تفسير سورة لقمان - مقدمة في تفسير سورة لقمان [4]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، شرع لنا دينا قويماً، وهدانا صراطاً مستقيماً، وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة، وهو اللطيف الخبير.

اللهم لك الحمد كله، ولك الملك كله، وبيدك الخير كله، وإليك يرجع الأمر كله، أنت رب الطيبين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولي الصالحين، وخالق الخلق أجمعين ورازقهم، فما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها، ويعلم مستقرها ومستودعها، كل في كتاب مبين.

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ [فاطر:3].

وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، أرسله الله رحمة للعالمين، فشرح به الصدور، وأنار به العقول، وفتح به أعيناً عمياً، وآذاناً صماً، وقلوباً غلفاً، فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبياً عن أمته، ورضي الله عن أصحابه الطيبين، وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

إخوتي الكرام! وحقيقة إذا علم الإنسان أن القرآن كلام الله، وأن محمداً رسول الله عليه صلوات الله وسلامه، وأنه هو عبد الله، فعليه إذاً أن يعبد الله حسبما جاء عن رسوله عليه صلوات الله وسلامه، لا يتصور من هذا الإنسان إذاً خروج عن منهج الله وعن شريعة الله، فلا يؤله عقله، ولا يقلد ويتبع غيره ليفلسف الضلال، ويجعله من شريعة ذي العزة والجلال، لا، ولا أقول: إنه معصوم لن يقع في معصية، لكن شتان شتان بين معصية تنقله إلى حظيرة الكفر عندما يؤله عقله ويجادل ربه، أو يستحسن النظم الوضعية، ويبررها بالحيل الشيطانية، وبين أن تغلبه نفسه فيقع في نظرة محرمة، أو في شهوة محرمة في بعض الأوقات.

ليس المؤمن بمعصوم، لكن لا يمكن للمؤمن أن ينحرف عن منهج الله، بحيث يفضل غير شريعة الإسلام على الإسلام، أو يرى أن الإسلام لا يصلح لكل زمان ومكان، كيف يتأتى من المؤمن هذا إذا علم أن الله خالقه وخالق كل شيء؟ وهذا كلامه، وهو عبد الله، وهذا المخلوق لا يصلحه إلا شريعة خالقه، لكن إذا وقع في هفوات وزلات، على حسب ما تقتضيه الجبلة الإنسانية، والطبيعة البشرية، فلا يخرج من دائرة الإيمان، إيمانه يجذبه عندما يخرج عنه بمعصية غلبته فيها نفسه.

ثبت في مسند الإمام أحمد (3/38، 55) بسند صحيح، عن أبي سعيد الخدري، والحديث رواه أبو يعلى أيضاً في مسنده، وقد نص الإمام الهيثمي على أن إسناد الحديث صحيح ورجاله ثقات، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (مثل المؤمن ومثل الإيمان كمثل الفرس في آخيته، يجول ثم يرجع)، وهكذا المؤمن يسهو ثم يرجع، (فأطعموا طعامكم الأتقياء، وأولوا معروفكم المؤمنين).

قوله: (مثل المؤمن ومثل الإيمان كمثل الفرس في آخيته)، الآخية هي: الحلقة التي تدق في الجدار ويربط بها الفرس لئلا يشرد ولئلا يفلت ويهرب، فالفرس ما دام مربوطاً في الآخية لا يستطيع الشرود ولا الهرب، لكنه يجول هنا وهناك، ثم بعد ذلك تجره الآخية، إذا أراد أن يخرج عن الإطار المحدد له لا يستطيع، الآخية تمسكه، وهكذا المؤمن لا يخرج عن شريعة ربه بحيث يتعالى على الله، ويستحسن غير شرع الله، لا يتصور هذا من المؤمن قطعاً، وليس معنى هذا أنه معصوم، بل يجول أحياناً هنا وهناك، لكن الإيمان يجره بعد ذلك، كمثل الفرس في آخيته يجول ثم يرجع، وهكذا المؤمن يسهو ثم يرجع: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ [الأعراف:201].

