شرح الترمذي - باب ما يقول إذا خرج من الخلاء [12]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على رسوله الأمين، وعلى آله وصحابته أجمعين.

أما بعد:

فلا زلنا نتدارس ما يتعلق بالحديث الذي رواه الإمام الترمذي في سننه من طريق شيخه وسيد المسلمين وإمام المحدثين أبي عبد الله البخاري عليه وعلى جميع المسلمين رحمة رب العالمين، حيث ساق الحديث من طريقه إلى أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج من الخلاء قال: غفرانك)، قال أبو عيسى : هذا حديثٌ حسنٌ غريب، ولا نعرف في هذا الباب إلا حديث أمنا عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم.

ولا زلنا في المبحث الأول من مباحث هذا الحديث وهو فيما يتعلق بإسناده، وبعد أن انتهينا من دراسة رجال الإسناد وقفنا عند أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها، وتكلمت عليها بترجمةٍ مطولةٍ مختصرةٍ أيضاً، ولعلنا في هذا اليوم أن ننتهي من الكلام على ترجمتها الطيبة المباركة، وننتقل غداً إلى فقه الحديث وما يتعلق بمباحث الحديث إن شاء الله.

إخوتي الكرام! قدمنا لكم أن ترجمة أمنا عائشة رضي الله عنها ستدور في مدارستنا على ستة أمور:

أولها: فيما يتعلق بفضلها وأفضليتها.

وثانيها: فيما يتعلق بحب النبي صلى الله عليه وسلم لها.

وثالثها: فيما يتعلق بأسباب حب نبينا عليه الصلاة والسلام لأمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها.

والأمر الرابع: في زواج نبينا عليه الصلاة والسلام من أمنا الصديقة الحَصان رضي الله عنها وأرضاها.

والأمر الخامس: في قيامها بأمور الدين على وجه التمام من تعظيم الله، والشفقة على خلق الله.

والأمر السادس: وهو ختام الكلام على ترجمتها الطيبة العطرة المباركة، وكنا نتدارس حب الله لها، ودفاعه عنها، وغيرته عليها، وقلت: سأتكلم على حادثتين اثنتين في اختتام ذلك، وهاتان الحادثتان السبب الأول فيهما ضياع عقد أمنا عائشة رضي الله عنها المبارك، فهي مباركةٌ وما يتصل بها مبارك، وقد وسع الله على الأمة بسبب عقدها توسعةً عظيمةً طيبةً مباركة، فجزاها الله عنا خير الجزاء.

أما التوسعة الأولى فليست خاصةً بها، بل توسعة لها ولغيرها إلى يوم القيامة وذلك فيما يتعلق بنزول آية التيمم.

وأما الأمر الثاني الذي نزل أيضاً بسبب بركتها في فضل حب الله لها، ودفاعه عنها، وغيرته عليها، فذاك أن الله أنزل آياتٍ من القرآن تتلى إلى يوم القيامة، نتعبد بها ربنا جل وعلا، ونتلوها في صلاتنا في تبرئة أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها مما رميت به، وهي الطاهرة الطيبة المطهرة المطيبة الصديقة بنت الصديق حبيبة حبيبنا وحبيب ربنا رسولنا محمدٍ عليه صلوات الله وسلامه، فأنزل الله آياتٍ تتلى في براءتها، وهذه الآيات مع أنها تخصها أصالةً، لكن خيريتها عامة، إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ [النور:11].

وقد انتهينا في غالب ظني من دلالات الآيات الكريمات على منزلة أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها، ووعدت بختم الكلام بأمرين اثنين:

أولهما: بما حصل لسيدنا أبي بكر رضي الله عنه من المكانة العظيمة عند نزول هذه الآيات، وكيف كشفت عن معدنه وعن مكانته، وأنه هو خير هذه الأمة بعد نبيها على نبينا وآله وأصحابه صلوات الله وسلامه، والفضل حاصل له قبل نزول هذه الآيات.

والأمر الثاني: سأقرأ عليكم حديث الإفك الطويل الذي ورد في رمي أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها، وسأبدأ به؛ لأنه حديث طويل، وليتصل الكلام أيضاً بما جرى لأمنا عائشة رضي الله عنها، وأختم الكلام بعد ذلك بختام المسك في بيان منزلة صديق هذه الأمة رضي الله عنه، كما كشفت عن ذلك آيات القرآن الكريم.

أما حديث الإفك فرواه الإمام أحمد في المسند، وأخرجه الشيخان في الصحيحين، ورواه الإمام الترمذي والنسائي في السنن، وقد أخرجه الإمام عبد الرزاق في مصنفه، وعبد بن حميد في مسنده، ورواه أهل التفاسير الذين يروون الآثار بأسانيدهم في تفاسيرهم، كـالإمام ابن جرير الطبري ، وهكذا الإمام ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، ورواه الإمام ابن مردويه أيضاً، والحديث مخرجٌ في دواوين الإسلام وهو في أعلى درجات الصحة، فقد أخرجه الشيخان رحمهما الله وجميع علماء الإسلام.

