فقه المواريث - أدلة توريث ذوي الأرحام


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، ورضي الله عن الصحابة الطيبين، وعن من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

اللهم! لا سهل إلا ما جعلته سهلاً وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً، سهل علينا أمورنا وعلمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين.

اللهم! زدنا علماً نافعاً وعملاً صالحاً بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين.

سبحانك اللهم وبحمدك على حلمك بعد علمك سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك.

اللهم! صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

إخوتي الكرام! شرعنا في مدارسة توريث ذوي الأرحام، وقلت: سنتدارس هذا المبحث ضمن ثلاثة أقسام:

أولها: في تعريف ذوي الأرحام، وقد انتهينا من ذلك، وبينت منزلة الرحم عند الله عز وجل وأن قطيعتها أيضاً من أعظم الكبائر.

والأمر الثاني: في توريث ذوي الأرحام واختلاف أئمتنا الكرام في هذه المسألة، وقلت: إن الأقوال تنقسم إلى قولين، ويمكن عند التفصيل تعود إلى ثلاثة أحوال كما سنتدارس ذلك إن شاء الله.

والمبحث الثالث وهو آخر المباحث: كيفية توريث ذوي الأرحام على القول بتوريثه.

كنا نتدارس إخوتي الكرام! المبحث الثاني، ألا وهو توريث ذوي الأرحام واختلاف أئمتنا الكرام في ذلك، فذكرت أن مذهب أبا حنيفة والإمام أحمد عليهم جميعاً رحمة الله ورضوانه يقولان بتوريث ذوي الأرحام إذا لم يوجد عاصب مطلقاً ولم يوجد صاحب فرض من النسب، فإذا وجدت التركة وليس هناك عاصب ولا صاحب فرض من النسب، ووجد أحد ذوي الأرحام يأخذ المال.

وهكذا إذا وجد أحد الزوجين ولم يوجد عاصب ولا صاحب فرض من النسب فصاحب الزوجية يأخذ فرضه والباقي يرثه ذوو الأرحام، فلو مات عن زوجة وخالة للزوجة الربع وللخالة بقية المال.

وكنا نتدارس أدلة هذا القول: قلت: استدلوا بآيات القرآن الكريم وبأحاديث نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام وبأقوال الصحابة الكرام والتابعين لهم بإحسان.

أما آيات القرآن فانتهينا منها فقلت: قرر الله هذا في كتابه فجعل أصحاب القرابات أولى من بعضهم: وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ [الأحزاب:6]، وجعل الله جل وعلا علة الإرث القرابة: لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا [النساء:7].

وقلت: من فرض الله له نصيباً مقدراً يقدم، فإذا لم يكن هناك صاحب فرض مقدم فلا ينبغي أن يخرج المال عن القرابة، فيقدم القرابة على الصلة العامة التي بين الميت وبين المؤمنين فلا نعيد المال إلى بيت المال؛ لأنه يوجد قريب وهو أولى بقريبه من عموم المؤمنين.

الدلالة الثانية: دلالة السنة المطهرة، وذكرت حديث أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها، وأعيد الكلام على حديث أمنا عائشة ، ثم نسرد الأحاديث التي تدل على هذا، وليست العمدة في توريث ذوي الأرحام من دلالة السنة على حديث أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها فقط، إنما هناك أحاديث كثيرة في ذلك: ‏

الحديث الأول في توريث ذو الأرحام

الحديث الأول كما قلت: حديث أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها، وبينت إخوتي الكرام! تخريجه. قلت: رواه الإمام الترمذي وحسنه، ورواه الإمام النسائي في السنن الكبرى، كما رواه الإمام الطحاوي والدارقطني ، والحاكم في المستدرك وقال: صحيح على شرط الشيخين، وأقره الذهبي ، ولفظ الحديث: عن أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الله ورسوله مولى من لا مولى له، والخال وارثٌ من لا وارث له).

وفي بعض روايات الحديث: (الخال وارث من لا وارث له)، رواه الإمام الترمذي وقال: حديث حسن غريب.

لكن تقدم معنا إخوتي الكرام! أن الحديث اختلف في وصله وفي إرساله، فالإمام الترمذي قال: أرسله بعضهم ولم يذكر فيه عن عائشة رضي الله عنها، ثم قال الإمام الترمذي : وقد اختلف فيه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم -يعني: في توريث ذوي الأرحام- فورث بعضهم الخال والخالة والعمة، وإلى هذا ذهب أكثر أهل العلم في توريث ذوي الأرحام، أما زيدٌ فلم يورثهم وجعل الميراث في بيت المال.

هذا الاختلاف الأول في الحديث: متصلاً ومرسلاً، وهو في الحالتين مرفوع، لكن مرفوع مرسل أو متصل، لذكر أمنا عائشة رضي الله عنها ...

