مقدمة في الفقه - أبو حنيفة فقيه الملة [1]


الحلقة مفرغة

ذكر الله تعالى عند ذكر أوليائه وعباده الصالحين

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، ورضي الله عن الصحابة الصادقين المفلحين، وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، وأنت تجعل الحَزْن إذا شئت سهلاً، سهل علينا أمورنا، وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين. اللهم زدنا علماً نافعاً، وعملاً صالحاً، بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين.

سبحانك اللهم وبحمدك على حلمك بعد علمك، سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك.

اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

إخوتي الكرام! شرعنا في مدارسة الأمر الثاني من المقدمة التي سنتدارسها قبل البدء بدروس الفقه، وقلت: هذه المقدمة ستدور على أمرين اثنين:

الأمر الأول: مر الكلام عليه في تعريف علم الفقه ومنزلته، وفي وجوب الاحتكام إلى شريعة ذي الجلال والإكرام.

والأمر الثاني كما قلت: في ترجمة موجزة لأئمتنا الفقهاء الأربعة، رضوان الله عليهم أجمعين.

قدمت للأمر الثاني إخوتي الكرام بمقدمة في الموعظة الماضية، وهي في منزلة ذكر الصالحين في الدين، فقلت: هذا لون من ألوان الدعوة إلى رب العالمين، وهذا البحث ليس من باب النافلة والاستطراد، إنما ينبغي أن يعتني به أهل الرشاد، فعدا عن حق أئمتنا علينا، وعدا عن تقربنا بذلك إلى ربنا، عدا عن هذين الأمرين كما قلت: أن النفس البشرية تستروح إلى القصة والخبر، ثم بعد ذلك عندما تسمعها تسري فيها أمور الخير التي تحتويها هذه القصة من حيث لا تشعر النفس البشرية.

وعليه فنحن بذلك نحصل فائدة عندما نسمع أخبار أئمتنا، وهذا الأمر نشبع به الشعور النفسي، الشعور الفطري في نفوسنا، ثم بعد ذلك نهذب أنفسنا من حيث لا نشعر عندما نعلم أحوال أئمتنا، وهذا يدعونا للاقتداء بهم رضوان الله عليهم.

إخوتي الكرام! آخر ما ذكرته في الموعظة الماضية: أنه عند ذكر الصالحين تنزل رحمات رب العالمين سبحانه وتعالى، وقلت: إن هذا الأثر ثابت عن أئمتنا الكرام الطيبين، قاله سفيان بن عيينة ، وقاله سفيان الثوري ، وأيضاً استشهد به أئمة الإسلام كالإمام أحمد ومن بعده رضوان الله عليهم أجمعين.

وقلت: إنه كلام حق ومعتبر، وبينت معناه، ووجهت هذا القول، ونقلت كلام الإمام الغزالي عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا في توجيهه وبيان معناه.

وقلت: إخوتي الكرام! سنبدأ في أول هذه الموعظة بأمر يسير تكملة للأمر الذي تدارسناه في الموعظة الماضية، ثم ندخل في ترجمة سيدنا أبي حنيفة رضي الله عنه وأرضاه.

هذا الأمر -إخوتي الكرام- الذي بقي علينا هو: كما أنه عند ذكر الصالحين تنزل رحمات رب العالمين، أيضاً عند ذكرهم يذكر رب العالمين سبحانه وتعالى، كما أنه عند ذكر الله يُذكر أولياء الله، وقد أشار إلى ذلك نبينا رسول الله على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه.

فقد ثبت في مسند الإمام أحمد، والأثر رواه أبو نعيم في الحلية، والحكيم الترمذي ، من رواية سيدنا عمرو بن الجموح الأنصاري رضي الله عنه وأرضاه، والأثر رواه الطبراني في معجمه الكبير عن عمرو بن الحنق ، فهو عن صحابيين عن عمرو بن الجموح وعن عمرو بن الحنق رضي الله عنهم أجمعين.

وفي إسناد الحديثين رشدين بن سعد الإمام الصالح من بلاد مصر، قال عنه الإمام الهيثمي في المجمع، في الجزء الأول صفحة تسع وثمانين: فيه رشدين بن سعد ، ضعيف. وإطلاق الضعف فيه يحتاج إلى شيء من التفصيل كما قال الحافظ في التقريب: ضعيف، ورجح أبو حاتم ابن لهيعة عليه، قال: وكان -أي ابن رشدين - رجلاً صالحاً في دينه، فأدركته غفلة الصالحين، فكان يهِم ويخطئ، وقد أخرج حديثه الترمذي في السنن، والإمام ابن ماجه ، وتوفي سنة ثمان وثمانين بعد المائة، عليه رحمة الله ورضوانه.