طائف: يطيف عليهم ولا يسكن في قلوبهم، يتذكرون فإذا هم مبصرون، وهكذا المؤمن يسهو ثم يرجع، (فأطعموا طعامكم الأتقياء، وأولوا معروفكم المؤمنين)، هذا المعنى رسخ في القلوب في قلوب المؤمنين في العصر المكي، فما كان يتصور من مؤمن شهد العصر المكي أن يستقبح شيئاً من شريعة الله، ولا أن يستحسن شيئاً من أعراف الناس وأوضاعهم وعاداتهم إذا لم ينزل بها إلى شرع ووحي ويقرها، وما كان أحد يعرض دين الله على رأيه، ولا على عرفه، ولا على أوضاع الناس، ليرى هل هذا يتفق أم لا؟ فإن اتفق أخذنا به وإلا طرحناه، هذا ما كان يخطر ببال: (فلا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت بهفَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65].

توبيخ من يدعو للخروج عن الشريعة

وكان أحدهم إذا دعا إلى دعوة جاهلية أراد أن يخرج بها عن إطار الشريعة الإسلامية قالوا له لفظاً في منتهي الخشونة ليقف عند حده، كما تقدم معنا أن واحداً منهم إذا خرجت نفسه إلى شيء من خصال الجاهلية كما حصل في أبي ذر رضي الله عنه، يطهر نفسه بمطهر شديد، لئلا تفكر نفسه بالعودة إلى ذلك الفعل القبيح.

هذا أبو سفيان عندما عرض عليه النبي عليه الصلاة والسلام الإسلام في فتح مكة، وأقر أبو سفيان أن اللات والعزى وهبل ما أغنت عنهم شيئاً، وأن الإله الحق هو الله الذي لا إله غيره، قال له: (أما آن لك أن تؤمن؟ قال: كيف أفعل بـاللات والعزى؟)، ورثتها عن آبائي، وأنا أعظمها، ليس منها فائدة، لكن كيف أفعل بها؟ (فقال له عمر: اخرأ عليها)، لا زلت تنتظر اللات والعزى، اخرأ عليها. لا زلت تتحدث عن اللات والعزى؟!

ودعا مرة -كما في المسند بسند صحيح- بعض الناس إلى شيء من خصال الجاهلية، والافتخار بالأنساب، والتفرقة بين المؤمنين الذين آخى الله بينهم فجعلهم إخوة متحابين: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات:10]، فدعا ذاك إلى قومية، وهذا إلى وطنية، كما هو الحال في هذه الأيام، فبعض الناس ذكر نسبه وأراد أن يفتخر، فقال له أبي بن كعب كما في المسند: اعضض أير أبيك، لا زلت تتحدث بخصال الجاهلية!

المؤمن قد قع في زلة لكن لا يصل به الأمر إلى أنه يخرج عن منهج الإسلام، فيفرق بين المسلمين، أو يستحسن غير شريعة رب العالمين، شهوة غلبتك أحياناً فنظرت نظرة محرمة، فأنت بشر تتوب إلى الله، أما أن تأتي لتدعونا إلى خصال الجاهلية، والتفاخر بالأحساب والأنساب، قال عليه الصلاة والسلام: (من تعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه بهن أبيه ولا تكنوا)، أي: لا تقل كناية، اللفظ الصريح كما قاله أبي بن كعب : (اعضض كذا) إلى كناية، أنت تدعو إلى جاهلية في حال وجود الشريعة الإسلامية!

وطواغيت الأمة العربية ينبغي أن يقال لهم في هذه الأيام: عضوا أمتعة آبائكم، الذين يدعون إلى وطنية ما أنزل الله بها من سلطان، وفرقوا بين المؤمنين.

نماذج سيئة لدعاة التغريب

إذاً: لا يتصور لمسلم أن يخرج عن ذلك المنهج بحيث يعرضه على عقله، أو يستحسن غير شرع ربه، هذا لا يمكن أبداً، لكن ماذا حصل بعد ذلك في الناس الذين لم ترب قلوبهم تربية مكية؟ لنرى أحوال الأمة الإسلامية في هذا الوقت:

صنف يدعوا إلى اتباع الغرب، إلى اتباع الملحدين اتباعاً أعمى، ويقول: الأمة لا يمكن أن تنهض ولا أن تتقدم إلا إذا اتبعناهم، فنحن عالة عليهم!