وهناك خلاف آخر في الحديث: روي مرفوعاً وموقوفاً على أمنا عائشة رضي الله عنها من كلامها دون أن يرفع إلى نبينا عليه الصلاة والسلام، فالرواية الموقوفة رواها الإمام الدارمي، والبيهقي في السنن الكبرى وعبد الرزاق في مصنفه، وهكذا الإمام الدارقطني ، وقال البيهقي : هذا هو المحفوظ من قول أمنا عائشة رضي الله عنها موقوفاً عليها. وقال الحافظ ابن حجر في التلخيص كما تقدم معنا: رجح الدارقطني والبيهقي وقفهما.

قلت: أما البيهقي فرجح هذا، وأما الدارقطني فلا يوجد هذا في السنن، إنما روى الرواية الموقوفة عن أمنا عائشة رضي الله عنها، ولم يقل هذه الرواية هي المعتمدة، وهي المحفوظة وهي المرجحة كما فعل الإمام البيهقي عليهم جميعاً رحمة الله.

وتقدم معنا إن الإمام ابن التركماني في تعليقه على سنن البيهقي في الجوهر النقي قال: قلت: الرفع زيادة ثقة فوجب قبولها، وعليه الحديث مرفوعاً إلى نبينا عليه الصلاة والسلام، وهو أيضاً متصل كما تقدم معنا، وهو ثابت حسن.

ختمت الكلام على هذا الحديث بكلام الإمام ابن القيم عليه وعلى أئمتنا رحمات رب البرية، وقلت: قاله في تعليقه على تهذيب السنن (4/172) يقول: هذا الحديث ثابت صحيح، وما وجه إليه من كلام في حال الإرسال والوقف في حال الوقف والرفع لا يضر على طريقة منازعينا لوجهين اثنين:

الوجه الأول: قال: إنهم يحكمون بزيادة الثقة، وقد زاد في الوصل وفي الرفع فيجب قبول زيادته.

الأمر الثاني يقول: على التسليم بأن الحديث مرسل، وليس فيه ذكرٌ لأمنا عائشة رضي الله عنها إنما رفع إلى النبي عليه الصلاة والسلام من قبل التابعي فهو مرسلٌ عمل به أكثر أهل العلم كما قال الإمام الترمذي .

ومثل هذا حجة عند من يرى المرسل حجة، والجماهير احتجوا بالمرسل، والإمام الشافعي احتج به بشروط منها: أن يعمل به أكثر أهل العلم، أو أن يفتي بموجبه صحابي، والحاصل هنا كذلك، وعليه فينبغي أن يحتج منازعونا -وهم المالكية والشافعية- بهذا الحديث، وأن يورثوا ذوي الأرحام؛ لأن الحديث حجة عندهم، فزيادة الثقة مقبولة، وإذا سلم أنه مرسل فقد عمل وأفتى بموجبه أكثر أهل العلم فوجب قبوله، والعلم عند الله عز وجل.

ثم قلت إخوتي الكرام! ليس هذا الحديث هو العمدة فقط من دلالة السنة حتى نقول: لا يوجد إلا هذا، واختلف فيه إرسالاً ووصلا ووقفاً ورفعاً، بل عندنا أحاديث كثيرة، لعلها تصل إلى العشرة تقرر هذا وفيها هذه الدلالة، وأن ذوي الأرحام يتوارثون وبعضهم أولى ببعض من سائر المؤمنين في المال والإرث، والعلم عند رب العالمين.

الحديث الثاني في توريث ذوي الأرحام

الحديث الثاني: حديث المقدام بن معدي كرب رضي الله عنه وأرضاه رواه الإمام أحمد في المسند، وأبو داود في السنن وابن ماجة في السنن، والنسائي في السنن الكبرى.

ورواه ابن حبان في صحيحه، والحاكم في مستدركه، ورواه ابن الجارود والإمام الطحاوي والبيهقي في السنن الكبرى وسعيد بن منصور ، وابن أبي شيبة في المصنف.

وأصل الحديث ثابت في الصحيحين وغيرهما، فهو في المسند والصحيحين وسنن ابن ماجة والنسائي من رواية أبي هريرة ، كما أنه ثابت من رواية جابر وأنس بن مالك رضي الله عنهم وأرضاهم.

لكن نحن نريد هذه الدلالة التي في الحديث؛ لأن ذوي الأرحام وأن الخال يرث لا توجد في رواية الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه، لكن معنى الحديث: (أنا أولى بكل مؤمن) ثابت.

ولفظ حديث المقدام عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال: (أنا بكل مؤمن ومؤمنة، فمن ترك ديناً فإلي، ومن ترك مالاً فلورثته، وأنا مولى من لا مولى له، آخذ ماله، وأفك عانه) بحذف الياء وأصلها: (عانيه) وفي بعض الروايات: (وأفك عانيه) يعني: أسيره، وما يتعلق بذمته، ويلزم بسبب جناياته، يعني: الغرم بالغنم، كما أنني آخذ ماله -ويأخذه ليس لنفسه لبيت المال- فهو ولي المؤمنين.

أيضاً: إذا كان على المؤمن جنايات فيحملها وإذا عليه تبعات أداها.

