هل التسلية والترفيه وسيلة لتضليل العقول - أحمد البراء الأميري
مدة
قراءة المادة :
7 دقائق
.
هذا المقال امتداد للمقال الماضي (فن الكذب )، وهو يعتمد على الكتاب نفسه، ومحوره: التسلية والترفيه، ولكني أود أن أشير -قبل الشروع في المقال- إلى أن (الدعاية) قد تكون أكثرُ (تضليلًا) للناس من التسلية والتركية؛ لأنها قائمةٌ في معظمها على فنّ الكذب لترويج السلعة.يقول روبرت كريهون في مقدمة كتابه: (علم التغذية الميسّر) وأنا هنا أترجم من اللغة الإنجليزية: "في عام 1992م أنفق المعهد الوطني للسرطان 400 ألف دولار لتشجيع الناس على أكل الخضار الطّازجة، وفي السنة نفسها أنفقت شركة (كيلوج) 49 مليون دولار لإقناع الأطفال بأكل منتجاتها المحتوية على السكّر!"، فتأمّلوا!!.
الفصل الرابع من كتاب شيلر عنوانه (الترفيه والتسلية): تعزيزٌ للوضع الراهن.
ويتناول فيه ثلاثَ مؤسسات ثقافية إعلامية مُهمة نموذجيةٍ، تقدِّمُ نفسّها بوصفها (لا أيدولوجية) بالمرّة؛ أي أنها لا تحمل قَيِمًا مُعينّة، وأفكارًا ومبادئَ تريدُ نشرها.
وهي:
[1]- مجلة دليل التلفاز.
[2]- والمجلة القومية للجغرافيا (ناشونال جيوغرافيك).
[3]- وشركة والت ديزني المتحدة للإنتاج الفني، صاحبة التشكيلة المنوعة من منتجات ديزني.
وسأقصر حديثي على شركة والت ديزني، لأنها الأشهر بالنسبة لقراء العربية، وأنا لست أكثر من قارئٍ ينتقي لقارئ كي يقدح زناد فكره، ولست واعيًا إلى تصديق ما أنقله في أمثال هذا المقال.
لكنني أدعو القارئ العربي إلى قراءة أمثال هذه الكتب بفكر ناقد، وبصيرة نافذة، ليعلم إلى أين يسير، أو إلى أين يُسار به: {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الملك:22]؟!.
يقول هربرت شيلر -وأنقل بشيء من التصرف-: "في الولايات المتحدة، حيث تتيح الإنتاجية المتزايدة لقوة العمل المزيدَ والمزيدَ من وقت الفراغ، تصبح التسلية والترفيه صناعةً عالية النمو، لها أثرها الثقافيُّ الهائل، رغم عدم الاعتراف بذلك! إن الفكرة القائلة بأنّ الترفيه والتسلية مستقلان عن (القيم الأخلاقية والاجتماعية وسواها)، ولا ينطويان على وجهة نظر، وبالتالي فهما خارجَ العملية الاجتماعية هي أسطورة كبيرة.
إن أجهزة تشكيل الوعي تستخدم كافة الوسائل: الكتب الهزلية، والرسوم المتحركة، والأفلام السينمائية، والإذاعة، والتلفاز، والأحداث الرياضية، والصحف، والمجلات.
وتضخّ وسائل الإعلام والاتصال ألوانًا مختلفةً من التسلية والترفيه المحمَّل بالقيِم، مُنكرةً طول الوقت وجودَ أيّ تأثير، ما عدا الهروبَ المؤقتَ من الواقع، وتحقيقَ حالةٍ من الاسترخاء والمتعة.
بل إن الفكرة القائلة: "إن الترفيه لا ينطوي على أيّ سمةٍ تعليمية" ينبغي أن يُنظر إليها بوصفها إحدى أكبر الخدع في التاريخ!!".
يقول مؤرخ التلفزيون الأمريكي إريك بارنو: "إن مفهوم الترفيه في تصوري هو مفهوم شديد الخطورة، إذ تتمثل الفكرة الأساسية للترفيه في أنه لا يتصل من بعيد أو قريب بالقضايا الجادّة للعالم، إنما هو مَلءُ ساعةٍ من الفراغ.
