شرح أخصر المختصرات [35]


الحلقة مفرغة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [وإذا حل الدين وامتنع من وفائه فإن كان إذن لمرتهن في بيعه باعه، وإلا أجبر على الوفاء أو بيع الرهن، فإن أبى حبس أو عزر، فإن أصر باعه حاكم ووفى دينه، وغائب كممتنع، وإن شرط أن لا يباع إذا حل الدين، أو إن جاءه بحقه في وقت كذا وإلا فالرهن له بالدين لم يصح الشرط، ولمرتهن أن يركب ما يركب ويحلب ما يحلب بقدر نفقته بلا إذن، وإن أنفق عليه بلا إذن راهن مع إمكانه لم يرجع، وإلا رجع بالأقل مما أنفقه، ونفقة كفله إن نواه، ومعار ومؤجر ومودع كرهن، ولو خرب فعمره رجع بآلته فقط.

فصل: ويصح ضمان جائز التصرف ما وجب أو سيجب على غيره لا الأمانات بل التعدي فيها، ولا جزية، وشرط رضاء ضامن فقط، ولرد حق المطالبة من شاء منهما، وتصح الكفالة ببدن من عليه حق مالي، وبكل عين يصح ضمانها، وشرط رضاء كفيل فقط، فإن مات أو تلفت العين بفعل الله تعالى قبل طلب برئ، وتجوز الحوالة على دين مستقر إن اتفق الدينان جنساً ووقتاً ووصفاً وقدراً، وتصح بخمسة على خمسة من عشرة وعكسه، ويعتبر رضا محيل ومحتال على غير مليء].

الحكمة من شرعية الرهن التوثق لصاحب الدين، حتى إذا حل دينه ولم يوفه الراهن تمكن من بيع الرهن وأخذ دينه من ثمنه، وورد في الحديث: (لا يغلق الرهن من صاحبه الذي رهنه، له غنمه وعليه غرمه) يعني أن الرهن لا يخرج من ملك الراهن، بل هو باق في ملكه فله غنمه وعليه غرمه، وغنمه فائدته، فإذا أجر الرهن وكان سيارة أو بيتاً فإن الأجرة للراهن، وكذلك لو كان له ثمرة كحمل شجر مرهون أو ولد بهيمة مرهونة فإنه للراهن؛ لأنه لم يخرج من ملكه، وكذلك عليه غرمه، فعليه أجرة مخزنه إذا احتاج إلى خزانة، وعليه نفقته وأجرة الرعاة ونحوهم (له غنمه وعليه غرمه).

فإذا حل الدين فإن المرتهن يطالبه ويقول: أوف الدين فإذا امتنع من الوفاء وأصر ولم يوف، أو عجز عن الوفاء، فلا يخلو إما أن يكون الراهن قال للمرتهن: إذا حل الدين ولم أوفك فلك أن تبيع الرهن وتستوفي دينك فيبيعه ويأخذ دينه ويرد باقي ثمنه على الراهن.

وكذلك إذا كان قد وكل وكيلاً أن يبيعه عند حلول الدين ويعطي المرتهن دينه ويعطي بقيته للراهن؛ لأنه عين ماله، وكل يستحق ما يستحقه، فيبيعه ذلك الوكيل.

فإن امتنع من بيعه ولم يأذن للمرتهن ولم يوكل ففي هذه الحال يتدخل الحاكم فيجبره على الوفاء أو بيع الرهن، فيقول: إما أن توفي دينك وتأخذ عين مالك الذي هو الرهن، وإما أن تبيع عين المرهون وتوفي الدين من قيمة الرهن. فإذا امتنع من البيع وامتنع من الوفاء وامتنع من التوكيل تدخل الحاكم حينئذ فحبسه أو عزره بتعذيب أو نحوه إلى أن يوفي دينه أو يبيع الرهن، فإن أصر ولم يتأثر بالحبس تدخل الحاكم وباعه ووفى الدين، والحاكم في هذا الموضع هو القاضي، ومعلوم أن القاضي في هذه الأزمنة ليس هو الذي يتولى ذلك بنفسه غالباً، ولكنه يحكم فيقول: بصفة أن فلاناً امتنع عن الوفاء، وامتنع من بيع عين الرهن، وامتنع من التوكيل على بيعه فقد حكمت ببيعه واستيفاء الدين للمرتهن. والذي إليه التنفيذ هو أمير البلد، فيقوم بتنفيذه، فيبيعه ويوفي الدين، ويحفظ بقية ثمنه لصاحبه الراهن.