رواية الزهري قصة الإفك عن أربعة من التابعين الكبار

ولفظ الحديث عن محمد بن شهاب الزهري إمام التابعين في زمنه، حدث عن أربعةٍ من التابعين أيضاً؛ لأن الإمام الزهري من التابعين الصغار.

والتابعي الكبير: هو الذي أدرك الصحابة وأكثر روايته عن الصحابة، وأما التابعي الصغير: فهو الذي أدرك الصحابة، لكن أكثر رواياته عن التابعين؛ لأنه ما أدرك إلا قلةً من الصحابة الطيبين رضوان الله عليهم أجمعين، وأدرك الصحابة بمعنى رآهم؛ لأنه لا بد من الرؤية، أما إذا أدرك زمانهم ولم تثبت له رؤيةٌ لصحابي فلا يكون تابعياً، كما أنه من أدرك زمن النبي عليه الصلاة والسلام ولم يره لا يقال له: صحابي.

لفظ الحديث: عن محمد بن شهاب الزهري ، عن عروة بن الزبير ، وسعيد بن المسيب ، وعلقمة بن وقاص الليثي ، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود . هؤلاء أربعة من التابعين الكبار يروي عنهم الزهري ، عليهم جميعاً رحمة الله، والزهري تابعي صغير في السن، وهو جليلٌ في القدر.

إذاً محمد بن شهاب يروي عن أربعةٍ من التابعين حديث عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عنها حين قال لها أهل الإفك ما قالوا، فبرأها الله مما قالوا.

قال الزهري : وكلهم حدثني طائفةً من حديثها، يعني: أنهم نقلوا هذا الحديث عن أمنا عائشة ، لكن لم ينقل أحدٌ منهم هذا الحديث بكامله، وبعضهم كان أوعى له من بعض، وأثبته له اختصاصاً، يعني: روايةً وذكراً وسرداً، وقد وعيت عن كل واحدٍ منهم الحديث الذي حدثني عن عائشة رضي الله عنها، وبعض حديثهم يصدق بعضه، ولا يقولن قائل: إذاً فيه جهالة؛ لأن الذي حدثه بجزئيات لن يعينه في هذا الباب، والجواب أن هذا لا يضر؛ لأن الخبر إذا تردد بين أئمة ثقات ولم تجزم أنت بواحدٍ ممن روى لك عين الخبر فلا يضر، فإذا قلت: هذا الحديث حدثني به البخاري أو مسلم فلا يضر، هو في أحد الصحيحين صحيح، وهنا حدثه بهذا الحديث أربعة من أئمة التابعين الكبار، لكن ما ذكر -يعني- كل جزئيةٍ رواها له بعض هؤلاء عن أمنا عائشة ، فجمع رواياتهم إلى بعضها، وبعض الجزئيات لم يروها له الأربعة، لذلك يقول: وبعضهم كان أوعى له من بعض وأحب ألا يغيب عن أذهانكم ما ذكرته سابقاً وقلت: سأشير إليه في أول حديث الإفك، أنه في غزوة المريسيع؛ غزوة بني المصطلق جرت حادثتان منكرتان:

إثارة المنافقين العصبية بين المهاجرين والأنصار

الحادثة الأولى قبل الإفك، ألا وهي: إرجاف المنافقين من إيقاع العداوة والبغضاء بين المؤمنين في الغزوة وهم في سفر، وعندما حصل لبعض الصحابة من المهاجرين والأنصار ما حصل نحو بعضهم استغل المنافقون هذا الموقف وأرادوا أن يوقعوا العداوة بين المسلمين، وأن يفرقوا صفوفهم، وهذا حصل في نفس الغزوة التي قذفت أمنا عائشة رضي الله عنها فيها بعد انتهائها ورجوع المسلمين إلى المدينة المنورة على منورها صلوات الله وسلامه.

