شرح أخصر المختصرات [13]


الحلقة مفرغة

قال المصنف رحمه الله تعالى:

[كتاب الزكاة.

تجب في خمسة أشياء:

بهيمة أنعام، ونقد، وعرض تجارة، وخارج من الأرض، وثمار، بشرط: إسلام، ‏وحرية، وملك نصاب، واستقراره، وسلامة من دين ينقص النصاب، ومضي حول إلا في معشر، ونتاج سائمة، وربح تجارة، وإن نقص في بعض الحول ببيع أو غيره لا ‏فراراً انقطع، وإن أبدله بجنسه فلا، وإذا قبض الدين زكّاهُ لما مضى. وشرط لها في بهيمة أنعام: سوم أيضا.

وأقل نصاب إبل: خمس، وفيها شاة، وفي عشر شاتان، وفي خمس عشرة ثلاث شياه، وفي عشرين ‏أربع شياه، وفي خمس وعشرين بنت مخاض، وهي التي لها سنة، وفي ست وثلاثين بنت لبون، وهي التي ‏لها سنتان، وفي ست وأربعين حقة، وهي التي لها ثلاث، وفي إحدى وستين جذعة وهي التي ‏لها أربع، وفي ست وسبعين بنتا لبون، وفي إحدى وتسعين حقتان، وفي مائة وإحدى وعشرين ثلاث ‏بنات لبون، ثم في كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة.

وأقل نصاب البقر ثلاثون، وفيها تبيع، وهو الذي له سنة، أو تبيعة، وفي أربعين مسنة، وهي التي ‏لها سنتان، وفي ستين تبيعان، ثم في كل ثلاثين تبيع، وفي كل أربعين مسنة.

وأقل نصاب الغنم أربعون، وفيها شاة، وفي مائة وإحدى وعشرين شاتان، وفي مائتين وواحدة ‏ثلاث، إلى أربعمائة، ثم يستقر في كل مائة شاة، والشاة بنت سنة من المعز، ونصفها من الضأن.

‏والخلطة في بهيمة الأنعام بشرطها تصير المالين كالواحد.

‏فصل:

وتجب في كل مكيل مدخر خرج من الأرض، ونصابه خمسة أوسق، وهي ثلاثمائة واثنان وأربعون ‏رطلاً وستة أسباع رطل بالدمشقي، وشرط ملكه وقت وجوب، وهو اشتداد حب، وبدو صلاح ‏ثمر، ولا يستقر إلا بجعلها في بيدر ونحوه.

والواجب عشر ما سقي بلا مئونة، ونصفه فيما سقي بها، وثلاثة أرباعه فيما سقي بهما، ‏فإن تفاوتا اعتبر الأكثر، ومع الجهل العشر.

وفي العسل العشر سواء أخذه من موات أو ملكه أو ملك غيره إذا بلغ مائة وستين رطلاً عراقية.

ومن استخرج من معدن نصاباً ففيه ربع العشر في الحال، وفي الركاز الخمس مطلقاً، وهو ما ‏وجد من دفن الجاهلية.

فصل:

وأقل نصاب ذهب عشرون مثقالا، وفضة مائتا درهم، ويضمان في تكميل النصاب، ‏والعروض إلى كل منها، والواجب فيهما ربع العشر.

وأبيح لرجل من الفضة خاتم وقبيعة سيف، وحلية منطقة ونحوه، ومن الذهب قبيعة سيف وما ‏دعت إليه ضرورة كأنف، ولنساء منهما ما جرت عادتهن بلبسه، ولا زكاة في حلي مباح أعد ‏لاستعمال أو عارية.

ويجب تقويم عرض التجارة بالأحظ للفقراء منهما، وتخرج من قيمته، وإن اشترى عرضاً بنصاب ‏غير سائمة بنى على حوله].

