خطب ومحاضرات
شرح أخصر المختصرات [48]
الحلقة مفرغة
قال المصنف رحمه الله: [كتاب الوصايا: يسن لمن ترك مالاً كثيراً عرفاً الوصية بخمسه.
وتحرم ممن يرثه غير أحد الزوجين بأكثر من الثلث لأجنبي، أو لوارث بشيء.
وتصح موقوفة على الإجازة.
وتكره من فقير وارثه محتاج، فإن لم يف الثلث بالوصايا تحاصوا فيه كمسائل العول، وتخرج الواجبات من دين وحج وزكاة من رأس المال مطلقاً.
وتصح لعبده بمشاع كثلث، ويعتق منه بقدره، فإن فضل شيء أخذه، وبحمل ولحمل تحقق وجوده، لا لكنيسة وبيت نار وكتب التوراة والإنجيل ونحوها، وتصح بمجهول ومعدوم، وبما لا يقدر على تسليمه.
وما حدث بعد الوصية يدخل فيها، وتبطل بتلف معين وصى به.
وإن وصى بمثل نصيب وارث معين، فله مثله مضموماً إلى المسألة، وبمثل نصيب أحد ورثته له مثل ما لأقلهم، وبسهم له سدس، وبشيء أو حظ أو جزء يعطيه الوارث ما شاء].
اختصر المؤلف الوصايا مع كونها كثيرة المسائل، وتوسع الفقهاء فيها، والغالب أن كلامهم فيها إنما هو فرض مسائل.
ذكر الله تعالى الوصية في القرآن، قال تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ [البقرة:180]، وكان هذا قبل أن تنزل الفرائض، فكان أحدهم إذا حضره الموت قال: اقسموا مالي، فأعطوا الوالد كذا، وأعطوا الوالدة كذا، وأعطوا الزوجة كذا، وأعطوا الأخ كذا، وأعطوا الابن أو البنت كذا وكذا.. فكان هو الذي يقسمه، وكان الله أمر بذلك (إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ)، ولما نزلت آيات المواريث نسخت إطلاق هذه الآية، وأصبحت الوصية لا تصح للورثة، وقد ثبت قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث) فالوارث يكفيه نصيبه.
والذين يرثون بكل حال -كما سيأتينا في الفرائض- الأولاد ذكوراً وإناثاً، والأبوان (الأب والأم)، والزوجة أو الزوج، فهؤلاء لا يصح أن يوصي لهم، وأما غيرهم فيصح أن يوصي له إلا إذا كان يرث، أو أوصى له وهو لا يرث، ولكن أصبح بعد ذلك وارثاً، كما لو أوصى لأخيه من الأب فقال: إذا مت فأعطوا أخي من الأب ألفاً أو عشرين ألفاً، وكان محجوباً بأخيه الشقيق، فمات الشقيق قبل الموصي، فأصبح الأخ من الأب وارثاً، فلا يعطى شيئاً من الوصية، ولا يوصى له؛ لأنه أصبح وارثاً.
وكذلك ما ذكرناه قريباً: فيما إذا أوصى لأخيه، وكان له ابن، فمات الابن قبل الموصي، أصبح الأخ وارثاً، فلا يصح أن يوصى له.
يقول المؤلف: (يسن لمن ترك مالاً كثيراً عرفاً الوصية بخمسه):
قول الله تعالى: إِنْ تَرَكَ خَيْرًا [البقرة:180] المراد: ترك مالاً كثيراً فيه فضل على ورثته، وإلا فإن الأصل أن يجمع المال لورثته ليتوسعوا في ماله، هذا هو الأصل.
ومعلوم أن الورثة أحق بمال مورثهم، سيما إذا كانوا فقراء، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لـسعد : (إنك إن تذر ورثتك أغنياء، خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس)، عالة: يعني فقراء، فإذا كان ماله قليلاً، وورثته ذوي حاجة وفقراء، فالصدقة تكون فيهم، فلا يستحب له أن يوصي لا بثلث ولا بأقل من الثلث؛ لأن إمساكه للمال لأجل توسعته على ورثته أفضل.
فإذا كان الورثة أغنياء وأثرياء، وسمحوا بزيادة على الثلث، فله أن يتصدق ولو بماله كله، فلو قدر أنه ليس له ورثة، لا أصحاب فروض ولا عصبات، ففي هذه الحال له أن يوصي بماله كله، لأن المال في هذه الحال سيدخل في بيت المال، فله أن يوصي أو يتصدق بماله كله، سواء في الحياة أو بعد الممات.
