أرشيف المقالات

مختصر أحكام الاعتكاف

مدة قراءة المادة : 21 دقائق .
مُختصر أحكام الاعتكاف

تعريف الاعتكاف لُغة واصطلاحًا:
● الاعتكاف لُغة: مأخوذ من عكف على الشيء؛ أي لزمه وداوم عليه، سواء كان خيرًا أو شرًّا، وفي اصطلاح الشرع هو: لُزوم المسجد والإقامة فيه بنية التقرب إلى الله عز وجل بالعبادة من شخص مخصوص على صفة مخصوصة.
 
مشروعية الاعتكاف:
● الاعتكاف مشروع بالكتاب والسنة والإجماع.
 
الحِكمة من الاعتكاف:
● المقصود من الاعتكاف: هو عُكوف القلب على الله والخلوة به، والانقطاع عن الاشتغال بالخلق، والاشتغال به وحده سُبحانه، بحيث يصير ذِكره وحُبه والإقبال عليه في القلب، ويصير كل همه تحصيل ما يرضيه وما يُقرِّب منه، ويصير أُنسه بالله بدلًا عن أُنسه بالخلق.
ومن مقاصد الاعتكاف أيضًا تحصيل ليلة القدر والتفرغ في ليلتها للطاعات.
 
صفة اعتكاف النبي صلى الله عليه وسلم:
● كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بخِباء على مثل هيئة الخَيمة، فيُضرب له في المسجد فيمكث فيه، يخلو فيه عن الناس ويُقبل على ربه تبارك وتعالى، حتى تتم له الخلوة الحقيقية.
 
الاعتكاف ينقسم إلى قسمين:
1- اعتكاف مُستحب: وهو ما تطوَّع به المُسلم تقربًا إلى الله عز وجل، وطلبًا لثوابه، واقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم.
وهو مشروع في كل وقت، لكنه في شهر رمضان أفضل، وآكده في العشر الأواخر منه؛ لأن ذلك كان دأب النبي صلى الله عليه وسلم في اعتكافه؛ حيث كان يعتكف في العشر الأواخر من رمضان، كما ورد ذلك في الأحاديث عنه صلى الله عليه وسلم.
 
2- اعتكاف واجب: وهو ما أوجبه المُسلم على نفسه بالنذر المُطلق، كأن يقول: لله علي أن أعتكف يومًا، فيجب عليه الوفاء به.
 
أو يُوجبه على نفسه بالنذر المقيد؛ كأن يقول: لله علي إن شفاني الله أن أعتكف أسبوعًا مثلًا، فيجب عليه الوفاء به.
 
حُكم الاعتكاف:
أولًا: حُكمه للرجال:
● حُكم الاعتكاف للرجال سُنة مُستحبة، وقد حُكي ذلك إجماعًا، إلا ما أوجبه المرء على نفسه بالنذر.
 
ثانيًا: حُكمه للمرأة:
● القول الراجح أن الاعتكاف يُسن للمرأة كالرجل لعُموم الأدلة في مشروعية الاعتكاف، ولأن الأصل أن ما ثبت في حق الرجل يثبت في حق المرأة، إلا ما خُص بدليل، ولثبوت اعتكاف زوجات النبي صلى الله عليه وسلم في حياته وبعد مماته.
 
مسائل خاصة باعتكاف المرأة:
أولًا: يجوز اعتكاف المرأة، ولكن إذا كان اعتكافها تطوعًا يُشترط لذلك شُروط، وهي:
1- أن يكون اعتكافها في مكان خاص بالنساء لا يطَّلع عليه الرجال، أما إذا حصل اختلاط فيحرُم.
 
2- أن تأمَن على نفسها الفتنة، فإن خشيت على نفسها الفتنة، لكون المكان غير آمنٍ أو مُنعزلًا، أو ليس للمسجد قيِّمٌ أمين، حَرُمَ عليها الاعتكاف.
 
3- ألا يكون في اعتكافها فتنة؛ أي: لا يترتب على اعتكافها فتنة للرجال.
 