ثم قال: (والخال مولى من لا مولى له، يرث ماله ويفك عانه).

وفي رواية: (الخال وارث من لا وارث له، يعقل عنه ويفك عنه عانه ويرثه)، والحديث صحيح.

قال الحافظ في التلخيص (2/93): نقل ابن أبي حاتم عن أبي زرعة أنه قال: حديث المقدام حسن، وقد أعله البيهقي لوجود اضطراب فيه، وهذا مدفوع كما قال الإمام ابن القطان والإمام ابن التركماني في الجوهر النقي.

وما نقله الإمام البيهقي عن ابن معين أنه كان يبطل حديث الخال، وهو حديث المقدام هذا: (الخال وارث من لا وارث له، يرث ماله ويفك عانه) فقال ابن معين : ليس فيه حديث قوي، ما قاله ابن معين مردود بكلام من هو أقوى من ابن معين . والحديث نص على تحسينه وتصحيحه جم غفير من المحدثين منهم: ابن حبان والحاكم والذهبي ، وابن حجر ، وأبو زرعة ، وأبو داود ، والإمام ابن الجارود وابن القطان ، وابن التركماني وغيرهم.

(الخال وارث من لا وارث له، يرث ماله يعقل عنه، يفك عانه) رواية ثانية عن سهل بن حنيف رضي الله عنه وأرضاه، رواها الإمام أحمد في المسند والترمذي في السنن، وابن ماجة في سننه أيضاً، والحديث رواه ابن حبان في صحيحه، والدارقطني ، والبيهقي ، والطحاوي ، وابن الجارود ، وابن أبي شيبة في المصنف، وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح.

ولفظ الحديث أن سهلاً قال: رمى رجلٌ رجلاً بسهم فقتله، وليس له وارث إلا خالٌ، فكتب أبو عبيدة رضي الله عنه وأرضاه إلى سيدنا عمر رضي الله عنهم أجمعين، يستشيره في ذلك ويستفتيه: قتل إنسان وليس له وارث إلا خال فماذا نفعل؟ فكتب إليه عمر رضي الله عنه وأرضاه، وأرسل الكتاب مع سهل بن حنيف يقول عمر : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (الله ورسوله مولى من لا مولى له، والخال وارث من لا وارث له).

وعليه إخوتي الكرام! هو من رواية عمر لو قلنا بدل سهل بن حنيف يعني: سهل بن حنيف يرويه في القصة التي وقعت، وإن كان سهل بن حنيف رواه في التفصيل بعد أن جاءنا ذكر عمر ، لكن أدق أن نقول: الرواية الأولى: عن أمنا عائشة ، والثانية عن المقدام ، والثالثة عن عمر رضي الله عنه وأرضاه.

والذي ينقلها عن عمر سهل بن حنيف رضي الله عنهم أجمعين.

والحديث -كما قلت- قال عنه الترمذي : هذا حديث حسن صحيح، وهنا في جامع الأصول (9/118) نسب الحديث إلى الترمذي فقط لأنه لم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي ، لعله صحيح، لكن في الحاشية على تعليق المعلق يقول: وهو حديث حسن، وكما قلت لكم مراراً إخوتي الكرام! لو نقل كلام الترمذي لكان أحلى، الترمذي يقول: هذا حديث حسن صحيح، يعني: يرى المعلق أنه حديث حسن هذا موضوع آخر، إنما الترمذي يقول: هذا حديث حسن صحيح.

رواية رابعة: عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه، رواها الدارقطني في سننه (4/99) والبيهقي في السنن الكبرى (3/115) والدارمي في سننه (2/380) عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الخال وارث من لا وارث له).

والحديث ضعفه الإمام البيهقي في سننه، وعلق على كلامه الإمام ابن التركماني في الجوهر النقي فقال: أقل أحواله أن يكون شاهداً لحديث المقدام المتقدم.

الآن تقدم أن الثلاثة الأحاديث صحيحة: حديث أمنا عائشة رضي الله عنها، والمقدام ، وحديث سيدنا عمر رضي الله عنه وأرضاه.

فحديث أبي هريرة فيه ضعف في إسناده، فهو شاهد لما تقدم، وتلك الأحاديث ترفعه.

الرواية الخامسة: رواية مرسلة عن طاوس مرفوعاً إلى نبينا صلى الله عليه وسلم.

ورواه سعيد بن منصور في سننه (1/72) عن طاوس مرفوعاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الخال وارث من لا وارث له)، والحديث رواه شيخ الإسلام وعبد الرزاق في مصنفه (10/185) عن ابن طاوس عن رجل مصدق عن النبي صلى الله عليه وسلم، هذا الرجل المصدق الذي يظهر -والعلم عند الله- أنه صحابي، عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (الخال وارث من لا وارث له).

يعني: لو سلمنا أنه ليس بصحابي، فالذي يظهر أنه تابعي مصدق، وهو من أهل الثقة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فالحديث يبقى مرسلاً، والحديث المرسل إذا تقوى بمتصل ضعيف ينجبر ويتقوى، فكيف إذا وجد متصل صحيح، فهذه رواية خامسة.

