شرح أخصر المختصرات [23]


الحلقة مفرغة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [كتاب الجهاد

وهو فرض كفاية إلا إذا حضره أو حصره أو بلده عدو، أو كان النفير عاماً ففرض عين، ولا يتطوع به مَنْ أحد أبويه حر مسلم إلا بإذنه، وسن رباط، وأقله ساعة، وتمامه أربعون يوماً، وعلى الإمام منع مخذل ومرجف، وعلى الجيش طاعته والصبر معه، وتملك الغنيمة بالاستيلاء عليها في دار حرب، فيجعل خمسها خمسة أسهم: سهم لله ولرسوله، وسهم لذوي القربى، وهم: بنو هاشم والمطلب، وسهم لليتامى الفقراء، وسهم للمساكين، وسهم لأبناء السبيل. وشُرط فيمن يسهم له إسلام، ثم يقسم الباقي بين من شهد الوقعة: للراجل سهم، وللفارس على فرس عربي ثلاثة، وعلى غيره اثنان، ويقسم لحر مسلم مكلف، ويرضخ لغيرهم.

وإذا فتحوا أرضاً بالسيف خُيِّر الإمام بين قسمها، ووقفها على المسلمين، ضارباً عليها خراجاً مستمراً يؤخذ ممن هي في يده، وما أخذ من مال مشرك بلا قتال -كجزية وخراج وعشر- فيءٌ لمصالح المسلمين، وكذا خمس خمس الغنيمة.

فصل:

ويجوز عقد الذمة لمن له كتاب أو شبهته، ويقاتل هؤلاء حتى يسلموا أو يعطوا الجزية، وغيرهم حتى يسلموا أو يقتلوا، وتؤخذ منهم ممتهنين مصغرين، ولا تؤخذ من صبي وعبد وامرأة وفقير عاجز عنها ونحوهم، ويلزم أخذهم بحكم الإسلام فيما يعتقدون تحريمه من نفس وعرض ومال وغيرها، ويلزمهم التميز عن المسلمين، ولهم ركوب غير خيل بغير سرج، وحرم تعظيمهم وبداءتهم بالسلام، وإن تعدى الذمي على مسلم أو ذكر الله أو كتابه أو رسوله بسوء انتقض عهده، فيخير الإمام فيه كأسير حربي].

تعريف الجهاد وحكمه

الجهاد: هو قتال الكفار، ومن العلماء من يجعله مع الحدود كما فعل صاحب المغني وغيره كثير، ومنهم من يجعله مع العبادات كما في المقنع وشروحه؛ وذلك لأنه عبادة، وبعض العلماء جعلوه ركناً من أركان الإسلام؛ وذلك لكثرة الأحاديث التي وردت في فضل الجهاد، والتي وردت في كيفيته، وفي العمل فيه، وهي كثيرة، ويدل على ذلك -أيضاً- جهاد النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه لم يستقر في المدينة بعدما هاجر إلا وقتاً يسيراً ثم بدأ يغزو ويهادن، ووقعت في كل سنة عدة غزوات إلى أن فتحت البلاد، ودان العباد بالإسلام.

وقد كان أولاً منهياً عن القتال، ومأموراً بالاقتصار على البلاغ: إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ [الشورى:48] ، مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ [المائدة:99] ، وكذلك كان منهياً عن بداءة أحد أو قتال أحد إلا بعد أن يبدأ، فنزل عليه في أول الأمر: وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ [ق:45] ، لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ [الغاشية:22] ، إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ [الشورى:48] ، مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ [المائدة:99] ، لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ [الكافرون:6] وأشباه ذلك.

ولما قويت معنوية المسلمين أذن لهم في الجهاد، قال تعالى: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا [الحج:39] فأول الأمر كانوا ممنوعين، ثم بعد ذلك أذن لهم أن يقاتلوا من بدأهم، ويكون القتال للدفاع: وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ [البقرة:190] .

ثم الحالة الثالثة: قتال كل الكفار في قوله: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ [التوبة:5] واستقر الأمر على قتال جميع المشركين حتى يسلموا.