الغائب كالممتنع

قال: [وغائب كممتنع].

إذا كان الراهن غائباً بعيداً بحيث لا يدرى أين هو، فهل هو متغيب أو مستخف، أو بعيد لا تصله المكالمات والخطابات، وحل الدين ويوجد رهن فالشرع نهى عن الضرر، ولا شك أن المرتهن سيتضرر بتأخير وفائه حقه، فللحاكم أن يتدخل ويحكم ببيع العين المرهونة لحلول الدين ولغيبة المالك، فإذا حكم بذلك فالذي ينفذه أمير البلد الذي يكون منفذاً للأحكام.

قال: [وغائب كممتنع].

إذا كان الراهن غائباً بعيداً بحيث لا يدرى أين هو، فهل هو متغيب أو مستخف، أو بعيد لا تصله المكالمات والخطابات، وحل الدين ويوجد رهن فالشرع نهى عن الضرر، ولا شك أن المرتهن سيتضرر بتأخير وفائه حقه، فللحاكم أن يتدخل ويحكم ببيع العين المرهونة لحلول الدين ولغيبة المالك، فإذا حكم بذلك فالذي ينفذه أمير البلد الذي يكون منفذاً للأحكام.

هناك شروط باطلة في الرهن، فإذا شرط أن لا يباع إذا حل الدين فالشرط باطل؛ لأنه ما الرهن إلا وثيقة، وإذا كان وثيقة فإنه عند حلول الدين يباع، وكونه بشرط أن لا يباع فيقول: رهنتك هذه الأكياس في مائة ريال بشرط أنك ما تبيعها، أو هذا الثمر مثلاً، أو هذا الكتاب، أو هذا الثوب بشرط أنك ما تبيعه إذا حل الدين فما الفائدة؟ هذا شرط باطل، وإذا حل الدين فإنه يباع إذا امتنع من الوفاء.

وكذلك لو شرط: إن جئتك بحقك في وقت كذا وإلا فالرهن لك مقابل الدين. فالشرط أيضاً باطل، وذلك لأن الرهن داخل في ملكية الراهن، فكونه يقول: الرهن لك بدينك يخالف النص الذي ذكرنا، وهو قوله في الحديث: (لا يغلق الرهن من صاحبه الذي رهنه، له غنمه وعليه غرمه) فلا يملكه المرتهن، ولو كان الرهن ثوباً والدين عشرين، ولما حل الدين ولم يوفه عرض للبيع بالمزاد العلني، فاشتراه المرتهن وقال: أشتريه. وما زاد أحد عليه، فاشتراه بدينه الذي هو عشرون أو أكثر أو أقل جاز ذلك؛ لأنه ما عرض للبيع إلا للمزيد، فالمرتهن رأى أنه أحق به أو أنه يساوي هذه القيمة.

قال: [وللمرتهن أن يركب ما يركب وأن يحلب ما يحلب بقدر نفقته بلا إذن].

هذه مسألة خلافية، ذهب الإمام أحمد إلى أنه يركب البعير المركوب، وتحلب الشاة المرهونة التي فيها لبن مقابل نفقته على البعير وعلى الشاة، واستدل بحديث صحيح مروي عند البخاري والإمام أحمد، ولفظه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الظهر يركب إذا كان مرهوناً، ولبن الدر يشرب إذا كان مرهوناً، وعلى الذي يركب ويشرب النفقة)، فالإمام أحمد قال: لا عذر لنا في ترك هذا الحديث، فإنه حديث ثابت -والحديث صحيح في صحيح البخاري- فكيف لا نعمل به؟!