وصفوة الكلام: أن الحديث ثابت عن نبينا عليه الصلاة والسلام: (الخال وارث من لا وارث له) هذا ثابت، فهذه خمس روايات، ثلاث متصلة صحيحة مرفوعة، وواحد متصل مرفوع لكن إسناده ضعيف، وهو حديث أبي هريرة ، وواحد مرسل.

فصفوة الكلام أن الحديث ثابت عن نبينا عليه الصلاة والسلام، وقد قرر هذا شيخ الإسلام الإمام الهمام الإمام ابن القيم عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا في تهذيب السنن (4/171) فقال: قول بعضهم: إن الأحاديث -يعني: في توريث الخال وذوي الأرحام- ضعاف، كلام فيه إجمال، فإن أريد بذلك الكلام أنها ليست في درجة الصحاح التي لا علة فيها فصحيح، ولكن هذا لا يمنع من الاحتجاج بها، ولا يوجب أن تنحط عن رتبة الحسن، بل هذه الأحاديث وأمثالها هي الأحاديث الحسان، فإنها قد تعددت طرقها، ورويت من وجوه مختلفة، وعرفت مخارجها، ورواتها ليسوا بمجروحين ولا متهمين، وقد أخرجها ابن حبان في صحيحه وحكم بصحتها.

أقول: ليس ابن حبان فقط، هذه مختصرة، وقد تقدم معنا أن الحاكم أيضاً أخرجها وأهل السن والإمام أحمد .

قال: وليس في أحاديث الأصول ما يعارضها، وقد رويت عن المقدام ، وعمر ، وأمنا عائشة .

اختصر على هذه الروايات، مع أنه مروي أيضاً عن أبي هريرة ، وروي مرسلاً من طريق طاوس رضي الله عنهم وأرضاهم، هذا ملخص كلام الإمام ابن القيم حول هذا، يعني: من قال إن هذه ضعيفة فقل له: هذا الكلام فيه إجمال، ماذا تقصد بأنه ضعيف؟ يعني: هي ليست في مستوى الأحاديث الصحيحة التي في درجة الصحيحين، وأنه لا يوجد كلام حولها، إن كنت تقصد هذا فهو صحيح، لكن هذا لا يوجب أن تنحط عن رتبة الحسن، وألا يحتج بها، فهذه الأحاديث رواتها لم يعرف فيهم جرح ولا اتهام فيه، عرفت مخارجها، تعددت طرقها، فهذه هي التي عنون عليها أئمتنا بأنها هي الأحاديث الحسان، فالحديث الحسن لا يخرج عن هذا التعريف، وعن واقع أحاديث توريث ذوي الأرحام.

وإذا كنت تقصد أنها ضعيفة حتى عن رتبة الحسن فليس كذلك، إنما هذه أحاديث متوسطة بين الصحيح وبين الضعيف، وهي الأحاديث الحسان التي يحتج بها، وعليه لابد من التعويل عليها والأخذ بمدلولها، وقد نص شيخ الإسلام الحافظ ابن حجر في فتح الباري (12/30) على أن حديث: (الخال وارث من لا وارث ) حديث حسن، ولا ينحط عن رتبة الحسن بحال، هذا أقل أحواله.

وتقدم معنا أنه في التلخيص حكى التصحيح أيضاً، إنما في فتح الباري يقول: الحديث لا ينحط عن رتبة الحسن.

إذاً: هذه خمسة أحاديث في حديث واحد بطرقه ورواياته: (الخال وارث من لا وارث له).

الحديث الثالث في توريث ذوي الأرحام

حديث ثالث فيه أيضاً تلك الدلالة وذلك المعنى وتقرير ذلك الحكم، رواه الإمام الدارمي في سننه (2/381) في المكان المتقدم، وسعيد بن منصور في سننه وعبد الرزاق في مصنفه، وابن أبي شيبة في المصنف (11/265)، وانظروا أيضاً السنن الكبرى للبيهقي فالحديث فيه، ورواه الإمام الطحاوي ، ولفظ الحديث: عن واسع بن حبان بفتح الحاء حبان بن منقذ وهو بفتح الحاء.

والحديث رواه أيضاً عبد الرزاق وابن أبي شيبة عن يحيى بن حبان ، فـعن واسع وعن يحيى قالا: توفي ثابت بن الدحداح وكان آتياً -وهو الذي لا يعرف له أصل- فكان في بني العجلان، فمات ولم يترك عقبا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لـعاصم بن عدي : (هل تعلمون له فيكم نسباً؟ فقال عاصم : ما نعرفه يا رسول الله! فدعا ابن أخته وهو أبو لبابة ابن عبد المنذر فأعطاه ميراثه).