وقد ثبت في الصحيحين وسنن الترمذي وغير ذلك عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم -يريد بذلك غزوة المريسيع بني المصطلق- يقول: وقد ثاب معه أناسٌ من المهاجرين حتى كثروا، يقول: فلما رجعنا بعد ذلك وكنا في إيابنا وطريقنا كان معنا رجلٌ من المهاجرين لعاب، وفي بعض الروايات: بلال، ولعاب يقصد به أنه ليس عنده الرزانة والكمال، وهو جهجاه ، وكان أجيراً عند عمر بن الخطاب رضي الله عنهم أجمعين، أي: غلامٌ صغير، لكن ينطبق عليه أنه من عداد المهاجرين عنده أحياناً ما عند الشباب من تصرفاتٍ غير موزونةٍ ولا مضبوطة، فاختصم مع بعض الأنصار فكسعه، والكسع هو الضرب باليد أو بالرجل على الدبر، وهذا عند العرب من أشنع أنواع الضرب، أن تضربه على دبره بيدك أو برجلك، ولا يتحملونه، وفي بعض بلاد العجم من البلاد الإسلامية عندهم التحية الضرب على الدبر، هذا رأيته بعيني يمسح دبره ويضربه عليه، فاستنكرته غاية الاستنكار وقلت: بعضكم ما يستحي أن يفعل بداية اللواط أمامنا، فقال: يا رجل! ماذا حصل؟ قلت: كيف يضربه على هذا المكان؟ فقال: هذا عندهم تحية إكرام، ما فيه شيء أبداً، يعني: الأمر المريب، أعوذ بالله من كلامه، أعوذ بالله من السفاهة التي يعيشها البشر في هذا الحين، وفي بعض البلاد العربية تحية ما بينهم التلاعن -وقد سمعت هذا مراراً- لما يحييه يقول له: كيف حالك؟ ثم يعطيه اللعنة، وذاك يقول له: بخير، ويعطيه اللعنة، كل واحدٌ يلعن الآخر هذا في حال الكلام، فكيف في حال الخصام؟! نسأل الله حسن الختام.

فهنا كسعه، ولما كسعه وضربه على دبره اشتد عليه ذلك، وقال: يا للأنصار! وهو سنان بن وبر الجهني ، وقيل: وبرة ، من الأنصار، وقال جهجاه البخاري وهو من المهاجرين! يا للمهاجرين! وجاء الشيطان -اسم جنس لشيطان الإنس والجن-؛ ليصد الفريقين على بعضهما في هذه الغزوة بعد قفول الجيش ورجوعه، فكادت أن تقع بين المهاجرين والأنصار فتنة، فلما سمع النبي عليه الصلاة والسلام بذلك قال: ما هذا؟ قالوا: كسع مهاجريٌ أنصارياً، فقالوا: يا للمهاجرين! يا للأنصار! فقال عليه الصلاة والسلام: (دعوها، فإنها خبيثة)، وفي روايةٍ للحديث كما في الصحيحين: (دعوها فإنها منتنة)، والخبيث: هو ما يكره رداءةً وخسةً ونذالةً وحقارة، أي: هذه دعوى الجاهلية خبيثة منتنة عفنة وسوء مكروه.

ثم قال عليه الصلاة والسلام: (انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً) إن كان أخوك ظالماً فانصره، بأن تنهاه عن الظلم، فإنه نصرٌ له، وإن كان مظلوماً فانصره، أي: قم معه، أما أن يتحزب كل واحدٍ إلى حزب أو وطنية أو قومية أو شعارات جاهلية فهذه خبيثة منتنة. قال عمر رضي الله عنه عندما استغل المنافقون هذا الموقف، وقال عبد الله بن أبي ابن سلول رئيس المنافقين: أو قد قالوها؟ يعني: قال المهاجرون هذا؟ يعني نحن أتينا بهم، ووسعنا لهم في بلادنا، وقاسمناهم أموالنا، ثم يقولون: يا للمهاجرين! والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، ويقصد بالعزيز نفسه الخبيثة، وبالذليل نبينا الكريم المكرم العزيز عليه صلوات الله وسلامه، فقال عمر لما سمع هذه المقالة: يا رسول الله -عليه الصلاة والسلام!- دعني أضرب عنق هذا الخبيث، هذا يريد أن يفرق بين المسلمين، ويستغل ما حصل من سوء تصرف من قبل جهجاه مع سنان بن وبرة ؛ ولأنه أيضاً يطعن فيك وسيخرج المسلمين ويفرق بينهم، ألا نقتل هذا الخبيث، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: (يا عمر ! لا يتحدث الناس أن محمداً عليه الصلاة والسلام يقتل أصحابه)، هذا الآن في عداد المسلمين في الظاهر، وقتله سيفتح علينا خرقاً وبلاءً، وأننا بدأنا نزجر بمن معنا ونقتلهم، فنترك إذاً قتله؛ درءاً لأعظم المفسدتين بارتكاب أيسرهما وأهونهما، وإذا اجتمعت المحاذير فادفع الكبير بالصغير، قتله مطلوب، وتركه محذور، لكن يترتب على قتله محذورٌ أكبر، فإذاً نتركه؛ لندفع ما هو أشنع من هذا المحظور، وهو القالة التي ستنتشر بين الناس أن محمداً عليه الصلاة والسلام يقتل أصحابه.

وقد ذهب المنافقون إلى هذا المنافق اللعين في تلك الموقعة وقالوا له: كنت ترجى وتدفع، فصرت لا تضر ولا تنفع، لم يبق لك وزن ولا اعتبار، فلما علم ولده عبد الله بن عبد الله بن أبي ابن سلول -كل منهم اسمه عبد الله- حمل السيف على أبيه وقال: لا تنقلب راجعاً، ولا تدخل المدينة حتى تقر أنك الذليل ورسول الله صلى الله عليه وسلم العزيز، ولو أمره النبي عليه الصلاة والسلام بضرب رقبة والده لأتى برأسه إلى النبي عليه الصلاة والسلام.