وأما الأئمة الثلاثة فخالفوا في ذلك وقالوا: لا يركبه إلا بأجرة مثله، ولا يحلب الشاة المرهونة أو البقرة إلا بأجرة مثلها. فيقولون: في هذه الحال إذا أنفق على البعير حسب النفقة عليه وزادها في الدين وقال: إني دفعت أجرة الراعي -مثلاً- كل شهر ثلاثين، وإني اشتريت له علفاً كل شهر بثلاثين فهي ستون يضيفها إلى دينه، وإذا باعه فإنه يأخذها من الراهن أو يطلبها من الراهن، فإذا احتاج وركب البعير -مثلاً- حسب أجرته، فإن ركب من كذا إلى كذا وأجرة مثله خمسون أو مائة يسقطها من دينه أو يسقطها من النفقة، هكذا ذكروا. فإذا كان الرهن بعيراً، فقديماً كانوا يركبونه لا يجدون ما يركبون غيره قبل وجود المراكب الجديدة، وكذلك الحصان والحمر الأهلية، فالإبل والخيل والحمر والبغال تركب، وكذلك السفن والزوارق تركب، فإذا ركبها فإنه يحسب لها أجرة، ويسقطها من دينه، هذا عند الأئمة الثلاثة، وأما عند الإمام أحمد فإذا كان ينفق على الفرس أو على الحمار أو البغل أو البعير فركبه فإن ركوبه يكون مقابل النفقة، وإذا كان ينفق على الشاة أو البقرة أو الناقة وفيها لبن فيقول الإمام أحمد : يشرب لبنها، ويكون مقابل النفقة والأئمة الثلاثة يعملون بالحديث الذي ذكرنا: ( لا يغلق الرهن من صاحبه، له غنمه وعليه غرمه ) فغرمه النفقة عليه، وغنمه لبنه أو أجرة ركوبه، والإمام أحمد جعل هذا مستثنى، وقد برر بعضهم مذهب أحمد فقال: إذا كان الرهن يشترط قبضه ولابد أن يكون في يد المرتهن كما إذا كان من الإبل فهذه الإبل فيها منفعة، فالناقة فيها لبن مثلاً، والبعير يركب، فلا تضيع هذه المنفعة، بل يحرص على استغلالها، وقد يشق عليه أن يستأذن المالك كلما أراد أن يشتري لها علفاً، ولا يجوز تركها بلا علف، وذلك لأنها محترمة، وإذا لم تعلف فإنها تموت، وكذلك أيضاً إذا كان فيها منفعة الركوب فلا تضيع منفعتها، فيكون إنفاقه بقدر ركوبه، وركوبه وإنفاقه متقاربان، فيركب البعير وينفق عليه، وكذلك ينفق على البقرة أو الناقة ويشرب لبنها، والأمران متقاربان، وكذلك الشاة ينفق عليها ويشرب لبنها ويكون اللبن مقارباً لعلفها ونحو ذلك، ولكل اختياره، وكل منهما عمل بحديث، فالإمام أحمد عمل بحديث خاص، وقال: هذا يخصص الأحاديث العامة، وهو حديث: (الظهر يركب إذا كان مركوباً، ولبن الدر يشرب إذا كان مرهوناً، وعلى الذي يشرب ويركب النفقة) فلا عذر عن العمل بهذا الحديث.

قال: [وإن أنفق على الرهن بلا إذن الراهن مع إمكانه لم يرجع].

إذا كان الرهن يحتاج إلى نفقة، وكان -مثلاً- ليس فيه منفعة، مثل الثور فإنه لا يركب ولا يحلب ولكن يحتاج إلى نفقة العلف، فأنفق عليه بلا إذن مع إمكان أن يستأذنه فإنه لا يرجع، فإذا أذن له الراهن وقال: أنفق عليه واحسب علي نفقته وصار ينفق عليه كل يوم بريال علفاً فإنه يرجع به على الراهن، وأما إذا لم يستأذن مع قدرته على الاستئذان فلا يرجع، بل يذهب عليه ما أنفقه، وذلك لأنه أنفق عليه حماية لماله، يقول: لو لم أنفق عليه فإنه سيموت، وإذا مات ضاع مالي، فأنا ما حفظته إلا كوثيقة لعله إذا حل ديني أبيعه وأستوفي من ثمنه ديني.