هذا توريث لذوي الأرحام، لأن الخال يرث من ابن اخته، فكذلك الابن الأخت يرث أيضاً من الخال، فقد سألهم: هل تعلمون له نسباً؟ قالوا: ما نعرف له يا رسول الله! يعني: نزح من بلاد لا يعلم نسبه ولا أسرته، فمعه أبو لبابة ابن عبد المنذر وهو ابن أخته ولكن لا يعلم لذاك نسب عن طريق العقوبة، ولم يتزوج فليس له عقب، فدعا ماله إلى ابن أخته.

وفي سنن الدارمي (2/366) عن عاصم بن عمر بن قتادة الأنصاري أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه التمس من يرث ابن الدحداح فلم يجد وارثاً، فدفع مال ابن الدحداح إلى أخواله، ولعله -والعلم عند الله- قصة ثانية؛ لأن تلك وردت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا أيضاً من تلك الأسرة يعني: من أسرته من جهته ممن هاجر معه وهم أولاد ابن الدحداح، فواحد أيضاً في زمن عمر رضي الله عنه من تلك الأسرة الذين هاجروا أيضاً لم يترك وارثاً فدفع عمر رضي الله عنه ماله إلى أخواله.

قال البيهقي في السنن الكبرى عن حديث واسع المتقدم إنه منقطع، وواسع مختلف في صحبته، يعني: حكم عليه بالانقطاع لوجود اختلاف في صحبة واسع، فهو ينقل هذا عن النبي عليه الصلاة والسلام، ولابد من أن يكون صحابياً.

قال الحافظ ابن حجر في التقريب في ترجمة واسع بن حبان : هو صحابي ابن صحابي. وقيل: ثقة من الثانية، يعني: مختلف في صحبته؛ لكن الذي يظهر -والعلم عند الله- ثبوت صحبته، وعليه فالحديث متصل.

إذاً: هذا اعتراض أول من البيهقي ، يقول: واسع بن حبان مختلف في صحبته فالحديث منقطع.

اعتراض ثان يورده البيهقي في السنن الكبرى، يقول: وأجاب عنه الشافعي في القديم فقال: واسع بن حبان قتل في موقعة أحد قبل أن تنزل الفرائض. يعني: كأنه يقول: هذه علة في الحديث، فإذا كان هو قتل قبل أن تشرع المواريث، فكيف هنا سأل عمن يرثه وهل له عقب أو لا؟ ثم بعد ذلك دفع المال إلى ابن أخته.

قال الإمام ابن التركماني : ذكر الحافظ ابن عبد البر في الاستيعاب عن الواقدي قال: قال بعض أصحابنا الرواة: إن واسع بن حبان برئ من جراحاته التي أصيب بها في موقعة أحد، ومات على فراشه من جرح أصابه، أصابه جرح وشفي منه ثم انتقض ذلك الجرح وعاد إليه مرجع النبي صلى الله عليه وسلم من الحديبية، والحديبية بعد العام السادس للهجرة، والفرائض كانت قد فرضت وشرعت، وعليه فهو يقال له: من شهداء أحد، ومن صنفه من شهداء أحد؛ لأنه أصيب بجراحات في تلك الموقعة وبقيت في جسمه بعد أن شفي منها، ثم انتقض عليه جرحٌ منها كان سبب قتله، فصار في شهداء أحد، لكن لم يمت في العام الثاني في موقعة أحد.

ويشهد لما قاله الواقدي نقلاً عن الرواة من أهل العلم، ما ثبت في صحيح مسلم والسنن الأربع إلا سنن ابن ماجة من رواية جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: أتي النبي صلى الله عليه وسلم بفرس فركبه حين انصرف من جنازة ابن الدحداح ونحن حوله. وهذا يقرر أنه توفي على فراشه ولم يستشهد في موقعة أحد.

وقال ابن الجوزي في الكشف عن مشكل ما في الصحيحين: اختلف الرواة في موت ابن الدحداح ، فقال بعضهم: إنه توفي يوم أحد. وقال آخرون: بل جرح يومئذٍ وبرئ ومات على فراشه مرجع النبي صلى الله عليه وسلم من الحديبية، وهذا أصح، وعليه فالحديث ثابت.

الحديث الرابع في توريث ذوي الأرحام

الرواية ا

الحديث الأول كما قلت: حديث أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها، وبينت إخوتي الكرام! تخريجه. قلت: رواه الإمام الترمذي وحسنه، ورواه الإمام النسائي في السنن الكبرى، كما رواه الإمام الطحاوي والدارقطني ، والحاكم في المستدرك وقال: صحيح على شرط الشيخين، وأقره الذهبي ، ولفظ الحديث: عن أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الله ورسوله مولى من لا مولى له، والخال وارثٌ من لا وارث له).

وفي بعض روايات الحديث: (الخال وارث من لا وارث له)، رواه الإمام الترمذي وقال: حديث حسن غريب.

لكن تقدم معنا إخوتي الكرام! أن الحديث اختلف في وصله وفي إرساله، فالإمام الترمذي قال: أرسله بعضهم ولم يذكر فيه عن عائشة رضي الله عنها، ثم قال الإمام الترمذي : وقد اختلف فيه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم -يعني: في توريث ذوي الأرحام- فورث بعضهم الخال والخالة والعمة، وإلى هذا ذهب أكثر أهل العلم في توريث ذوي الأرحام، أما زيدٌ فلم يورثهم وجعل الميراث في بيت المال.

