صغيراً، ولا امرأة).

أين هذا من حروب غير المسلمين مع المسلمين؟

أين هذا من قتل مائتي ألف رجل من المدنيين في البوسنة والهرسك وفي كوسوفو؟

أين هذا من فعل الروس في الشيشان، والهنود في كشمير، واليهود في فلسطين؟!

إذاً: كانت حروب المسلمين رحمة للناس، ولكن الله سبحانه وتعالى ألقى على أعدائهم رهبة ورعباً من المسلمين، لا لبشاعة في الحرب، ولكن لجلال ألقي على المسلمين، لذلك اعتنق الناس الإسلام اعتناقاً، حتى من لم يدخل في دين الإسلام من اليهود والنصارى، فقد سعدوا في ظل الإسلام سعادة وأي سعادة، قال تعالى: لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الممتحنة:8]، فقد تركت لهم كنائسهم، وكان لهم قضاء خاص بهم، ولم يفرق بين مسلم ونصراني أو يهودي في مظلمة.

والعجب كل العجب أن يرفض هؤلاء الناس الإسلام وحكم الإسلام، وقد جاء من عند حكيم خبير، فهو سبحانه وتعالى يعلم ما يصلح عبيده وكونه وأرضه.

وجه تعلق الجيش الإسلامي في موقعة بلاط الشهداء بالغنائم ودخول العنصرية القبلية فيه

السؤال: كيف تعلق الجيش الإسلامي في موقعة بلاط الشهداء بالغنائم، وتحدث مشاكل عنصرية وقبلية فيه، مع أنهم من التابعين أو تابعي التابعين، وهم قريبو عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن صحابته الكرام رضي الله عنهم أجمعين؟

الجواب: قد حدث ذلك في غزوة أحد في السنة الثالثة للهجرة، وبلاط الشهداء كأنها أحد أخرى، يقول سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ [آل عمران:152]، هذه الآية نزلت في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في موقعة أحد، ألم يترك الرماة مواقعهم في موقعة أحد طلباً للغنيمة بعد أن أيقنوا بالنصر، ونزلوا وخالفوا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم طلباً للغنيمة؟ قال عنهم ربهم سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ [آل عمران:152]، حتى إن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه كان يقول: ما كنت أحسب أن منا من يريد الدنيا حتى نزلت الآية: مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ [آل عمران:152]. فهزم المسلمون بعد النصر، وهكذا أيضاً في بلاط الشهداء، فقد دخل المسلمون في أول يومين أو ثلاثة أيام من أيام المعركة وكان النصر حليفاً للمسلمين، ثم انقلبت المعركة لما التف النصارى حول غنائم المسلمين وأخذوها، فحدثت الانكسارة لجيش المسلمين ثم هزموا.

وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ [آل عمران:152]، يقول ابن كثير على هذه الآية: أي: لم يستأصلكم في هذه الموقعة، بل أعطاكم الفرصة للقيام من جديد، وهكذا أيضاً في بلاط الشهداء لم يستأصل الجيش الإسلامي، ولكنه عاد وانسحب ليقوم من جديد، فبلاط الشهداء كأنها أحد بل أكثر من ذلك، ففي غزوة بدر بعد أن انتصر المسلمون على الكفار اختلفوا على الغنائم، وهم الرعيل الأول والجيل المصاحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي سورة الأنفال بعد هذا النصر المجيد جاء تعظيم أمر الاختلاف على الغنائم، قال تعالى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ قُلِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ [الأنفال:1]، وهذا كلام شديد جداً على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن هكذا أمر النفس البشرية.

إذاً: هذه عيوب موجودة في الناس.