وهكذا إذا أنفق على الرهن وهو ليس حيواناً، مثل شجر يحتاج إلى سقي، فأنفق عليه مع إمكان استئذان الراهن فلا يرجع، وكذلك لو كان الرهن شيئاً يسرع فساده كالخضار مثلاً، ففي هذه الحال يبيعه إذا خشي أن يفسد ويحتفظ بثمنه، فيبيع الفواكه ويبيع الخضار إذا خشي أنها تتلف، وكذلك لو كان الرهن مثلاً أكياساً وكانت في مستودع بأجرة، فإن الأجرة على الراهن، فلو خشي أن هذا المستودع يسقط فأتى بعمال ونقلوه من هذا المكان إلى مكان آخر مأمون ففي هذه الحال عليه قبل ذلك أن يستأذن الراهن ويقول: ائذن لي أن آتي بعمال وآتي بحمالين ينقلونه حتى لا يذهب؛ فإني أخشى عليه من سيل -مثلاً-، أو من غرق، أو من هدم. فإذا نقله ولم يستأذن المالك فلا أجرة له، ولا يرجع بهذه النفقة، أما إذا لم يقدر على الاستئذان، كما لو كان الراهن بعيداً ولا يمكن استئذانه، أو جاء أمر باغت كسيل -مثلاً- وكان لا بد أن ينقل هذا المستودع إلى مكان آخر قبل أن يدخل عليه السيل، أو وقع حريق مثلاً وخشي أن يناله فنقله إلى مكان آخر واستأجر عمالاً، ففي هذه الحال يرجع، وبأي شيء يرجع؟ يرجع بالأقل مما أنفق، أو من أجرة المثل أو نفقة المثل، فإذا قال: إني استأجرت عمالاً خوف الحرق والغرق بمائتين حتى لا يتلف المال فنظرنا وإذا أجرة النقل العادية لا تزيد عن مائة فنقول: إنك تسرعت، ولو طلبت من ينقله بمائة لوجدت، فأنت تسرعت فلك مائة وإن وجدنا أنه لا ينقل مثله إلا بثلاثمائة وقد نقله بمائتين فليس له إلا المائتان، ولا يقول: إني أستحق ثلاثمائة؛ لأنك ما دفعت إلا مائتين وفي هذه الحال أيضاً لا يرجع إلا إذا أنفقه وفي نيته أن يرجع إلى الراهن، وأما إذا لم ينو فلا حق له في الرجوع.

قال: [ومعار ومؤجر ومودع كرهن].

يعني: مع النية. فالعارية ليس لها أجرة، وصاحبها محسن إليك، فإذا أعارك -مثلاً- كتاباً وهو أوراق متفرقة، ولكنك أنفقت عليه وأتيت بمن رتبه ومن أصلح ما فيه من الأخطاء ومن خاطه ومن غلفه بغلاف جيد حتى لا يبلى فهذه النفقة على هذا الكتاب لا ترجع فيها إلا إذا لم يمكنك أن تستأذن، كأن يكون صاحبها الراهن غائباً، وخشيت على الأوراق أن تأكلها الأرضة مثلاً، أو أن يتمزق الكتاب أو يتلف، فأردت أن تنفق عليه حتى يبقى، ولم تقدر على استئذان المالك، وهو عارية عندك، فأعطيته الكتاب فجلده لك فلك أن ترجع إذا كنت ناوياً الرجوع، وبأي شيء ترجع؟ بالأقل مما أنفقته أو من أجرة المثل، فإذا كان الناس يجلدون الكتاب بعشرين وأنت جلدته بثلاثين فليس لك إلا العشرون، وإذا كانوا يجلدون العشرين وأنت وجدت من يجلده بعشرة فليس لك إلا العشرة؛ لأنها التي أنفقتها.

وهكذا العارية إذا احتاجت إلى نفقة، أعارك إنسان مثلاً شاة لتحلبها، ثم انتهى اللبن الذي فيها ولم تجد صاحبها لتردها إليه، وأنفقت عليها أجرة الراعي وقيمة العلف، فإن نويت أن ترجع فلك الرجوع، وإن لم تنو وتبرعت بالنفقة فليس لك الرجوع، وإذا نويت الرجوع فلا ترجع إلا بالأقل من نفقة المثل أو ما أنفقته، فإذا كانت نفقة المثل في الشهر عشرة وأنت أنفقت عشرين فليس لك إلا عشرة، وإذا كانت نفقة المثل عشرة، وأنت أنفقت خمسة فليس لك إلا الخمسة، وكذلك المؤجر، فلو استأجرت سيارة لمدة يومين، وبعد ما استأجرتها احتاجت إلى تغيير زيت مثلاً أو احتاجت إلى تشحيم مثلاً، أو احتاجت إلى أدوات ففي هذه الحال لا تنفق عليها إلا بإذن الراهن، فإن لم تستأذنه وأنفقت عليها وأنت تقدر على الاستئذان فلا أجرة لك، وإن لم تقدر على استئذانه فإنك تستحق ما أنفقته أو أجرة المثل على الأقل منهما.