من هذا الجنس السافل الساقط الذين ينتسبون إلى الإسلام، ويعدون من الأمة الإسلامية، الخبيث طه حسين الذي هلك سنة (1393هـ)، يعني: من قرابة عشرين سنة أو سبع عشرة سنة، طه حسين، ولو قلنا: طه الشين لكان أولى.

هذا الخبيث يقول في كتابه (مستقبل الثقافة في مصر): ينبغي أن نأخذ بالحضارة الغربية بخيرها وشرها، حلوها ومرها، ما يحمد منها وما يذم، وما يحب وما لا يحب، نحن تبع فقط، ولا يمكن للأمة أن تتقدم إلا بهذا، أن تكون تبعاً لهؤلاء.

صنف آخر في هذه الأمة: شيخ أزهري ذهب مع بعثة أرسلت إلى باريس ليعظهم وليوجههم، وليربط قلوبهم بالله لئلا يذوبوا في الحضارة الغربية، فذاب المربي قبل أن يذوب من سيربون، ذاب المربي.

يا معشر القراء يا ملح البلد ما يصلح الملح إذا الملح فسد

رفاعة الطهطاوي توفي سنة (1290هـ)، لما ذهب إلى هناك له عمة وجبة، لعل كمها يسع إنساناً لو دخل فيها، محافظة على زيه القديم، فتن في الحضارة الغربية ومراقصة النساء، ثم جاء بعد ذلك لينقل تلك القاذورات إلى مصر، ألف كتاباً سماه: (الإبريز في تلخيص باريس)، هذا ذهب خالص نلخص به المدنية الغربية هناك، وألف كتابه المرشد الخائن، الذي سماه: (المرشد الأمين لتعليم البنات والبنين)، وقرر في هذا الكتاب أنه لا بد من تبعية الغرب لنرتقي ولنتقدم، وعليه فلا ينبغي أن نعد الخلط بين الذكور والإناث حراماً، ولا المراقصة بين الطلاب والطالبات عشقاً، إنما هذا نوع من التقدم والتطور في هذه الحياة ينبغي أن نسلكه.

شقي آخر: القوصي في كتابه: (أسس الصحة النفسية) ودراسات سيكلوجية نشرها: أن الأمة لا تنهض ولا تتقدم إلا إذا تبعت الغرب، ثم قال: لقد بدأ يفشو في هذه الأيام وينتشر بين الناس في مصر أن الأبوين عندما يدخلون الحمام يستحمون ويغتسلون يتركون باب الحمام مفتوحاً، يراهم أبنائهم، يراهم الجيل، لئلا يحصل عند الجيل كبت ولا عقد نفسية، ولا تساؤل واستفسار عن أمور مغيبة، وقال: هذا ينبغي أن يشيع بين الناس، وهي خطوة تدل على رقي ووعي، لا يعيش الجيل في تساؤل ماذا يوجد تحت الثياب؟ الأبوان يغتسلان والأولاد ينظرون إليهما، لا بد إذاً من التبعية المطلقة.

ووصل الأمر بـمحمد إحسان المحامي أنه يقول مخاطباً لفرنسا:

لولاك ما عرف الإنسان قيمته لولاك ما أصبح الإنسان إنسانا

تقليد أعمى! هذا لا يمكن أن يصدر من قلب -ليس أقول فيه ذرة إيمان- كان فيه في يوم من الأيام ذرة إيمان، والله لا شك في كفر وردة وزندقة وإلحاد من باح وتلفظ بشيء من ذلك، دين الله يطرح، وهذا المخلوق لا يتقدم إلا إذا صار ذنباً لـجورج بوش فقط، إذا صرنا إذناباً لهؤلاء نتقدم؟! وإذا أخذنا بنظام خالقنا نتأخر ونشقى! والأمة لا تتقدم إلا بالتبعية المطلقة، إن التقليد من صفات القرود وليس من صفات البشر، فلو كان لنا شأن لأنفنا أن نقلد أولئك في هذه الرذيلة: وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائدة:50]، أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ [العنكبوت:51]، سبحان الله!