ومعنى الحديث إخوتي الكرام ثابت صحيح في آثار كثيرة، ولفظ الحديث عن نبينا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه أنه قال: ( لا يجد العبد صريح الإيمان حتى يحب في الله ويبغض في الله، فإذا أحب في الله وأبغض في الله استحق الولاية من الله )، صار ولياً لله عز وجل استحق الولاية من الله, ( قال الله عز وجل: وإن أوليائي من عبادي وأحبائي من خلقي الذين يذكرون بذكري، وأذكر بذكرهم، فإذا ذكرت ذكروا وإذا ذكروا ذكرت )، فهم أوليائي وهم أحبابي، وأنا سيدهم ومالكهم سبحانه وتعالى.

إذاً: يذكرون بذكري وأذكر بذكرهم، والحديث -كما قلت- ما في إسناده من تُكُلم فيه إلا هذا العبد الصالح، الذي أخذته غفلة الصالحين، وهو رشدين بن سعد عليه رضوان رب العالمين.

وهذا النعت لأولياء الله المتقين، هو المذكور أيضاً فيما أنزل على أنبياء الله السابقين، على نبينا وعليهم جميعاً صلوات الله وسلامه، روى شيخ الإسلام عبد الله بن المبارك في كتاب الزهد والرقائق، صفحة إحدى وسبعين، والأثر في المسند، والأثر رواه الإمام أحمد في كتاب الزهد، في صفحة أربع وسبعين، وهو من أخبار أهل الكتاب، أخبار نبي الله موسى على نبينا وعليه وصحبه صلوات الله وسلامه:

قال نبي الله موسى على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه مخاطباً ربه جل وعلا: ( رب أخبرني عن أهلك الذين هم أهلك، فقال: المتحابون فيّ، الذين يعمُرون مساجدي بذكري، ويستغفروني بالأسحار، الذين إذا ذكرت ذكروا، وإذا ذكروا ذكرت، هم الذين يُنِيبون إلى طاعتي كما تنيب النسور إلى وكورها )، يرجعون إلى طاعة الله ويلازمونها كما تلازم النسور أوكارها أو بيوتها، ( ويَكلفَون بحبي -أي: يتعلقون- كما يكلف الصبي بأمه، ويغضبون لمحارمي إذا انتهكت كما يغضب الليث الحَرِب )، أي: يغضبون لمحارمي إذا انتهكت كما يغضب الليث الحَرِب، وهو الأسد إذا غضب وأراد أن ينتقم.

حقيقة يذكر الله إذا ذكر أولياء الله، ويذكر الصالحون إذا ذكر الحي القيوم، ولذلك عند ذكرهم تنزل رحمة الله جل وعلا.

وكما قلت إخوتي الكرام! لذكرهم أثر كبير على نفوس العباد، فالسعيد السعيد من وُفق لذكرهم، ومحبتهم، وتعلق بهم، رضوان الله عليهم أجمعين.

ذكر الإمام ابن الجوزي في أول كتابه صفة الصفوة، في الجزء الأول صفحة خمس وأربعين، بعد الأثر المتقدم عن سيدنا سفيان بن عيينة ، نقل هذا الأثر عن محمد بن يونس أنه قال: ما رأيت للقلب أنفع من ذكر الصالحين.

وقال العبد الصالح خلف بن حوشب ، وهو من العلماء الربانيين، روى له البخاري في صحيحه تعليقاً، والإمام النسائي في خصائص سيدنا علي رضي الله عنه وأرضاه، قال: ما رأيت للقلب أنفع من أخلاق القوم. أي: من ذكر أخلاق القوم، أخلاق الصالحين، فإذا ذكرها الإنسان فإنها تسري معانيها في ذراته من حيث لا يشعر.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، ورضي الله عن الصحابة الصادقين المفلحين، وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، وأنت تجعل الحَزْن إذا شئت سهلاً، سهل علينا أمورنا، وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين. اللهم زدنا علماً نافعاً، وعملاً صالحاً، بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين.

سبحانك اللهم وبحمدك على حلمك بعد علمك، سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك.

اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

إخوتي الكرام! شرعنا في مدارسة الأمر الثاني من المقدمة التي سنتدارسها قبل البدء بدروس الفقه، وقلت: هذه المقدمة ستدور على أمرين اثنين:

الأمر الأول: مر الكلام عليه في تعريف علم الفقه ومنزلته، وفي وجوب الاحتكام إلى شريعة ذي الجلال والإكرام.

والأمر الثاني كما قلت: في ترجمة موجزة لأئمتنا الفقهاء الأربعة، رضوان الله عليهم أجمعين.

قدمت للأمر الثاني إخوتي الكرام بمقدمة في الموعظة الماضية، وهي في منزلة ذكر الصالحين في الدين، فقلت: هذا لون من ألوان الدعوة إلى رب العالمين، وهذا البحث ليس من باب النافلة والاستطراد، إنما ينبغي أن يعتني به أهل الرشاد، فعدا عن حق أئمتنا علينا، وعدا عن تقربنا بذلك إلى ربنا، عدا عن هذين الأمرين كما قلت: أن النفس البشرية تستروح إلى القصة والخبر، ثم بعد ذلك عندما تسمعها تسري فيها أمور الخير التي تحتويها هذه القصة من حيث لا تشعر النفس البشرية.

وعليه فنحن بذلك نحصل فائدة عندما نسمع أخبار أئمتنا، وهذا الأمر نشبع به الشعور النفسي، الشعور الفطري في نفوسنا، ثم بعد ذلك نهذب أنفسنا من حيث لا نشعر عندما نعلم أحوال أئمتنا، وهذا يدعونا للاقتداء بهم رضوان الله عليهم.

إخوتي الكرام! آخر ما ذكرته في الموعظة الماضية: أنه عند ذكر الصالحين تنزل رحمات رب العالمين سبحانه وتعالى، وقلت: إن هذا الأثر ثابت عن أئمتنا الكرام الطيبين، قاله سفيان بن عيينة ، وقاله سفيان الثوري ، وأيضاً استشهد به أئمة الإسلام كالإمام أحمد ومن بعده رضوان الله عليهم أجمعين.

وقلت: إنه كلام حق ومعتبر، وبينت معناه، ووجهت هذا القول، ونقلت كلام الإمام الغزالي عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا في توجيهه وبيان معناه.

وقلت: إخوتي الكرام! سنبدأ في أول هذه الموعظة بأمر يسير تكملة للأمر الذي تدارسناه في الموعظة الماضية، ثم ندخل في ترجمة سيدنا أبي حنيفة رضي الله عنه وأرضاه.

هذا الأمر -إخوتي الكرام- الذي بقي علينا هو: كما أنه عند ذكر الصالحين تنزل رحمات رب العالمين، أيضاً عند ذكرهم يذكر رب العالمين سبحانه وتعالى، كما أنه عند ذكر الله يُذكر أولياء الله، وقد أشار إلى ذلك نبينا رسول الله على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه.

فقد ثبت في مسند الإمام أحمد، والأثر رواه أبو نعيم في الحلية، والحكيم الترمذي ، من رواية سيدنا عمرو بن الجموح الأنصاري رضي الله عنه وأرضاه، والأثر رواه الطبراني في معجمه الكبير عن عمرو بن الحنق ، فهو عن صحابيين عن عمرو بن الجموح وعن عمرو بن الحنق رضي الله عنهم أجمعين.

وفي إسناد الحديثين رشدين بن سعد الإمام الصالح من بلاد مصر، قال عنه الإمام الهيثمي في المجمع، في الجزء الأول صفحة تسع وثمانين: فيه رشدين بن سعد ، ضعيف. وإطلاق الضعف فيه يحتاج إلى شيء من التفصيل كما قال الحافظ في التقريب: ضعيف، ورجح أبو حاتم ابن لهيعة عليه، قال: وكان -أي ابن رشدين - رجلاً صالحاً في دينه، فأدركته غفلة الصالحين، فكان يهِم ويخطئ، وقد أخرج حديثه الترمذي في السنن، والإمام ابن ماجه ، وتوفي سنة ثمان وثمانين بعد المائة، عليه رحمة الله ورضوانه.