4- ألا يكون في اعتكافها تضييعًا لحق والد أو رعاية ولد، أو برٍّ ونحوه، فإن أدى اعتكافها إلى ذلك حَرُمَ.
 
5- أن يكون ذلك بإذن الزوج، فإن اعتكفت بغير إذنه، كانت عاصية لتفويت حقه في الخِدمة والاستمتاع، وله إخراجها من المسجد؛ أي: له الحق في أن يمنعها وأن يأمرها أن تلزم البيت إذا كان عندها أطفال، أو هو مُحتاج إليها، أو يخاف الفتنة إذا غابت عنه، أو نحو ذلك، وعلى المرأة أن تعلم أنها لو أرادت الاعتكاف ومنعها زوجها أنه يُكتب لها الأجر كاملًا؛ لأنه حبسها العُذر الشرعي.
 
● قل أن تتحقق هذه الشروط للمرأة مما يجعل حُصول الاعتكاف فيه صُعوبة وحرجٌ، فعلى المرأة المُسلمة المُستقيمة على الطاعة الاقتصار في هذا الزمن على التعبد والخَلوة في البيت؛ لأنه أحوط لدينها، وأسترُ لعورتها، وأبعد لها عن الشبهات، وقد يكون في ذلك خُشوع وتدبر واجتهاد وإخلاص، فيُفضَّل على غيره.
 
ثانيًا: إذا كان الاعتكاف واجبًا على المرأة كأن يكون نذرًا، فإنه لا يجب استئذان الزوج وتعتكف بدون إذنه، كما هو الأصل المُقرر في التفريق بين الواجبات وغير الواجبات في مسائل الإذن.
 
ثالثًا: القول الراجح أن المرأة لا يُشرع اعتكافها في بيتها؛ لأن الاعتكاف لا يُشرع إلا في المسجد، ولا يصح في البيوت؛ لأن هذه العبادة من خصائص المسجد، ولو كان الاعتكاف للمرأة جائزًا في البيت لأَذِنَ لها الشرع أن تعتكف في بيتها، كما رغَّبها في صلاتها في بيتها؛ لأنه أستر وأصون للمرأة، وأبعد عن الفتنة، ولكن لم ينقل ذلك، فدل على عدم مشروعيته في مسجد بيتها.
 
وقت الاعتكاف:
● القول الراجح أن الاعتكاف سُنة مُؤكدة في العشر الأواخر من رمضان؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم داوم عليه إلى وفاته.
 
ولم يُنقل عنه صلى الله عليه وسلم أنه اعتكف في غير رمضان إلا قضاءً عندما ترك الاعتكاف في رمضان، فاعتكف قضاءً في شوال، ولم يرد عنه صلى الله عليه وسلم لفظ عام أو مُطلق في مشروعية الاعتكاف في غير رمضان، ولو كان مشروعًا في كل وقت، لكان مشهورًا مستفيضًا لقوة الداعي لفعله، وتوافر الحاجة إلى نقله، وكذلك لم يُعلم أن أحدًا من أصحابه اعتكفوا في غير رمضان إلا قضاء.
 
وعليه فلا يُطلب من المُسلم أن يعتكف في أي وقت شاء، بل نقول خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، ولو كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم أن في الاعتكاف في غير رمضان، بل وفي غير العشر الأواخر منه سُنة وأجرًا لبينه للأُمة حتى تعمل به، وعلى هذا فإنه لا يُسن الاعتكاف؛ أي: لا يُطلب من المُسلم أن يعتكف إلا في العشر الأواخر فقط، ولو اعتكف في غير العشر الأواخر من رمضان، فلا حرج على الراجح.
 