وهكذا الوديعة التي يودعها عندك إنسان لتحفظها، فإذا أنفقت على الشاة الوديعة، أو أنفقت على الكتاب، أو أنفقت على البر كأن خشيت عليه الآكلة فطحنته -مثلاً- أو اشتريت له أكياساً لتحفظه، أو نقلته إلى الشمس حتى تموت الدابة التي فيه وخسرت عليه -مثلاً- عشرة، فإن كنت نويت الرجوع عليه فإنك ترجع، وإن كنت لم تنو فلا ترجع، ويكون الرجوع كما ذكرنا بالأقل مما أنفقته من أجرة المثل.

قال: [ولو خرب الرهن فعمره رجع بآلته فقط].

إذا كان الرهن داراً فعمره وركب عليه أبواباً ونوافذ -مثلاً- وعمره ببلاط أو بلبن بلك أو لبن الطين المعروف قديماً ففي هذه الحال يرجع بآلته فقط، يرجع باللبن البلك أو الطين، ويرجع بالبلاط إذا أمكن قلعه مع عدم تأثره، ويرجع بالأبواب وبالنوافذ -مثلاً- وبالأنوار والمكيفات وما أشبهها، وبالفرش وما أشبهها، يرجع بعين ماله، فإذا قال: أنا أعطيت العمال أجرة على هذا قلنا: ليس لك ذلك، لا تعمره إلا بإذن المالك.

الفصل الذي بعد الرهن فيه ثلاثة أبواب: باب الضمان، وباب الشهادة، وباب الحوالة، وجمعها المؤلف في فصل واحد لتقاربها.

والضمان: مشتق من الضمن، وكون شيء في ضمن شيء أي: في جملته. ويعرفونه اصطلاحاً بأنه: التزام جائز التصرف ما وجب على غيره وما قد يجب.

فقولهم: (التزام جائز التصرف) يعني الحر المكلف الرشيد، (ما وجب على غيره) من الأموال ونحوها، (وما قد يجب) كأن يقول لصاحب البقالة: دين فلان الذي لك أنا أضمنه، أنا ضامن له، فإذا لم يوفك فاطلبني. أو قال لصاحب البقالة -مثلاً- ما أخذ منك فلان أو استدان فأنا ضمين به. ففي هذه الحال يصح الضمان، ويكون ضامناً.

خطورة الضمان

لابد أن يكون الضمان من جائز التصرف، وهو الحر المكلف الرشيد، فلا يضمن الصغير، ولا يضمن السفيه، ولا يضمن المملوك، ولا شك أن الضامن يكلف نفسه، وأنه قد يتضرر؛ لأن الضامن إذا لم يوف المضمون عنه فإنه يطالبه صاحب المال فيقول له: إما أن يوفيني المضمون عنه وإما أن توفيني، فديني أنت الذي ضمنته. وقد يعجز المضمون عنه، فيكلف الضامن ويقال: إما أن تضمن وإلا حبست. وهذا يدل على أن الضمان فيه مخاطرة، وقد يؤدي إلى حبس الضامن، ولذلك ذكر العنقري في حاشيته على الروض بيتاً يقول فيه:

ضاد الضمان بصاد الصك ملتصق فإن ضمنت فحاء الحبس في الوسط

فكم من ضامن تعرض للحبس مع أنه محسن، يقول: أحسنت إلى رفيقي وصديقي لما قال: اضمني في دين علي فاستحييت منه فضمنته، وكان الدين كثيراً وكنت أعهده صاحب وفاء وأعهده من أهل الأمانة، ولكن أخلف ظني فهرب بالدين الذي في ذمته، أو عجز وأصبح مفلساً لا يستطيع. وفي هذه الحال يرجعون إلى الضامن ويقال: أنت الذي التزمت بوفاء الدين.

اشتراط الأهلية في الضامن

قال رحمه الله تعالى: [يصح ضمان جائز التصرف].