اقتران الزكاة بالصلاة في كتاب الله

ذكر كتاب الزكاة بعد كتاب الصلاة؛ لأنها قرينتها، فالصلاة تذكر بلفظ الإقامة، والزكاة تذكر بلفظ الإيتاء، كقوله: وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ [البينة:5] ، وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ [البقرة:43] فقد أمر بالزكاة أمراً مطلقاً قبل الهجرة في السور المكية، وأما أنصبتها ومقدارها وشروطها فإنما وجدت في المدينة، وذلك بعد وجود أسبابها ؛ لأن أهل مكة كانوا يتصدقون بكل أموالهم أو جلها، كما قال تعالى في شأن أبي بكر رضي الله عنه: الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى [الليل:18]، وكذلك يروى أن قوله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى [الأعلى:14] نزل في أبي بكر وفي غيره.

الزكاة نماء وطهرة

الزكاة في اللغة هي: النماء والتطهير، فقول تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا [التوبة:103] أي: تنمي أموالهم وتطهرها؛ وذلك لأن الأموال غالباً قد يكون فيها شيء من الخلل .. من الغش، أو من الخداع، أو من الشبهة، فتكون هذه الزكاة مطهرة ومصفية لها، ومع ذلك فإنها تنميها وتزيدها، ولذلك جاء في الحديث: (ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبداً بعفوٍ إلا عزاً، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله)، فأخبر بأن المال وإن كثرت الصدقة منه فإن الله تعالى يخلفه، وفي الحديث: (ينزل ملكان كل يوم يقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً) ، وكذلك يقول الله تعالى: وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ [سبأ:39].

شروط وجوب الزكاة

قوله: (تجب في خمسة أشياء) ذكروا لوجوبها شروطاً وهي: حرية، وإسلام، وملك نصاب، واستقراره، ومضي الحول، فلا تجب على العبيد؛ لأنهم مملوكون، وما بأيديهم ملك لأسيادهم، ولا تجب على الكافر؛ لأنه مطالب بشرطها، ولا تجب على الفقير؛ لأنه يستحق المواساة، ولأن ماله قليل، فأقل شيء ملك النصاب، ولابد أن يستقر الملك عليه، فإذا لم يكن مستقراً كدين الكتابة والمهر قبل الدخول فإنها لا تجب الزكاة فيه، ولا تجب في السنة أكثر من مرة، بل لابد أن يمضي الحول.

الأموال التي تجب فيها الزكاة

وأصول الأموال الزكوية أربعة: بهيمة الأنعام، والخارج من الأرض، والنقود، وعروض التجارة، والمؤلف جعلها خمسة ففرق بين الخارج من الأرض وبين الثمار، والثمار خارجة من الأرض.

إذاً: فالأموال الزكوية أربعة: أولها: بهيمة الأنعام، وهي أكثر ما كان موجوداً في العرب في وقت نزول القرآن، ثم يليها التجارة، وكان الكثير من التجار ينمون أموالهم بالتجارة فيحصل لهم ربح كثير، ثم بعد ذلك الخارج من الأرض الذي هو ثمر النخل والزبيب والحبوب وما أشبهها، ثم بعد ذلك النقود، ومعلوم أن النقود لا تتوالد، ولكنها تنمى بالتجارة؛ لأنه تشترى بها عروض ثم تباع بربح، هذه هي الأموال الزكوية.

ثم ذكر الشروط: الإسلام، وعرفنا أنه لابد أن يكون مسلماً، والحرية، وملك النصاب واستقراره، وقد ذكرنا مثاله وهو المهر قبل الدخول؛ لأنها عرضة للطلاق، فلا تزكيه المرأة حتى تملكه ويستقر ملكها عليه؛ لأنه إذا طلقها فسيسقط نصفه، أو يعفى عنه كله، ومن غير المستقر أيضاً: الدين على المملوك ويسمى دين كتابة، فإنه يمكن أن يعجز نفسه فيسقط الدين، فلابد أن يكون الملك مستقراً.

الكلام على اشتراط الخلو من الدين للزكاة

وشرط الفقهاء شرطاً خامساً وهو: السلامة من الدين الذي ينقص النصاب، واختلفوا هل الدين يمنع من الزكاة كلاً أو لا يمنعها أصلاً، أو فيه تفصيل؟

فأكثر الفقهاء على أنه يمنع؛ وذلك لأنه إذا كانت عليه ديون تستغرق ماله أصبح المال لغيره، فيصبح كأنه فقير، وعلى هذا فلا فرق بين جميع الأموال إذا كان الدين يستغرق الأموال، أو لا يبقي إلا أقل من النصاب فلا يصير غنياً، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم) وهناك قول آخر: أن الدين لا يمنع، وأن الزكاة تؤخذ من كل الأموال، سواء على أصحابها دين أم لا؛ لأنهم مفرطون حيث لم يوفوا أهل الدين من هذه الأموال.

