عنوان الفتوى : المفاضلة بين علي وأبي بكر وعمر، ولماذا لم يزوجهما رسول الله فاطمة؟
السؤال
هل علي بن أبي طالب أفضل من أبي بكر وعمر بن الخطاب؟ مع ذكر الأدلة، ولماذا رفض الرسول صلى الله عليه وسلم تزويج فاطمة لأبي بكر وعمر، وقبِل تزويجها لعلي: هل لأنه أفضل منهما؟ وهل روي حديث معناه: أنه لوزن إيمان عمر بأهل الأرض ما عدا الأنبياء وأبي بكر، لرجحت الكفة؟ جزاكم الله خيرًا، وأعانكم على قضاء حوائج العباد.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن أبا بكر الصديق -رضي الله عنه- أفضل الصحابة، ويليه عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، وهما أفضل من علي -رضي الله عنه-، وهذا باتفاق أئمة المسلمين المشهورين بالإمامة في العلم والدين.
والأدلة على ذلك كثيرة، وكان علي -رضي الله عنه- يقرّ بفضل الشيخين عليه، ويجلد من يفضّله عليهما حد المفتري، قال ابن تيمية: أما تفضيل أبي بكر ثم عمر على عثمان وعلي، فهذا متفق عليه بين أئمة المسلمين المشهورين بالإمامة في العلم والدين -من الصحابة، والتابعين، وتابعيهم-؛ وهو مذهب مالك، وأهل المدينة، والليث بن سعد، وأهل مصر، والأوزاعي، وأهل الشام؛ وسفيان الثوري، وأبي حنيفة، وحماد بن زيد، وحماد بن سلمة، وأمثالهم من أهل العراق، وهو مذهب الشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبي عبيد، وغير هؤلاء من أئمة الإسلام الذين لهم لسان صدق في الأمة.
وحكى مالك إجماع أهل المدينة على ذلك، فقال: ما أدركت أحدًا ممن أقتدي به، يشكّ في تقديم أبي بكر وعمر.
وهذا مستفيض عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب. وفي صحيح البخاري عن محمد بن الحنفية أنه قال لأبيه علي بن أبي طالب: يا أبت، من خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: يا بني، أو ما تعرف؟ قلت: لا. قال: أبو بكر، قلت: ثم من؟ قال: عمر. ويروى هذا عن علي بن أبي طالب من نحو ثمانين وجهًا، وأنه كان يقوله على منبر الكوفة؛ بل قال: لا أوتى بأحد يفضّلني على أبي بكر وعمر إلا جلدته حدّ المفتري. فمن فضّله على أبي بكر وعمر جُلِد بمقتضى قوله -رضي الله عنه- ثمانين سوطًا.
وكان سفيان يقول: من فضّل عليًّا على أبي بكر، فقد أزرى بالمهاجرين؛ وما أرى أنه يصعد له إلى الله عمل -وهو مقيم على ذلك.
وفي الترمذي، وغيره روي هذا التفضيل عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه قال: يا علي، هذان سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين؛ إلا النبيين والمرسلين.
وقد استفاض في الصحيحين، وغيرهما عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه، من حديث أبي سعيد، وابن عباس، وجندب بن عبد الله، وابن الزبير، وغيرهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لو كنت متخذًا من أهل الأرض خليلًا لاتخذت أبا بكر خليلًا، ولكن صاحبكم خليل الله. يعني نفسه.
وفي الصحيح أنه قال على المنبر: إن أمنّ الناس عليّ في صحبته، وذات يده، أبو بكر؛ ولو كنت متخذًا من أهل الأرض خليلًا لاتخذت أبا بكر خليلًا، ولكن صاحبكم خليل الله. ألا لا يبقين في المسجد خوخة إلا سدّت، إلا خوخة أبي بكر. وهذا صريح في أنه لم يكن عنده من أهل الأرض من يستحق المخالة -لو كانت ممكنة من المخلوقين- إلا أبا بكر. فعلم أنه لم يكن عنده أفضل منه، ولا أحب إليه منه.
وكذلك في الصحيح أنه قال عمرو بن العاص: أي الناس أحب إليك؟ قال: عائشة. قال: فمن الرجال؟ قال: أبوها.
وكذلك في الصحيح أنه قال لعائشة: ادعي لي أباك، وأخاك؛ حتى أكتب لأبي بكر كتابًا لا يختلف عليه الناس من بعدي، ثم قال: يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر.
وفي الصحيح عنه: أن امرأة قالت: يا رسول الله، أرأيت إن جئت فلم أجدك -كأنها تعني الموت-، قال: فأتي أبا بكر.
وفي السنن عنه أنه قال: اقتدوا باللذين من بعدي: أبي بكر، وعمر.
وفي الصحيح عنه أنه كان في سفر، فقال: إن يطع القوم أبا بكر وعمر يرشدوا.
وفي السنن عنه أنه قال: رأيت كأني وضعت في كفة والأمة في كفة، فرجحت بالأمة، ثم وضع أبو بكر في كفة والأمة في كفة، فرجح أبو بكر، ثم وضع عمر في كفة والأمة في كفة، فرجح عمر.
