شرح أخصر المختصرات [88]


الحلقة مفرغة

قال المصنف رحمه الله: [كتاب الإقرار:‏

يصح من مكلف مختار بلفظ أو كتابة، أو إشارة من أخرس، لا على الغير إلا من وكيل وولي ‏ووارث.‏

ويصح من مريض مرض الموت لا لوارث إلا ببينة أو إجازة، ولو صار عند الموت أجنبياً.‏

ويصح لأجنبي ولو صار عند الموت وارثاً.‏

وإعطاء كإقرار.‏

وإن أقرت أو وليها بنكاح لم يدعه اثنان قبل. ‏

ويقبل إقرار صبي له عشر أنه بلغ باحتلام .

ومن ادعي عليه بشيء فقال: "نعم" أو "بلى" ونحوهما أو "اتزنه" أو"خذه" فقد أقر، لا "خذ" ‏أو "اتزن" ونحوه.‏

ولا يضر الإنشاء فيه.

وله علي ألف لا يلزمني، أو ثمن خمر ونحوه يلزمه الألف.‏

وله أو كان علي ألف قضيته أو برئت منه فقوله.‏

وإن ثبت ببينة أو عزاه لسبب فلا.

وإن أقر وأنكر سبب الحق، ثم ادعى الدفع ببينة لم يقبل.‏

ومن أقر بقبض أو إقباض أو هبة ونحوها، ثم أنكر، ولم يجحد إقراره ولا بينة، وسأل إحلاف ‏خصمه لزمه.

ومن باع أو وهب أو أعتق، ثم أقر بذلك لغيره لم يقبل، ويغرمه لمقر له.‏

وإن قال: لم يكن ملكي، ثم ملكته بعد، قبل ببينة ما لم يكذبها بنحو قبضت ثمن ملكي.

ولا يقبل رجوع مقر إلا في حد لله.

وإن قال: له علي شيء، أو كذا، أو مال عظيم ونحوه، وأبى تفسيره، حبس حتى يفسره، ويقبل ‏بأقل مال، وبكلب مباح، لا بصبية أو خمر أو قشر جوزة ونحوه.

وله تمر في جراب أو سكين في قراب، أو فص في خاتم، ونحو ذلك يلزمه الأول.‏

وإقرار بشجر ليس إقراراً بأرضه، وبأمة ليس إقراراً بحملها، وببستان يشمل أشجاره.

وإن ادعى أحدهما صحة العقد، والآخر فساده فقول مدعي الصحة.

والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب].

آخر الكتاب هو الإقرار، وهو أحد ما يحكم به الحكام؛ لأن القاضي يحكم بالشهود ويحكم بالإقرار، يعني: الاعتراف، أي: يعترف إنسان بشيء، ويقولون: لا عذر لمقر، ذكر أن شريحاً القاضي كان يجلس للقضاء، فجاءه رجلان فقال أحدهما: إني تزوجت امرأة وإنها شرطت دارها، فقال: الشرط أوثق، فقالا: احكم بيننا، قال: قد فعلت، فقال: على من حكمت؟ قال: على ابن أمك، يعني: عليك أنت؛ لأنك اعترفت بأنها شرطت والشرط أوثق، فأنت لما اعترفت بهذا الشرط ألزمناك بموجبه.

من يصح إقراره

قال: (يصح إقرار من مكلف مختار بلفظ أو كتابة أو إشارة من أخرس):

الإقرار هو الاعتراف، لابد أن يكون المقر مكلفاً، المكلف هو البالغ العاقل، فلا يقبل إقرار الصبي واعترافه؛ لأنه غير مكلف، ولا إقرار المجنون؛ لأنه فاقد للعقل فلا يقبل إقراره، وكذلك لا يعمل بإقرار المكره، فإذا أكره وقيل: اعترف وإلا ضربناك، في هذه الحال إذا اعترف فإنه لا يلزم بهذا الاعتراف؛ ولذلك إذا أنكر بعد ذلك فإنه لا يقام عليه حد أو نحو ذلك، لكن إذا ثبت أن إقراره بدون إكراه فلا يقبل رجوعه.