والقول الثالث: أنه لا يمنع من الأموال الظاهرة ويمنع من الخفية، والأموال الظاهرة مثل بهيمة الأنعام، والخارج من الأرض؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبعث من يخرص النخل على أهله، ولم يقل: هل عليكم دين؟ بل يخرصون النخل والزرع ونحو ذلك، وكذلك كان يرسل من يأخذ الصدقات من بهيمة الأنعام، ولم يكونوا يسألونهم: هل عليكم دين أم لا؟ وقالوا: لأن الأموال الظاهرة تتعلق بها نفوس الفقراء، حيث يرون هذه الأموال الظاهرة ويعتقدون أن لهم فيها حقاً، فإذا لم يأتهم منها شيء أساءوا الظن بأصحابها، وقالوا: لا يزكون، فيكون في ذلك إساءة ظن بأصحاب الأموال.

فعلى هذا يترجح أن الدين يمنع الزكاة في الأموال الخفية كالتجارة والنقود؛ لأن صاحبها هو الذي يحاسب نفسه، دون الأموال الظاهرة كالثمار والنخيل والأعناب والزروع وبهيمة الأنعام، والإبل والبقر والغنم، فهذه لا يمنع الدين الزكاة فيها.

وبكل حال فإن الفقهاء عندما اشترطوا ذلك نظروا إلى العلة، وهي: أن الزكاة شرعت للمواساة، فإذا كان المال مستحقاً لأصحاب الديون فكيف يواسي من مال مستحق عليه؟! وله وجه، ويمكن أن يقال لصاحب الحروث: إذا كان زرعك أو نخلك ليس لك بل عليك فيه ديون فإنك تعطي أصحاب الديون حقوقهم، فإن بقي شيء وإلا فلا حق عليك ولا زكاة عليك؛ لأنك ملحق بمن يستحق الزكاة وهم الفقراء.

ما يشترط للزكاة فيه مضي الحول وما لا يشترط

وشرط سادس: وهو الحول، الحول هو السنة، أي: اثنا عشر شهراً هلالياً، فلم تجب الزكاة في كل شهر، ولا في كل شهرين، وإنما تجب في كل سنة؛ لأن في السنة تتنامى الأموال فتتوالد البهيمة، وتنمو التجارة، ويمكن تنمية النقود وما أشبهها.

يستثنى من مضي الحول: المعشّر، وما المراد بالمعشّر؟

المعشّر: هو الخارج من الأرض، كالتمر والزبيب والتين إذا كان يدخر، أو الشعير أو البر، أو الذرة، وجميع ما يدخر، وسمى معشراً؛ لأنه يخرج منه العشر، أو يخرج منه نصف العشر؛ وذلك لأنه لا يحتاج أن يحول عليه الحول، والغالب أنه يبقى في الأرض خمسة أشهر ثم يحصد.

فمثلاً: إذا زرع في الصيف دخناً أو ذرة، وبعد ثلاثة أشهر أو أربعة أشهر حصد فإنه يخرج الزكاة، ثم بعد شهر أو شهرين زرعها براً أو شعيراً وبعد خمسة أشهر حصد فإنه يخرج زكاتها، فأخرج الزكاة مرتين من هذه الأرض: زكاة دخن وزكاة بر، فلذلك قالوا: المعشرات لا يشترط لها الحول.

وكذلك نتاج السائمة لا يشترط لها الحول، وصورة ذلك: إذا كان عنده مائة وعشر من الغنم، ولما تمت أحد عشر شهراً ونصف ولدت مائة من السخال، فأصبحت مائتين وعشراً، فبدل ما كان الواجب عليه شاة صار الواجب عليه ثلاث شياه، مع أن هذه المائة السخال ما لها إلا شهر، فلا يشترط أن يتم لها الحول.