زمن الاعتكاف:
● القول الراجح أن زمن الاعتكاف لا حد لأقله وأكثره؛ لأنه لم يرد فيه دليلٌ على التحديد لا بيوم ولا بيومين، ولا أكثر من ذلك، إلا أن الأفضل ألا يقل الاعتكاف عن يوم أو ليلة، وأما اقتصار النبي صلى الله عليه وسلم على اعتكاف العشر الأواخر من رمضان، فلا يدل على التخصيص، وإنما يدل ذلك على سببٍ آخر، وهو طلب ليلة القدر؛ إذ هي في تلك الليالي، ولهذا اعتكف صلى الله عليه وسلم العشر الأولى من رمضان يريد ليلة القدر، ثم اعتكف العشر الأوسط، فأُخبر أنها في العشر الأواخر، فداوم على اعتكافه فيها حتى لحق بربه عز وجل طلبًا لها، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه اعتكف في العام الذي قُبض فيه عشرين يومًا.
 
قيل: إن الحِكمة من اعتكافه صلى الله عليه وسلم عشرون يومًا في آخر عام بحياته أنه صلى الله عليه وسلم علم بانقضاء أجله في العام الحادي عشر من الهجرة، فأراد أن يستكثر من أعمال الخير؛ ليُبين لأُمته الاجتهاد في العمل إذا بلغوا أقصى العمل؛ ليلقوا الله على خير أحوالهم، وقيل: السبب فيه أن جبريل كان يُعارضه بالقرآن في كل رمضان مرة، فلما كان العام الذي قُبض فيه عارضه به مرتين، فلذلك اعتكف قدر ما كان يعتكف مرتين.
 
وقت دُخول المُعتكف:
● القول الراجح أن الوقت المُستحب لدُخول المُعتكف هو قبل غُروب شمس ليلة الحادي والعشرين؛ (أي قبل غُروب الشمس من الليلة التي يُريد أن يعتكف فيها، حتى يستقبل باعتكافه أول الليلة التي يريد أن يعتكف فيها)؛ لأن العشر الأواخر تبتدئ من غُروب الشمس يوم العشرين وبعد غُروبها تبدأ ليلة إحدى وعشرين.
 
وقت الخُروج من المُعتكف:
● القول الراجح أن زمن الخُروج من المُعتكف هو إذا انتهى شهر رمضان، وانتهاؤه يكون بغُروب الشمس ليلة العيد، فإذا غربت الشمس ليلة العيد انتهى وقت الاعتكاف كما أنه يدخل المُعتكف عند غُروب الشمس ليلة العشرين من رمضان، فإن العشر الأواخر تبتدئ بغُروب الشمس ليلة العشرين من رمضان، وتنتهي بغُروب الشمس ليلة العيد.
 
شُروط صحة الاعتكاف:
● يُشترط لصحة الاعتكاف شُروط وهي:
الشرط الأول: الإسلام: فلا يصح الاعتكاف من كافر أصلي أو مُرتد.
 
الشرط الثاني: العقل: فلا يصح الاعتكاف من مجنون ولا سكران ولا مُغمى عليه؛ لأن هؤلاء لا قصد لهم مُعتبر، ولأنهم ليسوا من أهل العبادة.
 
الشرط الثالث: التمييز: فغير المُميز لا يصح منه الاعتكاف لما تقدم في الشرط الثاني، والصبي المُميز: هو الذي يفهم الخِطاب، ويُحسن رد الجواب ومقاصد الكلام.
 
الشرط الرابع: النية: فلا يصح الاعتكاف إلا بالنية، فينوي الاعتكاف تقربًا لله تعالى في مُكثه، فلو أنه دخل المسجد ومكث فيه ليالي العشر، ولم يستحضر أنه مُعتكف ولم ينوِ الاعتكاف - فإنه يُعتبر مُتقربًا لله تعالى، مُطيعًا مُمتثلًا، ولكنه ليس بمُعتكف؛ لأنه لم ينوِ الاعتكاف، فلا يصح الاعتكاف إلا بنية.
 
وينبغي أن تكون النية مُقارنة لابتداء المُكث عند دُخوله المسجد، فإن مكث للراحة أو العادة أو العُذر، لم يصح لأن اللبث في المسجد قد يُقصد به الاعتكاف، وقد يُقصد به غيره، فاحتيج إلى النية للتمييز بينهما.
 
