شرح أخصر المختصرات [49]


الحلقة مفرغة

قال المصنف رحمه الله تعالى:

[فصل:

ويصح الإيصاء إلى كل مسلم مكلف رشيد عدل، ولو ظاهرًا، ومن كافر إلى مسلم، وعدل في ‏دينه.

ولا يصح إلا في معلوم يملك الموصي فعله.

ومن مات بمحل لا حاكم فيه ولا وصي، ‏فلمسلم حوز تركته، وفعل الأصلح فيها من بيع وغيره، وتجهيزه منها، ومع عدمها منه، ويرجع ‏عليها أو على من تلزمه نفقته إن نواه، أو استأذن حاكمًا].

هذا الفصل يتعلق بالموصى إليه، والفقهاء يذكرون باب الموصي، وباب الموصى به، وباب الموصى له، وباب الموصى إليه.

والمراد بالموصى إليه الوكيل الذي يتولى تنفيذ الوصية، فمن شروط الموصى إليه: أن يكون مسلماً مكلفاً رشيداً عدلاً ولو ظاهراً، فلا يصح أن يوكل كافراً إلا عند الضرورة، دليل ذلك قول الله تعالى في آية الوصية: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ.. [المائدة:106] إلخ الآية.

وسبب نزولها: أن رجلاً من قريش كان مسافراً ومعه مال، وفيه جام ثمين، فحضره الموت وليس عنده إلا اثنان من النصارى، فأوصى بماله، فتوليا وصيته، ثم إنهما جحدا من تركته جاماً له قيمة، فجاءوا بتركته إلى قبيلته من بني سهم، فقالوا: أين الجام؟ فقالوا: لا نعرفه، ثم عثر على الجام بعد ذلك وقد بيع، وأخبر المشتري بمن باعاه، وهما الوصيان، فأنزل الله هذه الآية، وهي تدل على أنه إذا لم يكن عنده من يوصي إليه، فله أن يوصي إلى كافر، وإذا خيف أن هذا الكافر لا يؤدي الأمانة فإنه يستحلف، كما قال فيقسمان بالله أي: يحلفان بعد الصلاة، كما في هذه الآية: تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنْ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذاً لَمِنْ الآثِمِينَ [المائدة:106].

فإذا خيف أنهما كتما، حلف اثنان من أولياء الميت: فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذاً لَمِنْ الظَّالِمِينَ * ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا [المائدة:107-108]، فهذا في حالة الضرورة.

واشترطوا في الوكيل أن يكون مكلفاً، فلا يوكل على تركته أو على وصيته صغيراً غير مميز، ولا يوكل مجنوناً فاقد العقل.

واشترطوا أيضاً أن يكون رشيداً، والرشد هو الصلاح في المال، فالرشيد هو الذي يكون مصلحاً للمال، وحافظاً له، ومواظباً عليه، ومأموناً عليه، أما إذا كان مفسداً للأموال سفيهاً مسرفاً، فلا يصح أن يوكل.

ومن شروطه أن يكون عدلاً، والعدالة تكون في الدين وتكون في الدنيا، فلا يصح أن يوصي إلى فاسق، والفاسق هو من يفعل المنكرات والفواحش، ويفعل الآثام، وما أشبهها، ففي هذه الحال لا تصح الوصية إليه.

فالإسلام، والعقل، والبلوغ، والرشد، والعدالة، هذه شروط الموصى إليه، وهو الوكيل.

ويشترط أن يكون عدلاً ولو ظاهراً، أي: يكون عدلاً في الظاهر، فيقولون: لا نعلم عنه إلا خيراً، وباطنه أمره إلى الله.

قال المصنف رحمه الله: (وتصح من كافر إلى مسلم) أي: يصح أن الكافر يوكل ويوصي إلى مسلم.

قال: (وعدل في دينه)، أي: يصح أن الكافر يوصي أو يوكل عدلاً في دينه، أما المسلم فلا يوصي إلى كافر إلا عند الضرورة كما ذكرنا.