والجهاد فرض كفاية، إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين، ومعناه: أنهم مأمورون بأن يقاتلوا في سبيل الله، فإذا قامت به فرقة تكفي فإنه يسقط الإثم عن الباقين.

الحالات التي يكون الجهاد فيها فرض عين

متى يكون الجهاد فرض عين؟

في ثلاث حالات:

الحالة الأولى: إذا حضر المسلم الصف.

الحالة الثانية: إذا استنفره الإمام.

الحالة الثالثة: إذا دهمهم العدو.

الدليل على الأول: قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا [الأنفال:45]، وقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلا تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ [الأنفال:15] فهذا دليل على أن من حضر الصف وجب عليه الصبر، ووجب عليه القتال، وصار فرض عين.

أما النفير فدليله قوله تعالى: مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ [التوبة:38] فإذا دعاهم الإمام أن ينفروا وجب عليهم النفير.

وإذا دهم البلاد عدو، وليس لهم به قدرة فإنه يتعين الجهاد عليهم جميعاً حتى على النساء وعلى الكبار والصغار، كل بقدر ما يستطيعه.

وجوب استئذان الوالدين في جهاد التطوع

ذكر المصنف رحمه الله أنه: لا يجاهد الحر المسلم تطوعاً إلا بإذن أبويه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لما جاءه رجل يستأذنه في الجهاد: (أحي والداك؟ قال: نعم. قال: ففيهما فجاهد) فإذا أذنا له جاز، وأما إذا كان فرض عين فإنه لا يستأذن أحداً، بل ينفر.

وهذا يدل على عظم حق الوالدين؛ لأن رضا الرب في رضا الوالدين، وسخط الرب في سخط الوالدين.

سنية الرباط في سبيل الله

يسن الرباط، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا [آل عمران:200] الرباط: هو ملازمة الثغور التي يأتي منها العدو، إذا كان العدو يأتي من هذا الطريق، سواء على أرجلهم أو على خيل أو سيارات أو نحوها، فالذين يرابطون فيها لهم أجر كبير؛ لأنهم يحرسون المسلمين لئلا يأتيهم أحد من هذا الفج وهم على حين غفلة، فإذا أحس المرابط بالعدو جاء وأنذر المسلمين وقال: جاءكم العدو فاستعدوا، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها) .

وأقله ساعة، وأكثره أربعون يوماً، فإذا رابط أربعين يوماً في هذا الثغر فإن على الإمام أن يبدله بغيره.

منع الإمام للمخذلين والمرجفين

إذا غزا المسلمون أو أرادوا الغزو فلا يجوز أن يكون فيهم المخذل والمرجف، فيمنع الإمام المخذل والمرجف، قال تعالى: لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ [الأحزاب:60] فالمخذل: هو الذي يخذل المجاهدين، فيقول: لا تخرجوا، لا حاجة لأحد منكم، وليست هناك ضرورة إليكم، والجهاد ليس بضروري، ولا حاجة إلى الجهاد في هذا الوقت؛ يخذلهم ويمنع كثيراً منهم عن مقابلة العدو.

والمرجف: هو الذي يهول الأمر، فيقول: إن عدوكم سوف يستولي عليكم، أنتم ضعفاء لا تقدرون على أن تقاوموا، العدو أكثر منكم عدداً وقوة، ليس عندكم ما تقاومون به عدوكم، سوف يستولون عليكم، فماذا تفعلون؟! فيسبب أن ترتجف القلوب، فمثل هؤلاء لا يجوز أن يكونوا في الغزو، ويمنعهم الإمام من الخروج معه.

وجوب طاعة الأمير

قوله: (وعلى الجيش طاعته والصبر معه).

يجب على كل الجيش الذي ينفر أن يطيعوا أميرهم ويصبروا معه، ولكن إنما الطاعة في المعروف، ثبت أنه صلى الله عليه وسلم أمر على سرية عبد الله بن جحش ، وأمرهم أن يطيعوه، ثم إنه غضب عليهم، فأمرهم مرة أن يوقدوا ناراً وقال: ادخلوها، فقد أمركم النبي صلى الله عليه وسلم أن تطيعوني. فأراد بعضهم أن يدخلها، ثم قالوا: ما فررنا إلا من النار، كيف ندخلها؟! ولم يزل بعضهم يحفز بعضاً حتى خمدت النار وسكن غضبه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الطاعة في المعروف) فطاعته تكون فيما فيه مصلحة.

