فقه المواريث - موانع الإرث المختلف فيها


الحلقة مفرغة

المانع الثاني من الموانع التي اختلف فيها: الردة، نسأل الله العافية والسلامة، وأن يثبت الإيمان في قلوبنا، وأن يجعل خير أيامنا يوم لقاه.

حقيقة الردة

حقيقة الردة كما قال أئمتنا: الرجوع عن دين الإسلام إلى الكفر بقول أو فعل، وهي أشنع من الكفر الأصلي بكثير؛ لأن هذا هدي للإسلام ثم كفر بالرحمن، وأما ذاك فأصالة منذ نشأته.

إذاً: الرجوع عن دين الإسلام إلى الكفر بقول أو فعل، أما القول فكل قول يدل على الكفر فإنه يكفر به، كما لو استخف أو استهزأ جاداً أو مازحاً بالله وبرسله على نبينا وعلى جميع أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه، أو بآياته وكتبه، وكما لو أنكر ما هو معلوم من الدين بالضرورة، أو استحل محرماً أو حرم حلالاً، أو نفى واجباً، أو أوجب وفرض ما لم يوجبه الله، كل هذا من المكفرات كما قرر أئمتنا في بحث الردة في جميع كتب الفقه بلا استثناء، انظروا روضة الطالبين للإمام النووي في الجزء العاشر صفحة تسع وستين، والمغني لـابن قدامة في الجزء العاشر أيضاً صفحة واحد وسبعين فما بعدها في أحكام المرتد.

أما الردة الفعلية فقال أئمتنا: كالسجود للصنم، أو لبس الصليب، أو لبس قلنسوة المجوس، أو شد زنار النصارى في الوسط، فكل هذا من المكفرات، هذا كفر بفعل وإن لم ينطق، يعني: بمجرد ما يلبس الصليب أو يضع قلنسوة المجوس على رأسه ارتد، سواء قال هو كافر أو لم يقل، هذه ردة بالفعل وتلك ردة بالقول، وما لنا ونيته بعد ذلك.

وأما ما يتفلسف به بعض الناس في هذه الأيام من أن من لبس برنيطة وطاقية وقلنسوة المجوس أو صليب النصارى أو ما شاكل هذا فإنما يفعل هذا من باب المداراة والسياسة وما شاكل هذا؛ هذا كله كلام باطل، وأنا أعجب غاية العجب في هذا العصر الذي نعيش فيه من أناس يزعمون أحياناً أنهم يتكلمون في العقيدة ويدافعون عن العقيدة، عندما يطوف الإنسان بقبر ويتمسح به ويسجد له يحكمون بكفره ولا يشكون في شركه، لكن تراهم بعد ذلك إذا لبس أحد صليباً أو برنيطة مجوسي أو كذا جاء يلتمس التأويلات، يقول: لعله من باب المداراة، من باب السياسة، ولو أن بعض الناس ذهب إلى دولة تعظم القبور وتسجد لها من دون العزيز الغفور، وذهب وسجد لهذه القبور من أجل السياسة هل يكفر أم لا؟

أنا أعجب! إخوتي الكرام! الناس يكفرون ونحن نبرر لهم كفرهم، يعني استعملنا في هذه الأيام مثل مساحة أحذية، جعلنا فقط علمنا لنبرر به كفر غيرنا، هو كفر، وأنت جئت لتبرر ذلك الكفر، لم؟ إما تسكت وإما أن تتكلم بحكم الله.

كيف يستجيز الصحابي أن يروي شيئاً ثم يخالفه؟ هذه قاعدة عندهم، مسلمة أم لا عند الجمهور؟ هذا موضوع آخر، لكن هذا التعليل تعليل شرعي أم لا؟ الصحابي روى حديثاً ثم خالفه، لا يمكن أن يخالفه إلا إذا علم أن ظاهره غير مراد، أو أنه وجد له بعد ذلك ما ينسخ أو.. أو.. إلخ. أما صحابي يروي حديثاً ثم يخالفه فهذا مستحيل، ولذلك عند الحنفية إذا خالف الراوي الرواية يعتبر هذا نسخاً لروايته، فهذا لا يمكن، ديانة الصحابة تمنعهم من مخالفة ما ينقلونه عن نبينا عليه الصلاة والسلام.

وعليه فـابن عباس هنا يقول: هذا خاص بالرجال، انتهى، ثم عندنا أدلة أخرى، عندنا أدلة نهت عن قتل النساء، هذه تختلف، هذه لو كانت كافرة كفراً أصلياً لما قتلت، وأما الرجل فيقتل، فاختلفت عنه.