وكثير من المتهمين يقبض عليهم الجنود، ويدخلونهم السجن، وقد يضربونهم ثم يعترف أحدهم بأنه القاتل، أو بأنه السارق، أو بأنه القاطع، أو بأنه المتهم بكذا والفاعل كذا، ثم إذا حضر عند القاضي وقد وقع عند الشرطة أنكر، فالقاضي لا يؤاخذه؛ لأنه يقول: إنني ما أقررت إلا تحت الجلد، ما أقررت إلا بعدما ضربوني وآلموني ألماً شديداً، فلم أستطع أن أتحمل فاعترفت للتخلص من ضربهم، فإن كان صادقاً فإنه لا يقبل اعترافه ولا يؤاخذ به، إلا إذا ذكر الشرط أنه اعترف باختياره ثم جاء من لقنه وقال له: أنكر حتى لا تؤاخذ، فأنكر عند القاضي، وقد كان اعترف طائعاً مختاراً، فلا يقبل إنكاره.

والإقرار يكون بالكلام، أي: بالتلفظ، يقول: أقر وأعترف بأن عندي لزيد ديناً أو ألفاً، أو أقر وأعترف بأني بعته بيتي بكذا وكذا، أو أقر وأعترف بأني الذي قطعت يده أو قتلت ابنه، أو الذي قلعت شجرته.

أو بكتابة، فإذا كتب على نفسه بخط يده، وكان هناك من يشهد أن هذا خط يده وتوقيعه، فإن ذلك يقبل منه.

وكذلك إذا كان أخرس لا يتكلم، ولكن إشاراته مفهومه، يشير بيده كذا وكذا فيفهمه الحاضرون، فإذا اعترف على نفسه فإنه يؤخذ على إقراره.

وأما إذا شهد على غيره وأقر على غيره فإنه لا يقبل، وكل أحد إذا أقر على غيره لا يقبل إقراره إلا الوكيل والولي والوارث.

فالإنسان الذي يقر على نفسه يقول: عندي دين، أما أن يقول: عند أخي أو عند أبي فهذه شهادة، ولا تكون إقراراً، لكن تقبل من الوكيل إذا قال: أنا وكيل لهؤلاء الأيتام، أقر بأني بعت ملكهم بكذا، بعت عقارهم أو بعت غنمهم بكذا؛ لأني موكل من قبل القاضي، فيقبل إقراره.

وكذلك ولي المرأة في النكاح إذا اعترف وقال: أقر بأني قد عقدت لها؛ لأني ولي أمرها، أنا أخوها، أو ابن أخيها وقد رضيت وعقدت لها.

وكذلك الوارث: إذا مات إنسان وخلف ورثة، واعترفوا وقالوا: نقر ونعترف بأن مورثنا مدين بكذا، عنده لفلان مائة أو ألف، أو أنه الذي وهب كذا، أو وقف كذا، أو ما أشبه ذلك، فيقبل إقرار الورثة.

هل يصح إقرار المريض؟ يصح ولو كان مريضاً مرض الموت، فيصح إقراره على نفسه، لكن لا يصح إقراره لوارث إلا ببينة أو إجازة؛ وذلك لأنه متهم بإضرار الورثة، فإذا اعترف عند الموت وقال: أعترف بأن بيتي هذا لزوجتي، ويريد بذلك أن يضر زوجته الثانية، أو يضر أولاده الآخرين؛ فلا يقبل إقراره، أو قال: أعترف بأني قد وهبت ابني الأرضية الفلانية أو السيارة الفلانية وأنكر ذلك بقية أولاده فلا يقبل؛ لأنه متهم بإضرارهم، والوالد عليه أن يسوي بين أولاده، فإذا أقر لوارث فلا يصح إلا ببينة أو إجازة.

البينة أن يقول شاهدان: نشهد أنه قد أقر عندنا قبل المرض بأن البيت الفلاني ليس له، وإنما هو لزوجته أو لولده الأكبر أو ما أشبه ذلك.