ولهم أن يشيروا عليه بما يرون فيه مصلحة، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يعطي غطفان ثلث ثمار المدينة على أن يرجعوا في غزوة الأحزاب، فاستشار سعداً فقال: إن كان أمراً تأمرنا به فسمعاً وطاعة، وإن كان رأياً فلا والله ولا تمرة واحدة، فعند ذلك قبل كلام سعد، وكذلك في كثير من الأمور كان يستشيرهم عملاً بقوله تعالى: وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ [آل عمران:159] فعليهم أن يشيروا عليه بما يرونه صالحاً، وأن يصبروا معه، وألا ينصرفوا ولا يرجعوا حتى يرجع الجيش.

صفة الغزو وترتيب الجيش

صفة الغزو والقتال موسعة في كتب الفقه، ووقت اختيار البداءة في القتال أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينتظر حتى إذا زالت الشمس، وهبت الرياح، ونزل النصر ابتدأ في القتال، وكان يدعو عندما يبدأ في القتال فيقول: (اللهم منزل الكتاب، ومجري السحاب، وهازم الأحزاب، اهزمهم، وزلزلهم، وانصرنا عليهم)، فكان يعبئ الجيش فيجعله مقدمة وجناحين، ويجعل لكل جناح وجانب من يحثهم، وكان يجعل في مؤخرته من يحث الذين يكادون أن ينهزموا، فيحثهم على الصبر والثبات، ثم يشجعهم على الإقدام والمبارزة.

كيفية تقسيم الغنائم

والقتال هو مقابلة الصفين، وقتل كل منهم للآخر إلى أن يحصل النصر للمسلمين والهزيمة للكافرين، ثم إذا انهزموا فإنهم يدفعونهم ويقتلون، ولا يجوز الأسر إلا بعد الإثخان؛ لقوله تعالى: حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ [محمد:4] يعني: أكثرتم فيهم القتل فَشُدُّوا الْوَثَاقَ [محمد:4] أي: الأسر، أي: أوثقوهم واربطوهم.

ثم بعد ذلك إذا انهزموا ملك المسلمون ما كان عندهم، ويسمى غنيمة، وتملك الغنيمة بالاستيلاء عليها بدار الحرب، فمتى استولى عليها المسلمون يملكونها، وسميت غنيمة؛ لأنهم غنموا وربحوا، فإذا غنمها المسلمون قسموها خمسة أسهم: خمس يقسم، وأربعة أخماس للغانمين، والخمس الذي يحرز يجعل خمسة أسهم، قال الله تعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ [الأنفال:41] السهم الذي لله ولرسوله مصرفه كمصرف الفيء، يجعل في مصالح المسلمين، ويكون لبيت المال في المصالح التي يحتاج إليها من بناء مساجد، وإصلاح الطرق، وبناء القناطر والجسور التي فوق البحار مثلاً وكذلك أيضاً رزق وإعاشة القضاة ونحوهم، كل هذا يدخل في بيت المال.

أما سهم ذوي القربى فاختلف في أهله، فأكثر العلماء على أنهم بنو هاشم وبنو المطلب؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان يعطيهم من سهم ذوي القربى، وفي هذه الأزمنة قد يقال: إنهم تفرقوا وكثروا، فلا يمكن حصرهم، فلذلك يعطى من هو محقق النسب، وكذلك أيضاً يعطى أقارب الرؤساء والسلاطين، ويكون لهم حق في خمس الخمس.

وسهم لليتامى الذين هم من الفقراء؛ وذلك لأنهم غير قادرين على الكسب.

وسهم للمساكين عموماً، ويدخل فيهم الفقراء أيضاً.