الأمر الثالث كما قلت: سبب القتال وجود الأهلية في المقاتل، ولذلك فالشيخ الكبير لا يقاتل ولا تقاتل امرأة ولا عسيف ولا الرهبان ولا.. ولا.. ولا.. إلا إذا شاركوا وكانوا من أهل القتال، أي: ما عنده أهلية القتال، إذاً: لا يجوز أن نتعرض له، ولذلك من وصية أمراء الجيوش للجيوش عندما يذهبون: ألا يقتلوا وليداً ولا امرأة ولا شيخاً فانياً كبيراً في السن ولا يقطعوا شجرة ولا.. ولا.. يوصون بهذا عندما يذهبون إلى الغزو، ولا يعني ذهابهم للغزو أنهم سيبيدون كما يقال الأخضر واليابس، لا ثم لا، من عنده أهلية للقتال نحن نقاتله لأنه حجر عثرة أمام وصول دعوة الإسلام إلى أولئك الناس، فمن عنده أهلية القتال رمينا رقبته على الأرض وانتهى، ثم بعد ذلك يدخل الناس في دين الله أفواجاً.

ولذلك إخوتي الكرام! لا يوجد أعف قتلة من أهل الإيمان، هم أعف الناس قتلة، ثم عندما يقتلون لا يمثلون ولا يشفون غليلهم كما يفعل الآن من تتقطع قلوبهم غيظاً وحقداً على المسلمين من النصارى عليهم لعائن رب العالمين، طيب! قتلت المسلم اتركه، لا تأت تمثل به، فتبقر بطنه، وتفعل به الفاحشة، وتقطع أعضاءه، وترسم الصليب على صدره، نحن لو قتلنا أكبر الكفرة لما أحل لنا أن نمثل به، (إذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة)، وما عرفت البشرية فاتحاً ومقاتلاً ومجاهداً أرحم من الإسلام، حتى في قتالنا نرحمهم، أما أننا نأخذ الإنسان ثم بعد ذلك نمثل به في حال الحياة ونخرج روحه ألف مرة حتى يموت بالتعذيب، ثم إذا مات جئنا ومثلنا به، فهذا لا يمكن أن يقع في الإسلام أبداً.

وهكذا النساء، المرأة لا تقتل إن كانت كافرة كفراً أصلياً، ولا إن كانت مرتدة عند أبي حنيفة لهذه الاعتبارات الشرعية، فلا يقولن قائل بعد ذلك: هذا خلاف للحديث.

في موعظة الجمعة بعد أن انتهيت لحقني بعض الإخوة وقلت: ينبغي أن نلتزم بالمذاهب الأربعة المتبعة، قال: يا شيخ! وإذا خالفوا الحديث؟ قلت: هات حديثاً يا عبد الله، لا تقل إذا خالفوا الحديث، قل إذا خالفوا فهمي، يعني: إذا خالفوا فهمك فينبغي أن نتبع فهمك وأن نترك المذاهب الأربعة؟ تقول: إذا خالفوا الحديث؟ هات مسألة خالفوا فيها الحديث، قد يقول قائل: الحنفية خالفوا الحديث، قال عليه الصلاة والسلام: (من بدل دينه فاقتلوه)، وهم قالوا: المرتدة لا تقتل.

أقول: يا عبد الله! ما خالفوا الحديث، ما خالف الحديث إلا أنت الذي تتهم أئمة الإسلام بمخالفة حديث النبي عليه الصلاة والسلام، للأئمة تعليلات شرعية معتبرة، أما هل قولهم بعد ذلك صواب أو لا؟ فهذا موضوع آخر لا أريد أن أتكلم فيه الآن، فالمقصود أن هذا حكم شرعي لا يجوز أن تسفهه ولا أن تضلل قائله، راق لك وشرح الله صدرك لقبوله فالحمد لله خذه وقل هذا حكم شرعي، وإذا كنت ولي أمر وأعرضت عنه وتبنيت قول الجمهور وهو أن المرتد يقتل مطلقاً، سواء كان رجلاً أو امرأة، فما عليك غضاضة ولا حرج، ذاك حكم شرعي، وهذا حكم شرعي لا حرج في ذلك على الإطلاق، ما دام أن الأمر أخذ من دليل شرعي انتهى، ولا اعتراض.

سيأتينا إخوتي الكرام في المسألة المشرَّكة المشتركة كيف قضى فيها عمر رضي الله عنه بقضاءين: في القضاء الأول حجب الأشقاء كما سيأتينا، وفي القضاء الثاني شارك الإخوة الأشقاء مع الإخوة لأم لقرابة الأنوثة دون قرابة الأب، ثم قال: ذاك على ما قضينا به، وهذا على ما نقضي به. هذان القضاءان اللذان قضى بهما عمر كما سيأتينا في المسألة المشتركة المشرَّكة؛ المذاهب الأربعة أخذوا بالقضاءين، إمامان بالقضاء الأول وإمامان بالقضاء الثاني، طيب أي القضاءين أقوى؟ والله لو جلس إنسان يفكر حتى ينفجر عقله لا يستطيع أن يرجح أحد القضائين، كلٌ منهما سديد، وعمر رضي الله عنه قضى بهما، والأئمة الأربعة أخذوا بهما.