أما حكم الوصية فيستحبون أن يوصي بالخمس، فقد ذكر عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال: رضيت لنفسي ما رضي الله لنفسه، فأوصى بالخمس؛ وذلك اقتداءً بقول الله تعالى: فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ [الأنفال:41] يعني: أن ظاهر الآية أن الله تعالى أمر بأخذ الخمس من الغنائم، فأوصى بالخمس، فهذا دليل استحباب الوصية بالخمس.
وروي عن ابن عباس أنه قال: وددت لو أن الناس غضوا من الثلث إلى الربع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الثلث؛ والثلث كثير)، فصاروا يستحبون أن يوصي بالربع ولو كان عنده أموال طائلة.
ثم ذكروا أنه لا يصح أن يوصي بأكثر من الثلث لأجنبي، ولا بشيء لوارث؛ وذلك لأن الحق للورثة إذا كان له ورثة.
فلا يوصي بأكثر من الثلث؛ لقوله: (الثلث؛ والثلث كثير) إلا بإجازة الورثة، ولا يوصي لوارث بشيء ولو كان قليلاً، ولو كان الوارث محتاجاً، ويستثنى من ذلك إذا لم يكن له وارث إلا الزوجة، فإذا لم يرثه إلا زوجته، فله أن يوصي بأكثر من الثلث؛ لأن الزوجة ستأخذ نصيبها كاملاً.
تعريف الوصية وسنية كتابتها
وتعريفها: أنها الأمر بالتصرف بعد الموت، يعني أن يوصي غيره بأن يتصرف له بعد الموت بكذا وكذا، فيدخل فيها أن يوصيه بأولاده، فيقول: أنت وكيلي على ذريتي الأطفال تنفق عليهم وتحفظ أموالهم، ويدخل فيه أن يوصيه بتفريق ثلثه أو بتنشئته أو نحو ذلك، ويدخل في ذلك أيضاً أن يوصي إليه بوفاء دينه، أو ما أشبه ذلك.
ويستحب أو يتأكد أن يكتب وصيته، فقد ثبت في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما حق امرئ مسلم له شيء يريد أن يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده)، فمن هذا استحبوا بتأكد كتابة الإنسان وصيته في حياته، ولو كان شاباً، ولو كان سليم القوى، وذلك لأنه لا يدري متى يفجؤه الأجل، فإذا كتب وصيته ومات فجأة كان قد أوصى، واحتاط لنفسه.
فيكتب الديون التي له: عند فلان لي كذا، وعند فلان كذا وكذا، ويكتب الديون التي في ذمته: عندي لفلان كذا، وعندي لفلان كذا، ويكتب الأمانات التي عنده، فيقول: عندي لفلان أمانة في موضع كذا وكذا، وقدرها كذا أو نوعها كذا وكذا، أو عندي وصية أبي أو وقف جدي أو أبي الذي فيه كذا وكذا، فيفصل ذلك، حتى لا يبقى في ذمته شيء؛ وذلك لأنه إذا مات ولم يكتب وصاياه وديونه، ثم جاء الغرماء إلى ورثته وقالوا: إننا نطالبه بدين مقداره كذا. فالورثة قد لا يصدقون، وقد يأتيهم من هو كاذب، فربما يكون أحدهم صادقاً ويتورع عن الحلف، أو لا يجد بينة، فلا يأتيه حقه، فيبقى الميت معلقاً بدينه، ويؤخذ في الآخرة من أعماله.
وكذلك قد تضيع حقوقه وديونه التي على الناس مع حاجة ورثته إليها، فلذلك يتأكد أن يحتاط ويكتب ما كان عنده من أمانات ومن وصايا وأوقاف وديون وغيرها.
وقد كتب كثير من المشايخ نماذج للوصايا صغيرة أو كبيرة، حتى طبعت رسالة في نحو عشرين صفحة مكتوب عليها كعنوان "هذه وصيتي"، ففي مقدمتها فضل الوصية والاحتياط لها، وما يكتبه، وما عنوان الديون التي له، والأملاك التي لي، والديون التي علي، والأملاك التي أنا شريك فيها، وكذلك أيضاً أوصي بكذا وكذا، وعلى وصيي أن يعمل بكذا وكذا.