وإن كان الاعتكاف واجبًا، فتجب نية الفرضية؛ لأن الاعتكاف منه ما هو واجب، ومنه ما هو مُستحب، فلا بد من نية تميز بين نوعي العبادة.
 
الشرط الخامس: المسجد:
● اتفق العُلماء على اشتراط المسجد لصحة الاعتكاف، ولكن بشرط أن يعتكف الرجل في مسجد جامع يجتمع فيه الناس؛ أي تقام فيه صلاة الجماعة على القول الراجح، والأفضل منه أن يكون مسجد تقام فيه صلاة الجُمعة والجماعة، حتى لا يضطر المُعتكف إلى الخُروج من مسجده لأجل صلاة الجُمعة.
 
أما المرأة فيصح اعتكافها في كل مسجد، سواء أُقيمت فيه صلاة الجماعة، أم لا لأن الجماعة لا تجب على المرأة في صلاتها، ولا يصح اعتكافها في مسجد بيتها، والمسجد يشمل كل موضع يدخل فيما وقف له، فيصح الاعتكاف فيما يدخل في سُور المسجد، فإن اعتكف خارج المسجد لم يصح.
 
أفضل المساجد للاعتكاف:
● أفضل المساجد للاعتكاف: هي المسجد الحرام، ثم المسجد النبوي، ثم المسجد الأقصى، لكونها أفضل المساجد، ثم بعد هذه المساجد الثلاثة يُستحب أن يكون الاعتكاف في المسجد الجامع الذي تُقام فيه الجُمعة والجماعة، ثم المسجد الجامع الذي تقام فيه صلاة الجماعة فقط، ثم يتحرى من المساجد ما لا يُخل برُكن الاعتكاف، وهو اللبث في المسجد حتى لا يحتاج إلى الخُروج، ثم يتحرى من المساجد ما يُحقق مقصود الاعتكاف وحِكمته، وهو الإقبال على الله والاشتغال بذِكره.
 
حُكم اعتكاف الحائض والنُفساء:
● القول الراجح أن الاعتكاف للمرأة الحائض والنفساء جائز بشرط أمن تلوث المسجد بالدم النازل من الحائض والنفساء؛ أي يجب عليها أن تتحفظ بشي يمنع نزول الدم صيانة للمسجد.
 
لأن القول الراجح أن اللبث في المسجد للمرأة الحائض والنفساء جائز؛ لأن الأصل في ذلك هو الحِل وبراءة الذِّمة، إلا أن يأتي دليل يدل على المنع، ولم يثبت دليل صحيح صريح يمنع الحائض أو النفساء من المُكث في المسجد؛ لأنه لم يصح في هذا الباب شيء، والأحوط في هذه المسألة هو عدم اعتكاف الحائض والنفساء.
 
حُكم اعتكاف المُستحاضة ونحوها ممن حدثه دائم:
● يصح اعتكاف المُستحاضة باتفاق العُلماء، ولكن يُشترط عدم تلوث المسجد بالدم النازل، ويلحق بالمُستحاضة من كان في معناها، كمن به سلس البول والمذي والودي، ومن به جُرح يسيل.
 
حُكم اشتراط الصوم في الاعتكاف:
● القول الراجح أن الصوم لا يُشترط لصحة الاعتكاف؛ لأنهما عِبادتان مُنفصلتان، فلا يُشترط للواحدة وجود الأُخرى، وعليه فلو كان الإنسان مريضًا مرضًا يُبيح له الفِطر، فأفطر وأحب أن يعتكف في العشر الأواخر من رمضان، فلا بأس.
 
أركان الاعتكاف:
● القول الراجح أن الركن في الاعتكاف هو اللبث في المسجد فقط؛ إذ هو جُزء العِبادة وماهيتها، وما عدا ذلك شُروط خارجة عن ماهية الاعتكاف.
 
حُكم خُروج المُعتكف من المسجد:
أولًا: حُكم الخُروج ببعض البدن:
● إذا أخرج المُعتكف بعض بدنه لم يبطل اعتكافه، ولا يترتب عليه شيء باتفاق العُلماء.
 