والدرس والعبرة من بلاط الشهداء ومن أحد وبدر تدارك الأمر بسرعة بعد المعركة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم تدارك الأمر بسرعة بعد غزوة أحد، وحمس المسلمين وذكرهم بالآخرة حتى واصلوا المسير خلف الكفار إلى حمراء الأسد، وهكذا أيضاً في بلاط الشهداء قام رجل من جديد يحمس المسلمين هو عقبة بن الحجاج رحمه الله، لكن هذا لم يكن في أرض بواتييه، إنما كان بعد العودة إلى أرض الأندلس، لذلك لم تحدث موقعة مثل موقعة حمراء الأسد مباشرة بعد بلاط الشهداء، والسبب في اختلاف موقعة بلاط الشهداء عن غزوة أحد أن غالب جيش المسلمين في بلاط الشهداء كانت الدنيا والغنائم في قلوبهم، ولذلك لم يعودوا مباشرة كما عادوا في أحد، أما في أحد فقد قال عنهم ربهم: مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ [آل عمران:152]، ولما أشيع في غزوة أحد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات، حدث الفرار والهزيمة والانكسار الكبير، وكذلك لما قتل عبد الرحمن الغافقي رحمه الله انسحب المسلمون من غزوة بلاط الشهداء.

لذلك الشبه كبير جداً، والتكرار في التاريخ أمر طبيعي جداً، والهزائم شديدة الشبه، وعلى المسلمين أن يتعظوا ويعتبروا.

أما ظهور العنصرية والقومية في ذلك الجيش، وفي ذلك الوقت المتقدم من الزمان، فإن العنصرية والقبلية قد ظهرت أيضاً في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولعلكم تذكرون الحادثة المشهورة بين أبي ذر رضي الله عنه وأرضاه وبين بلال لما قال أبو ذر لـبلال : يا ابن السوداء! فسبه بشيء في شكله ولونه، وغضب بلال رضي الله عنه وأرضاه، وذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشتكي، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم غضباً شديداً، وقال لـأبي ذر : (يا أبا ذر ! طف الصاع إنك امرؤ فيك جاهلية، لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأعجمي على عربي، ولا أسود على أحمر، ولا لأحمر على أسود إلا بالتقوى)، هكذا صلى الله عليه وسلم أخذ يذكره بالتقوى، فاستجاب أبو ذر رضي الله عنه وأرضاه لذلك، فوضع رأسه على التراب، وأصر على بلال رضي الله عنه وأرضاه أن يطأ وجهه بقدمه حتى يكفر عن خطاياه، لكن لم يفعل بلال رضي الله عنه وأرضاه، بل غفر لـأبي ذر ، فكان ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم انتصاراً كبيراً.

وأيضاً لما ثار الأوس والخزرج، فقال الأوسي: يا للأوس، وقال الخزرجي: يا للخزرج، وذلك بعد أن زرع بينهم شاس بن قيس زعيم اليهود الفتنة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم، دعوها فإنها منتنة).

إذاً: حدثت العنصرية في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم تدارك الأمر بسرعة فذكر الناس بربهم سبحانه وتعالى وذكرهم بالآخرة.

كذلك انظر إلى القبلية التي حدثت بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي فتنة بني حنيفة، واجتماع الناس حول مسيلمة الكذاب ، فسئل رجل من جند مسيلمة الكذاب: أتعلم أن محمداً صادق وأن مسيلمة كاذب؟ قال: والله إني لأعلم أن محمداً صادق، وأن مسيلمة كذاب، ولكن كاذب ربيعة أحب إلي من صادق مضر.

هكذا كانت القبلية تماماً في نظر هذا الرجل وأمثاله، ولو لامس الإيمان قلبه ما قال مثل هذا الكلام، لذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحفز الناس بالإيمان، ويذكرهم بالآخرة، قال تعالى: وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ [الذاريات:55].

وروى البيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه قال: قال صلى الله عليه وسلم: (إذا كان يوم القيامة أمر الله منادياً ينادي: ألا إني جعلت نسباً، وجعلتم نسباً، فجعلت أكرمكم أتقاكم، فأبيتم إلا أن تقولوا: فلان بن فلان، فاليوم أرفع نسبي وأضع أنسابكم).

ويقول سبحانه وتعالى: فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ * فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ [المؤمنون:101-103].