هذا الاختلاف الأول في الحديث: متصلاً ومرسلاً، وهو في الحالتين مرفوع، لكن مرفوع مرسل أو متصل، لذكر أمنا عائشة رضي الله عنها ...

وهناك خلاف آخر في الحديث: روي مرفوعاً وموقوفاً على أمنا عائشة رضي الله عنها من كلامها دون أن يرفع إلى نبينا عليه الصلاة والسلام، فالرواية الموقوفة رواها الإمام الدارمي، والبيهقي في السنن الكبرى وعبد الرزاق في مصنفه، وهكذا الإمام الدارقطني ، وقال البيهقي : هذا هو المحفوظ من قول أمنا عائشة رضي الله عنها موقوفاً عليها. وقال الحافظ ابن حجر في التلخيص كما تقدم معنا: رجح الدارقطني والبيهقي وقفهما.

قلت: أما البيهقي فرجح هذا، وأما الدارقطني فلا يوجد هذا في السنن، إنما روى الرواية الموقوفة عن أمنا عائشة رضي الله عنها، ولم يقل هذه الرواية هي المعتمدة، وهي المحفوظة وهي المرجحة كما فعل الإمام البيهقي عليهم جميعاً رحمة الله.

وتقدم معنا إن الإمام ابن التركماني في تعليقه على سنن البيهقي في الجوهر النقي قال: قلت: الرفع زيادة ثقة فوجب قبولها، وعليه الحديث مرفوعاً إلى نبينا عليه الصلاة والسلام، وهو أيضاً متصل كما تقدم معنا، وهو ثابت حسن.

ختمت الكلام على هذا الحديث بكلام الإمام ابن القيم عليه وعلى أئمتنا رحمات رب البرية، وقلت: قاله في تعليقه على تهذيب السنن (4/172) يقول: هذا الحديث ثابت صحيح، وما وجه إليه من كلام في حال الإرسال والوقف في حال الوقف والرفع لا يضر على طريقة منازعينا لوجهين اثنين:

الوجه الأول: قال: إنهم يحكمون بزيادة الثقة، وقد زاد في الوصل وفي الرفع فيجب قبول زيادته.

الأمر الثاني يقول: على التسليم بأن الحديث مرسل، وليس فيه ذكرٌ لأمنا عائشة رضي الله عنها إنما رفع إلى النبي عليه الصلاة والسلام من قبل التابعي فهو مرسلٌ عمل به أكثر أهل العلم كما قال الإمام الترمذي .

ومثل هذا حجة عند من يرى المرسل حجة، والجماهير احتجوا بالمرسل، والإمام الشافعي احتج به بشروط منها: أن يعمل به أكثر أهل العلم، أو أن يفتي بموجبه صحابي، والحاصل هنا كذلك، وعليه فينبغي أن يحتج منازعونا -وهم المالكية والشافعية- بهذا الحديث، وأن يورثوا ذوي الأرحام؛ لأن الحديث حجة عندهم، فزيادة الثقة مقبولة، وإذا سلم أنه مرسل فقد عمل وأفتى بموجبه أكثر أهل العلم فوجب قبوله، والعلم عند الله عز وجل.

ثم قلت إخوتي الكرام! ليس هذا الحديث هو العمدة فقط من دلالة السنة حتى نقول: لا يوجد إلا هذا، واختلف فيه إرسالاً ووصلا ووقفاً ورفعاً، بل عندنا أحاديث كثيرة، لعلها تصل إلى العشرة تقرر هذا وفيها هذه الدلالة، وأن ذوي الأرحام يتوارثون وبعضهم أولى ببعض من سائر المؤمنين في المال والإرث، والعلم عند رب العالمين.

الحديث الثاني: حديث المقدام بن معدي كرب رضي الله عنه وأرضاه رواه الإمام أحمد في المسند، وأبو داود في السنن وابن ماجة في السنن، والنسائي في السنن الكبرى.

ورواه ابن حبان في صحيحه، والحاكم في مستدركه، ورواه ابن الجارود والإمام الطحاوي والبيهقي في السنن الكبرى وسعيد بن منصور ، وابن أبي شيبة في المصنف.

وأصل الحديث ثابت في الصحيحين وغيرهما، فهو في المسند والصحيحين وسنن ابن ماجة والنسائي من رواية أبي هريرة ، كما أنه ثابت من رواية جابر وأنس بن مالك رضي الله عنهم وأرضاهم.

لكن نحن نريد هذه الدلالة التي في الحديث؛ لأن ذوي الأرحام وأن الخال يرث لا توجد في رواية الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه، لكن معنى الحديث: (أنا أولى بكل مؤمن) ثابت.