عندما أدرك العرب ما في القرآن وربوا تربية مكية، تقدم معنا لبيد الذي هو أشعر الشعراء، بعد أن أكرمه الله بالإسلام ما قال شيئاً من الشعر -فكيف يكون الهذيان مع كلام الرحمن- إلا بيتاً واحداً:

الحمد لله إذ لم يأتني أجلي حتى اكتسيت من الإسلام سربالا

وهو أشعر شعراء العرب، ونحن في هذا العصر لا نتقدم إلا إذا تبعنا أولئك؟! أنا أقول لهؤلاء الذين لعنهم الله ومسخ قلوبهم: إن الأمة الإسلامية في تبعية الآن، وتقليد أعمى من سنين، وشريعة الله نحيت في مجال الحكم وفي نظام الحياة بين الناس، فما الذي جناه الناس؟ ما جنوا إلا الذل والعار، وما لهم عند الله من الدمار أعظم وأعظم، لا يتقدم الناس إلا بهذا التقليد الأعمى، هذا صنف.

نماذج سيئة لفئة ألبسوا مبادئ الكفر لباس الإسلام

صنف آخر: ظاهره أخف وطأة من هؤلاء، لكن حقيقته أخبث وأشنع، أتوا إلى مبادئ الكفر وإلى أنظمة الكفر، فخلعوا عليها ثوب الإسلام، أولئك استعلوا بعقولهم على ربهم وقالوا نظامك لا يصلح! إنما نظام جورج ولينين وغيرهما من الملعونين هو الذي يصلح لهذه الحياة، استعلوا بعقولهم على الله: وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا [الفرقان:55].

أما هذا الصنف الذي ما ربى تربية مكية، فما استعلى في الظاهر بعقله على ربه، لكنه أتى إلى تلك القاذورات وخلع عليها لباساً شرعياً، فأدخل الكفر في الإسلام، وجعل الكفر ضلالاً، وقام بهذا أناس كثيرون في هذه الأيام، من جملتهم: الباقوري الذي كان له شأن وولي وزارة الأوقاف في فترة من الفترات، همه أن يؤلف بين شرع الشيطان وشرع الرحمن على حساب شريعة الرحمن، فالمرأة تخرج للبحر، تسبح بالملابس القصيرة، إذاً لا بد لها من فتوى بأن ما هي عليه يوافق الشرع، المسألة سهلة، وهذه الحالة الغربية المتهتكة، بدلاً من أن نقول الحالة متحضرة، ولا داعي لأن نقول حرام وحلال دعونا من الإسلام، لا، نقول: هذه الحالة من الإسلام، يفتي -كما في مجلة الاعتصام- بأن خروج النساء إلى البحر بهذه الحالة، ليسبحن مع الرجال والنساء، يجوز لهن في هذه الحالة أن يقصرن وأن يجمعن، ولا مانع أن تصلي بالمايوه على شاطئ البحر قصراً وجمعاً، الأفخاذ مكشوفة، والصدر مكشوف، والعورات المغلظة بادية، ليته قال: تصبح إمامة أيضاً، لتكتمل الصلاة الشيطانية، لأن هذه ليست صلاة رحمانية! هذا حال شيخ يدعوا إلى هذا، يأتي لقاذورات الكفرة فيخلع عليها ثوب الإسلام.

أيها الشيخ الذي أفضيت إلى ما قدمت، هل المرأة التي ستذهب إلى شاطئ البحر، وتسبح بالمايوه، مع الهمج الخليط، هل هذه الآن بحاجة لفتوى شيطانية، هل ستصلي وتجمع وتقصر، وهل هي الآن تعرف الصلاة والجمع والقصر، ولم هذا التلاعب بدين الله؟

وصل به الشطط إلى الاختلاط بين الذكور والإناث، بين الرجال والنساء، بين الجيران، بين الأصدقاء والصديقات، كان نبينا عليه الصلاة والسلام يفعله، وكان لا يذهب لوليمة إلا بعد أن يأخذ أمنا عائشة لأجل أن تصبح السهرات مختلطة، ضلال لكن باسم الشرع!