وسهم لأبناء السبيل، وقد تقدم تعريف الفقراء والمساكين وأبناء السبيل في الزكاة، وأنهم ممن تحل لهم الزكاة، وكذلك يعطون من خمس الغنيمة.

ثم بعد ذلك يقسم على الغانمين، ويشترط فيمن يسهم له الإسلام، فإذا قاتل مع المسلمين كافر فلا يجوز أن يعطوه، فلا يعطى الكافر من غنائم المسلمين، بل تقسم الغنائم على المسلمين الذين قاتلوا.

تقسم أربعة أخماس الغنيمة على من شهد الوقعة، للراجل سهم -والراجل: هو الذي يقاتل على رجليه- وللفارس على فرس عربي ثلاثة، وللفارس على فرس غير عربي سهمان؛ وذلك لأن الخيل العربية أقوى في الصبر، وأقوى في الجلد، وأقوى في السباق؛ لذلك يفضل الفرس العربي على غيره، ويقال في غير العربي: الهجين، وهو من كان أبوه عربياً، والثاني: المقرئ، وهو ما كانت أمه عربية، والبرذون وهو ما ليس أحد من أبويه عربياً، ولما فتحت بلاد فارس اختلطت خيول المسلمين بخيول الفرس، والفرس غير العربي أقل نكاية من العربي، فلذلك كان يعطى هذا الفرس سهماً، ويعطى الرجل سهماً، فأما إذا كان أبواه عربيين فإن الفارس له ثلاثة أسهم: سهم له، وسهمان لفرسه، هذا هو القول المشهور، وذهب الحنفية إلى أنه لا يزاد الفارس على سهمين، فيعطى الفرس سهماً، ولا يفرقون بين العربي وغيره.

والذي يقسم له من الغنيمة هو الحر المسلم المكلف، فلا يقسم للنساء، ولا يقسم للعبيد، ولا يقسم لغير مكلف كالصغير والمجنون، ولا يقسم للكافر، وإنما يرضخ لهم، والرضخ: هو إعطاؤهم من الغنيمة دون تسويتهم بغيرهم، ويعطون شيئاً يكون مناسباً لهم.

تخيير الإمام في الأرض المفتوحة بالسيف

إذا فتح المجاهدون أرضاً بالسيف خُير الإمام بين قسمها أو وقفها على المسلمين، ويضرب عليها خراجاً مستمراً يؤخذ ممن هي بيده، فمكة لما فتحت عنوة بالسيف وقفها النبي صلى الله عليه وسلم؛ فأصبحت وقفاً، أما خيبر فلما فتحها قسمها، وأعطى كلاً من الغانمين جزءاً من أرضها، أما أرض الشام ومصر والعراق فإنهم قسموا المساكن والدور، وأما المزارع فلم تقسم على الغانمين، بل جعلها عمر وقفاً يدر على بيت المال، وقال: إنا لا نأمن أن تنقطع هذه الغنائم وتتوقف، فإذا جعلنا هذه الأراضي كلها وقفاً كانت غلتها لبيت المال، فوقفها كلها، وضرب عليها خراجاً، فإذا زرعها المسلم دفع أجرة عليها ودفع الزكاة، وإذا زرعها غير المسلم دفع الأجرة، وأجرتها العشر، والزكاة نصف العشر إذا كانت تسقى بمئونة، أو العشر بغير مئونة، فإذا زرعها مسلم وسقاها بلا مئونة فإنه يدفع الخمس، عشر أجرتها، وعشر زكاة، وأما إذا سقاها بمئونة فإنه يدفع ثلاثة أرباع الخمس، يعني: عشر ونصف عشر، وأما إذا زرعها غير مسلم فليس عليه إلا الخراج مستمراً كل سنة، حتى ولو لم يزرعها، فإذا كانت في يده وتحت تصرفه ضربت عليها أجرة سنوية.