وكذلك إجازة الهبة أو الوقف أو نحو ذلك، إذا قال في مرض موته: قد أجزت عطيتي لفلان، أو هو وقف لكذا وكذا، أو أجزت لفلان أن يسكن في البيت كذا وكذا، لأنه كان قد طلبني وتوقفت، ولكن الآن قد أجزت، فلا تقبل للوارث حتى لو صار عند الموت أجنبياً، مثلاً: أقر به له لأنه عمه، وقبل الموت ولد له ولد فحجب العم، وأصبح العم أجنبياً، وتصح له الوصية ولكن العبرة أنه في حالة الوصية كان متهماً.

ويصح الإقرار لأجنبي ولو صار عند الموت وارثاً، وصورة ذلك أن يقول: أقر على نفسي أن ابن عمي فلاناً يطالبني بألف أو عندي له خمسة آلاف، أو أنه أعارني البيت الفلاني، وليس بملك لي، ففي مثل هذه الحال يقبل؛لأنه في حالة الإقرار ليس بمتهم، وليس بوارث، ولا يريد أن يورثه، لكن لو قدر أن ابن عمه هذا أصبح وارثاً له؛ بأن مات ابنه الذي كان حاجباً له، وورث ابن العم، فيقبل إقراره ولو كان عند الموت وارثاً.

العطية كالإقرار

يقول: (وإعطاء كإقرار)، العطية كالإقرار لا تصح في مرض الموت، فلا يصح في مرض الموت أن يوصي بأكثر من الثلث، ولا يصح في مرض الموت أن يقول مثلاً: أعطيت زوجتي كذا، أعطيت ولدي الأكبر كذا، أعطيت بنتي كذا؛ لأن المال قد تعلقت به حقوق الورثة الباقين، فلهم حق، فإذا أعطاهم أعطى الآخرين، فلا تصح الوصية في مرض الموت إلا لأجنبي.

الإقرار بنكاح لم يدعه اثنان

قال: (وإن أقرت أو وليها بنكاح لم يدعه اثنان قبل) أي: إذا اعترفت وقالت: نعم، أنا أقر أني زوجة فلان، ولم يدع زوجيتها إلا واحد، بأن قال: أنت زوجتي، فقالت: نعم، أقر بأني زوجتك، صح أما إذا جاء اثنان وكل واحد منهم يقول: هذه زوجتي.. هذه زوجتي، فأقرت لأحدهما لم يصح؛ وذلك لأن كل واحد منهما يدعي الزوجية، فلا يصح، ولكن في هذه الحال تفسخ من زوجها، وتزوج بمن شاءت.

إقرار الصبي

متى يقبل إقرار الصبي؟ إذا بلغ بالاحتلام، وقد يحتلم وهو ابن عشر، فإذا كان محتلماً -يعني: بالغاً- ففي هذه الحال يقبل ما أقر به، إذا قال مثلاً: نعم، أنا الذي فقأت عين فلان، أنا الذي جرحته، أنا الذي صدمت سيارته، قبل إقراره؛ لأنه ليس بسفيه؛ ولأنه يعتبر مكلفاً.

قال: (يصح إقرار من مكلف مختار بلفظ أو كتابة أو إشارة من أخرس):

الإقرار هو الاعتراف، لابد أن يكون المقر مكلفاً، المكلف هو البالغ العاقل، فلا يقبل إقرار الصبي واعترافه؛ لأنه غير مكلف، ولا إقرار المجنون؛ لأنه فاقد للعقل فلا يقبل إقراره، وكذلك لا يعمل بإقرار المكره، فإذا أكره وقيل: اعترف وإلا ضربناك، في هذه الحال إذا اعترف فإنه لا يلزم بهذا الاعتراف؛ ولذلك إذا أنكر بعد ذلك فإنه لا يقام عليه حد أو نحو ذلك، لكن إذا ثبت أن إقراره بدون إكراه فلا يقبل رجوعه.

وكثير من المتهمين يقبض عليهم الجنود، ويدخلونهم السجن، وقد يضربونهم ثم يعترف أحدهم بأنه القاتل، أو بأنه السارق، أو بأنه القاطع، أو بأنه المتهم بكذا والفاعل كذا، ثم إذا حضر عند القاضي وقد وقع عند الشرطة أنكر، فالقاضي لا يؤاخذه؛ لأنه يقول: إنني ما أقررت إلا تحت الجلد، ما أقررت إلا بعدما ضربوني وآلموني ألماً شديداً، فلم أستطع أن أتحمل فاعترفت للتخلص من ضربهم، فإن كان صادقاً فإنه لا يقبل اعترافه ولا يؤاخذ به، إلا إذا ذكر الشرط أنه اعترف باختياره ثم جاء من لقنه وقال له: أنكر حتى لا تؤاخذ، فأنكر عند القاضي، وقد كان اعترف طائعاً مختاراً، فلا يقبل إنكاره.