أي: الحر المكلف الرشيد. فلا يضمن العبد؛ لأنه ليس له مال، ولا يضمن المجنون؛ لأنه لا يتصرف، ولا الصغير؛ لأنه غير مكلف، ولا المحجور عليه الذي ماله محجور عليه، ولا السفيه الذي ماله محجور عليه لسفهه.

قوله: (ما وجب) أي: ما قد ثبت من الدين. [وما سيجب] أي: ما سوف يأخذه. كأن تقول -مثلاً- لصاحب الدكان: دينك الذي لك على فلان أنا أضمنه، والذي سوف يأخذه فلان أنا أضمنه.

حكم ضمان الأمانات

قال رحمه الله: [ولا يصح ولا يشترط ضمان الأمانات بل التعدي فيها].

ضمان الأمانات لا حاجة إليه، والأمانة: هي الوديعة التي يودعها صاحبها عند من يحفظها. سواءٌ أكانت من النقود أم من غيرها، فإذا أودعت عند إنسان ألفاً فلا تحتاج إلى ضمان، ولا تقول: أودعك بشرط أن تأتيني بضمين. فإنه سيقول: أنا متبرع بحفظها. فكيف أضمنها؟ وكيف آتي بضمين؟ لو تلفت عندي وأنا ما فرطت فيها فإني لا أضمنها، فلا مصلحة لي في حفظها، أنا أحفظها لك تبرعاً، فإن أردت ذلك وإلا فأودعها عند غيري.

وكذلك لو أودعت عند إنسان أكياساً أو طعاماً أو ثياباً أو قدوراً أو أواني فهو متبرع بحفظها ليحفظها لك مجاناً وديعة أو أمانة، فكيف تقول: ائتني بضمين يضمنها لي إذا تلفت عندك؟ فإنه يقول: خذها ولا تودع عندي شيئاً إذا كنت تطلب مني ضميناً. فالأمانات إذا تلفت لا تضمن إلا في حالتين:

إذا فرط، أو تعدى، والتفريط هو الإهمال، والتعدي هو الاستعمال، فهذا المودع حفظ الوديعة في حرز مثلها ثم سرقت أو احترقت، فلا ضمان عليه، لكن إن فرط: فترك الأبواب مفتوحة، وجاء لص واختطفها فهذا التفريط يضمن به، مثلاً: أودعته شاة فأهملها حتى افترسها السبع، فإنه يضمن؛ لأنه في هذه الحال فرط، وفي هذه الحال لك أن تطلب ضميناً، فتقول: ائتني بضمين عن التفريط.

والتعدي هو الاستعمال، فإذا أعطى مفاتيح السيارة لأحد الأولاد وهي مودعة، ثم حصل حادث وتكسرت فإنه يضمنها المودع، وفي هذه الحال لصاحبها أن يطلب ضميناً فيقول: ائتني بضمين، فإذا استعملتها أنت أو أحد أولادك فإنك تغرم قيمتها أو تغرم إصلاحها وهكذا لو لبس الثوب، أو حل وثاق الدهن فانسكب، أو فتح باب المخزن فدخلت البقر أو نحوها فأكلت من البر أو من التمر مثلاً، أو طبخ في القدر فاحترق ففي هذه الحال يضمن، وفي هذه الحال لصاحبها أن يطلب ضميناً فيقول: أريد ضميناً عن التعدي فيها.

ولا تضمن الجزية التي هي ضريبة تؤخذ على الذمي من اليهود أو النصارى أو المجوس، فتؤخذ منهم الجزية، ولكن هل يقال لصاحبها: ائتنا بضمين؟! لا يلزم؛ لأن الجزية تسقط عن الفقير كما ذكر في كتاب الجهاد.

اشتراط رضا الضامن

يشترط رضا الضامن فقط، فالضامن متبرع فيشترط رضاه، فلا يجوز إجباره على الضمان، بل لا يضمن إلا برضاه وبموافقته، أما المضمون عنه فلا يشترط رضاه، فلو قال -مثلاً-: لا أرضى أن فلاناً يضمني. وقال الضامن: أنا أضمنه ولو لم يرض فقد يقول: ما أحب أن يكون له منة علي، فلا أحب أن يضمني ولكن صاحب المال قال: لا أطلقك إلا بضمين. فجاء هذا الضامن وقال: أنا أضمنه ولو لم يرض. ورضي الضامن ورضي المضمون له فيصح الضمان وإن لم يرض المضمون عنه.