الأموال التي تؤخذ من المشركين دون قتال

الأموال التي تؤخذ من المشركين بلا قتال تسمى فيئاً، قال الله تعالى: مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ [الحشر:7] إلخ، وقال: وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ [الحشر:6]، والجزية تلحق بالفيء، وكذلك عشر خراج الأرض الخراجية، والعشر الذي يؤخذ من أموال الكفار إذا اتجروا إلينا، فإذا كان الكفار يجلبون أموالاً إلى بلاد المسلمين للتجارة فإنه يؤخذ منهم العشر من التجارة كل سنة. فعشر تجارة الحربي مثلاً، وخراج الأرض الخراجية، والجزية التي تؤخذ من أهل الكتاب؛ كلها نسميها فيئاً، والفيء قد ذكر الله تعالى مصرفه فقال: مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ [الحشر:7] أي: تصرف في هذه الأشياء كما يصرف في ذلك خمس الغنيمة.

الجهاد: هو قتال الكفار، ومن العلماء من يجعله مع الحدود كما فعل صاحب المغني وغيره كثير، ومنهم من يجعله مع العبادات كما في المقنع وشروحه؛ وذلك لأنه عبادة، وبعض العلماء جعلوه ركناً من أركان الإسلام؛ وذلك لكثرة الأحاديث التي وردت في فضل الجهاد، والتي وردت في كيفيته، وفي العمل فيه، وهي كثيرة، ويدل على ذلك -أيضاً- جهاد النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه لم يستقر في المدينة بعدما هاجر إلا وقتاً يسيراً ثم بدأ يغزو ويهادن، ووقعت في كل سنة عدة غزوات إلى أن فتحت البلاد، ودان العباد بالإسلام.

وقد كان أولاً منهياً عن القتال، ومأموراً بالاقتصار على البلاغ: إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ [الشورى:48] ، مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ [المائدة:99] ، وكذلك كان منهياً عن بداءة أحد أو قتال أحد إلا بعد أن يبدأ، فنزل عليه في أول الأمر: وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ [ق:45] ، لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ [الغاشية:22] ، إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ [الشورى:48] ، مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ [المائدة:99] ، لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ [الكافرون:6] وأشباه ذلك.

ولما قويت معنوية المسلمين أذن لهم في الجهاد، قال تعالى: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا [الحج:39] فأول الأمر كانوا ممنوعين، ثم بعد ذلك أذن لهم أن يقاتلوا من بدأهم، ويكون القتال للدفاع: وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ [البقرة:190] .

ثم الحالة الثالثة: قتال كل الكفار في قوله: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ [التوبة:5] واستقر الأمر على قتال جميع المشركين حتى يسلموا.

والجهاد فرض كفاية، إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين، ومعناه: أنهم مأمورون بأن يقاتلوا في سبيل الله، فإذا قامت به فرقة تكفي فإنه يسقط الإثم عن الباقين.

متى يكون الجهاد فرض عين؟

في ثلاث حالات:

الحالة الأولى: إذا حضر المسلم الصف.

الحالة الثانية: إذا استنفره الإمام.

الحالة الثالثة: إذا دهمهم العدو.

الدليل على الأول: قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا [الأنفال:45]، وقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلا تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ [الأنفال:15] فهذا دليل على أن من حضر الصف وجب عليه الصبر، ووجب عليه القتال، وصار فرض عين.

أما النفير فدليله قوله تعالى: مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ [التوبة:38] فإذا دعاهم الإمام أن ينفروا وجب عليهم النفير.

وإذا دهم البلاد عدو، وليس لهم به قدرة فإنه يتعين الجهاد عليهم جميعاً حتى على النساء وعلى الكبار والصغار، كل بقدر ما يستطيعه.


استمع المزيد من الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح أخصر المختصرات [21] 2741 استماع
شرح أخصر المختصرات [28] 2718 استماع
شرح أخصر المختصرات [72] 2609 استماع
شرح أخصر المختصرات [87] 2572 استماع
شرح أخصر المختصرات [37] 2486 استماع
شرح أخصر المختصرات [68] 2351 استماع
شرح أخصر المختصرات [81] 2342 استماع
شرح أخصر المختصرات [58] 2334 استماع
شرح أخصر المختصرات [9] 2321 استماع
شرح أخصر المختصرات [22] 2271 استماع