وفي الصحيح أنه كان بين أبي بكر وعمر كلام، فطلب أبو بكر من عمر أن يستغفر له، فلم يفعل، فجاء أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك، فقال: اجلس -يا أبا بكر-، يغفر الله لك، وندم عمر، فجاء إلى منزل أبي بكر فلم يجده، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: أيها الناس، إني جئت إليكم، فقلت: إني رسول الله، فقلتم: كذبت، وقال أبو بكر: صدقت، فهل أنتم تاركو لي صاحبي؟ فهل أنتم تاركو لي صاحبي؟ فهل أنتم تاركو لي صاحبي؟ فما أوذي بعدها.
وقد تواتر في الصحيح، والسنن أن النبي صلى الله عليه وسلم لما مرض، قال: مروا أبا بكر فليصل بالناس، مرتين أو ثلاثًا؛ حتى قال: إنكنّ لأنتنّ صواحب يوسف، مروا أبا بكر أن يصلي بالناس.
فهذا التخصيص، والتكرير، والتوكيد في تقديمه في الإمامة على سائر الصحابة، مع حضور عمر، وعثمان، وعلي، وغيرهم، مما بين للأمة تقدّمه عنده صلى الله عليه وسلم على غيره.
وفي الصحيح: أن جنازة عمر لما وضعت، جاء علي بن أبي طالب يتخلل الصفوف، ثم قال: لأرجو أن يجعلك الله مع صاحبيك؛ فإني كثيرًا ما كنت أسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: دخلت أنا وأبو بكر وعمر، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر، وذهبت أنا وأبو بكر وعمر. فهذا يبين ملازمتهما للنبي صلى الله عليه وسلم في مدخله، ومخرجه، وذهابه.
ولذلك قال مالك للرشيد: لما قال له: يا أبا عبد الله، أخبرني عن منزلة أبي بكر وعمر من النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: يا أمير المؤمنين، منزلتهما منه في حياته، كمنزلتهما منه بعد وفاته. فقال: شفيتني -يا مالك-.
وهذا يبين أنه كان لهما من اختصاصهما بصحبته، ومؤازرتهما له على أمره، ومباطنتهما، مما يعلمه بالاضطرار كل من كان عالمًا بأحوال النبي صلى الله عليه وسلم، وأقواله، وأفعاله، وسيرته مع أصحابه.
ولهذا لم يتنازع في هذا أحد من أهل العلم بسيرته، وسنته، وأخلاقه؛ وإنما ينفي هذا، أو يقف فيه من لا يكون عالمًا بحقيقة أمور النبي صلى الله عليه وسلم -وإن كان له نصيب من كلام، أو فقه، أو حساب، أو غير ذلك-، أو من يكون قد سمع أحاديث مكذوبة تناقض هذه الأمور المعلومة بالاضطرار عند الخاصة من أهل العلم، فتوقف في الأمر، أو رجّح غير أبي بكر. اهـ. من مجموع الفتاوى.
وأما تزويج النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة لعلي -رضي الله عنه- دون الشيخين أبي بكر، وعمر -رضي الله عنهما- فإنما كان ذلك لصغر سن فاطمة -رضي الله عنها- وقرب سن علي من سنها، لا لفضل علي على الشيخين، كما جاء في سنن النسائي عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه، قال: خطب أبو بكر، وعمر -رضي الله عنهما- فاطمة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنها صغيرة»، فخطبها علي، فزوّجها منه. وأخرجه ابن حبان في صحيحه، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه.
وأما سؤالك: (هل روي حديث معناه: أنه لوزن إيمان عمر بأهل الأرض ما عدا الأنبياء وأبي بكر، لرجحت الكفة)، فلم نقف على حديث بهذا اللفظ.
والمعروف أنه يروى عن عمر -رضي الله عنه- أنه قال: لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان أهل الأرض، لرجح بهم. وروي مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، لكنه ضعيف لا يصح، كما سبق في الفتوى: 3733.
لكن جاء في مسند الإمام أحمد عن ابن عمر قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات غداة بعد طلوع الشمس، فقال: رأيت قبيل الفجر كأني أعطيت المقاليد والموازين: فأما المقاليد، فهذه المفاتيح، وأما الموازين، فهي التي تزنون بها، فوضعت في كفة، ووضعت أمتي في كفة، فوزنت بهم، فرجحت، ثم جيء بأبي بكر فوزن بهم، فوزن، ثم جيء بعمر فوزن، فوزن، ثم جيء بعثمان، فوزن بهم، ثم رفعت.
قال الهيثمي: رجال ثقات. وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح. وضعفه الألباني.
وقد جعل ابن تيمية هذا الحديث في معنى أثر عمر، فقال: ومما يروون عنه أنه قال: لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان الناس، لرجح إيمان أبي بكر على ذلك. هذا جاء معناه في حديث معروف في السنن أن أبا بكر -رضي الله عنه- وزن هذه الأمة، فرجح. اهـ.
والله أعلم.