والإقرار يكون بالكلام، أي: بالتلفظ، يقول: أقر وأعترف بأن عندي لزيد ديناً أو ألفاً، أو أقر وأعترف بأني بعته بيتي بكذا وكذا، أو أقر وأعترف بأني الذي قطعت يده أو قتلت ابنه، أو الذي قلعت شجرته.

أو بكتابة، فإذا كتب على نفسه بخط يده، وكان هناك من يشهد أن هذا خط يده وتوقيعه، فإن ذلك يقبل منه.

وكذلك إذا كان أخرس لا يتكلم، ولكن إشاراته مفهومه، يشير بيده كذا وكذا فيفهمه الحاضرون، فإذا اعترف على نفسه فإنه يؤخذ على إقراره.

وأما إذا شهد على غيره وأقر على غيره فإنه لا يقبل، وكل أحد إذا أقر على غيره لا يقبل إقراره إلا الوكيل والولي والوارث.

فالإنسان الذي يقر على نفسه يقول: عندي دين، أما أن يقول: عند أخي أو عند أبي فهذه شهادة، ولا تكون إقراراً، لكن تقبل من الوكيل إذا قال: أنا وكيل لهؤلاء الأيتام، أقر بأني بعت ملكهم بكذا، بعت عقارهم أو بعت غنمهم بكذا؛ لأني موكل من قبل القاضي، فيقبل إقراره.

وكذلك ولي المرأة في النكاح إذا اعترف وقال: أقر بأني قد عقدت لها؛ لأني ولي أمرها، أنا أخوها، أو ابن أخيها وقد رضيت وعقدت لها.

وكذلك الوارث: إذا مات إنسان وخلف ورثة، واعترفوا وقالوا: نقر ونعترف بأن مورثنا مدين بكذا، عنده لفلان مائة أو ألف، أو أنه الذي وهب كذا، أو وقف كذا، أو ما أشبه ذلك، فيقبل إقرار الورثة.

هل يصح إقرار المريض؟ يصح ولو كان مريضاً مرض الموت، فيصح إقراره على نفسه، لكن لا يصح إقراره لوارث إلا ببينة أو إجازة؛ وذلك لأنه متهم بإضرار الورثة، فإذا اعترف عند الموت وقال: أعترف بأن بيتي هذا لزوجتي، ويريد بذلك أن يضر زوجته الثانية، أو يضر أولاده الآخرين؛ فلا يقبل إقراره، أو قال: أعترف بأني قد وهبت ابني الأرضية الفلانية أو السيارة الفلانية وأنكر ذلك بقية أولاده فلا يقبل؛ لأنه متهم بإضرارهم، والوالد عليه أن يسوي بين أولاده، فإذا أقر لوارث فلا يصح إلا ببينة أو إجازة.

البينة أن يقول شاهدان: نشهد أنه قد أقر عندنا قبل المرض بأن البيت الفلاني ليس له، وإنما هو لزوجته أو لولده الأكبر أو ما أشبه ذلك.

وكذلك إجازة الهبة أو الوقف أو نحو ذلك، إذا قال في مرض موته: قد أجزت عطيتي لفلان، أو هو وقف لكذا وكذا، أو أجزت لفلان أن يسكن في البيت كذا وكذا، لأنه كان قد طلبني وتوقفت، ولكن الآن قد أجزت، فلا تقبل للوارث حتى لو صار عند الموت أجنبياً، مثلاً: أقر به له لأنه عمه، وقبل الموت ولد له ولد فحجب العم، وأصبح العم أجنبياً، وتصح له الوصية ولكن العبرة أنه في حالة الوصية كان متهماً.