وإن تجد زوجاً وأماً ورثا وإخوة للأم حازوا الثلثا

وإخوة أيضاً لأم وأب واستغرقوا المال بفرض النصب

فاجعلهم كلهم لأم واجعل أباهم حجراً في اليم

واقسم على الإخوة ثلث التركة فهذه المسألة المشترَكة

صورتها: ماتت امرأة عن زوج وأم وأخوين لأم وأخ شقيق أو أكثر، فالزوج له النصف لعدم الفرع الوارث، وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ [النساء:12]، والأم لها السدس لوجود جمع من الإخوة، فإن كان له إخوة فلأمه السدس، والأخوان لأم لهما الثلث لأنهما جمع، أوليس كذلك؟ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ [النساء:12]، الأخ الشقيق ما حكمه؟ ليس صاحب فرض، له عصبة، أوليس كذلك؟ اقسم المسألة الآن، المسألة من ستة: نصفها ثلاثة للزوج، سدسها واحد للأم، ثلثها اثنان لمن؟ ما بقي شيء للشقيق، أوليس كذلك؟ بهذا قضى عمر ، وقال للشقيق: أنت عصبة ما بقي لك شيء، فأصحاب الفروض أخذوا فروضهم واستفرقوا التركة.

في السنة التي بعدها وقعت مثل المسألة: ماتت امرأة وتركت زوجاً، وإخوة لأم وأماً وإخوة أشقاء، هؤلاء عندهم كلام وفصاحة، فقضى بنحو قضائه الأول، قالوا: يا أمير المؤمنين! هب أن أبانا كان حماراً، هب أن أبانا كان حجراً ملقى في اليم، والله ما زادنا الأب إلا قرباً، يعني: نحن مع الإخوة لأم من أم واحدة، أوليس كذلك؟ يعني ساويناهم بالأم فهذه المرأة التي نحن ننتمي إليها وهي أمنا كلنا منها، والميت الذي مات يقربنا نحن من جهتين: من أب وأم، وأما هؤلاء فيقربون من جهة واحدة، يعني: نحن الإخوة جميعاً من هذه الأم، لكن نحن ندلي إلى الميت بقرابتين: الأم والأب، وأما أولئك فيدلون بأم ولهم أب آخر، تزوج أمنا رجل آخر فولد له أولاد فهؤلاء إخوة لأم، فالميت أخ لنا من أبينا وأمنا، وإخوته لأمه إخوة له من أمه لا من أبيه، نحن إخوة لأم معهم، ونزيد بالأخوة من الأب، فإذا لم ينفعنا فما ينبغي أن يضرنا، هب أنه كان حماراً لا تحسبه من البشر، ما زادنا الأب إلا قرباً، يعني: إذا لم ينفع فلا يضر، قال: أصبتم، فورث الإخوة الأشقاء مع الإخوة لأم في الثلث، فجعلهم مشتركين فيه، على أنهم يدلون بأنثى واحدة، وهي الأم.

فهذا قضاء وهذا قضاء، أي القضائين أرجح؟ بهذا أخذ إمامان من الأئمة الأربعة وبهذا أخذ إمامان من الأئمة الأربعة كما سيأتينا في المسألة المشتركة، هذا قضاء بني على تعليل شرعي ودليل شرعي، والخليفة الراشد قضى في هذه المسألة بقضاءين، فقيل له: المسألة التي قضيت بها ترجع عنها؟ قال: لا، ذاك على ما قضينا به، انتهت باجتهاد شرعي نزل، وهذا على ما نقضي به، فالقضاء من الآن فيما يأتي نورث فيه الإخوة الأشقاء مع الإخوة لأم في الثلث الذي يرثونه ولا نسقطهم.

كلها إخوتي الكرام كما قلت أحكام شرعية أخذت من نصوص الشرع المطهر، أما بعد فأنت يستبين لك أن تسقطهم، ويستبين لهذا أن يشركهم على حسب ما نقل عن الأئمة، ويقول: أنا أرى أن هذا أوجه وأرجح آخذ به، وذاك يقول: هذا أوجه وأرجح آخذ به، لا تعب عليه ولا يعب عليك، كلنا ولله الحمد ضمن دائرة الإسلام، أما أن تقول: هذا هو الحق وما عداه باطل! فوالله ما أحد على الباطل إلا من يقول هذا الكلام الباطل.