وبعضهم اختصر نموذجاً وجعله في صفحة أو في صفحتين، وجعل فيه بياضاً يكتب فيه الموصي اسمه واسم الوكيل الذي يوصيه، وبياضاً أيضاً لما يريد أن يثبته في ذمته من الديون أو الحقوق، أو ما يوصي من المال كثلث أو ربع أو خمس، وما يريد أن يجعله في تلك الوصية من مال أو من أعمال بر، فإذا حصلت على هذا النموذج وكتبته في مقدمة وصيتك أو أشغلت فيه الفراغ الذي في وسطه واحتفظت به، فإن ذلك أولى وأحرى وأجدر.
ومعلوم أيضاً أن الموصي في حياته يغير ما يريد، فيزيد في وصيته ويغير فيها، فإذا قال: إذا مت فبيتي يصير وقفاً، ثم بدا له في حياته فباعه جاز له ذلك، أو نقله من بيت إلى بيت، جاز ذلك؛ لأنه في حياته يملك التصرف في وصيته بزيادة أو بنقص أو بتغيير أو نحوه؛ وذلك لأنها لا تثبت إلا بعد الموت.
ثم هناك أيضاً مقدمة للوصية رواها كثير من العلماء، وكانوا يكتبونها في مقدمة وصاياهم، وهي موجودة في مصنف عبد الرزاق وغيره من المصنفات القديمة، وذلك أنهم كانوا يكتبون في مقدمة الوصية:
هذا ما أوصى به فلان، وهو يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وأن الجنة حق، والنار حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور. ويوصي من خلفه أن يتقوا الله، ويصلحوا ذات بينهم إن كانوا مؤمنين، وأن يحافظوا على الصلوات، وأن يبتعدوا عن المحرمات.. إلخ ذلك من نصائح يكتبها لورثته أو لمن بعده، فكانوا يستحبون هذا في مقدمة الوصية.
استحباب الوصية بالخمس
ومعنى (كتب عليكم): فرض عليكم إذا حضر أحدكم الموت أن يوصي، فيقول: أعطوا أبوي من مالي كذا، أعطوا الوالد كذا، والوالدة كذا، والأخ الفلاني كذا، والأخ الفلاني كذا، والابن كذا، والبنت كذا، هذا معنى قوله: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا) يعني: مالاً (الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ) فالأقربون يدخل فيهم الإخوة ونحوهم.
ولما نزلت آيات المواريث نسخ الإطلاق، فقيدت الوصية بأن تكون لغير الوارث، فجاء في الحديث المشهور قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث) أي: قد بين الله تعالى الحقوق، فلا يصح لأحد أن يوصي للوارث، بل الوارث يكفيه نصيبه من الإرث.
وقد تقدم في الهبة والعطية أنه إذا أعطى في مرض موته فلا تنفذ تلك العطية إلا بعد الموت، ولا تنفذ بعد الموت إلا إذا خرجت من الثلث، وكذلك الوصايا، لا يصح أن يوصي بأكثر من الثلث، ولا يصح أن يوصي للورثة بأي شيء، بل الورثة يكفيهم إرثهم.
ثم ذكر الله تعالى أن الوصية تكون لمن ترك خيراً، وفسروا ذلك بما إذا ترك مالاً كثيراً فإنه يوصي، وتكون وصيته على المستحب بالخمس، قال أبو بكر رضي الله عنه: رضيت لنفسي ما رضي الله لنفسه. يعني: قوله تعالى: فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ [الأنفال:41] فأوصى بالخمس.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: وددت لو أن الناس غضوا من الثلث إلى الربع؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (والثلث كثير) أي: فلا يزاد على الثلث، ويستحب أن ينقص منه إلى الربع، وهذا الحديث هو حديث سعد بن أبي وقاص ، يقول: (عادني النبي صلى الله عليه وسلم بمكة وأنا مريض، فقلت: يا رسول الله! إني امرؤ ذو مال، ولا يرثني إلا ابنة، أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال: لا. قلت: فالشطر؟ قال: لا. قلت: فالثلث؟ قال: الثلث؛ والثلث كثير، إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس) فذكر هنا أن الثلث كثير، وأن سعداً لا يرثه إلا بنت واحدة، أي: وزوجته، وبقية المال يأخذه عصبته كإخوته وبنيهم، ومع ذلك منعه من أن يزيد على الثلث، وقال: الثلث كثير، وعلل بإغنائه لورثته، أي: احرص على أن تغني ورثتك.
ثم إن سعداً شفي من ذلك المرض وتزوج، وولد له أولاد منهم مصعب بن سعد ، وعامر بن سعد ، وعمر بن سعد وغيرهم، ومع ذلك يظهر أنه التزم بما عاهد عليه النبي صلى الله عليه وسلم بأن يخرج الثلث، يوصي به كصدقة، وذكروا أنه توفي في حدود سنة ست وخمسين.