ويصح الإقرار لأجنبي ولو صار عند الموت وارثاً، وصورة ذلك أن يقول: أقر على نفسي أن ابن عمي فلاناً يطالبني بألف أو عندي له خمسة آلاف، أو أنه أعارني البيت الفلاني، وليس بملك لي، ففي مثل هذه الحال يقبل؛لأنه في حالة الإقرار ليس بمتهم، وليس بوارث، ولا يريد أن يورثه، لكن لو قدر أن ابن عمه هذا أصبح وارثاً له؛ بأن مات ابنه الذي كان حاجباً له، وورث ابن العم، فيقبل إقراره ولو كان عند الموت وارثاً.

يقول: (وإعطاء كإقرار)، العطية كالإقرار لا تصح في مرض الموت، فلا يصح في مرض الموت أن يوصي بأكثر من الثلث، ولا يصح في مرض الموت أن يقول مثلاً: أعطيت زوجتي كذا، أعطيت ولدي الأكبر كذا، أعطيت بنتي كذا؛ لأن المال قد تعلقت به حقوق الورثة الباقين، فلهم حق، فإذا أعطاهم أعطى الآخرين، فلا تصح الوصية في مرض الموت إلا لأجنبي.

قال: (وإن أقرت أو وليها بنكاح لم يدعه اثنان قبل) أي: إذا اعترفت وقالت: نعم، أنا أقر أني زوجة فلان، ولم يدع زوجيتها إلا واحد، بأن قال: أنت زوجتي، فقالت: نعم، أقر بأني زوجتك، صح أما إذا جاء اثنان وكل واحد منهم يقول: هذه زوجتي.. هذه زوجتي، فأقرت لأحدهما لم يصح؛ وذلك لأن كل واحد منهما يدعي الزوجية، فلا يصح، ولكن في هذه الحال تفسخ من زوجها، وتزوج بمن شاءت.

متى يقبل إقرار الصبي؟ إذا بلغ بالاحتلام، وقد يحتلم وهو ابن عشر، فإذا كان محتلماً -يعني: بالغاً- ففي هذه الحال يقبل ما أقر به، إذا قال مثلاً: نعم، أنا الذي فقأت عين فلان، أنا الذي جرحته، أنا الذي صدمت سيارته، قبل إقراره؛ لأنه ليس بسفيه؛ ولأنه يعتبر مكلفاً.

قال: (من ادعي عليه بشيء فقال: نعم، أو بلى، أو نحوهما، أو اتزنه، أو خذه، فقد أقر) إذا قال له: عندك لي ألف، قال: نعم، أو قال: أليس لي عندك ألف؟ فقال: بلى، هل يؤاخذ؟ نعم يؤاخذ بهذا الإقرار ويلزم به.

وكذلك لو قال مثلاً: عندك لي عشرة آصع بر، أو عشرة كيلو لحم، فقال: خذه أو اتزنه أو اكتله، فمعنى ذلك: أنه عنده، ويقول: خذه، أي: قرب مكيالاً أو قرب ميزاناً وخذه، فهذا يعتبر إقراراً، فإذا أنكر بعد ذلك لم يقبل منه.

لكن لو قال: خذ أو اتزن، فإن هذا لا يكون إقراراً بهذا المقدار، أي: لو قال: عندك لي عشرة آصع، فقال: خذ، فقد يقول: ما أردت بخذ إلا صاعاً واحداً، أو قال: اتزن، ثم قال: ما أردت بالاتزان إلا كيلو واحداً، فلا يكون إقراراً بكيل الجميع.

قال: (ولا يضر الإنشاء فيه) الإنشاء هو الابتداء، أن يبتدئ ويقول: أنا عندي لفلان كذا، هذا إنشاء، يعني: ابتداء الكلام.

(وإذا قال: له علي ألف لا يلزمني، أو) له علي ألف (ثمن خمر)، أو ثمن خنازير، (يلزمه الألف)، أي: يطالب بالإلف؛ وذلك لأن إقراره بالألف اعتراف، ثم قوله بأن هذا ثمن خمر هذه دعوى، والمدعي لا تقبل دعواه إلا ببينة، فإذا أتى ببينة أن هذا ثمن خمر سقطت عنه؛ لأن الخمر لا قيمة لها.