شروط الموصى به أن يكون معلوماً، والموصى به هو المال، أو الأفعال التي يوصى بها، وذلك كأن يقول: أوصيت بوقف هذا البيت، أو أوصيت بالأضحية بهذه الشاة، أوصيت بالصدقة بهذا الألف، أوصيت بالصدقة بهذه الأكياس، وما أشبهها، فهذا هو الموصى به.

ويشترط أن يملكه الموصي، فلا يقول: إذا مت فأعتقوا عني عبد فلان، أو أوقفوا لي بيتاً؛ لأن هذا لا يملكه، ولا يقول: ضحوا عني بشاة فلان؛ لأنه لا يملكها، فلا يوصي إلا بشيء من ملكه، وكذلك أيضاً الأفعال.

ومعلوم أن الإنسان إنما يملك ما ولي، فلا يصح أن يقول: أوصيت زيداً على أولاد أخي، فأبوهم أولى بهم، أو يقول: على أن يقسّم تركة أخي، فيقال: أخوك هو الذي يوصي.

فلابد أن يكون ذلك الفعل الذي أوصى به يملك ذلك الموصي فعله.

ذكر المصنف رحمه الله أن من مات بمحل ليس فيه حاكم، ولا وصي، فعلى من حضره من المسلمين أن يتولوا تركته ويحوزها المسلم العدل، ويفعل ما فيه الصلاح من بيع أو غيره، كإنسان غريب في بلد، وقدر أنه ليس في تلك البلد قاض، فأتاه الموت وهو في تلك البلدة بعيداً عن أهله، فلا تترك تركته تضيع وينتهبها الناهبون، بل يتبرع أحد المسلمين الأكفاء فيتولى تركته، فيجمع أمواله وتركته، وديونه وحقوقه، وإذا جمعها حفظها، فإن كان وصى بصدقة نفذها، وإذا احتاج شيء إلى أن يباع باعه إذا كان ذلك أصلح، فإذا كان فيها بهائم تحتاج إلى علف، ولا يمكن أن يشتري لها، ويخاف أن تموت جوعاً فإنه يبيعها، وإذا كان فيها شيء يفسد كأطعمة أو تمور أو فواكه فإنها يبيعها ولا يتركها تفسد، وإذا كان فيها شيء يخاف عليه التلف فإنه يبيعه كثياب يخشى عليها الحرق ونحوه، ويحفظ ثمنها، ثم يرسل بها إلى بلده التي فيها أهله.

وإذا احتاج الميت إلى التجهيز يجهزه من تركته، أي: أجرة تغسيله، وقيمة الحنوط، وثمن الكفن، وأجرة الحفار ونحوها، فيجهزه ذلك المسلم الذي تولاه من تركته محتسباً للأجر.

فإن عدمت التركة فلم يكن له مال، ولم يكن عنده شيء، ففي هذه الحال يجهزه من نفسه، إما تبرعاً وصدقة وإما قرضاً، فيحتسب ما جهزه به، ثم يرجع به على ورثته أو على أهله، فيخبرهم بأنه مات، وخسرت على تجهيزه مائة أو مائتين، فله أن يطالبهم بما جهزه به.

هذا إذا لم يوجد متبرع، فيرجع بها على تركته أو على من تلزمه نفقته إن نواه.

وقوله رحمه الله: (أو استأذن حاكماً) أي: إذا كانت نيته أن يرجع على ورثته أو تركته أو أذن له الحاكم وقال: أنت يا فلان موكل على أن تجهزه، فرخص له الحاكم فجهزه، ففي هذه الحال يرجع على من تلزمه مؤنته.




استمع المزيد من الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح أخصر المختصرات [21] 2736 استماع
شرح أخصر المختصرات [28] 2712 استماع
شرح أخصر المختصرات [72] 2603 استماع
شرح أخصر المختصرات [87] 2567 استماع
شرح أخصر المختصرات [37] 2479 استماع
شرح أخصر المختصرات [68] 2345 استماع
شرح أخصر المختصرات [81] 2337 استماع
شرح أخصر المختصرات [58] 2327 استماع
شرح أخصر المختصرات [9] 2315 استماع
شرح أخصر المختصرات [22] 2263 استماع