فالحاصل أن في هذا أن منع الزيادة على الثلث لحق الورثة، فلذلك لا يضار الورثة، ولا يجوز له أن يوزع أمواله في حياته حتى لا يترك لهم شيئاً، حتى ولو كانوا قد أساءوا صحبته، ولو أنهم قد عصوه أو عاملوه معاملة سيئة، فلا يجوز له إخراج أمواله وتفريقها إضراراً بهم.
وأما إذا أراد أن يتصدق في حياته ولو بمال كثير أو يوقف، فإن له ذلك ولو بأكثر من النصف، أي: أن الإنسان في حياته يتصرف بما يريد، فيخرج من ماله ما يريد، وأما بعد الموت فلا يزيد على الثلث، وورد حديث: (إن الله تصدق عليكم عند وفاتكم بثلث أموالكم زيادة في أعمالكم) أي: عفا عن ذلك، وأباح لكم عند الوفاة أن تتصدقوا بالثلث ليكون زيادة في أعمالكم، وأما بقية المال فإنه يكون للورثة، أي: إذا أخرج الثلث فالثلثان للورثة.
حكم الوصية بأكثر من الثلث لمن يرثه غير أحد الزوجين
وقول المصنف رحمه الله: (يسن) أي: يستحب، (لمن ترك مالاً كثيراً عرفاً) أي: باعتبار عرف الناس، وقد تكون العشرة الآلاف في بعض الأزمنة كثيرة، وفي بعضها المائة الألف قليلة، أي: بالنسبة إلى حاجة الفقراء ونحوهم، فالكثرة والقلة بحسب عرف الناس وعادتهم.
حرمة الوصية لوارث
حكم الوصية لوارث أو لغيره بأكثر من الثلث إن أجاز ذلك الورثة
يجوز ذلك؛ لأن ملكه للوصية إنما يكون بعد الموت، وقبل الموت طاعتهم وسماحهم له سماح قبل الملك، فإنهم لا يملكون الميراث ولا التركة إلا بعد الموت، فإذا سمحوا بعد الموت نفذ، وأما قبل الموت فلا يعتبر سماحهم، فلهم أن يرجعوا بعد الموت.
وكذلك لو أوصى بالنصف، وسمحوا قبل الموت، ثم انتقضوا بعد الموت فلهم ذلك، أما إذا سمحوا بالنصف الذي أخرجه بعد الموت فإنه ينفذ.
وتصح الوصية موقوفة على الإجازة، أي: موقوفة على إجازة الورثة، فإذا قالوا بعد الموت: أبونا أوصى لك يا أخانا بمائة ألف، أو أوصى لك بالربع، ونحن قد سمحنا قبل الموت، والآن أيضاً نسمح بعد الموت، فأجازوا ما أوصى به أبوهم لأخيهم، فإنه يجوز ذلك.
كذلك أيضاً إذا أوصى بأكثر من الثلث لأجنبي، قال: أعطوا أخي -وهو غير وارث- أو عمي نصف المال، أو أعطوا أعمامي وأخوالي خمسي التركة، فسمحوا في حياته، ثم بعد الموت سمحوا وأجازوا ذلك، صحت الوصية، فالإجازة لا تكون إلا بعد الموت.
حكم الوصية لمن وارثه محتاج
أي: إذا كان ماله قليلاً، وورثته فقراء، فإن البر فيهم، والأجر فيهم، فله أن يترك ماله القليل لورثته ليتعففوا، وليكفوا وجوههم عن الحاجة للناس، لقوله في الحديث: (خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس) أي: يسألونهم، والسائل عادة يمد كفه، يقول: يا فلان! أعطني، يا فلان! تصدق علي، فيسمى هذا التسول تكففاً، بمعنى أنه يمد كفه، هذا معنى (يتكففون الناس).
فلذلك إذا كان المال قليلاً والورثة محتاجين، فالصدقة فيهم، بل هي صدقة وصلة وبر وإغناء لأولاده عن أن يحتاجوا، فهذا معنى قوله: (وارثه محتاج) أي: تكره وصيته إذا كان فقيراً وورثته محتاجين.
أما إذا لم يكن له وارث إلا بيت المال فله أن يوصي بماله كله؛ لأنه والحال هذه ليس هناك وارث يحتاجه، فبعض الناس منقطع ليس له أقارب يمسك الحق والمال لأجلهم، فله أن يتصدق بماله كله في الحياة، وله أن يوصي به كله لأعمال البر.