ثانيًا: حُكم الخُروج بجميع البدن بلا عذر:
● الخُروج بجميع البدن بلا عُذر يبطل الاعتكاف باتفاق العُلماء لمُنافاته لركن الاعتكاف.
 
ثالثًا: حُكم الخُروج لأمر لا بد منه شرعًا أو طبعًا.
● يجوز للمُعتكف الخُروج لأمر لا بد لـه منه مثل الخُروج لقضاء الحاجة؛ لأن الإنسان يحتاج إليه لا محالة، ولا يبطل اعتكافه بذلك إجماعًا، ولكن بشرط ألا يُمكنه فعل ذلك في المسجد، ولكن إن طال مُكثه بعد حاجته فسد اعتكافه.
 
● إذا لم يُمكن للمُعتكف أن يتطهر الطهارة الواجبة في المسجد، فله الخُروج لذلك، وهذا لا يُبطل الاعتكاف باتفاق العُلماء، فإن أمكنه التطهر في المسجد، لزمه أن يتطهر بالمسجد إذا كان يوجد داخل المسجد مكان مُعد للتطهر.
 
● القول الراجح أن المُعتكف إن احتاج إلى الخُروج للأكل لعدم من يأتيه به فله الخُروج، وإلا فليس له ذلك.
 
رابعًا: حُكم الخُروج لعُذر غير مُعتاد:
● القول الراجح أن الخُروج بسبب الخوف على نفسه أو حُرمته، أو ماله من عدو أو لص أو حريق، أو الخُروج لأداء، أو تحمل شهادة تعيَّنت عليه، لا يُبطل الاعتكاف، وكذلك الخُروج لمرض شديد يشق معه المُقام في المسجد ولكن إن كان يسيرًا لا يشق معه المقام في المسجد، فخُروجه مُبطل.
 
خامسًا: حُكم الخُروج لقُربة من القُرب:
● القول الراجح أن الخُروج لعيادة المريض وصلاة الجنازة، وحُضور مجلس العِلم، ونحو ذلك يجوز إذا اشترط ذلك قبل الشروع في الاعتكاف.
 
حُكم اشتراط الخُروج في الاعتكاف:
● القول الراجح أن اشتراط الخُروج في الاعتكاف يجوز قياسًا على الاشتراط في الحج، ولأن الاعتكاف لا يختص بقدر مُعين، فإذا اشترط الخُروج فكأنه نذر القدر الذي أقامه.
 
● القول الراجح أن الاشتراط العام في الاعتكاف يجوز كأن يقول: إذا عرض لي عارض أو شُغل أو مرض، أو عيادة مريض، أو صلاة جنازة، ونحو ذلك، خرجت سواء كان الاعتكاف واجبًا أو تطوعًا، فإذا كان الشرط يُنافي الاعتكاف - كالجِماع أو المُباشرة أو الفُرجة أو النزهة، أو البيع للتجارة أو التكسب بالصنعة في المسجد أو غيره - لم يجز.
 
● فائدة الاشتراط في الاعتكاف عدم بُطلانه بالخُروج لأجل الشرط.
 
مُبطلات الاعتكاف:
● يبطل الاعتكاف بالخُروج من غير عُذر شرعي ولغير الحاجة المُلحَّة، فلا يخرج من المسجد إلا لما لا بد منه حسًّا أو شرعًا.
 
ومثال الأول: أن يخرج للحصول على الأكل والشرب وقضاء الحاجة، إن تعذر هذا بدون الخُروج، ومثال الثاني: أن يخرج ليغتسل من جنابة أو ليتوضأ إذا تعذَّر فعله في المسجد، فهذا مما لابد منه شرعًا.
 
● من اعتكف في مسجد لا تُقام فيه الجُمعة، وجب عليه الخُروج لها؛ لأنها فرض ولا يفسد اعتكافه بالخُروج؛ لأنه خُروج لما لا بد له منه.
 