فانتبهوا إخوتي الكرام! علماء الإسلام ما قرروا حكماً إلا أخذ من كتاب أو سنة أو إجماع أو قياس، ولا أزال أتحدى كل واحد يستطيع أن يقول: إن أئمتنا عندهم مصادر قوانين وضعية أو عقول بشرية أو توراة أو إنجيل أو.. أو.. انتهى. فما دامت الأحكام مأخوذة من شريعة الإسلام، فأنت تلزمنا برأيك وفهمك فقط؟

وهنا إخوتي الكرام! الحنفية ما خالفوا الحديث، إنما وجهوا الحديث وقالوا: معناه هو هذا، طيب الأئمة الثلاثة خالفوه؟ أبداً ما خالفوه، ولذلك انظر لورع الحنفية قالوا: لو أن المرأة ارتدت وقتلها قاتل: شهر عليها السيف وضرب رقبتها فليس عليه القصاص، لم؟ قال: لأنه يتمسك بالأدلة العامة التي تأمر بقتل المرتد مثل: (من بدل دينه فاقتلوه)، لكن الإمام يعزره فقط؛ لأنه افتات عليه، لأن الحدود ينبغي أن يقيمها الإمام، فليس عليه حد القصاص، هو يقول: نحن أخذنا بأدلة تأمر بقتل المرتد فقتلناه، لكن الإمام يقول له: تنفيذ الحدود ليس إليك، لم تسرعت؟ فيعاقبه ليعزره فقط تعزيراً، والتعزير عشرة أسواط مثلاً أو أن يعفو عنه أو كلمة يوبخه بها على حسب ما يرى ولي الأمر؛ لأنه كما قلت أخذ حق ولي الأمر منه لا أنه تصرف تصرفاً غير شرعي بالنسبة لإقامة الحد.

إخوتي الكرام! هذا فيما يتعلق بالردة.

حقيقة الردة كما قال أئمتنا: الرجوع عن دين الإسلام إلى الكفر بقول أو فعل، وهي أشنع من الكفر الأصلي بكثير؛ لأن هذا هدي للإسلام ثم كفر بالرحمن، وأما ذاك فأصالة منذ نشأته.

إذاً: الرجوع عن دين الإسلام إلى الكفر بقول أو فعل، أما القول فكل قول يدل على الكفر فإنه يكفر به، كما لو استخف أو استهزأ جاداً أو مازحاً بالله وبرسله على نبينا وعلى جميع أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه، أو بآياته وكتبه، وكما لو أنكر ما هو معلوم من الدين بالضرورة، أو استحل محرماً أو حرم حلالاً، أو نفى واجباً، أو أوجب وفرض ما لم يوجبه الله، كل هذا من المكفرات كما قرر أئمتنا في بحث الردة في جميع كتب الفقه بلا استثناء، انظروا روضة الطالبين للإمام النووي في الجزء العاشر صفحة تسع وستين، والمغني لـابن قدامة في الجزء العاشر أيضاً صفحة واحد وسبعين فما بعدها في أحكام المرتد.

أما الردة الفعلية فقال أئمتنا: كالسجود للصنم، أو لبس الصليب، أو لبس قلنسوة المجوس، أو شد زنار النصارى في الوسط، فكل هذا من المكفرات، هذا كفر بفعل وإن لم ينطق، يعني: بمجرد ما يلبس الصليب أو يضع قلنسوة المجوس على رأسه ارتد، سواء قال هو كافر أو لم يقل، هذه ردة بالفعل وتلك ردة بالقول، وما لنا ونيته بعد ذلك.

وأما ما يتفلسف به بعض الناس في هذه الأيام من أن من لبس برنيطة وطاقية وقلنسوة المجوس أو صليب النصارى أو ما شاكل هذا فإنما يفعل هذا من باب المداراة والسياسة وما شاكل هذا؛ هذا كله كلام باطل، وأنا أعجب غاية العجب في هذا العصر الذي نعيش فيه من أناس يزعمون أحياناً أنهم يتكلمون في العقيدة ويدافعون عن العقيدة، عندما يطوف الإنسان بقبر ويتمسح به ويسجد له يحكمون بكفره ولا يشكون في شركه، لكن تراهم بعد ذلك إذا لبس أحد صليباً أو برنيطة مجوسي أو كذا جاء يلتمس التأويلات، يقول: لعله من باب المداراة، من باب السياسة، ولو أن بعض الناس ذهب إلى دولة تعظم القبور وتسجد لها من دون العزيز الغفور، وذهب وسجد لهذه القبور من أجل السياسة هل يكفر أم لا؟

أنا أعجب! إخوتي الكرام! الناس يكفرون ونحن نبرر لهم كفرهم، يعني استعملنا في هذه الأيام مثل مساحة أحذية، جعلنا فقط علمنا لنبرر به كفر غيرنا، هو كفر، وأنت جئت لتبرر ذلك الكفر، لم؟ إما تسكت وإما أن تتكلم بحكم الله.

كيف يستجيز الصحابي أن يروي شيئاً ثم يخالفه؟ هذه قاعدة عندهم، مسلمة أم لا عند الجمهور؟ هذا موضوع آخر، لكن هذا التعليل تعليل شرعي أم لا؟ الصحابي روى حديثاً ثم خالفه، لا يمكن أن يخالفه إلا إذا علم أن ظاهره غير مراد، أو أنه وجد له بعد ذلك ما ينسخ أو.. أو.. إلخ. أما صحابي يروي حديثاً ثم يخالفه فهذا مستحيل، ولذلك عند الحنفية إذا خالف الراوي الرواية يعتبر هذا نسخاً لروايته، فهذا لا يمكن، ديانة الصحابة تمنعهم من مخالفة ما ينقلونه عن نبينا عليه الصلاة والسلام.