وقد اجتمع مرة بذكور وإناث في مكان يجتمعون فيه من أجل المحاضرات والدعايات، فقام شيخ أزهري شيطان وألقي خطبته على عادة الطراز الغربي، سيداتي آنساتي سادتي! ثم بعد ذلك قال: لا أريد أحداً أن يستنكر علي فعلي، وأنني كيف بدأت بالنساء قبل الرجال، لا، هذا أسلوب شرعي، والله أمرنا به في كتابه أن نبدأ بالنساء قبل الرجال، سبحان الله! هذا أسلوب شرعي، هذا مأخوذ من الحضارة الغربية الغوية، عندما عبدوا المرأة من دون رب البرية.

سيداتي آنساتي سادتي، هذا من كتاب الله؟ قال: نعم، يقول الله في سورة الشورى: لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [الشورى:49] هو يقول: هذا مأخوذ من القرآن والدليل على هذا: يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ [الشورى:49]، فقدم الإناث على الذكور، أكمل الآية يا أعمى البصيرة: أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ [الشورى:50].

ثم هذه الآية لفتت نظرك، ومئات الآيات ما لفتت نظرك: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ [الأحزاب:35]، عشرين وصفاً عشرة للذكور والإناث، يبدأ بالذكور، ثم ختم الآية فقال: أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ [الأحزاب:35] ما قال: (لهن) أيضاً، بل (لهم)، فأدخل ضمير الإناث في ضمير الذكور تبعاً من باب التغيير، أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا [الأحزاب:35]، ما لفت نظرك هذه الآية وغيرها من الآيات الكثيرة؟

الله جل وعلا يقول في كتابه: وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا [النحل:14]، لم يقل: (تلبسها نساؤكم) مع أن حلية البحر وهي اللؤلؤ لا يجوز أن يلبسها الرجال، وهذا من زينة النساء، فالذي يلبسها النساء، لِمَ أضافها إلى الرجال (تلبسونها)؟ هذا أسلوب قرآني، يعلمنا ربنا جل وعلا عفة اللسان عندما نتحدث عن أمر النساء، فالمرأة كما أنها تخفي حليها عندما تلبسه، فنحن لا نضيف لبس الحلي إليها، إنما نضيفه لزوجها (تلبسونها)، أضيف اللبس إلى الرجال مع أن الذي يلبسه النساء ستراً لهن، كما أمرت هي بستره عندما تلبسه، نحن نسترها فلا نضيف هذا اللبس إليها.

وهذا الرقيع في هذه الاجتماعات الغوية: سيداتي آنساتي سادتي! كيف هذا الأسلوب الغربي الشيطاني؟ يقول: هذا مأخوذ من القرآن.

بيان ضلال أصحاب المدرسة العقلية

الذين أسسوا المدرسة العقلية في هذا الوقت وأفسدوا دين الله عندما أفسدوا الأزهر وغيره، الطاغوت الأول جمال الدين الأفغاني، وربيبه الذي كان يستقي من لبنه الخبيث النجس محمد عبده، لبن نجس يستقي منه هذا الإنسان، وأسسوا المدرسة العقلية، قوامها: أن شريعة الله تعرض على عقول البشر، لنؤلف بين العقل البشرى وبين شريعة الله، فإذا كانت شريعة الله لا يقرها العقل، ينبغي أن يضرب العقل هذه الشريعة حتى يطوعها لعقله، سبحان الله! الحياة تعرض على الشريعة لتصلحها الشريعة، عكسنا الأمر؟! نعم.

أحاديث نزول المسيح متواترة زادت على خمسين حديثاً، ووصلت إلى سبعين حديثاً، وقرر الله نزوله في كتابه فقال: وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ [النساء:159]، وأخبر الله أنه ما قتله اليهود عندما قال: بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ [النساء:158]، هذا لا يتناسب مع عقل أصحاب المدرسة العقلية، وعلى رأسهم محمد عبده.

إذاً: شريعة وعقل، نضرب الشريعة لتدخل بعد ذلك تحت إطار العقل، كيف يفعل؟ يقول: أما الأحاديث فهي أحاديث آحاد لا يؤخذ بها في الاعتقاد، اضربها برجلك كما يضرب الصبيان الكرة بأقدامهم، كيف؟! ولو سلمنا بصحتها، فالمراد من المسيح يقول: هذه إشارة إلى النور والخير الذي حصل بالإسلام، ومن بعثة نبينا عليه الصلاة والسلام، وليس مسيحاً وهو عيسى ابن مريم ينزل في آخر الزمان.