هذه الموقعة وهذا الضجيج جرى في حال قفول الجيش واستراحته، فلما حصل أمر النبي عليه الصلاة والسلام الجيش بمواصلة السفر والجد في السير؛ لئلا يستغل المنافقون فرصة الإشاعة والإرجاف وإيقاع الفتنة بينهم، وستأتينا الإشارة إلى هذا في حديث أمنا عائشة رضي الله عنها.

خروج عائشة في سفر النبي بعد القرعة

قالت: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج سفراً )، يعني: في سفر ( أقرع بين أزواجه )، مع أنه عليه وعليهن صلوات الله وسلامه لا يجب عليه القسم في حال الإقامة، ولا يجب القسم على غيره في حال السفر، يعني إذا أردت أن تذهب في سفر فلك أن تأخذ من شئت من الزوجات، ولا يجب عليك بعد ذلك أن تعوض المقيمة إذا رجعت، هذا في حالة السفر يسقط القسم فيها، فانتبه لعدل نبينا عليه صلوات الله وسلامه، يقول تعالى في حقه: تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكَ [الأحزاب:51]؛ لأنك لا تتصرف إلا على حسب ما يرضي الرب، فليس في فعلك ما يحصل في فعل غيرك، أنا قد أتصرف في حاجة نفسي وأحبها أكثر من هذه فأميل إليها، ولذلك نهانا الشرع وأمر بالقسم، وأما النبي عليه الصلاة والسلام فإنه إذا قدم واحدةً، فالتقديم لحظ الشرع لا لحظ نفسه؛ لأجل العصمة، وأما الذي يلبس الشيطان عليه فيقول: هذه أصلح وأتقى، وليس كذلك، وإنما يفعل لحاجةٍ في النفس.

ولذلك القسم عليه عليه الصلاة والسلام ليس واجباً في الإقامة، وكان يقسم في الإقامة وفي السفر، وتقدم معنا: (اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك) مال قلبه إلى أمنا عائشة وذاك بالإجماع مرفوعٌ عن المكلفين أجمعين؛ لأن القلوب بيد علام الغيوب، يضاف إلى هذا أن حب نبينا عليه الصلاة والسلام لأمنا عائشة كان بأمرٍ إلهي، لا باختيارٍ نفساني.

تقول: ( أقرع بين أزواجه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه ) هذا الآن على حسب تقدير الله، هو ليس له اختيار، حتى لا يقال كذا وكذا. القرعة: أن يُكتب، مثلاً: في تسع ورقات إذا كن تسعاً، أو في أربع إذا كنا أربعاً، وكل واحدةٍ تأخذ ورقة، فمن خرجت ورقتها فهي التي تخرج، هذا ليس فيه محاباه، وليس فيه ميل، وكل واحدة يطيب خاطرها تمام الطيب.

قالت: ( فأقرع بيننا في غزوةٍ غزاها، فخرج فيها سهمي رضي الله عنها وأرضاها، فخرجت معه بعدما أنزل الحجاب وأنا أحمل في هودجي ) الذي يوضع على ظهر البعير، صندوقٌ تكون فيه بمثابة بيتٍ يستر المرأة، ( وأنزل فيه، فسرنا حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوته تلك وقفل، ودنونا من المدينة آذن ليلة بالرحيل )، في رواية: أذَّن، والروايتين بمعنىً واحد، يعني: أعلم وأخبر بالرحيل، وهذا الإنذار والإخبار والإعلام سببه ما حصل من الخلاف، فأطفأه النبي عليه الصلاة والسلام وألف بين الصحابة الأبرار وقال: (دعوها، فإنها منتنة، إنها خبيثة، ثم قال: الرحيل الرحيل!)، نمشي ولا نبقى ليلتنا في ذلك المكان؛ لأن المنافقين اللئام سيستغلون هذه الفرصة، فلنواصل السير.