الثالث: ربح التجارة لا يشترط له الحول، مثاله: إذا بدأ التاجر تجارته ورأس ماله ألف، وأخذ يتجر، ففي الشهر الأول ربح ألفاً، وفي الشهر الثاني ربح ألفين، وفي الشهر الثالث ربح أربعة، وما زال يربح كل شهر الضعف، ولما تمت السنة وإذا ماله أربعون ألفاً، فمنها ما لم يكن له إلا شهر، ومنها ما له شهران، ومنها ما له ثلاثة، مع أنه لما بدأ لم يكن معه إلا ألف، فكم يزكي؟

يزكي أربعين ألفاً؛ فربح التجارة يتبعها، ولا يشترط له أن يمضي عليه الحول.

وإذا نقص عن النصاب في بعض الحول لبيع أو غيره انقطع إلا أن يكون فراراً، فمثلاً: إذا ابتدأ التجارة ورأس ماله ألف، ثم ربح في شهر ألفاً وربح في شهرين ألفين، وهكذا وفي الشهر السادس خسر، أو دفع المال الذي معه ولم يبق معه إلا أربعون ريالاً، ثم بعد ذلك هذه الأربعون ربحت، في الشهر السادس فبدأت تزيد، فبلغت ألفاً في الشهر السابع، وفي الشهر الثامن تمت ثلاثة آلاف، وفي الشهر التاسع عشر بلغت عشرين ألفاً، فمتى يزكيها؟

إذا تمت حولاً بعد ابتدائه لها من تمام النصاب، نقول: النصاب انقطع في الشهر الخامس؛ لأنه نقص النصاب ولم يبق معه إلا أربعون، بعد أن كانت معه عشرة آلاف فانقطع النصاب في الشهر الخامس، ولم يتم نصاباً إلا في الشهر السابع، فيبدأ الحول من الشهر السابع، ويستأنف سنة من الشهر السابع، إلا إذا كان الذي دفعه لهذا الفرار من الزكاة، فمثلاً: إذا كان عنده خمسمائة ألف، ولما قارب الحول وإذا الخمسمائة الألف فيها اثنا عشر ألفاً ونصف، فخاف من الزكاة واشترى بها عقاراً، فقال: هذا العقار للسكنى، ثم بعد ذلك باع العقار بستمائة، ففي هذه الحال لا ينقطع الحول؛ لأنا نتهمه بأنه فعل ذلك هرباً وفراراً من الزكاة فلا تسقط الزكاة، بل يبني على حوله الأول.

وإذا أبدله بجنسه لم ينقطع الحول، فمثلاً: إذا كان عنده من الضأن خمسون، وفي نصف السنة أبدلها بستين من المعز، فهل ينقطع الحول؟ ما ينقطع؛ لأن الضأن والمعز نصابها واحد، وكذلك لو كان عنده عشر من الإبل، وبعد نصف سنة أبدلها بجمال أو ببخاتي أو بعراب فإنه لا ينقطع الحول؛ لأن الجنس واحد، فكلها إبل.

زكاة الدين عند قبضه

قوله: (وإذا قبض الدين زكاه لما مضى).

هكذا ذكروا، أن الدين إذا قبضه زكاه لما مضى ولو أتلفته الزكاة، وقد اختلف في زكاة الدين، هل يزكى الدين أو لا زكاة فيه، أو فيه تفصيل؟

والناس في هذه الأزمنة يكثرون من الدين، فقال العلماء: إن كان الغريم الذي عنده دين قادراً على الوفاء موسراً غنياً فإنك تزكيه عن كل سنة، واعتبر دينك كالوديعة، ما دمت تقدر على أخذه متى ما أدرت، وأما إذا كان المدين موسراً ولكنه مماطل، أو معسراً فقيراً، فقيل: إنك تزكيه إذا قبضته عن السنين الماضية كما قاله صاحب المختصر، فلو كان الدين عشرة آلاف ومكث ثلاثين سنة ثم استرجعته فإنك على هذا القول تزكيه للسنة الأولى ثم الثانية ثم الثالثة ثم الرابعة وهكذا حتى تتم الثلاثين سنة، فعن السنة الأولى تزكي عشرة آلاف، وعن السنة الثانية تزكي تسعة آلاف وسبعمائة وخمسين؛ لأنه قد نقص، وعن السنة الثالثة تزكي ما بقي، وهكذا، فإن لم يبق إلا أقل من النصاب فإنه لا يزكى.