ولفظ حديث المقدام عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال: (أنا بكل مؤمن ومؤمنة، فمن ترك ديناً فإلي، ومن ترك مالاً فلورثته، وأنا مولى من لا مولى له، آخذ ماله، وأفك عانه) بحذف الياء وأصلها: (عانيه) وفي بعض الروايات: (وأفك عانيه) يعني: أسيره، وما يتعلق بذمته، ويلزم بسبب جناياته، يعني: الغرم بالغنم، كما أنني آخذ ماله -ويأخذه ليس لنفسه لبيت المال- فهو ولي المؤمنين.

أيضاً: إذا كان على المؤمن جنايات فيحملها وإذا عليه تبعات أداها.

ثم قال: (والخال مولى من لا مولى له، يرث ماله ويفك عانه).

وفي رواية: (الخال وارث من لا وارث له، يعقل عنه ويفك عنه عانه ويرثه)، والحديث صحيح.

قال الحافظ في التلخيص (2/93): نقل ابن أبي حاتم عن أبي زرعة أنه قال: حديث المقدام حسن، وقد أعله البيهقي لوجود اضطراب فيه، وهذا مدفوع كما قال الإمام ابن القطان والإمام ابن التركماني في الجوهر النقي.

وما نقله الإمام البيهقي عن ابن معين أنه كان يبطل حديث الخال، وهو حديث المقدام هذا: (الخال وارث من لا وارث له، يرث ماله ويفك عانه) فقال ابن معين : ليس فيه حديث قوي، ما قاله ابن معين مردود بكلام من هو أقوى من ابن معين . والحديث نص على تحسينه وتصحيحه جم غفير من المحدثين منهم: ابن حبان والحاكم والذهبي ، وابن حجر ، وأبو زرعة ، وأبو داود ، والإمام ابن الجارود وابن القطان ، وابن التركماني وغيرهم.

(الخال وارث من لا وارث له، يرث ماله يعقل عنه، يفك عانه) رواية ثانية عن سهل بن حنيف رضي الله عنه وأرضاه، رواها الإمام أحمد في المسند والترمذي في السنن، وابن ماجة في سننه أيضاً، والحديث رواه ابن حبان في صحيحه، والدارقطني ، والبيهقي ، والطحاوي ، وابن الجارود ، وابن أبي شيبة في المصنف، وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح.

ولفظ الحديث أن سهلاً قال: رمى رجلٌ رجلاً بسهم فقتله، وليس له وارث إلا خالٌ، فكتب أبو عبيدة رضي الله عنه وأرضاه إلى سيدنا عمر رضي الله عنهم أجمعين، يستشيره في ذلك ويستفتيه: قتل إنسان وليس له وارث إلا خال فماذا نفعل؟ فكتب إليه عمر رضي الله عنه وأرضاه، وأرسل الكتاب مع سهل بن حنيف يقول عمر : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (الله ورسوله مولى من لا مولى له، والخال وارث من لا وارث له).

وعليه إخوتي الكرام! هو من رواية عمر لو قلنا بدل سهل بن حنيف يعني: سهل بن حنيف يرويه في القصة التي وقعت، وإن كان سهل بن حنيف رواه في التفصيل بعد أن جاءنا ذكر عمر ، لكن أدق أن نقول: الرواية الأولى: عن أمنا عائشة ، والثانية عن المقدام ، والثالثة عن عمر رضي الله عنه وأرضاه.

والذي ينقلها عن عمر سهل بن حنيف رضي الله عنهم أجمعين.

والحديث -كما قلت- قال عنه الترمذي : هذا حديث حسن صحيح، وهنا في جامع الأصول (9/118) نسب الحديث إلى الترمذي فقط لأنه لم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي ، لعله صحيح، لكن في الحاشية على تعليق المعلق يقول: وهو حديث حسن، وكما قلت لكم مراراً إخوتي الكرام! لو نقل كلام الترمذي لكان أحلى، الترمذي يقول: هذا حديث حسن صحيح، يعني: يرى المعلق أنه حديث حسن هذا موضوع آخر، إنما الترمذي يقول: هذا حديث حسن صحيح.

رواية رابعة: عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه، رواها الدارقطني في سننه (4/99) والبيهقي في السنن الكبرى (3/115) والدارمي في سننه (2/380) عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الخال وارث من لا وارث له).

والحديث ضعفه الإمام البيهقي في سننه، وعلق على كلامه الإمام ابن التركماني في الجوهر النقي فقال: أقل أحواله أن يكون شاهداً لحديث المقدام المتقدم.

الآن تقدم أن الثلاثة الأحاديث صحيحة: حديث أمنا عائشة رضي الله عنها، والمقدام ، وحديث سيدنا عمر رضي الله عنه وأرضاه.

فحديث أبي هريرة فيه ضعف في إسناده، فهو شاهد لما تقدم، وتلك الأحاديث ترفعه.

الرواية الخامسة: رواية مرسلة عن طاوس مرفوعاً إلى نبينا صلى الله عليه وسلم.