والمسيح الدجال: هذا رمز للخرافات والدجل، كما أنه عند مصطفى محمود رمز للتكنولوجيا والاختراعات العصرية، وهذا شيخ ثان أيضاً من أصحاب المدرسة العقلية، كل واحد يلعب بدين الله كما يريد؛ لأن الإله الأول هو العقل والحضارة الغربية، فلا بد إذاً من تطويع الإسلام لعقل الإنسان، إذاً: هنا المراد من الدجال هذا أنه رمز للدجل والخرافات التي زالت بمجيء الإسلام.

طيب: وآيات القرآن ماذا تفعل بها؟ بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ [النساء:158]، وأنه سينزل، قال: الأمر سهل سهل؛ (بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ)، هذا رفع مكانة لا رفع مكان، أي: رفع الله مكانة عيسى فجعله من المقربين عنده، ولم يرفع بدنه إلى السماء عندما أراد اليهود قتله.

طيب: وماذا فعل إذاً بعيسى، والله يقول: وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ [النساء:157]؟ يقول: ما قتل، لكنه خرج متنكراً إلى بلاد الهند، ومات هناك، وقبره معروف في الهند، أما أنه رفع إلى السماء وسينزل في آخر الزمان فهذه خرافة!

سبعون حديثاً ما وصلت لدرجة التواتر، إذا لم تكن أحاديث المسيح متواترة فلا متواتر في حديث نبينا عليه الصلاة والسلام، آيات القرآن تلعب بها إلى هذا الحد، إذا صح النص وما استطاع أن يرده يتلاعب فيه ويؤوله، وإذا أمكنه أن يرده ضربه برجله، هذا دين؟! هذا أركان المدرسة العقلية.

محمد الغزالي والمدرسة العقلية

من هذه المدرسة ومن مستنقعها الآسن يستقي محمد الغزالي، الذي له شأن، ويطنطن بأمره في هذه الأيام، هو من أتباع المدرسة العقلية، ويستقون منها، انظروا لهذا الإنسان وشيء من هوسه الكثير الوفير فيما يتعلق بموضوع المرأة، لو بحث هذا الإنسان في المرأة على حسب نصوص الإسلام، والله إن أصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر، إذا لم يقصد الهوى والضلال، لكن البحث ما كان على هذه الشاكلة.

أما في كتابه من هنا نعلم (ص:161) عندما بحث في طبيعة المرأة، وأن الإسلام ما أباح أن تكون المرأة قاضية ولا وزيرة، قال: هذا هو مطابق الحكمة، يقول: ولذلك إذا أردنا أن نكلف الإسلام بأن يعين النساء قاضيات ووزيرات، فهذا ظلم للطبيعة، وافتيات على المصلحة، ثم قرر هذين الأمرين:

الأمر الأول: يقول: المرأة لا تقبل شهادتها في الحدود، وهي على مثل شهادة الرجل في غير ذلك، فكيف يصلح قضاؤها فيما لا تقبل فيه شهادتها، إذاً: لا يصلح أن تكون قاضية.

الأمر الثاني: الرجل قوام وله صفة القوامة على المرأة في المجتمع الصغير، وهو البيت، فكيف تكون المرأة قوامة على الرجل في القضاء وفي المحكمة.

هذا بحث طيب، وهذا حكم الله، لا يجوز للمرأة أن تلي القضاء ولا أن تكون وزيرة، ثم قرر هذا بكلام كثير لبعض المتطورات، من جملتهن عزيزة عباس عصفور التي اشتغلت في النيابة فترة، وعلق على كلام وزير الداخلية عندما جعل عدداً من النساء مسئولات في محاكم الاستئناف نائبات، علق على هذا بكلام العصريين، وأن ما جاء به الإسلام حسن؛ لأن العصريين والعصريات يقولون هذا ينافي طبيعة المرأة.