وعليه فـابن عباس هنا يقول: هذا خاص بالرجال، انتهى، ثم عندنا أدلة أخرى، عندنا أدلة نهت عن قتل النساء، هذه تختلف، هذه لو كانت كافرة كفراً أصلياً لما قتلت، وأما الرجل فيقتل، فاختلفت عنه.

الأمر الثالث كما قلت: سبب القتال وجود الأهلية في المقاتل، ولذلك فالشيخ الكبير لا يقاتل ولا تقاتل امرأة ولا عسيف ولا الرهبان ولا.. ولا.. ولا.. إلا إذا شاركوا وكانوا من أهل القتال، أي: ما عنده أهلية القتال، إذاً: لا يجوز أن نتعرض له، ولذلك من وصية أمراء الجيوش للجيوش عندما يذهبون: ألا يقتلوا وليداً ولا امرأة ولا شيخاً فانياً كبيراً في السن ولا يقطعوا شجرة ولا.. ولا.. يوصون بهذا عندما يذهبون إلى الغزو، ولا يعني ذهابهم للغزو أنهم سيبيدون كما يقال الأخضر واليابس، لا ثم لا، من عنده أهلية للقتال نحن نقاتله لأنه حجر عثرة أمام وصول دعوة الإسلام إلى أولئك الناس، فمن عنده أهلية القتال رمينا رقبته على الأرض وانتهى، ثم بعد ذلك يدخل الناس في دين الله أفواجاً.

ولذلك إخوتي الكرام! لا يوجد أعف قتلة من أهل الإيمان، هم أعف الناس قتلة، ثم عندما يقتلون لا يمثلون ولا يشفون غليلهم كما يفعل الآن من تتقطع قلوبهم غيظاً وحقداً على المسلمين من النصارى عليهم لعائن رب العالمين، طيب! قتلت المسلم اتركه، لا تأت تمثل به، فتبقر بطنه، وتفعل به الفاحشة، وتقطع أعضاءه، وترسم الصليب على صدره، نحن لو قتلنا أكبر الكفرة لما أحل لنا أن نمثل به، (إذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة)، وما عرفت البشرية فاتحاً ومقاتلاً ومجاهداً أرحم من الإسلام، حتى في قتالنا نرحمهم، أما أننا نأخذ الإنسان ثم بعد ذلك نمثل به في حال الحياة ونخرج روحه ألف مرة حتى يموت بالتعذيب، ثم إذا مات جئنا ومثلنا به، فهذا لا يمكن أن يقع في الإسلام أبداً.

وهكذا النساء، المرأة لا تقتل إن كانت كافرة كفراً أصلياً، ولا إن كانت مرتدة عند أبي حنيفة لهذه الاعتبارات الشرعية، فلا يقولن قائل بعد ذلك: هذا خلاف للحديث.

في موعظة الجمعة بعد أن انتهيت لحقني بعض الإخوة وقلت: ينبغي أن نلتزم بالمذاهب الأربعة المتبعة، قال: يا شيخ! وإذا خالفوا الحديث؟ قلت: هات حديثاً يا عبد الله، لا تقل إذا خالفوا الحديث، قل إذا خالفوا فهمي، يعني: إذا خالفوا فهمك فينبغي أن نتبع فهمك وأن نترك المذاهب الأربعة؟ تقول: إذا خالفوا الحديث؟ هات مسألة خالفوا فيها الحديث، قد يقول قائل: الحنفية خالفوا الحديث، قال عليه الصلاة والسلام: (من بدل دينه فاقتلوه)، وهم قالوا: المرتدة لا تقتل.

أقول: يا عبد الله! ما خالفوا الحديث، ما خالف الحديث إلا أنت الذي تتهم أئمة الإسلام بمخالفة حديث النبي عليه الصلاة والسلام، للأئمة تعليلات شرعية معتبرة، أما هل قولهم بعد ذلك صواب أو لا؟ فهذا موضوع آخر لا أريد أن أتكلم فيه الآن، فالمقصود أن هذا حكم شرعي لا يجوز أن تسفهه ولا أن تضلل قائله، راق لك وشرح الله صدرك لقبوله فالحمد لله خذه وقل هذا حكم شرعي، وإذا كنت ولي أمر وأعرضت عنه وتبنيت قول الجمهور وهو أن المرتد يقتل مطلقاً، سواء كان رجلاً أو امرأة، فما عليك غضاضة ولا حرج، ذاك حكم شرعي، وهذا حكم شرعي لا حرج في ذلك على الإطلاق، ما دام أن الأمر أخذ من دليل شرعي انتهى، ولا اعتراض.