ترك عائشة للجيش وفقدانها لعقدها

قالت: ( فقمت حين آذنوا بالرحيل )، يعني هذا إعلامٌ مفاجئ، تجهزوا لنرحل، وهي في حاجة إلى قضاء الحاجة الطبيعية، قالت: ( فقمت حين آذنوا بالرحيل، فمشيت )، هي علمت بالرحيل، لكن تريد أن تقضي حاجتها، قالت: ( فمشيت حتى جاوزت الجيش )، امرأة تقضي حاجتها بعيداً عن الجيش، ( فلما قضيت من شأني أقبلت إلى رحلي )، جاءت مقبلة؛ لأجل أن تركب في الهودج رضي الله عنها وأرضاها؛ لتمشي مع الجيش، قالت: ( فلمست صدري فإذا عقد لي )، هذا كعقدها رضي الله عنها وأرضاها، ما هذه البركة التي فيها هي وعقدها الذي استعارته من أختها؟! من أجل هذا العقد آيات تتلى في تبرئتها بعد ذلك، وخيرات تحصل لها ولأبيها وهكذا من أجل مكانتها ومنزلتها ومنزلة زوجها عليه الصلاة والسلام، تأتي آيات وفيها -كما قال أئمتنا- وعيدٌ شديدٌ للقاذفين، وفيها عقابٌ بليغٌ للمتهمين، وفيها زجرٌ عنيفٌ للمؤمنين الذين خدعوا وتكلموا، وفيها استعظام القول وتشنيعه بطرقٍ مختلفة، قال أئمتنا: لم يرد وعيدٌ شديدٌ في القرآن كما ورد في قذف أمنا الحَصان، وما توعد الله عبدة الأوثان بمثل ما توعد به من قذف أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها؛ لمنزلتها في الإسلام، ولمكانتها من نبينا عليه الصلاة والسلام، وقارن بين وعيد الله للمشركين، ووعيده لمن قذف أمنا رضي الله عنها وأرضاها الطيبة المطيبة، ترى أن وعيد قذف أمنا عائشة أكبر من وعيد ممن كفر به وعبد غيره.

هذا هو العقد الذي حصل بسببه ما حصل، نزلت آيات في التيمم؛ توسعة لهذه الأمة إلى يوم القيامة؛ لمكانتها ومنزلتها ودفاع الله عنها، بحيث غار الله لها أكثر من غيرته على نفسه سبحانه وتعالى، فما توعد من أشرك به بمثل ما توعد من قذف زوجة نبيه عليه الصلاة والسلام، ذاك وعيده أقل، وأما وعيده فيمن قذفها فهو أكثر وأفظع وأشنع، ولذلك قال: لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ [النور:11]، ثم في تمام الآيات بعد ذلك يقول الله: وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ * إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ [النور:14-15].

والله لو وضعت هذه الآيات على الحجارة لفتتتها في الدفاع عن أمنا عائشة رضي الله عنها، والانتصار لها، وإعلام الله بحبها، فكيف سيكون حال من يقعون فيها في العصور المتأخرة أمام الله في الآخرة؟! كيف حال من يطعن فيها؟! ويخبر أنها في النار، وأن النبي عليه الصلاة والسلام انفصل عنها، وأن علياً طلقها من النبي عليه الصلاة والسلام بعد موته، وإذا أراد أن يذبح شاةً يسميها عائشة وينتف صوفها؛ كأنه يشفي كفره من هذه الشاة التي اسمها عائشة ، نعوذ بالله من هذا الضلال، وحقيقةً: إذا كان النواصب اشتطوا وآذوا من كان يسمى باسم علي فالروافض أشنع وأخبث؛ لأنهم اشتطوا أيضاً وآذوا من يكنى باسم عائشة رضي الله عنها وأرضاها، بل وضعوا على بعض الحيوانات اسم عائشة ثم جاءوا؛ ليشفوا غليلهم وحقدهم من هذه الشاة المسكينة.

قالت: ( فإذا عقدٌ لي من جزع أظفار ) أو ظفار كما تقدم معنا في ضبطها، وفي روايةٍ: ( من جذع ظفار -بلدة من بلاد اليمن المباركة- قد انقطع، فرجعت فالتمست عقدي )، وتقدم معنا في آية التيمم أن شراح الحديث قالوا: هذا شأن الحرص، وأنا أقول: في الحقيقة العبارة خشنة، هذا شأن الحرص فينا، لكن في أمنا عائشة رضي الله عنها أقول: هذا بركة العقد، قدر الله عليها أن يسقط عقدها في الحالتين؛ من أجل أن يوقع خيرات، ويغدق على هذه الأمة بركات بسبب هذا العقد في هذين الموطنين؛ لتعلموا منزلة صاحبة العقد، يقول: ( من جزع ظفار قد انقطع، فرجعت فالتمست عقدي، فحبسني ابتغاؤه )، يعني: قيدني طلب العقد عن الذهاب إلى الهودج والركوب فيه.

( وأقبل الرّهط الذين كانوا يرحلون لي )، أي: يحملون الهودج، ( فاحتملوا هودجي فرحلوه على بعيري الّذي كنت أركب، وهم يحسبون أنّي فيه )، ما انتبهوا لأمرين اثنين:

الأمر الأول: الفتنة العامة التي كادت أن تصدع صفوف المسلمين، فإذاً كل واحدٍ في ذاك الوقت عنده هم، وذهنه فيه شيء من عدم الوضوح من أجل السرعة.