السؤال: لماذا لم يثر أهل الأندلس على المسلمين الفاتحين في فترة عهد الفتح وأوائل عهد الولاة، مع أن الجيش الإسلامي الموجود في بلاد الأندلس كان (12) ألف مقاتل بقيادة طارق بن زياد رحمه الله، واستشهد منه ثلاثة آلاف مقاتل في موقعة وادي برباط، ثم استشهد ثلاثة آلاف آخرون في الطريق من وادي برباط إلى طليطلة، فوصل طارق بن زياد إلى طليطلة بستة آلاف فقط من الرجال.

ثم عبر موسى بن نصير بثمانية عشر ألفاً من الرجال، وأصبح قوام الجيش الإسلامي كله في بلاد الأندلس (24) ألف مقاتل موزعين على كل مناطق الأندلس، والأندلس بلاد واسعة جداً، وتضم الآن أسبانيا والبرتغال، بل وفتح المسلمون بعض المناطق في جنوب فرنسا، فكان في كل مدينة من المدن حامية صغيرة جداً؟ فلماذا لم يثر أهل البلاد على المسلمين والطاقة الإسلامية في هذه البلاد قليلة، والجيش لا يقارن بعدد سكان المنطقة؟

الجواب: من العجب أن يثور أهل الأندلس، وليس من العجب ألا يثوروا.

كان أهل الأندلس قبل دخول الإسلام يعيشون في ذل عميق، وفي ضنك شديد، تنهب أموالهم فلا يتكلمون، وتنتهك أعراضهم فلا يعترضون، يتنعم حكامهم بالقصور والثروات، وهم لا يجدون ما يسد الرمق، يباعون ويشترون مع الأرض التي زرعوها بكدهم، وأكل غيرهم ثمارها.

أيثور شعب الأندلس من أجل هذا الذي أذاقه العذاب ألواناً؟

أيثور من أجل ظهور لذريق جديد أو غيطشة جديد أو ألفونسو جديد؟

إذا كان من فطرة الناس الطبيعية أنهم يحبون أوطانهم؛ لما فيها من ذكريات جميلة منذ الطفولة حتى الممات، لكن في بلاد الأندلس كانت الذكريات مليئة بالجوع والعطش والسياط والتعذيب والظلم والفساد والرشوة والجبروت والكبر والسرقة والنهب.. وما إلى ذلك من الأمور التي تكره الناس في حياتهم وأوطانهم.

ثم إن البديل المطروح البديل هو الإسلام الذي دخل على أيدي هؤلاء الفاتحين، عندما تجد رجلاً يقول لك: تعال أعطك بدلاً من الظلم عدلاً ليس هبة مني، ولكنه حق مكتسب لك ولقومك ولأهلك ولأولادك ولذريتك من بعدك، لا فرق فيه بين حاكم ومحكوم إن حدثت لك أو عليك مظلمة، والقاضي لا يفرق بين مسلم ويهودي ونصراني في الحكم، فالدين لا يرفع من قيمة الأشخاص بقدر أموالهم، ولكن يرفع بقدر أعمالهم، والأعمال مفتوحة للجميع، للغني والفقير والحاكم والمحكوم، والحاكم في الإسلام لا يفرض الضرائب على الناس وإنما الزكاة إن كانوا من المسلمين، ومقدارها ربع العشر، أي: (2.5%) في العام إن حال الحول على المال، ووجد نصاب الزكاة، والفقير المعدم لا يدفع شيئاً، بل يأخذ من بيت مال المسلمين، كيف يكون شعورك وأنت فقير معدم تدفع عشرين أو ثلاثين أو أربعين في المائة من مالك لحاكمك أو السلطان المتولي عليك، ثم تجد من يقول لك: ليس عليك أن تدفع من مالك للحاكم، بل هو لك ولأهلك ولعشيرتك إلى أن تغتني، ويكتمل الحول على مالك وكنت غنياً فتدفع الزكاة، أما إن كنت غير ذلك فستأخذ المال من بيت مال المسلمين.