إذاً: حسن لأن العصريين والعصريات يقرونه، طيب: عرفه سيتغير، ضغط الواقع بعد ذلك يقول: المرأة ينبغي أن تزاول القضاء، إذاً: نحك بعد ذلك هذه النصوص وننحتها ونضربها لتخضع لطوعنا ولتلاعبنا، يقول في كتابه: سر تأخر العرب والمسلمين، أنا أجيبك عن السر يا أخي الكريم؟

سر تأخر العرب والمسلمين أمران، وهما إذا صلحا صلح الناس، وإذا فسدا فسد الناس، العلماء والأمراء، هذا هو تأخر العرب والمسلمين، علماء مهوسون يريدون أن يخضعوا شرع الحي القيوم لعقلهم المجنون، هذا سر تأخر العرب والمسلمين، حكام يبيعون دين الله بأقل من ثمن العنزة، ويستنجدون بمن غضب الله عليه ولا يلجأون إلى الله القوي العزيز الذي إذا أراد شيئاً فإنما يقول له كن فيكون، نحوا شريعة الله من الحياة وأتوا بقوانين مستوردة من هنا وهناك، سبب تأخرنا هذان الأمران، وسبب فساد الحكام فساد العلماء، فلو صلحنا لصلحت الحياة، لكن لما وجد في الأمة أمثال هؤلاء من أصحاب المدرسة العقلية وغيرهم، حصل في هذه الحياة ما حصل، هذا هو تأخرنا.

يقول في هذا الكتاب: يجوز للمرأة أن تلي أي منصب من قضاء وغيره، ما عدا الخلافة، تصبح قاضية، ووزيرة، ونائبة وكل شيء، لكن لا تكون خليفة فقط، أي: رئيسة دولة، طيب: أين ما ذكرته في الكتاب السابق من هنا نعلم؟ بأنه لا يجوز أن تكون قاضية، وقررت هذا بأمرين، وبكلام عصرية عزيزة عباس عصفور.

جاء بعد ذلك إلى مرحلة أخرى في كتابه: السنة النبوية بين المحدثين والفقهاء (ص:57) فقال: يجوز أن يتولى السلطة أكفأ واحد في الأمة رئاسة الدولة، ذكراً أو أنثى، وليس في الشريعة ما يمنع أن يكون خليفة المسلمين امرأة، لا حرج في ذلك على الإطلاق، فما جاء لحديث النبي عليه الصلاة والسلام: (لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة)، وهو في صحيح البخاري.

ضربه بالرجل، الآن ما أيسره وما أسهله ما دام الإله هو العقل! وتطويع الدين للحضارة الغربية، فماذا ستقول في هذا الحديث؟ قال: هذا له معنى عندي، ما سبقه إلى هذا المعنى إنس ولا جان، ما هو معنى الحديث عندك؟

قال: هذا سيق في مناسبة خاصة، وهي: أن عروش كسرى عندما كانت تتهاوى وتسقط وبلاد كسرى تفتح، والفتح الإسلامي يدخلها، ونور الله يشع فيها، ولت أسرة كسرى ابنة كسرى عليهم حاكماً، فبلغ هذا للنبي عليه الصلاة والسلام، فقال: (لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة)، أي: هذا في مناسبة خاصة، وأن هذا لا يغني عنهم، والفتح الإسلامي سيزيل هذه الحواجز، وهذه المرأة لا يستطيع أن تقف أمام قوة الإسلام، أما لو كان بدل ابنة كسرى جولد مائير أو تاتشر -كما يقول هو- أو أنديرا غاندي عليهن لعنة الله، أو فكتوريا، أو ما شاكل هذا، لما قال النبي عليه الصلاة والسلام هذا، لو كانت جولد مائير بدل ابنة كسرى خليفة لما قال: (لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة).

لم كل هذا الانهزام؟ يقول: لنصون ديننا أمام الحضارة الغربية، ولا نقول: إن الإسلام امتهن المرأة، وأي امتهان للمرأة عندما جعل ربنا جل وعلا لكل من الذكر والأنثى وظيفة: أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14]، لا تسعد المرأة إلا بوظيفتها، ولا يسعد الرجل إلا بوظيفته، هذا صنف.

إخوتي الكرام! هؤلاء صنف أتوا إلى الجاهلية فألبسوها لباس الإسلام، حالهم كحال إنسان أتى بعدو للمسلمين فألبسه لباس المسلمين، جعل له عمة ولحية، هو عدو، لكنه جعله في الظاهر مسلماً.