المحاصة في الوصية
تقدم قريباً الفرق بين العطية والوصية، حيث ذكر أن العطية يبدأ فيها بالأول فالأول، وأما الوصية فيتحاصون فيها، أي: تقسم بينهم على قدر أنصبائهم إذا لم يفِ الثلث.
مثال ذلك كما سبق: قلنا: إذا كان مريضاً فقال في مرضه: أعطوا زيداً ألفاً. ثم قال بعد يومين: أعطوا خالداً ألفين. ثم قال بعد يوم: أعطوا سعيداً ألفين. فكان مجموع العطايا خمسة آلاف، ثم لم نعطهم شيئاً لأنه مريض، وبعدما مات وجدنا أن ثلث التركة أربعة آلاف، ففي هذه الحالة نقول: لك يا زيد ألف لأنك أولهم، فخذ وصيتك كاملة، ولك يا خالد ألفين، وصيتك كاملة لأنك بعد زيد، ولك يا سعيد ألف، لأنه ما بقي من الثلث إلا ألف، فهو أمر لك بألفين لكن لم يبق إلا ألف، فتأخذ الألف الذي بقي. هذا معنى أنه يبدأ بالأول فالأول في العطية.
وأما الوصية فإنهم يتحاصون، ففي هذه الحال إذا كان لزيد ألف، ولخالد ألفان، ولسعد ألفان، ووجدنا أن ثلث التركة أربعة آلاف، أي: نقص الخمس عن الوصايا؛ لأن مجموع الوصايا خمسة آلاف، والثلث إنما هو أربعة آلاف، فنقص الخمس، ففي هذه الحالة يتحاصون، فيسقط الخمس على كل واحد منهم، فالذي له ألف يسقط خُمُسه، فيبقى له ثمانمائة، والذي له ألفان يسقط الخمس، فيبقى ألف وستمائة، وبذلك تنقسم عليهم الأربعة الآلاف التي هي الثلث، هذا معنى قوله: يتحاصون فيه كمسائل العول.
وسيأتي العول في الفرائض، وأنه ينقص على الورثة بقدر سهامهم، وذلك عندما تزيد السهام وتنقص الحظوظ، مثاله:
إذا ماتت امرأة ولها أم وأخت وزوج، فإن الزوج له النصف، والأخت لها النصف، والأم لها الثلث، فمن أين نعطي الأم؟
يدخل النقص عليهم، فكل واحد منهم ينقص نصيبه، فنقسم المال إلى ثمانية أسهم، فلك يا زوج ثلاثة أثمان، ولك يا أم ربع، ولكِ يا أخت ثلاثة أثمان، فدخل النقص عليهم جميعاً، هكذا مسائل العول.
الواجبات المقدمة على الوصية في التركة
وذلك لأن هذه حقوق متعلقة بذمة المالك، فتعتبر مقدمة في التركة، فإذا كان عليه ديون فإنها تقدم على الوصايا، ذكر عن علي رضي الله عنه أنه قال: (إنكم تقرءون الوصية قبل الدين، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم بدأ بالدين قبل الوصية)، يريد قول الله في آيات المواريث: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ [النساء:11] ، مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ [النساء:12] ، مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ [النساء:12] ، مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ [النساء:12]، فقدم الوصية، فإذا مات شخص، فهل نقدم الوصية أو نقدم الدين؟
يقدم الدين، وما ذاك إلا لأن الدين حق آدمي قد استغله المالك، وقد استهلكه في حياته، فهو متعلق بذمته، وذمته مشغولة به، وفي الحديث (نفس الميت معلقة بدينه حتى يقضى عنه)، فلذلك لابد أن يقدم الدين.
ذكروا أن حقوق الآدميين مبنية على المشاحة والمضايقة، فلذلك نعرف أنها تؤدى قبل حقوق الله تعالى كالزكاة والحج؛ لأنها مبنية على المسامحة والمساهلة، ولذلك لا تجب الزكاة على الفقير، ولا يجب الحج على العاجز، ولكن إذا كان في المال فضل ومات ولم يحج لزم أن يخرج من ماله نفقة حج وعمرة من بلده، فلابد من ذلك، ويكون مقدماً على الوصايا، ويكون من رأس المال.