فالإسلام كان خلاصاً للشعوب، والناس في بلاد الأندلس لما رأوا هذا الإسلام تمسكوا به واعتنقوه اعتناقاً، ولم يرضوا عنه بديلاً، فكيف يحارب هؤلاء الناس من أجل من أذاقهم هذا العذاب السابق، ويضحون بهذا النعيم المقيم في الدنيا وفي الآخرة؟

السؤال: هل من المعقول أن أهل الأندلس جميعاً قد أعجبوا بهذا الدين ودخلوا في الإسلام راغبين، ولم يوجد فيهم رجل واحد يثور ويعترض ويحب ما كان له من السلطان والمصلحة؟

الجواب: نعم، كان هناك كثير من الرجال أصحاب المصالح، الذين كان لهم كثير من الأعوان، يريدون أن يثوروا على حكم الإسلام، ويحققوا المصالح السابقة التي كانت لهم، وإنما لم يثر هؤلاء القوم؛ لأن رب العالمين سبحانه وتعالى يقول: لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ [الحشر:13]، فالمجاهد المؤمن في الفتوحات الإسلامية كانت له رهبة في قلوب النصارى واليهود والمشركين بصفة عامة، والمؤمن يلقي الله عليه جلالاً، فيخافه القريب والبعيد، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (نصرت بالرعب مسيرة شهر).

ويقول سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ [الحشر:2]، هذا الرعب لم يكن متولداً عن بشاعة الحرب، ولا عن إجرام منقطع النظير، ولكن هو هبة ربانية لجنده ولأوليائه ولحزبه سبحانه وتعالى، بل على العكس من ذلك تماماً، كانت حرب الإسلام رحمة للناس، ففي صحيح مسلم عن بريدة رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما كان يودع الجيوش كان يقول: (اغزوا باسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلوا -أي: تأخذوا من الغنيمة قبل قسمتها- ولا تغدروا -أي: في عهد مع المشركين- ولا تمثلوا -أي: ولا تمثلوا بجثة بعد أن تقتل- ولا تقتلوا وليداً) وفي رواية: (ولا تقتلوا شيخاً فانياً، ولا طفلاً صغيراً، ولا امرأة).

أين هذا من حروب غير المسلمين مع المسلمين؟

أين هذا من قتل مائتي ألف رجل من المدنيين في البوسنة والهرسك وفي كوسوفو؟

أين هذا من فعل الروس في الشيشان، والهنود في كشمير، واليهود في فلسطين؟!

إذاً: كانت حروب المسلمين رحمة للناس، ولكن الله سبحانه وتعالى ألقى على أعدائهم رهبة ورعباً من المسلمين، لا لبشاعة في الحرب، ولكن لجلال ألقي على المسلمين، لذلك اعتنق الناس الإسلام اعتناقاً، حتى من لم يدخل في دين الإسلام من اليهود والنصارى، فقد سعدوا في ظل الإسلام سعادة وأي سعادة، قال تعالى: لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الممتحنة:8]، فقد تركت لهم كنائسهم، وكان لهم قضاء خاص بهم، ولم يفرق بين مسلم ونصراني أو يهودي في مظلمة.

والعجب كل العجب أن يرفض هؤلاء الناس الإسلام وحكم الإسلام، وقد جاء من عند حكيم خبير، فهو سبحانه وتعالى يعلم ما يصلح عبيده وكونه وأرضه.

السؤال: كيف تعلق الجيش الإسلامي في موقعة بلاط الشهداء بالغنائم، وتحدث مشاكل عنصرية وقبلية فيه، مع أنهم من التابعين أو تابعي التابعين، وهم قريبو عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن صحابته الكرام رضي الله عنهم أجمعين؟