الأمر الثاني: تخبر عن وضع النساء، وأنهن كن خفيفات في الوزن، فقد يحمل الرجال الأقوياء الهودج ولا يشعرون أنها ليست فيه؛ لما عندهم من الغم، ولما عند النساء من خفةٍ وقلةٍ في الوزن، فهي ذكرت الأمر الثاني، والأمر الأول ذكرته لكم، وهو السبب في الرحيل في ذلك الوقت من الليل، قالت: ( وهم يحسبون أني فيه، وكان النّساء إذ ذاك خفافًا لم يثقلهنّ )، ومنهم من قال -يعني من الأربعة الذين حدثوا الزهري رضي الله عنه-: لم يهبلن، إذاً لم يثقلن، لم يهبلن، وضبط لم يهبَلن، وضبط لم يهبُلن، وضبط لم يهبِلن، والمعنى واحد، أي: ليس عليهن لحمٌ كثير، وليس لهنّ وزنٌ كبير في الجسم؛ لا في القدر، النساء بالذات وليس هي فقط، هي تخبر عن حال النساء جميعاً، وذلك لقلة المطعومات في تلك الأوقات، والشدة التي كان يعانيها الصحابة الكرام في أول الهجرة رضي الله عنهم وأرضاهم، والحادثة كانت في العام الخامس من الهجرة، أي: بعد زواج نبينا عليه الصلاة والسلام بأمنا بثلاث سنين، فقد تزوجها في العام الثاني، يعني عمرها اثنتا عشرة سنة، لا زالت صغيرة والنساء يأكلن شيئاً قليلاً كما تقول: ( ولم يغشهن اللحم، وإنما يأكلن العلقة )، يعني: البلغة والشيء القليل الذي يقوم بالأود، وهو القوت الضروري دون توسع، ( إنما يأكلن العلقة من الطّعام، فلم يستنكر القوم حين رفعوه ثقل الهودج )، وقلنا: لديهم مشكلة تترك الحليم حيراناً، ومنهم من قال: خفة الهودج، يعني: لم يستنكروا خفة الهودج، ومنهم من قال من الأربعة التابعين الذين حدثوا الزهري بما رووه عن أمنا عائشة رضي الله عنهم أجمعين، قالت: ( فحملوه، وكنت جاريةً حديثة السن، وبعثوا الجمل وساروا )، وسار الجيش، ولم يخطر ببالها عندما كانت تلتمس عقدها أن النبي عليه الصلاة والسلام سيذهب.

العثور على العقد ومغادرة الجيش لمكانه

قالت: ( فوجدت عقدي بعدما استمر الجيش، فجئت منزلهم وليس فيه أحد )، ومنهم من قال من الأربعة رضي الله عنهم أجمعين: فجئت منازلهم وليس بها منهم داعٍ ولا مجيب، جزاك الله خيراً، وأعانك على تلك المصيبة، فتاةٌ حديثة السن في صحراء في ليلٍ دامس، ليس معها إلا الله الذي يحفظها من شر كل منكر، ولو بقي الرجل في ذاك الوقت بنفسه لتقطع؛ رعباً ولمات فزعاً، فانظر ماذا حصل لها من سكونها وإنزال السكينة عليها؛ نامت، الذي يخاف لا ينام، يتقطع قلبه ولا يستطيع أن يغمض عينيه، ولكن انظر إلى هذا السكون الذي عندها، تعلم أن الله لن يتخلى عن حرم نبيه عليه الصلاة والسلام، وأن النبي عليه الصلاة والسلام عما قريب سيتفقد أحوال الجيش ولن يرسل من يأتي بها، بل سيأتي بالجيش بكامله؛ إكراماً لها، كما حبسهم عند نزول آية التيمم، لا تقل: الأمر يسير، واستمع لحالها، فالنوم عند الفزع دائماً سكينةٌ من الله، إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ [الأنفال:11]، في موقعة بدر، الذي ينام في المعركة شجاع، والذي لا ينام حاله كما قال الله: وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ [الأحزاب:10]، في حق المنافقين، وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا [الأحزاب:10].

يخبرني بعض أفراد الجيش برتبة ضابط عن التي يسمونها حرب النكسة أيام العرب، لا أقول: مسلمين؛ لأنهم حرمهم الله من الانتساب إلى الإسلام، حتى ما يسمون أنفسهم بالإسلام، يقول الأخ عن حرب النكسة التي هي حرب سبع وستين، يقول لي: يا شيخ! والله الذي لا إله إلا هو! نحن في الملاجئ تحت الأرض، ولو نزلت القنابل لما أثرت فيها، لأنها ملاجئ محصنة، يقول لي: كثيرٌ من أفراد الجيش كان يتغوط في ملابسه، لا يبول فقط؛ من الخوف، هذا جيش يقاتل؟! انظر في موقعة بدر وما خرجوا لقتال، خرجوا لركب عير، لكن ليقضي الله أمراً كان مفعولاً فينامون؛ لأن الله سيدافع عنهم، وانظر إلى إنسان في صحراء بمفرده وينام.

في مرةٍ بعض الناس كان في سفر فسمع زئير أسد فرقي شجرة، فما استطاع أن ينام، جلس على الشجرة، وفي الصباح لم يجد في رأسه شعرة سوداء، صار كأنه ثلج كالثغامة؛ من فزعه ورعبه وخوفه، وما رآه، إنما سمع صوته فرقي الشجرة واختبأ، هل ينام هذا؟ هذا لو نام لسقط.