وكذلك أيضاً الزكوات، إذا مات وقد حلت الزكاة في ماله من نقود أو ماشية أو ثمار أو حبوب، فإنها تخرج من رأس المال؛ لأنها تعتبر ديناً، فالزكاة دين في ذمة الميت، فيخرج كما يخرج الدين الذي لآدمي، بمعنى أن هذه كلها تقدم على الوصية، وتخرج من رأس المال، ثم بعد ذلك تخرج الوصايا، أي: يبدأ بدين الآدمي، ثم بدين الله تعالى الزكاة والحج، ثم بالوصايا، والباقي يقسم على الورثة.
الوصية للعبد
العبد لا يملك لأنه مملوك، ولكن إذا أوصى له بمشاع كثلث التركة عتق منه بقدر الثلث، أو عتق كله، أو عتق وأخذ الباقي؛ فلذلك صحت بمشاع، ولا تصح بمعين؛ لأن العبد لا يملك.
فلو قال: إن مت فأعطوا عبدي هذه الأرض أو هذا البستان أو هذا المنزل. فنقول: العبد مملوك فكيف يملك؟
وكذلك لو قال: أعطوه من تركتي ألفاً أو عشرين ألفاً. فلا يملك؛ لأنه هو وما بيده لسيده، فلذلك لا تصح الوصية للعبد إلا بمشاع.
والمشاع هو أن يقول: بثلث أو ربع أو خمس، إذا قال: أعطوا عبدي ربع التركة، صح ذلك، ثم يكون حينئذ كأنه أوصى بعتق ذلك العبد، فيعتقون منه بقدر الثلث، والباقي يكون رقيقاً؛ فإن عتق كله وبقي شيء من الثلث أخذه.
مثال ذلك: إذا كانت قيمة العبد خمسة آلاف، وقال: أوصيت لعبدي بثلث التركة. فنظرنا وإذا المال الذي تركه عشرة آلاف، وقيمة العبد خمسة آلاف، مجموعها خمسة عشر ألفاً، وثلثها قيمة العبد، فيكون هو الثلث، فيعتق كله، فكأنه قال: أوصيت بثلثي في عتق عبدي، فيعتق العبد.
فلو كانت التركة ثلاثين ألفاً، قيمة العبد منها خمسة آلاف، أي: عنده خمسة وعشرون ألفاً، وعنده عبد يساوي خمسة آلاف، وقال: أعطوا عبدي الثلث. فيعتق العبد وقيمته خمسة آلاف، وهل يستحق شيئاً؟ نعم، يستحق بقية الثلث؛ لأن ثلث المال عشرة آلاف، من جملتها قيمة العبد، فنقول في هذه الحال: قيمتك خمسة آلاف، وبقي من الثلث خمسة آلاف خذها. فيكون قد أوصى بعتقه، وبجزء من ماله، والبقية يتقاسمها الورثة.
وكذلك إذا لم يعتق كله، لو قدرنا أن التركة عشرة آلاف، وقيمة العبد خمسة آلاف، وقد أوصى له بالثلث، فنظرنا وإذا ثلث التركة ثلاثة آلاف وثلاثمائة وثلاثة وثلاثون، وقيمة العبد خمسة آلاف، ففي هذه الحال يعتقون منه بقدره، والباقي يبقى رقيقاً، أي: إذا نسبناه وجدنا أن ثلاثة آلاف وثلاثمائة تعتبر ثلث التركة، وتعتبر ثلثي العبد، فيعتقون من العبد ثلثيه، ويبقى ثلثه رقيقاً.
فالحاصل أنه إذا أوصى لعبده بمشاع كثلثه عتق منه بقدره كالثلثين في مثالنا، فإن فضل شيء أخذه، كما في المثال الأول الذي قلنا: إن التركة فيه ثلاثون ألفاً والعبد منها، فعتق كله، وأخذ بقية الثلث خمسة آلاف.
الوصية بالحمل
وكذلك تصح أيضاً للحمل، فإذا قال -مثلاً-: أوصيت لحمل فلانة -امرأة حامل كأخته أو عمته -فقال: إذا مت فأعطوا الحمل الذي في بطنها شاة من غنمي أو ناقة، فالوصية هاهنا للحمل، فإذا كان موجوداً حال الوصية وانفصل حياً، فإنها تصح الوصية له.
ما لا تصح الوصية به
لا تصح الوصية بالمعصية، فلا يقول: ثلثي تعمر به الكنائس؛ لأنها معابد النصارى، وكذلك إذا قال: يعمر من ثلثي بيت النار؛ لأنه معبد المجوس، فقد كانوا يعبدون النار.