الجواب: قد حدث ذلك في غزوة أحد في السنة الثالثة للهجرة، وبلاط الشهداء كأنها أحد أخرى، يقول سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ [آل عمران:152]، هذه الآية نزلت في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في موقعة أحد، ألم يترك الرماة مواقعهم في موقعة أحد طلباً للغنيمة بعد أن أيقنوا بالنصر، ونزلوا وخالفوا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم طلباً للغنيمة؟ قال عنهم ربهم سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ [آل عمران:152]، حتى إن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه كان يقول: ما كنت أحسب أن منا من يريد الدنيا حتى نزلت الآية: مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ [آل عمران:152]. فهزم المسلمون بعد النصر، وهكذا أيضاً في بلاط الشهداء، فقد دخل المسلمون في أول يومين أو ثلاثة أيام من أيام المعركة وكان النصر حليفاً للمسلمين، ثم انقلبت المعركة لما التف النصارى حول غنائم المسلمين وأخذوها، فحدثت الانكسارة لجيش المسلمين ثم هزموا.

وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ [آل عمران:152]، يقول ابن كثير على هذه الآية: أي: لم يستأصلكم في هذه الموقعة، بل أعطاكم الفرصة للقيام من جديد، وهكذا أيضاً في بلاط الشهداء لم يستأصل الجيش الإسلامي، ولكنه عاد وانسحب ليقوم من جديد، فبلاط الشهداء كأنها أحد بل أكثر من ذلك، ففي غزوة بدر بعد أن انتصر المسلمون على الكفار اختلفوا على الغنائم، وهم الرعيل الأول والجيل المصاحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي سورة الأنفال بعد هذا النصر المجيد جاء تعظيم أمر الاختلاف على الغنائم، قال تعالى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ قُلِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ [الأنفال:1]، وهذا كلام شديد جداً على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن هكذا أمر النفس البشرية.

إذاً: هذه عيوب موجودة في الناس.

والدرس والعبرة من بلاط الشهداء ومن أحد وبدر تدارك الأمر بسرعة بعد المعركة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم تدارك الأمر بسرعة بعد غزوة أحد، وحمس المسلمين وذكرهم بالآخرة حتى واصلوا المسير خلف الكفار إلى حمراء الأسد، وهكذا أيضاً في بلاط الشهداء قام رجل من جديد يحمس المسلمين هو عقبة بن الحجاج رحمه الله، لكن هذا لم يكن في أرض بواتييه، إنما كان بعد العودة إلى أرض الأندلس، لذلك لم تحدث موقعة مثل موقعة حمراء الأسد مباشرة بعد بلاط الشهداء، والسبب في اختلاف موقعة بلاط الشهداء عن غزوة أحد أن غالب جيش المسلمين في بلاط الشهداء كانت الدنيا والغنائم في قلوبهم، ولذلك لم يعودوا مباشرة كما عادوا في أحد، أما في أحد فقد قال عنهم ربهم: مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ [آل عمران:152]، ولما أشيع في غزوة أحد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات، حدث الفرار والهزيمة والانكسار الكبير، وكذلك لما قتل عبد الرحمن الغافقي رحمه الله انسحب المسلمون من غزوة بلاط الشهداء.

لذلك الشبه كبير جداً، والتكرار في التاريخ أمر طبيعي جداً، والهزائم شديدة الشبه، وعلى المسلمين أن يتعظوا ويعتبروا.

أما ظهور العنصرية والقومية في ذلك الجيش، وفي ذلك الوقت المتقدم من الزمان، فإن العنصرية والقبلية قد ظهرت أيضاً في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولعلكم تذكرون الحادثة المشهورة بين أبي ذر رضي الله عنه وأرضاه وبين بلال لما قال أبو ذر لـبلال : يا ابن السوداء! فسبه بشيء في شكله ولونه، وغضب بلال رضي الله عنه وأرضاه، وذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشتكي، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم غضباً شديداً، وقال لـأبي ذر : (يا أبا ذر ! طف الصاع إنك امرؤ فيك جاهلية، لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأعجمي على عربي، ولا أسود على أحمر، ولا لأحمر على أسود إلا بالتقوى)، هكذا صلى الله عليه وسلم أخذ يذكره بالتقوى، فاستجاب أبو ذر رضي الله عنه وأرضاه لذلك، فوضع رأسه على التراب، وأصر على بلال رضي الله عنه وأرضاه أن يطأ وجهه بقدمه حتى يكفر عن خطاياه، لكن لم يفعل بلال رضي الله عنه وأرضاه، بل غفر لـأبي ذر ، فكان ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم انتصاراً كبيراً.