قال: [ولرب الحق مطالبة من شاء منهما].

صاحب الدين له أن يطالب المضمون عنه، وله أن يطالب الضامن، وذلك لأن الحق استهلكه المضمون عنه وتحمله الضامن، فإذا حل الدين جاء إلى المضمون عنه وقال: حل الدين الذي في ذمتك، فأعطني ديني. فإذا ماطل وأخر الوفاء أو كان معسراً رجع إلى الضامن وقال: أنت ضمنت ديني، وفلان ما أوفاني، فأنا أطالبك لأنك التزمت بالوفاء وقلت: إذا لم يوفك فإني أوفي عنه. فله مطالبة من شاء منهما، وإذا مات المضمون عنه فإن أوفى ورثته فله مطالبتهم وله مطالبة الضامن، ولو مات الضامن فله أن يطالب ورثته ويقول: إن مورثكم ضمن ديني عند فلان.

وإذا قال للضامن: أعفيتك من الضمان فهل يسقط الدين؟

الجواب: لا يسقط؛ لأن الدين في ذمة المضمون عنه، أما إذا قال للمضمون عنه: أعفيتك من الدين فإنه لا يطالب الضامن، فإذا سقط الدين الذي في ذمة المضمون عنه فلا حاجة إلى الضمان، وإذا برئت ذمة المضمون عنه برئت ذمة الضامن، وأما إذا أبرأ الضامن فإن المضمون عنه يبقى مطالباً.

لابد أن يكون الضمان من جائز التصرف، وهو الحر المكلف الرشيد، فلا يضمن الصغير، ولا يضمن السفيه، ولا يضمن المملوك، ولا شك أن الضامن يكلف نفسه، وأنه قد يتضرر؛ لأن الضامن إذا لم يوف المضمون عنه فإنه يطالبه صاحب المال فيقول له: إما أن يوفيني المضمون عنه وإما أن توفيني، فديني أنت الذي ضمنته. وقد يعجز المضمون عنه، فيكلف الضامن ويقال: إما أن تضمن وإلا حبست. وهذا يدل على أن الضمان فيه مخاطرة، وقد يؤدي إلى حبس الضامن، ولذلك ذكر العنقري في حاشيته على الروض بيتاً يقول فيه:

ضاد الضمان بصاد الصك ملتصق فإن ضمنت فحاء الحبس في الوسط

فكم من ضامن تعرض للحبس مع أنه محسن، يقول: أحسنت إلى رفيقي وصديقي لما قال: اضمني في دين علي فاستحييت منه فضمنته، وكان الدين كثيراً وكنت أعهده صاحب وفاء وأعهده من أهل الأمانة، ولكن أخلف ظني فهرب بالدين الذي في ذمته، أو عجز وأصبح مفلساً لا يستطيع. وفي هذه الحال يرجعون إلى الضامن ويقال: أنت الذي التزمت بوفاء الدين.

قال رحمه الله تعالى: [يصح ضمان جائز التصرف].

أي: الحر المكلف الرشيد. فلا يضمن العبد؛ لأنه ليس له مال، ولا يضمن المجنون؛ لأنه لا يتصرف، ولا الصغير؛ لأنه غير مكلف، ولا المحجور عليه الذي ماله محجور عليه، ولا السفيه الذي ماله محجور عليه لسفهه.

قوله: (ما وجب) أي: ما قد ثبت من الدين. [وما سيجب] أي: ما سوف يأخذه. كأن تقول -مثلاً- لصاحب الدكان: دينك الذي لك على فلان أنا أضمنه، والذي سوف يأخذه فلان أنا أضمنه.


استمع المزيد من الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح أخصر المختصرات [21] 2740 استماع
شرح أخصر المختصرات [28] 2717 استماع
شرح أخصر المختصرات [72] 2608 استماع
شرح أخصر المختصرات [87] 2572 استماع
شرح أخصر المختصرات [37] 2485 استماع
شرح أخصر المختصرات [68] 2350 استماع
شرح أخصر المختصرات [81] 2341 استماع
شرح أخصر المختصرات [58] 2333 استماع
شرح أخصر المختصرات [9] 2320 استماع
شرح أخصر المختصرات [22] 2270 استماع