سيأتينا إخوتي الكرام في المسألة المشرَّكة المشتركة كيف قضى فيها عمر رضي الله عنه بقضاءين: في القضاء الأول حجب الأشقاء كما سيأتينا، وفي القضاء الثاني شارك الإخوة الأشقاء مع الإخوة لأم لقرابة الأنوثة دون قرابة الأب، ثم قال: ذاك على ما قضينا به، وهذا على ما نقضي به. هذان القضاءان اللذان قضى بهما عمر كما سيأتينا في المسألة المشتركة المشرَّكة؛ المذاهب الأربعة أخذوا بالقضاءين، إمامان بالقضاء الأول وإمامان بالقضاء الثاني، طيب أي القضاءين أقوى؟ والله لو جلس إنسان يفكر حتى ينفجر عقله لا يستطيع أن يرجح أحد القضائين، كلٌ منهما سديد، وعمر رضي الله عنه قضى بهما، والأئمة الأربعة أخذوا بهما.

وإن تجد زوجاً وأماً ورثا وإخوة للأم حازوا الثلثا

وإخوة أيضاً لأم وأب واستغرقوا المال بفرض النصب

فاجعلهم كلهم لأم واجعل أباهم حجراً في اليم

واقسم على الإخوة ثلث التركة فهذه المسألة المشترَكة

صورتها: ماتت امرأة عن زوج وأم وأخوين لأم وأخ شقيق أو أكثر، فالزوج له النصف لعدم الفرع الوارث، وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ [النساء:12]، والأم لها السدس لوجود جمع من الإخوة، فإن كان له إخوة فلأمه السدس، والأخوان لأم لهما الثلث لأنهما جمع، أوليس كذلك؟ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ [النساء:12]، الأخ الشقيق ما حكمه؟ ليس صاحب فرض، له عصبة، أوليس كذلك؟ اقسم المسألة الآن، المسألة من ستة: نصفها ثلاثة للزوج، سدسها واحد للأم، ثلثها اثنان لمن؟ ما بقي شيء للشقيق، أوليس كذلك؟ بهذا قضى عمر ، وقال للشقيق: أنت عصبة ما بقي لك شيء، فأصحاب الفروض أخذوا فروضهم واستفرقوا التركة.

في السنة التي بعدها وقعت مثل المسألة: ماتت امرأة وتركت زوجاً، وإخوة لأم وأماً وإخوة أشقاء، هؤلاء عندهم كلام وفصاحة، فقضى بنحو قضائه الأول، قالوا: يا أمير المؤمنين! هب أن أبانا كان حماراً، هب أن أبانا كان حجراً ملقى في اليم، والله ما زادنا الأب إلا قرباً، يعني: نحن مع الإخوة لأم من أم واحدة، أوليس كذلك؟ يعني ساويناهم بالأم فهذه المرأة التي نحن ننتمي إليها وهي أمنا كلنا منها، والميت الذي مات يقربنا نحن من جهتين: من أب وأم، وأما هؤلاء فيقربون من جهة واحدة، يعني: نحن الإخوة جميعاً من هذه الأم، لكن نحن ندلي إلى الميت بقرابتين: الأم والأب، وأما أولئك فيدلون بأم ولهم أب آخر، تزوج أمنا رجل آخر فولد له أولاد فهؤلاء إخوة لأم، فالميت أخ لنا من أبينا وأمنا، وإخوته لأمه إخوة له من أمه لا من أبيه، نحن إخوة لأم معهم، ونزيد بالأخوة من الأب، فإذا لم ينفعنا فما ينبغي أن يضرنا، هب أنه كان حماراً لا تحسبه من البشر، ما زادنا الأب إلا قرباً، يعني: إذا لم ينفع فلا يضر، قال: أصبتم، فورث الإخوة الأشقاء مع الإخوة لأم في الثلث، فجعلهم مشتركين فيه، على أنهم يدلون بأنثى واحدة، وهي الأم.

فهذا قضاء وهذا قضاء، أي القضائين أرجح؟ بهذا أخذ إمامان من الأئمة الأربعة وبهذا أخذ إمامان من الأئمة الأربعة كما سيأتينا في المسألة المشتركة، هذا قضاء بني على تعليل شرعي ودليل شرعي، والخليفة الراشد قضى في هذه المسألة بقضاءين، فقيل له: المسألة التي قضيت بها ترجع عنها؟ قال: لا، ذاك على ما قضينا به، انتهت باجتهاد شرعي نزل، وهذا على ما نقضي به، فالقضاء من الآن فيما يأتي نورث فيه الإخوة الأشقاء مع الإخوة لأم في الثلث الذي يرثونه ولا نسقطهم.

كلها إخوتي الكرام كما قلت أحكام شرعية أخذت من نصوص الشرع المطهر، أما بعد فأنت يستبين لك أن تسقطهم، ويستبين لهذا أن يشركهم على حسب ما نقل عن الأئمة، ويقول: أنا أرى أن هذا أوجه وأرجح آخذ به، وذاك يقول: هذا أوجه وأرجح آخذ به، لا تعب عليه ولا يعب عليك، كلنا ولله الحمد ضمن دائرة الإسلام، أما أن تقول: هذا هو الحق وما عداه باطل! فوالله ما أحد على الباطل إلا من يقول هذا الكلام الباطل.