● يبطل الاعتكاف إذا جامع المُعتكف زوجته أو أمته بإجماع العُلماء، ولا يلزمه شيء من الكفارات لعدم وجود الدليل على ذلك، لكن إن كان الاعتكاف واجبًا بنذر، فإن كان مُعينًا كما لو نذر اعتكاف العشر الأواخر، ثم وطئ فيها فتجب عليه كفارة يمين لفوات الزمن المُعين مع القضاء، وإن كان مُتتابعًا غير مُعين كما لو نذر اعتكاف عشرة أيام مُتتابعة، ثم وطئ فيها خُيِّر بين كفارة اليمين مع البناء أو الاستئناف بلا كفارة.
 
● إذا باشر المُعتكف زوجته أو أمته، فإن كان لغير شهوة فلا يبطل اعتكافه باتفاق العُلماء، وإن كانت المُباشرة لشهوة حرم ذلك عليه باتفاق العُلماء، والقول الراجح أن اعتكافه لا يبطل إلا بالإنزال؛ لأنه لم يرد ما يدل على بُطلانه، وأيضًا للقياس على الصيام والحج، فكما لا يبطل الصيام والحج بمُجرد المُباشرة لشهوة، فكذا الاعتكاف.
 
● إذا احتلم المُعتكف في منامه فأنزل منيًا لم يفسد اعتكافه باتفاق العُلماء.
 
● القول الراجح أن المُعتكف إذا حَدَّث نفسه بأمر الجِماع، فأنزل منيًّا لم يفسد اعتكافه لعفو الشارع عن حديث النفس.
 
● القول الراجح أن المُعتكف إذا نظر إلى زوجته أو أَمَتِه بشهوة، فأنزل منيًّا لا يفسد اعتكافه إلا إذا كرَّر النظر وغلب على ظنه الإنزال بنظرة.
 
● القول الراجح أن المُعتكف إذا استمنَى فأَمْنَى، يَبطُل اعتكافُه، وقد تقدم بُطلانه بالمُباشرة مع أن الأصل فيها الحِل، فبُطلانه بالاستمناء من باب أولى.
 
● القول الراجح أن المُعتكفة إذا حاضت أو نفست لا يبطل اعتكافها.
 
● القول الراجح أن الاعتكاف يبطل بقطع النية مع العزم على الخُروج منه.
 
● يُشترط لبُطلان الاعتكاف أن يكون عالِمًا ذاكرًا مُختارًا، فإن كان جاهلًا أو ناسيًا أو مُكرهًا، لم يبطل اعتكافه؛ لأنه من باب التروك، وما كان من باب التروك يُعذر فيه بالجهل والنسيان والإكراه، بخلاف ما كان من باب الأوامر وأمكن تداركُه.
 
ما يجوز للمُعتكف:
● يُباح للمُعتكف فعل ما يلي:
1- الخُروج من المسجد للحاجة التي لابد منها؛ كالخُروج للأكل أو الشرب، أو قضاء الحاجة والوضوء والغُسل، ونحو ذلك إذا تعذر فعله في المسجد كما تقدم.
 
2- اشتغال المُعتكف بالأمور المُباحة من توصيل زائر والقيام معه إلى باب المسجد.
 
3- يجوز للمرأة أن تزور زوجَها في مُعتكفه، وله أن يخلو بها ويُقْلِبُها إلى بيتها.
 
4- يُباح للمُعتكف أن يزوره أهله وغيرهم ممن يريد زيارته، وأن يتحدثوا معه، لكن لا تنبغي الإطالة في الزيارة أو الإكثار منها، لما تقدم أنه ينبغي للمُعتكف أن يخلو بنفسه، وأن يُقْبِل على عبادة ربه.
 
5- يُباح للمُعتكف أن يعقد زواجه في المسجد، وأن يُشهد النكاح، ويُؤذن ويُقيم ويُهنئ ويُعزِّي، ويُصلح بين القوم كل ذلك في المسجد.
 
6- تنظيف بدنه من الشعث والوسخ، وترجيل الشعر وحلق الرأس، وتقليم الأظفار والاغتسال، ولُبس أحسن الثياب، والبخور والطيب.
 
7- يُباح للمُعتكف أن ينام في المسجد باتفاق العُلماء.
 