ومعنى الحديث إخوتي الكرام ثابت صحيح في آثار كثيرة، ولفظ الحديث عن نبينا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه أنه قال: ( لا يجد العبد صريح الإيمان حتى يحب في الله ويبغض في الله، فإذا أحب في الله وأبغض في الله استحق الولاية من الله )، صار ولياً لله عز وجل استحق الولاية من الله, ( قال الله عز وجل: وإن أوليائي من عبادي وأحبائي من خلقي الذين يذكرون بذكري، وأذكر بذكرهم، فإذا ذكرت ذكروا وإذا ذكروا ذكرت )، فهم أوليائي وهم أحبابي، وأنا سيدهم ومالكهم سبحانه وتعالى.

إذاً: يذكرون بذكري وأذكر بذكرهم، والحديث -كما قلت- ما في إسناده من تُكُلم فيه إلا هذا العبد الصالح، الذي أخذته غفلة الصالحين، وهو رشدين بن سعد عليه رضوان رب العالمين.

وهذا النعت لأولياء الله المتقين، هو المذكور أيضاً فيما أنزل على أنبياء الله السابقين، على نبينا وعليهم جميعاً صلوات الله وسلامه، روى شيخ الإسلام عبد الله بن المبارك في كتاب الزهد والرقائق، صفحة إحدى وسبعين، والأثر في المسند، والأثر رواه الإمام أحمد في كتاب الزهد، في صفحة أربع وسبعين، وهو من أخبار أهل الكتاب، أخبار نبي الله موسى على نبينا وعليه وصحبه صلوات الله وسلامه:

قال نبي الله موسى على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه مخاطباً ربه جل وعلا: ( رب أخبرني عن أهلك الذين هم أهلك، فقال: المتحابون فيّ، الذين يعمُرون مساجدي بذكري، ويستغفروني بالأسحار، الذين إذا ذكرت ذكروا، وإذا ذكروا ذكرت، هم الذين يُنِيبون إلى طاعتي كما تنيب النسور إلى وكورها )، يرجعون إلى طاعة الله ويلازمونها كما تلازم النسور أوكارها أو بيوتها، ( ويَكلفَون بحبي -أي: يتعلقون- كما يكلف الصبي بأمه، ويغضبون لمحارمي إذا انتهكت كما يغضب الليث الحَرِب )، أي: يغضبون لمحارمي إذا انتهكت كما يغضب الليث الحَرِب، وهو الأسد إذا غضب وأراد أن ينتقم.

حقيقة يذكر الله إذا ذكر أولياء الله، ويذكر الصالحون إذا ذكر الحي القيوم، ولذلك عند ذكرهم تنزل رحمة الله جل وعلا.

وكما قلت إخوتي الكرام! لذكرهم أثر كبير على نفوس العباد، فالسعيد السعيد من وُفق لذكرهم، ومحبتهم، وتعلق بهم، رضوان الله عليهم أجمعين.

ذكر الإمام ابن الجوزي في أول كتابه صفة الصفوة، في الجزء الأول صفحة خمس وأربعين، بعد الأثر المتقدم عن سيدنا سفيان بن عيينة ، نقل هذا الأثر عن محمد بن يونس أنه قال: ما رأيت للقلب أنفع من ذكر الصالحين.

وقال العبد الصالح خلف بن حوشب ، وهو من العلماء الربانيين، روى له البخاري في صحيحه تعليقاً، والإمام النسائي في خصائص سيدنا علي رضي الله عنه وأرضاه، قال: ما رأيت للقلب أنفع من أخلاق القوم. أي: من ذكر أخلاق القوم، أخلاق الصالحين، فإذا ذكرها الإنسان فإنها تسري معانيها في ذراته من حيث لا يشعر.




استمع المزيد من الشيخ عبد الرحيم الطحان - عنوان الحلقة اسٌتمع
مقدمة في الفقه - المكفرات من المخالفات [1] 4389 استماع
مقدمة في الفقه - تقوية اليقين بأخبار الصالحين [2] 3680 استماع
مقدمة في الفقه - فضل العلم [2] 3663 استماع
مقدمة في الفقه - الجنسية الإسلامية [2] 3541 استماع
مقدمة في الفقه - الجنسية الإسلامية [1] 3310 استماع
مقدمة في الفقه - عبادة سيدنا أبي حنيفة [1] 3293 استماع
مقدمة في الفقه - عبادة سيدنا أبي حنيفة [2] 3261 استماع
مقدمة في الفقه - لم يتبدل موضوع الفقه 3259 استماع
مقدمة في الفقه - فقه الإمام الشافعي [2] 3215 استماع
مقدمة في الفقه - فقه الإمام أبي حنيفة [3] 3168 استماع