فانتبهوا إخوتي الكرام! علماء الإسلام ما قرروا حكماً إلا أخذ من كتاب أو سنة أو إجماع أو قياس، ولا أزال أتحدى كل واحد يستطيع أن يقول: إن أئمتنا عندهم مصادر قوانين وضعية أو عقول بشرية أو توراة أو إنجيل أو.. أو.. انتهى. فما دامت الأحكام مأخوذة من شريعة الإسلام، فأنت تلزمنا برأيك وفهمك فقط؟

وهنا إخوتي الكرام! الحنفية ما خالفوا الحديث، إنما وجهوا الحديث وقالوا: معناه هو هذا، طيب الأئمة الثلاثة خالفوه؟ أبداً ما خالفوه، ولذلك انظر لورع الحنفية قالوا: لو أن المرأة ارتدت وقتلها قاتل: شهر عليها السيف وضرب رقبتها فليس عليه القصاص، لم؟ قال: لأنه يتمسك بالأدلة العامة التي تأمر بقتل المرتد مثل: (من بدل دينه فاقتلوه)، لكن الإمام يعزره فقط؛ لأنه افتات عليه، لأن الحدود ينبغي أن يقيمها الإمام، فليس عليه حد القصاص، هو يقول: نحن أخذنا بأدلة تأمر بقتل المرتد فقتلناه، لكن الإمام يقول له: تنفيذ الحدود ليس إليك، لم تسرعت؟ فيعاقبه ليعزره فقط تعزيراً، والتعزير عشرة أسواط مثلاً أو أن يعفو عنه أو كلمة يوبخه بها على حسب ما يرى ولي الأمر؛ لأنه كما قلت أخذ حق ولي الأمر منه لا أنه تصرف تصرفاً غير شرعي بالنسبة لإقامة الحد.

إخوتي الكرام! هذا فيما يتعلق بالردة.

المانع الثالث الذي اختلف فيه: الدور الحكمي، وحقيقة الدور كما قال أئمتنا: توقف الشيء على ما توقف عليه، كما قال بعض الظرفاء:

مسألة الدور التي بيني وبين من أحب

لولا مشيبي ما جفا لولا جفاه لم أشب

هناك الدور الذي يبحث فيه في علم التوحيد، وعندنا الآن الدور في الفرائض، والدور كما قلت: توقف الشيء على ما توقف عليه، يعني: هذا هو سبب هذا، وهذا هو سبب هذا، هذا متوقف في وجوده على هذا، وهذا متوقف في وجوده على هذا، هذا كما قلنا دور.

أنا ما شبت إلا بعد أن هجر، يعني: توقف هجري على شيبه، وتوقف هجره على شيبي، لو لم يهجرني لم أشب، ولو لم أشب لما هجرني.

فالدور الحكمي هل يعتبر مانعاً من موانع الإرث أم لا؟ وهو هنا في الفرائض: كل حكم أدى ثبوته إلى نفيه فيدور على نفسه، أي: يرجع على نفيه بالبطلان، كل حكم أدى ثبوته إلى نفيه، لو ثبت لانتفى فيدور على نفيه فيلزم من التوريث عدم التوريث.

مثال: لو أقر أخ وارث بابن للمورث بعد موت المورث، فهل هذا الإقرار يعتبر من موانع الإرث أم لا؟ المورث مات، من الذي سيقوم الآن عنه في قضاء ديونه وتحصيل مصالحه واستخلاص حقوقه؛ لأنها صارت إلى الوارث، فلو جاء إنسان وادعى وقال: أنا ابن المورث، من الذي سيثبت نسبه الآن؟ الوارث الذي قام مقام المورث، فهل هو إن أقر نسبه ثبت وإلا فلا، هذا كما لو كنت أنا على قيد الحياة وجاء إنسان وقال: أنا ولدك وأنت وضعتني في مكان كذا، من الذي سيثبت النسب؟ أنا، إما أن أقر به وإما أن أنكره، وهنا كذلك: الوارث قام مقام المورث في إثبات نسب هذا من المورث، أنا وارث، مات أخي وترك تركة سأرثها بكاملها، إن أقررت بنسب ابنه حجبني عن الإرث، انتبه ماذا سيتوقف! إن حجبني لا يعتبر إقراري؛ لأن إقراري بنسبه لا يثبت إلا بعد كوني وارثاً، أنا إذا أقررت به حجبت فلست بوارث. فإذاً: إقراري بنسبه سيلغي وراثتي، أوليس كذلك؟ وهذا هو الدور، قلنا: ما أدى ثبوته إلى نفيه، فلو ثبت نسب هذا من أبيه ثبتت البنوة من المورث ولما كنت وارثاً فكيف صح إقراري به؟ هل هذا يعتبر من موانع الإرث أم لا؟ فهل نثبت نسب الابن ونمنع الإرث؟ نقول: لئلا يؤدي الإرث إلى عدم الإرث، فلو قلنا إن النسب ثبت وثبت الإرث. فالأخ إذاً ليس بوارث فما صح إقراره، إذا: ما صح إقراره فما صح ثبوت نسب الابن ولا صحت وراثته، فهل نعتبر هذا الإقرار الذي سيترتب عليه دور حكمي يؤدي ثبوته إلى نفيه، هل نعتبر هذا مانعاً من موانع الإرث فنثبت النسب ولا نورث؟ نقول: ابن ولا ترث، قال: لم؟ قلنا: أثبتنا النسب من أجل مصلحتك وعدم ضياع نسبك، أما إذا ورثناك فسيلغى نسبك، فمتى ما ورثناك حجبنا الأخ، وإذا حجبنا الأخ ما صح إقراره.