والقول الثالث: أنه يزكى إذا قبض عن سنة واحدة عند أن يقبضه؛ وذلك لأنه يعتبر كأنه كسبه، وحصل عليه بعد أن أيس منه، فإذا قبضت هذه السنة العشرة الآلاف فأخرج زكاة سنة واحدة: مائتين وخمسين، وهذا هو الأقرب حتى لا يجحف بأصحاب الحقوق؛ لأنا لو قلنا له: زك عن ثلاثين أو أربعين سنة لما بقي له إلا أقل من النصاب، والنبي عليه السلام أخبر بأن الزكاة إنما تؤخذ من الأغنياء، ولأن هذا يجحف بالأموال، فالقول الوسط: أن الدين إذا بقي على صاحبه زمناً طويلاً اقتصر على إخراج زكاة سنة واحدة.

زكاة بهيمة الأنعام

ابتدأ بزكاة بهيمة الأنعام، وهي التي كانت منتشرة عند العرب، وأفضلها عندهم الإبل، ثم الغنم فهي أكثر ما يقتنون، والبقر موجودة ولكنها قليلة، ويشترط لها السوم، وهو الرعي، والسائمة هي التي ترعى كما قال تعالى: وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ [النحل:10]، أي: ترعون بهائمكم، ومنه أيضاً قوله تعالى: وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ [آل عمران:14] أي: التي ترعى.

أما إذا كانت معلوفة أكثر الحول ولا تخرج بل كانت محجوزة في شباك أو بستان أو داخل السور وتأكل مما ينبت لها صاحبها من الأعلاف ونحوها أكثر الحول، يعني: سبعة أشهر أو ستة أشهر ونصف فلا زكاة فيها، فإن كانت تخرج كل يوم وترعى ولو أنها لا تجد إلا شيئاً يسيراً من فتات الحشيش ومن يابس الشجر ثم تأوي إلى مراحها فإنها تعتبر سائمة.

نصاب زكاة الإبل ومقدارها

ثم ذكر النصاب، وأقل نصاب الإبل خمس، والخمس والعشر والخمسة عشر والعشرون: زكاتها من غيرها؛ لأنه لو أخرجت زكاتها منها لأجحف بها، فلو قيل: في الخمس واحدة لكان في ذلك الخُمس، والخُمس كثير، والأصل أنه ليس فيها إلا ربع العشر، ففي الأربعين من الغنم شاة وهو ربع العشر، فلذلك تكون زكاة الإبل من الغنم، والعادة أن أهل الغنم يملكون الإبل، وأهل الإبل يملكون الغنم، فكانوا يخرجون زكاة الإبل من الغنم.

قوله: (ففي الخمس شاة).

الشاة: اسم لواحدة من الغنم ذكوراً وإناثاً ضأناً ومعزاً، وإذا أرادوا التفصيل قالوا لأنثى الضأن: نعجة، ولذكر الضأن: كبش، ولأنثى المعز: عنز، ولذكر المعز: تيس، والواحد من الجميع: شاة، فالعنز شاة والنعجة شاة، والكبش شاة، والتيس شاة، فإذا أخرج شاة في الخمس تكون قيمتها متوسطة، كما إذا كانت الإبل متوسطة القيمة، ومعروف أن قيمة الإبل تختلف، فأحياناً تكون الإبل هزيلة وضعافاً فيخرج شاة ليست ضعيفة ولكنها ليست السمينة الغالية، وأحياناً تكون متوسطة، وأحياناً تكون ثمينة سمينة غالية فيخرج شاة من خيار الغنم.

وفي العشر شاتان، وما بينهما يسمى وقص، أي: نقول لصاحب الخمس: عليك شاة، ولصاحب التسع: ليس عليك إلا شاة، ولصاحب العشر: عليك شاتان، ولصاحب الأربع عشرة: عليك شاتان، ولصاحب الخمس عشرة: عليك ثلاث، ولصاحب التسع عشرة: عليك ثلاث، ولصاحب العشرين: عليك أربع، ولصاحب الأربع والعشرين: عليك أربع، فيسمى ما بين الخمس إلى العشر وقص، والوقص ليس فيه شيء.