وأما قوله: لا يلزمني، فإن هذه دعوى، كيف تقول عندك لي ألف ثم تقول: لا يلزمني؟ ما السبب؟ إذا كانت عندك فإنها تلزمك؛ لكن إذا قال: له علي ألف قد قضيته أو كان علي ألف قضيته، أو ألف وبرئت منه، أو أبرأني، أو أسقطه عني، فإنه يقبل قوله بيمينه.

أنت الآن اعترفت بهذا الألف، وأنكر هو أنه قد قضي أو أنه أبرأك منه، فاحلف على هذا.

لكن إذا ثبت ببينة أو عزاه لسبب فلا يقبل إلا ببينة، إذا قال مثلاً: نعم، عندي له ألف وثبت ببينة، وشهدت الشهود أن الألف ثابت، ثم ادعى بعد ذلك أنه قد قضاه؛ فلا يقبل منه إلا ببينة على القضاء، وكذلك إذا قال: عندي له ألف قرضاً أو عندي له ألف بقية ثمن سيارة أو ثمن دار، فعيَّن الثمن أو ذكر السبب بأنه قرض أو أجرة دار أو نحو ذلك؛ فلا يقبل قوله بالإسقاط وبالقضاء إلا ببينة.

من أنكر سبب الحق ثم ادعى الدفع ببينة

يقول: (وإن أنكر سبب الحق ثم ادعى الدفع ببينة لم يقبل)، إنكار سبب الحق كأن يقول: ما شريت منك، ولا استأجرت منك، ولا اقترضت منك أبداً، وبعد ذلك ثبت الشراء، ولما ثبت الشراء قال: صحيح أنني قد اشتريت منك، لكن عندي بينة أنني قد قضيتك، وأحضر من يشهدون بالقضاء وبالوفاء، ففي هذه الحال لا تقبل؛ لأنه أنكر الأصل.

يقولون: لا يقبل قوله حتى ولو أتى ببينة، ويوجد قول ثانٍ ولعله أقرب وهو: أنها تقبل إذا ادعى النسيان، إذا قال: أنا نسيت أني اشتريت منك سيارة، أو نسيت أني اشتريت منك الطعام، ولكن تذكرت الآن، وعندي بينة أنني قضيتك، وهي بينة عادلة، فجاء بالبينة بأنه قد قضاه، ففي هذه الحال تقبل البينة، والقول الأول يقول: تكذب البينة؛ لأنه جاحد يقول: ما اشتريت منه، ولا استأجرت منه، ولا أعرفه، ولا اقترضت منه، ولا شيء عندي له أبداً. ثم ثبت ذلك الدين، ثم ادعى وقال: إني قد قضيته. وكان ذلك بعد أن أنكر، فيقولون: لا يقبل قوله ولو بالبينة؛ لأنه يكذب البينة، ولكن إذا ادعى النسيان فالصحيح أنه يقبل منه ببينة.

حكم من أقر بقبض ثم أنكر ولم يجحد إقراره

قال: (ومن أقر بقبض أو إقباض ببينة أو هبة ونحوها، ثم أنكر ولم يجحد إقراره ولا بينة وسأل إحلاف خصمه لزمه):

صورة ذلك أن يقول: أنا أعترف بأني اقترضت منك ألفاً أو وهبتك ألفاً أو أقبضتك الهبة، أعترف بأني قد وهبتك مثلاً شاة وأنك استلمتها، أو وهبتك مائة وسلمتها لك، أو أعترف أنك أقبضتني مثلاً ألفاً، أو قبضت منك ألفاً أو نحو ذلك، أو وهبتني كذا ولكني ما قبضت، أو قبضت ولكني ما أثبتك على شيء من ذلك. ثم أنكر ولم يجحد إقراره، أي: أنكر بعد ذلك أن يكون مديناً بألف أو بنصف ألف، لكن ما جحد إقراره، فهو معترف بأنه قبض أو أقبض أو وهب، وما وجد بينة، ولكن قال: احلف يا خصم أني ما أقبضتك الألف، احلف أنك أقبضتني الألف، احلف أنك وهبتني أو أني وهبت لك. فيحلف الخصم.