قالت: ( فأممت منزلي الذي كنت فيه، وظننت أنهم سيفقدونني فيرجعون إليّ، فبينا أنا جالسةٌ غلبتني عيني فنمت ) هنيئاً مريئاً، كأنك في قصور مشيدة، والحرس من الجهات الأربع، امرأة بنت اثنتي عشرة سنة تنام في صحراء وعراء، وبعض الناس يقول لي: أحياناً يا شيخ زوجتي تخاف، تخاف من أي شيء؟ أبواب وجدران وإغلاق من الداخل ومن الخارج، ومع ذلك تخاف! يقول لي: أحياناً لو ذَهَبت في الليل؛ لتقضي الحاجة إلى الحمام داخل البيت، ما تجرؤ أن تذهب بمفردها، لابد أن أكون معها في الحمام! هذا هلع الأمة الإسلامية وفزعها في هذا الزمن، أنا أتكلم عن واقع يذكر لي، يعلم الله لا أتكلم كما يقال: قصص مقروءة في كتاب، حتى يقال: ربما فيها خيال، هذا واقع، تقول: لا يمكن أن تذهب إلا وأنا معك.

تعريس صفوان ولقياه لأم المؤمنين رضي الله عنها

تقول: ( وكان صفوان بن المعطل السلمي ثمّ الذكواني عرس من وراء الجيش )، والتعريس: هو نزول المسافر في الليل ليستريح، وكانت عادة صفوان دائماً مثل المراقب للجيش، إذا الجيش سافر يجلس بعده ساعات يستريح ثم يمشي وراء الجيش ينظر من سقط منه متاع -ولا بد من أن يسقط من المسافر أمتعة- يحتملها معه فإذا وصل إلى المدينة وضعها في المسجد، فكل من له متاعٌ ضائع يأتي؛ ليأخذه ويبحث عنه فيما يحضره صفوان ، فأدلج، أي: وصل إلى مكاني قبيل الفجر، ( فأصبح عند منزلي، فرأى سواد إنسانٍ نائم، فأتاني فعرفني حين رآني، وكان يراني قبل الحجاب، فاستيقظت -وهي نائمة وصفوان على رأسها- باسترجاعه ) يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، زوجة نبينا عليه الصلاة والسلام، لا يتكلم إلا بهذا، يعني مصيبة تفتت الجبال، كيف بقيت هذه الطاهرة المطهرة؟! ما الذي حصل؟! إنا لله وإنا إليه راجعون، قالت: ( فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني، فخمّرت وجهي بجلبابي )، انتبه للطهر والحصَانة والعفة. اتصل لي بعض الإخوة ما أعلم بأي شيءٍ أعبر عنهم، لكن نسأل الله أن يحفظنا من السفاهة في هذه الأيام، فقال: يا شيخ! بلغنا أنك تكلمت عن غطاء الوجه، أوليس الوجه فيه خلاف؟ قلت: أنت الآن تسأل عن ماذا بالضبط؟ قال: هل فيه خلاف هل هو عورة أو لا؟ قلت: يا أخي! تسأل عن موضوع العورة أو موضوع الستر؟ قال: الستر، قلت: أرى أن كشف الوجه نوعٌ من الدياثة، إن كنت تسأل عن كشف الوجه، فهذا الجواب، التي تكشف عن وجهها ويسمح لها محرمها بذلك، وليس معه وجهه، هذا نوعٌ من الدياثة، ونوعٌ من إقرار الخبث والسوء والمنكر في الأهل في هذا الزمان الفاسد العفن، الذي لا يوجد فيه تقوى بين الصنفين إلا من رحم ربي، وموضوع العورة دعونا منه، ليس من ورائه كبير فائدة. كل من بحث في موضوع عورة الوجه ثم لم ينقل اتفاق الأئمة على ستره إذا خيف عليها أو على غيرها منه فتنة فهو خائن لأئمة المسلمين؛ لأنه لا ينقل ما قرروه عند مبحث الوجه، فليس البحث الآن هل هو عورة أو لا، فهذا لا بد من أن نعيه، وهنا انظر إلى هذه الأم الطاهرة المباركة بمجرد أن تعرف الرجل ماذا تفعل؟ تقول: خمرت وجهي.