ورواه سعيد بن منصور في سننه (1/72) عن طاوس مرفوعاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الخال وارث من لا وارث له)، والحديث رواه شيخ الإسلام وعبد الرزاق في مصنفه (10/185) عن ابن طاوس عن رجل مصدق عن النبي صلى الله عليه وسلم، هذا الرجل المصدق الذي يظهر -والعلم عند الله- أنه صحابي، عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (الخال وارث من لا وارث له).

يعني: لو سلمنا أنه ليس بصحابي، فالذي يظهر أنه تابعي مصدق، وهو من أهل الثقة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فالحديث يبقى مرسلاً، والحديث المرسل إذا تقوى بمتصل ضعيف ينجبر ويتقوى، فكيف إذا وجد متصل صحيح، فهذه رواية خامسة.

وصفوة الكلام: أن الحديث ثابت عن نبينا عليه الصلاة والسلام: (الخال وارث من لا وارث له) هذا ثابت، فهذه خمس روايات، ثلاث متصلة صحيحة مرفوعة، وواحد متصل مرفوع لكن إسناده ضعيف، وهو حديث أبي هريرة ، وواحد مرسل.

فصفوة الكلام أن الحديث ثابت عن نبينا عليه الصلاة والسلام، وقد قرر هذا شيخ الإسلام الإمام الهمام الإمام ابن القيم عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا في تهذيب السنن (4/171) فقال: قول بعضهم: إن الأحاديث -يعني: في توريث الخال وذوي الأرحام- ضعاف، كلام فيه إجمال، فإن أريد بذلك الكلام أنها ليست في درجة الصحاح التي لا علة فيها فصحيح، ولكن هذا لا يمنع من الاحتجاج بها، ولا يوجب أن تنحط عن رتبة الحسن، بل هذه الأحاديث وأمثالها هي الأحاديث الحسان، فإنها قد تعددت طرقها، ورويت من وجوه مختلفة، وعرفت مخارجها، ورواتها ليسوا بمجروحين ولا متهمين، وقد أخرجها ابن حبان في صحيحه وحكم بصحتها.

أقول: ليس ابن حبان فقط، هذه مختصرة، وقد تقدم معنا أن الحاكم أيضاً أخرجها وأهل السن والإمام أحمد .

قال: وليس في أحاديث الأصول ما يعارضها، وقد رويت عن المقدام ، وعمر ، وأمنا عائشة .

اختصر على هذه الروايات، مع أنه مروي أيضاً عن أبي هريرة ، وروي مرسلاً من طريق طاوس رضي الله عنهم وأرضاهم، هذا ملخص كلام الإمام ابن القيم حول هذا، يعني: من قال إن هذه ضعيفة فقل له: هذا الكلام فيه إجمال، ماذا تقصد بأنه ضعيف؟ يعني: هي ليست في مستوى الأحاديث الصحيحة التي في درجة الصحيحين، وأنه لا يوجد كلام حولها، إن كنت تقصد هذا فهو صحيح، لكن هذا لا يوجب أن تنحط عن رتبة الحسن، وألا يحتج بها، فهذه الأحاديث رواتها لم يعرف فيهم جرح ولا اتهام فيه، عرفت مخارجها، تعددت طرقها، فهذه هي التي عنون عليها أئمتنا بأنها هي الأحاديث الحسان، فالحديث الحسن لا يخرج عن هذا التعريف، وعن واقع أحاديث توريث ذوي الأرحام.

وإذا كنت تقصد أنها ضعيفة حتى عن رتبة الحسن فليس كذلك، إنما هذه أحاديث متوسطة بين الصحيح وبين الضعيف، وهي الأحاديث الحسان التي يحتج بها، وعليه لابد من التعويل عليها والأخذ بمدلولها، وقد نص شيخ الإسلام الحافظ ابن حجر في فتح الباري (12/30) على أن حديث: (الخال وارث من لا وارث ) حديث حسن، ولا ينحط عن رتبة الحسن بحال، هذا أقل أحواله.

وتقدم معنا أنه في التلخيص حكى التصحيح أيضاً، إنما في فتح الباري يقول: الحديث لا ينحط عن رتبة الحسن.

إذاً: هذه خمسة أحاديث في حديث واحد بطرقه ورواياته: (الخال وارث من لا وارث له).




استمع المزيد من الشيخ عبد الرحيم الطحان - عنوان الحلقة اسٌتمع
فقه المواريث - الحجب [1] 3819 استماع
فقه المواريث - الرد على الزوجين [1] 3587 استماع
فقه المواريث - حقوق تتعلق بالميت 3570 استماع
فقه المواريث - ميراث الخنثى [1] 3533 استماع
فقه المواريث - توريث ذوي الأرحام 3481 استماع
فقه المواريث - المسألة المشتركة 3435 استماع
فقه المواريث - أدلة عدم توريث ذوي الأرحام 3345 استماع
فقه المواريث - متى يسقط الجدات ومن يحجبهن 3306 استماع
فقه المواريث - أصحاب الفروض 3257 استماع
فقه المواريث - الجد والإخوة [7] 3222 استماع