وكذلك لو قال: ثلثي يطبع به الإنجيل، أو تطبع به التوراة وتفرق؛ فلا تصح هذه الوصية؛ لأنها إعانة على معصية، ولأن هذه الكتب محرفة؛ ولأن ما فيها منسوخ بالقرآن، فلا يجوز أن يوصي بطبعها وتوزيعها.
الوصية بالمعدوم والمجهول وما لا يقدر على تسليمه
قوله: (تصح بمجهول) مثل الحمل فإنه مجهول، فإذا قال: حمل هذه الشاة أوصيت به لزيد. فإنه لا يدرى أذكر هو أم أنثى، واحد أم عدد، حي أم ميت، فإذا ولد فهو له سواء كان ذكراً أو أنثى، عدداً أو واحداً.
وكذلك المعدوم، فإذا قال: ما تحمله هذه النخلة فأعطوه زيداً بعد موتي. والنخلة ما حملت في ذلك الوقت، فحملها معدوم، فيصح الوصية بالمعدوم؛ وذلك لأنه إن حصل شيء أخذه الموصى له، وإذا لم يحصل شيء فإنه لا يضره شيء.
وكذلك تصح بما لا يقدر على تسليمه؛ لأنه إن قدر فهو له، وإن لم يقدر فلا يضره ولا يخسر شيئاً، وتقدم مثال ذلك في البيع: كالعبد الآبق، والجمل الشارد، والطير في الهواء، والسمك في الماء، والمغصوب في يد غاصبه، فإذا قال: عبدي الذي هرب قد أوصيت به لزيد، أو جملي الذي شرد هو بعد موتي لزيد، أو قال: أرضي التي غصبها فلان هي لزيد بعد موتي. فإن قدر وخلصها فهي له، وإن غُلب عليها فلا يضره.
كذلك أيضاً الطير في الهواء، تقدم أنه لا يجوز بيعه ولو كان يألف الرجوع كالصقر وغيره، فبيعه لا يجوز، ولكن الوصية به تجوز؛ لأنه إن قدر عليه وجاءه ونزل عليه فهو له، وإلا فلا يخسر شيئاً.
حكم ما حدث بعد الوصية
أو أوصى بالشجرة وليس فيها ثمر، وحملت الثمرة، ومات وفيها ثمر -النخلة أو نحوها- فما حدث بعد الوصية يدخل فيها، وولد الدابة يلحقها.
بطلان الوصية بتلف معين أوصى به
الوصية بالأنصباء والأجزاء
(إذا وصى بمثل نصيب وارث معين، فله مثل نصيبه مضموماً إلى المسألة) أي: إذا قال: إذا مت فأعطوا أخي مثل نصيب بنتي، وكان له ولدان وبنت، فالولدان لهما أربعة أسهم، والبنت لها سهم، فماذا نعطي أخاه؟
نعطيه سهماً آخر مثل نصيب البنت، فنقسم المال ستة أسهم، فيكون للابن سهمان، وللابن الآخر سهمان، وللبنت سهم، وللأخ سهم -أي: من ستة- هذا معنى أنه وصى له بمثل نصيب أحدهما، أي أنه قال: بمثل نصيب بنتي.
فإن قال: أعطوه مثل نصيب زوجتي، وكان له ابن وزوجة، فإن نصيب الزوجة الثمن، فمخرجه من ثمانية، في هذه الحال نجعل المال تسعة، فللزوجة سهم، وللأخ سهم، وللابن سبعة أسهم، فأعطيناه مثل نصيب الزوجة، فأصبحت المسألة من تسعة، فهذا معنى قوله: (مضموماً إلى المسألة).
وإذا كان له ابنان وله أخ، فقال: أعطوا أخي مثل نصيب أحد أولادي، فللولدان سهمان وللأخ سهم، فيأخذ الأخ ثلثاً، ويأخذ كل واحد من الولدين الثلث.
أما إذا قال: أعطوا أخي -مثلاً- نصيب ولدي، وليس له إلا ولد وبنت، فمعنى ذلك أنه يأخذ أكثر من الثلث، فيأخذ الخُمُسين، وذلك لأن الولد يأخذ سهمين، والبنت تأخذ سهماً، والأخ يأخذ سهمين، فأصبح للأخ سهمان من خمسة، وهي أكثر من الثلث، فلا تصح إلا بإجازة الورثة..
هذا معنى قوله: (إذا وصى بمثل نصيب وارث معين) أي: كابنه أو بنته أو زوجته أو أمه، (فله مثل نصيبه مضموماً إلى المسألة) أي: ننظر مخرج المسألة، ونجعل السهم الذي أوصى به زائداً عليها مضموماً إليها، سواء كان واحداً أو أكثر.