فهل هذا يعتبر من موانع الإرث أم لا؟ الأظهر عند الإمام الشافعي أن هذا من موانع الإرث، فنعتبر إقرار الأخ بنسب من ادعى النسب من المورث، ونثبت النسب، لكننا لا نورث المقر له بالنسب بذلك الإقرار من الوارث.

واشترط الشافعية لذلك أن يكون المقر وهو الوارث حائزاً لكل المال، أي: هو سيرث المال كله، وإذا كان سيحوز البعض فقالوا: إقراره يعتبر، وذاك يثبت له الإرث ولا حرج في ذلك.

إذاً: أن يكون حائزاً لكل المال، وأن المقر له سيحجبه حجب حرمان، يعني: سيحجبه عن الميراث بالكلية كما هو في هذه الصورة: أخ أقر بنسب ابن، إذا ثبت النسب وورثناه لم يرث الأخ ولا ريالاً واحداً.

فالأظهر عند الشافعية أن هذه الصورة تعتبر من موانع الإرث، فنثبت النسب ولا نورث المقر له بذلك النسب.

وذهب الإمام أحمد وأبو حنيفة ، وهو قول للشافعي ، لكن المعتمد هو الأول: أن الدور الحكمي هنا لا يعتبر من موانع الإرث، فنثبت النسب والإرث، وإن أدى إلى حرمان الوارث المقر بالنسب من الإرث، قالوا: الوارث يقوم مقام المورث في تحصيل حقوقه وأداء حقوقه، وإثبات ما يثبت له، ونفي ما ينفى عنه، فإذاً له أن يقر بنسبه إذا ادعى النسب، فإذا أقر ثبت الإقرار، أما كونه بعد ذلك يترتب عليه بعد ذلك حجب فلا اعتبار لهذا، المعتبر النسب؛ لأنه عندما أقر به أقر وهو نائب عن المورث، فأدى الإقرار بعد ذلك إلى حجبه عن الميراث، فلا يضر هذا عند أبي حنيفة والإمام أحمد قولاً واحداً، وهو قول للشافعي .

أما الإمام مالك فعنده: إذا أقر الوارث بنسب لمن ادعى النسب، يرث المقر له بذلك الإقرار، لكن لا يثبت النسب إلا أن يقر به عدلان من الورثة، يعني: نورثه، لكننا لا نثبت نسبه بإقرار وارث واحد: كأخ أقر بنسب ابن من الميت، نقول: إذا أقررت بنسبه فنعطيه المال، أما النسب فلا نثبته ولا نعطيه أحكام النسب، وأنه ابن لذاك وأن النساء اللاتي تركهن الميت يختلط بهن أو ما شاكله، فلا نثبت النسب إلا إذا أقر به عدلان من الورثة.

هذه أقوال ثلاثة في المذاهب الأربعة، وهناك قول رابع لـداود الظاهري قال: لا نثبت النسب ولا نورث، الإمام الشافعي في القول الأول تقدم معنا أنه يثبت النسب لكن لا يورث، وداود لا يثبت النسب ولا يورث، قال: هذا لا يصح إلا إذا كان من قبل المورث وهو يقر به، فبعد موته لا يلحق نسب أحد به.

وفيما يظهر والعلم عند الله قول الجمهور أحوط الأقوال وأرجحها، وهو إثبات النسب من أجل تحصيل المصلحة لهذا الإنسان، وإذا أقر به وارث عدل انتهى الأمر، وستر المسلمين مطلوب ما أمكن، وحمل أحوالهم على الستر والصلاح والسداد.

الأمر الثاني: إذا ثبت النسب فسنورثه قطعاً وجزماً، أما أن نثبت نسبه من أبيه ولا نورثه كما قال الشافعي في القول الأول فذاك قول بعيد. فإن قيل: سيترتب على هذا حرمان الوارث المقر؟ نقول: لا حرج في ذلك، نثبت النسب ونورثه بذلك الإثبات، وإن أدى هذا إلى منع الوارث المقر بالنسب إلى منعه من الإرث فلا يضر، والعلم عند الله جل وعلا.