8- يجوز للمُعتكف الخُروج إذا احتيج لأداء الشهادة؛ لأن أداء الشهادة واجب، فمتى تعينت عليه وجب الخُروج لها، ويأثم بعدم الخُروج، ولا يبطل اعتكافه بذلك.
 
9- يُباح للمُعتكف الأكل والشرب في المسجد، مع مُراعاة الحرص على نظافة المسجد، والحذر من أسباب توسيخه من فضول الطعام أو غيرها.
 
10- يجوز للمُعتكف حُضور حِلق العلم في المسجد الذي يعتكف فيه، ويجوز له دراسته وتدريسه.
 
11- يجوز للمُعتكف اتخاذ خيمة في مُؤخرة المسجد يعتكف فيها، ويتأكد ذلك في حق المرأة، فإن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لما أردن الاعتكاف أُمرن بأبنيتهنَّ فضُربت في المسجد، ولأن المسجد يحضره الرجال، وخير لهم وللنساء ألا يرونهنَّ ولا يرينَّهم، فإن كان للنساء مكان مخصص في المسجد، فهو الأفضل.
 
ما يُسن للمُعتكف:
● يُسن للمعتكف فعل ما يلي:
1- يُسن له الاشتغال والاجتهاد بأنواع العبادة؛ كتلاوة القرآن والدعاء وكثرة الذكر، والاستغفار والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وصلاة النوافل والتهجد والوتر، والإحسان بالقول والفعل.
 
2- الاجتهاد ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان، وآكدها ليالي الوتر.
 
3- حفظ الوقت فيما ينفعه، والإعراض عن كل ما يُشغله عن ربه واجتناب ما لا يعنيه من قول أو فعل.
 
ما يُنهى عنه المُعتكف:
● يُنهى المُعتكف عن كل ما يُؤدي إلى إبطال الاعتكاف بلا عُذر أو يُخل بمقصوده وحِكمته، ويُكره له أن يشغل نفسه بما لا يُفيد من الأقوال والأفعال؛ مثل كثرة الكلام والخُلطة والنوم، وعدم اغتنام الوقت بالإقبال على الله، والاشتغال بطاعته؛ من صلاة وقراءة وذكر، ونحو ذلك.
 
أو أن يتخذ المَعْتَكف موضع عِشرة ومَجْلبة للزائرين، وأخذه بأطراف الأحاديث بينه وبين مُجالسيه، ويُكره للمُعتكف البيع والشراء إذا كان الغرض منه التجارة، أما إذا كان مما لا بد منه؛ كإطعام أولاده والنفقة عليهم، فلا بأس به.
 
قضاء الاعتكاف:
حُكم قضاء الاعتكاف المُستحب:
● القول الراجح أن قضاء الاعتكاف المُستحب إذا قطعه المُعتكف لعذرٍ أو لغير عذرٍ، يُستحب وليس بواجب؛ لأن النبي الله صلى الله عليه وسلم قضى اعتكافه في شهر شوال عندما قطعه.
 
حُكم قضاء الاعتكاف الواجب على الحي:
● إذا أفسد المُعتكف اعتكافه الواجب بمُبطل من مُبطلات الاعتكاف المُتقدمة، وجب عليه استئنافه بصفته لعدم براءة ذمته منه إلا إذا كان أيامًا لا يُشترط فيها التتابع فما مضى منها صحيح، ويقضي ما بقي، وإن كان أيامًا مُتتابعة، فيلزمه الاستئناف لإمكانه أن يأتي بالمنذور على صفته، وإن كانت أيامًا مُعينة، لزمته كفارة يمين لتفويت الزمن.
 
حُكم قضاء الاعتكاف الواجب على الميت:
● القول الراجح أن قضاء الاعتكاف الواجب على الميت مشروع قياسًا على الصيام، وإن لم يفعل فعليه كفارة يمين؛ لأن كفارة النذر كفارة يمين، كما ورد ذلك في الأحاديث الصحيحة.

شارك الخبر

روائع الشيخ عبدالكريم خضير