حكم من باع أو أعتق ثم أقر به لغيره

يقول: (ومن باع أو وهب أو أعتق ثم أقر بذلك لغيره لم يقبل، ويغرمه لمقر له):

صورة ذلك أن يبيع شاة ويستلم ثمنها أو يهب كيساً أو يعتق عبداً على أن هذه كلها ملكه، وبعد ذلك اعترف وقال: أعترف الآن أن العبد الذي أعتقته ليس لي، ولكنه لابن أخي، أو لأخي أو لابن عمي، فهل يقبل منه؟ لا يقبل منه، بمعنى: أنه لا يرجع العبد عبداً، بل يبقى على حريته.

وكذلك أيضاً: هل تسترد الهبة التي وهبها ثم ادعى أنها شاة لابن عمه أو لجاره؟ لا ترد.

وكذلك لا يرد البيع، إذا قال: أنا بعتك ولكني ما ذكرت لك أن البيت ليس لي، إنما هو لجاري، وبعته ظناً أنه سيجيز البيع، والآن أريد أن أرده. فلا يرد؛ لأنه قد لزم.

وفي هذه الأحوال يلزمه الغرامة لمن أقر له، فإذا قال: العبد لجاري، يقال: اغرمه لأنك أعتقته واعترفت بأنه ليس لك، أو قال مثلاً: الشاة التي وهبتك ليست لي وإنما لزيد، فيقال: اغرمها لزيد، والهبة لا ترد.

حكم من قال: لم يكن ملكي ثم ملكته بعد

يقول: (وإن قال: لم يكن ملكي ثم ملكته بعد، قبل ببينة ما لم يكذبها بنحو: قبضت ثمن ملكي)، إذا قال: هذا الكيس وهذه الشاة وهذا العبد الذي بعته أو وهبته أو أعتقته لم يكن في ملكي ثم ملكته بعدما أعتقته، حيث وهبه لي صاحبه، أو ملكت الشاة أو ملكت الكيس بعد الهبة وبعد التصرف؛ فإنه يقبل ببينة، فالبينة إذا شهدت بأنه ملكه قبل منه، ففي هذه الحال يمضي البيع وتمضي الهبة.

لكن إذا كذب البينة بقوله: قبضت ثمن ملكي، فإن هذا دليل أنها ملكه قبل البيع، فقوله: إني ملكتها بعد البيع يكذب نفسه، أي: إذا قال: بعتك الكيس، ثم قال: أعترف أني قبضت ثمن الكيس الذي هو ملكي، ثم ادعى بعد ذلك أن الكيس ليس ملكه، ولكن صاحبه قد باعه منه أو وهبه بعد ذلك، فإذا قال: إني قبضت ثمن ملكي، فهو يكذب البينة.

يقول: (وإن أنكر سبب الحق ثم ادعى الدفع ببينة لم يقبل)، إنكار سبب الحق كأن يقول: ما شريت منك، ولا استأجرت منك، ولا اقترضت منك أبداً، وبعد ذلك ثبت الشراء، ولما ثبت الشراء قال: صحيح أنني قد اشتريت منك، لكن عندي بينة أنني قد قضيتك، وأحضر من يشهدون بالقضاء وبالوفاء، ففي هذه الحال لا تقبل؛ لأنه أنكر الأصل.

يقولون: لا يقبل قوله حتى ولو أتى ببينة، ويوجد قول ثانٍ ولعله أقرب وهو: أنها تقبل إذا ادعى النسيان، إذا قال: أنا نسيت أني اشتريت منك سيارة، أو نسيت أني اشتريت منك الطعام، ولكن تذكرت الآن، وعندي بينة أنني قضيتك، وهي بينة عادلة، فجاء بالبينة بأنه قد قضاه، ففي هذه الحال تقبل البينة، والقول الأول يقول: تكذب البينة؛ لأنه جاحد يقول: ما اشتريت منه، ولا استأجرت منه، ولا أعرفه، ولا اقترضت منه، ولا شيء عندي له أبداً. ثم ثبت ذلك الدين، ثم ادعى وقال: إني قد قضيته. وكان ذلك بعد أن أنكر، فيقولون: لا يقبل قوله ولو بالبينة؛ لأنه يكذب البينة، ولكن إذا ادعى النسيان فالصحيح أنه يقبل منه ببينة.