هذه الأمور ينبغي أن نحذرها لأن خطر هذه في هذه الأيام أكثر من تلك وأخطر، تلك قد ينبذها من عنده ذرة إيمان، يقول: نحن نتبع الغرب ونتخلى عن ديننا، هذه ردة سافرة مكشوفة لا نقبل بها، أما هنا قال: دين عصري، على حسب تعبير الضال خالد محمد خالد صاحب كتاب: رجال حول الرسول عليه الصلاة والسلام، نريد ديناً عصرياً يوافق روح العصر، أي: روح الحضارة الغربية، نلغي أحكام الشريعة ونقول نحن على الإسلام، كيف نقول؟ لأننا نحقق المصلحة، والدين الغرض منه تحقيق المصلحة، فإذا ألغينا الشريعة الإسلامية لنحقق المصلحة فنحن مسلمون، هذا يسهل على النفوس أن تقبله إذا لم تكن طاهرة، أما الدعوة الأولى فلا يمكن أن تقبل بحال من الأحوال، لأنها ردة مكشوفة.

لا بد إخوتي الكرام من أن نعي الأمر تمام الوعي، أنت عبد والله خالق، اعرف قدرك، وقف عند حدك، وإياك أن تؤله عقلك، أو أن تتعالى على ربك، هذا هو الكفر المبين.

ولذلك من استحسن شيئاً غير شريعة الإسلام فهو كافر مرتد، وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم، فهذا الأمر لا بد من أن نعيه.

القلوب عندما طهرت في العصر المكي لا يوجد قلب يؤله عقله، أو يستحسن غير شرع ربه.

وكان أحدهم إذا دعا إلى دعوة جاهلية أراد أن يخرج بها عن إطار الشريعة الإسلامية قالوا له لفظاً في منتهي الخشونة ليقف عند حده، كما تقدم معنا أن واحداً منهم إذا خرجت نفسه إلى شيء من خصال الجاهلية كما حصل في أبي ذر رضي الله عنه، يطهر نفسه بمطهر شديد، لئلا تفكر نفسه بالعودة إلى ذلك الفعل القبيح.

هذا أبو سفيان عندما عرض عليه النبي عليه الصلاة والسلام الإسلام في فتح مكة، وأقر أبو سفيان أن اللات والعزى وهبل ما أغنت عنهم شيئاً، وأن الإله الحق هو الله الذي لا إله غيره، قال له: (أما آن لك أن تؤمن؟ قال: كيف أفعل بـاللات والعزى؟)، ورثتها عن آبائي، وأنا أعظمها، ليس منها فائدة، لكن كيف أفعل بها؟ (فقال له عمر: اخرأ عليها)، لا زلت تنتظر اللات والعزى، اخرأ عليها. لا زلت تتحدث عن اللات والعزى؟!

ودعا مرة -كما في المسند بسند صحيح- بعض الناس إلى شيء من خصال الجاهلية، والافتخار بالأنساب، والتفرقة بين المؤمنين الذين آخى الله بينهم فجعلهم إخوة متحابين: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات:10]، فدعا ذاك إلى قومية، وهذا إلى وطنية، كما هو الحال في هذه الأيام، فبعض الناس ذكر نسبه وأراد أن يفتخر، فقال له أبي بن كعب كما في المسند: اعضض أير أبيك، لا زلت تتحدث بخصال الجاهلية!

المؤمن قد قع في زلة لكن لا يصل به الأمر إلى أنه يخرج عن منهج الإسلام، فيفرق بين المسلمين، أو يستحسن غير شريعة رب العالمين، شهوة غلبتك أحياناً فنظرت نظرة محرمة، فأنت بشر تتوب إلى الله، أما أن تأتي لتدعونا إلى خصال الجاهلية، والتفاخر بالأحساب والأنساب، قال عليه الصلاة والسلام: (من تعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه بهن أبيه ولا تكنوا)، أي: لا تقل كناية، اللفظ الصريح كما قاله أبي بن كعب : (اعضض كذا) إلى كناية، أنت تدعو إلى جاهلية في حال وجود الشريعة الإسلامية!

وطواغيت الأمة العربية ينبغي أن يقال لهم في هذه الأيام: عضوا أمتعة آبائكم، الذين يدعون إلى وطنية ما أنزل الله بها من سلطان، وفرقوا بين المؤمنين.