والحقيقة انّ هناك أيديولوجيةً مُضمرةً بالفعل في كلّ أنواع القصص الخيالية، لعنصر الخيال يفوق في الأهمية العنصرَ الواقعي في تشكيل آراءِ الناس".
نأتي للحديث عن والت ديزني، كتب ريتشارد سكيكل كاتب القصص البطولية لديزني يقول: "في عام 1966م قُدّر عدد مشاهدي أفلام ديزني في مختلِفَ أنحاء العالم بحوالي 240 مليون شخص، كما شاهد 100 مليون إنسان عرضًا من عروض ديزني كل أسبوع، وقرأ 800 مليون إنسان كتابًا أو مجلة لديزني، واستمع 50 مليونًا إلى موسيقى وتسجيلات ديزني ورقصوا عليها، كذلك اشترى 80 مليون إنسان بضائع مجازة من ديزني، وقرأ 150 مليون شخص مسلسلة كوميدية لديزني، وشاهد 80 مليون فرد أفلام ديزني التعليمية في المدارس والكنائس وأماكن العمل...".
والواقع أن والت ديزني ليس مجرد ظاهرة أهلية محلية في حق التسلية، فمنذ بداية الثلاثينيات ظهرت كتب ديزني فيما لا يقل عن 27 لغة عالمية، وجرى توزيعها في كل أنحاء العالم.
ويتساءل شيلر: "ما هي الرسائل التي توجَّه عبر عشرات الأفلام الطويلة، والمسلسلات التلفزيونية، وآلاف الكتب القصصّية، والهزلية والوسائل التعليمية، وحدائق الملاهي ذاتها".
ويجيب: "إن أفضل طريقة لفهم هذه الرسائل هي أن تتبنى أسلوبًا يقوم على التحليل النفسي لإنتاج شركة ديزني..
وبهذه الطريقة ندرك أن الرسالة هي العامل المسيطر، بينما تبدو الوسائل الإعلامية التي تحملها ثانوية"!.
لقد وَصَفَ ماكس رافيرتي المراقُب السابقُ للتعليم العام في كاليفورنيا وهو رجل محافظ وَصَفَ والت ديزني بأنه "المعلم الأعظم في هذا القرن"!! فما هو نوع التعليم الذي قدّمه؟.
حَلَّلَ باحثان شابان كانا يعملان في شيلي قبل الانقلاب (وهما: أريل ورفمان، وأرماند ما يتلارت) كتبَ ديزني الهزلية وتوصلا إلى بعض الاكتشافات المثيرة للاهتمام؛ إذا اكتشفا العنصرية، والامبريالية، والجشع والعجرفة متخلّلةَ الهزليات التي يجري توزيعها على نطاق جماهيري في أنحاء أمريكا اللاتينية.
فأكثر من ثلاثة أرباع القصص التي قرأوها تصور رحلةً تستهدف البحث عن الذهب، وفي الربع الباقي تتنافس الشخصياتُ على المال وعلى الشهرة.
وفي نصف القصص تقع الأحداث في أماكن أجنبيةٍ حيث يعيش أقوامٌ بدائية، أفرادُها جميعًا من غير البيض..
إن والت ديزني يستخدم البراءة لتغطية النسيج المتشابك من المصالح الذي يؤلّف نظامًا حتميًا من الوجهة الاجتماعية والتاريخية متجسّدًا في الواقع الملموس، وهو إمبريالية أمريكا الشمالية! فلا ريب -عند شيلر- أن ديزني يمثل جزءًا ناجحًا للغاية من النظام التجاري الصناعي الأمريكي.
والأكثر أهمية أن منتجات ديزني تؤثر في العقل، وفي الانطباعات الذهنية التي تعتمل فيه!.
وبعد؛ فلا أدري إلى أي درجة من الصحّة والصواب بلغ مؤلفُ الكتاب، لكني أدري أنّ قراءة أمثال هذه الكتب تكوّن لدى القارئ (ملكة) تُعينه في الحكم على ما يدور حوله حتى وإن كانت التفاصيل محلَّ نظر واختلاف.
والله تعالى أعلم.