لو كان له جدة، وله أم، وله أخ، فالأم تأخذ الثلث، والأخ يأخذ الباقي وهو قدر الثلثان، وقد أوصى بمثل نصيب الأم لجدته، فقال: أعطوا جدتي مثل أمي، ففي هذه الحال نقسم المال أرباعاً، فنقول: الجدة لها سهم، والأم سهم، والأخ سهمان، فصار للأم الربع؛ لأن المسألة كانت من ثلاثة: الأخ له اثنان، والأم لها واحد؛ لأن الأخ الواحد لا يحجبها، فلما كانت ثلاثة أضفنا إليها رابعاً حيث جعلنا للجدة مثل الأم، فتكون من أربعة.
أما إذا لم يعين، بل قال: أعطوا أخي مثل نصيب أحد الورثة، ولم يقل: أمي ولا زوجتي ولا بنتي، ففي هذه الحال يعطى مثل ما لأقلهم، أي: ينظر أقلهم فيعطى مثله.
فإذا كان له زوجتان وابن، وأوصى لأخيه بمثل نصيب أحد ورثته، فإننا ننظر إلى أن الزوجتين كل واحدة لها نصف الثمن، وأن الابن له سبعة أثمان، فأخوه الذي أوصى له نعطيه نصف الثمن، وذلك مثل ما لأقلهم، فنفرض أن المسألة من ستة عشر، كل زوجة لها سهم من ستة عشر، والابن له أربعة عشر، نزيد فيها سهماً فنجعلها من سبعة عشر، فلأخيه سهم من سبعة عشر، وزوجتاه لكل واحدة سهم، ولابنه أربعة عشر سهماً؛ لأنه قال: مثل أحد ورثتي. والزوجة من ورثته، فنحتاط للورثة، ونعطي الموصى له مثل ما لأقلهم.
وكذلك لو كان له -مثلاً- خمسة أبناء وخمس بنات، وقال: أعطوا أخي مثل ما لأحد ورثتي، فالخمسة الأبناء لهم عشرة أسهم، والخمس البنات لهن خمسة، الجميع خمسة عشر سهماً، يصير نصيب كل بنت واحداً من خمسة عشر، فنعطي أخاه سهماً واحداً مثل سهم بنت، فنجعل المسألة من ستة عشر، ونقول: للأخ واحد من ستة عشر، ولكل واحد من الأولاد الذكور من الستة عشر سهمان، ولكل بنت سهم، هذا معنى قوله: (مثل ما لأقلهم).
الوصية بسهم من المال
الوصية بشيء من المال أو حظ أو جزء
وكذلك لو قال: أخي له حظ من مالي بعد موتي. فكلمة (حظ) لا تدل على شيء معين، فيعطيه الوارث ما شاء.
وكذلك إذا قال: أعطوه جزءاً من مالي. فكلمة (جزء) تصدق على ربع العشر، وعلى جزء من مائة جزء، فيعطيه الوارث ما شاء.
فنعرف بذلك أن الموصى له هو الذي يعطى من الوصية، ولابد أن يكون عاقلاً يملك، وقد تقدم أنه لا يجوز الوقف على من لا يملك، فكذلك الوصية، فلا يجوز أن يوصى لملك من الملائكة، ولا أن يوصى لجني، ولا أن يوصى لقبر؛ وذلك لأنه لا يملك، وإذا وجدت هذه الوصية فهي باطلة، والمال كله للورثة.
وإذا كانت وصية على معصية صرفت إلى طاعة، كالوصية على شيء فيه شرك، كأن يوصي بعمارة المشاهد التي تعبد من دون الله، ففي هذه الحال يصرف للمساجد وما أشبهها.
استمع المزيد من الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
شرح أخصر المختصرات [21] | 2740 استماع |
شرح أخصر المختصرات [28] | 2718 استماع |
شرح أخصر المختصرات [72] | 2608 استماع |
شرح أخصر المختصرات [87] | 2572 استماع |
شرح أخصر المختصرات [37] | 2485 استماع |
شرح أخصر المختصرات [68] | 2350 استماع |
شرح أخصر المختصرات [81] | 2341 استماع |
شرح أخصر المختصرات [58] | 2334 استماع |
شرح أخصر المختصرات [9] | 2321 استماع |
شرح أخصر المختصرات [22] | 2271 استماع |