وأيضاً لما ثار الأوس والخزرج، فقال الأوسي: يا للأوس، وقال الخزرجي: يا للخزرج، وذلك بعد أن زرع بينهم شاس بن قيس زعيم اليهود الفتنة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم، دعوها فإنها منتنة).

إذاً: حدثت العنصرية في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم تدارك الأمر بسرعة فذكر الناس بربهم سبحانه وتعالى وذكرهم بالآخرة.

كذلك انظر إلى القبلية التي حدثت بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي فتنة بني حنيفة، واجتماع الناس حول مسيلمة الكذاب ، فسئل رجل من جند مسيلمة الكذاب: أتعلم أن محمداً صادق وأن مسيلمة كاذب؟ قال: والله إني لأعلم أن محمداً صادق، وأن مسيلمة كذاب، ولكن كاذب ربيعة أحب إلي من صادق مضر.

هكذا كانت القبلية تماماً في نظر هذا الرجل وأمثاله، ولو لامس الإيمان قلبه ما قال مثل هذا الكلام، لذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحفز الناس بالإيمان، ويذكرهم بالآخرة، قال تعالى: وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ [الذاريات:55].

وروى البيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه قال: قال صلى الله عليه وسلم: (إذا كان يوم القيامة أمر الله منادياً ينادي: ألا إني جعلت نسباً، وجعلتم نسباً، فجعلت أكرمكم أتقاكم، فأبيتم إلا أن تقولوا: فلان بن فلان، فاليوم أرفع نسبي وأضع أنسابكم).

ويقول سبحانه وتعالى: فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ * فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ [المؤمنون:101-103].

بعد موقعة بلاط الشهداء وانسحاب الجيش الإسلامي وعودته إلى الأندلس، قامت للمسلمين قائمة جديدة، فقد قام فيهم عقبة بن الحجاج السلولي رحمه الله، وتولى الولاية من سنة (116هـ) إلى سنة (123هـ)، وكان عقبة بن الحجاج السلولي رحمه الله آخر المجاهدين بحق في فترة عهد الولاة الأول، ولقد خير بين إمارة الشمال الإفريقي كله وبين إمارة الأندلس، فاختار إمارة الأندلس؛ لأنها الملاصقة لبلاد النصارى، فهي أرض جهاد، فاختار أرض الأندلس، وقاد المعارك في بلاد فرنسا في خلال سبع سنوات أكثر من سبع حملات، ثم كان ينزل إلى الأسرى بنفسه ويعلمهم الإسلام، حتى إنه أسلم على يديه ألفان من الأسرى بصورة مباشرة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم)، فكيف بألفين من الرجال الذين أسلموا على يد هذا المجاهد عقبة بن الحجاج السلولي رحمه الله؟!

ثم استشهد في سنة (123هـ)، وباستشهاده انتهت الفترة الأولى من عهد الولاة.


استمع المزيد من د. راغب السرجاني - عنوان الحلقة اسٌتمع
سلسلة الأندلس الإمارة الأموية 2719 استماع
سلسلة الأندلس عهد الفتح الإسلامي 2708 استماع
سلسلة الأندلس دولة المرابطين 2702 استماع
سلسلة الأندلس سقوط الأندلس 2663 استماع
سلسلة الأندلس عهد الولاة 2643 استماع
سلسلة الأندلس دولة الموحدين 2594 استماع
سلسلة الأندلس عهد ملوك الطوائف 2263 استماع
سلسلة الأندلس بين المرابطين والموحدين 2125 استماع
سلسلة الأندلس الطريق إلى الأندلس 2073 استماع
سلسلة الأندلس الخلافة الأموية 2057 استماع