يخبرني أحد الشيوخ الكبار فيقول: أيام فرنسا في بلاد الشام ما كان يوجد امرأة تكشف عن وجهها حتى نساء النصارى، ويلبسن حتى نساء النصارى ملحفة خراقة، ومن التي تستطيع أن تخرج سافرة، ولما حصل ما حصل، نسأل الله أن يفرج عن المسلمين أجمعين، إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين، والبلاد العربية ومعها البلاد الأعجمية التي تنتسب إلى الإسلام في أشنع صور الاستعمار لا في اسم الاستقلال، الاستقلال هذا اسم، لكن الحقيقة في استعمار العقول، والغزو الفكري للأمة أشنع من الاستعمار المادي، وأن يكون الكافر فوق صدورنا، إنه إذا اغتصبنا مالاً أهون من أن يغتصبنا حساً، هناك أثر المصيبة، وأما هنا فأصير تابعاً له أدافع عنه وأضرب رقبة من يريد أن يخرج عن هذا النظام الكافر الذي جثم على صدور الأمة باسم الاستقلال، أي استقلال؟! لا إله إلا الله! رأيت هذا في نساء البادية: القرى لما تعمل في المزرعة مع زوجها حتماً ستعمل كاشفة الوجه، والمزرعة ليس فيها إلا هي وأسرتها، ثم إن الإنسان في بيته مع أسرته، لكن بمجرد ما يقترب رجل في الطريق يأتي يريد مثلاً: أن يمر بجوار المزرعة، وأحياناً يأتي إلى البيت؛ ليكلم الزوج، أو يأتي؛ ليأخذ خضرة من هذا البستان، فبمجرد ما تراه مباشرةً تأخذ ثوبها وتلف به وجهها.

طهر أم المؤمنين ونزاهة صفوان في تصرفه

وانظر هنا للطهارة ( فخمرت وجهي بجلبابي، والله ما كلمني بكلمة، ولا سمعت منه كلمةً غير استرجاعه: إنا لله وإنا إليه راجعون ) ما قال: يا أم المؤمنين! يا أماه! ما الذي حبسك؟ ما الذي أجلسك هنا؟ ماذا تنتظرين؟ هؤلاء على دين محمد عليه الصلاة والسلام، هؤلاء الصحابة الكرام تربية النبي عليه الصلاة والسلام، وهذا احرصوا عليه أحياناً، يتصل إنسان بالتلفون، وقد تجيبه المرأة، وأنا أرى أن الأولى ألا تجيب، لكن قد، فإن أجابت ليكن عندها حياء وعفة وطهارة وحصانة، ولا تستمتع في الكلام بقلة الحياء، وتبدأ تسأل أين زوجك؟ وأين ذهب؟ ومتى يأتي؟ وكأنك صرت من رجال المخابرات، مثلاً: كلمتها أين فلان؟ قالت: غير موجود، لا تنتظر أن تنهي المكالمة، أنت مباشرةً ضع السماعة دون أن تقول: لها السلام عليكم، أو بأمان الله، أو أنا فلان أو علان، أو تعرِّف بنفسك لهذه المرأة، هي ستتزوجك؟ فصفوان ما قال: يا أم المؤمنين! ما أجلسك؟ ماذا تعملين؟ ما الداعي لهذا؟ كلمةٌ لها حاجةٌ تكلم بها، وكلمة ليس لها حاجة لا داعي لها، ما قال لها: ماذا تعملين؟ يحقق معها، ما الذي أجلسك؟ حتماً هي ما جلست إلا لعذرٍ طرأ عليها؛ أنا الآن أفصل عنه؟! قالت: وهوى حتى أناخ راحلته، هوى بالراحلة بالبعير الذي يركبه حتى أناخه، فوطئ على يديها فركبتها، فانطلق يقود بي الراحلة، يقودها من الأمام ومن الوراء، يسحبها، وإياك أن تمشي بحذاء امرأةٍ أو وراءها هذا يدل على خيانتك، إذا كنت مع امرأة -لو قدر أنها ستدلك على شيء- فتقدمها؛ لئلا يقع نظرٌ منك على ما ستر، ولئلا يقع في نفسها ريبة، تقول: هذا ورائي، أنا الآن في سفر، قد يحسر عن ثوبي فيبدو ساقي أو يبدو وجهي أو رأسي أو شعري، فيقودها حتى تأمن من وقوع نظر الرجل إليها على الإطلاق، ليولها ظهره، هذه هي الشيم الإسلامية، وهذا هو الحياء الربا


استمع المزيد من الشيخ عبد الرحيم الطحان - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح الترمذي - باب الاستتار عند الحاجة، والاستنجاء باليمين، والاستنجاء بالحجارة [4] 4045 استماع
شرح الترمذي - باب ما جاء في فضل الطهور [6] 3979 استماع
شرح الترمذي - باب ما جاء في كراهية ما يستنجى به [9] 3906 استماع
شرح الترمذي - باب ما جاء في كراهية ما يستنجى به [46] 3793 استماع
شرح الترمذي - مقدمات [8] 3787 استماع
شرح الترمذي - باب مفتاح الصلاة الطهور [2] 3771 استماع
شرح الترمذي - باب ما جاء في كراهية ما يستنجى به [18] 3570 استماع
شرح الترمذي - باب ما جاء في كراهية ما يستنجى به [24] 3486 استماع
شرح الترمذي - باب ما يقول إذا خرج من الخلاء [10] 3465 استماع
شرح الترمذي - باب ما جاء في كراهية ما يستنجى به [6] 3417 استماع