فإذا بلغت خمساً وعشرين ففيها بنت مخاض، وبنت المخاض: هي البكرة التي قد تم لها سنة، سميت بنت مخاض؛ لأن أمها ماخض، والغالب أن أمها قد حملت وانتهى لبنها، وليس شرطاً أن تكون أمها حاملاً، ولكن ذكروها بهذا علامة لها، فهي ما تم لها سنة، سواء كانت أمها ماخضاً أم لا.

وفوق خمس وعشرين إلى خمس وثلاثين وقص فإذا وصلت ستاً وثلاثين ففيها بنت لبون، وبنت اللبون ما تم لها سنتان، وسميت بذلك؛ لأن أمها غالباً قد ولدت، فهي ذات لبن، وليس ذلك شرطاً، بل إذا تم لها سنتان فهي تجزئ في هذا المقدار، وما بين ست وثلاثين إلى خمس وأربعين وقص، فإذا بلغت ستاً وأربعين ففيها حقة، والحقة ما تم لها ثلاث سنين، ولماذا سميت حقة؟ لأنها استحقت أن تركب، واستحقت أن يطرقها الفحل، فاسمها ووصفها أنها ما تم لها ثلاث سنين، فتجب في ست وأربعين إلى ستين، فإذا زادت عن الستين واحدة ففيها جذعة، وهي ما تم لها أربع سنين، وسميت بذلك؛ لأنها قد جذعت ثناياها، يعني: قد كمل نبات الثنايا وتم لها أربع سنين، وبذلك نعرف أن بنت المخاض لا تجب إلا مرة واحدة، والجذعة لا تجب إلا مرة واحدة، وأما بنت اللبون والحقة فإن وجوبها يستمر كما سيأتي.

وإذا لم يجد بنت لبون ودفع بنت مخاض دفع معها جبراناً، وفي ذلك الوقت كان الجبران شاتان أو عشرون درهماً، وفي هذا الوقت تقدر بنت المخاض بأن قيمتها أربعمائة، وبنت اللبون قيمتها خمسمائة، والحقة قيمتها ستمائة والجذعة قيمتها سبعمائة، فيأخذون الآن القيمة وذلك لتعذر حمل هذه الأنعام معهم حيث إنهم يذهبون على سيارات فلذلك يأخذون القيمة، مع أن القيمة مختلف فيها، ولكن لما ورد أنه يُدفع الفرق عشرون درهماً كان هذا مسوغاً لأخذ القيمة.

فإذا لم يجد بنت لبون ودفع حقة فإن المصدق يرد عليه شاتين أو عشرين درهماً، يعني: الفرق بين بنت اللبون والحقة، وإذا لم يجد بنت المخاض ووجد جذعة وبينها وبين بنت المخاض سِنَّان: ففي هذه الحال يرد عليه المصدق أربع شياه أو قيمتها.

ويجزئ أن يدفع ابن اللبون مكان بنت المخاض؛ وذلك لأنه مقارب لقيمتها، ولا شك أن الذكور أقل قيمة من الإناث عادة.

فإذا تجاوز ذلك وتمت ستاً وسبعين ففيها بنتا لبون، فإذا تمت إحدى وتسعين يعني: مائة إلا تسعاً ففيها حقتان، وما بين ست وسبعين إلى تسعين وقص، فإذا تمت مائة وإحدى وعشرين فثلاث بنات لبون، وما بين إحدى وتسعين إلى مائة وعشرين وقص ليس فيه شيء، فمن عنده إحدى وتسعون عليه حقتان، ومن عنده مائة وعشرون عليه حقتان، فإذا تمت إحدى وعشرين ومائة فثلاث بنات لبون.

ثم بعد ذلك في كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة، فيكون الوقص عشراً، فإذا تمت مائة وثلاثين فهي عبارة عن: أربعين وأربعين وخمسين، ففي أربعين بنت لبون، وفي أربعين بنت لبون، وفي خمسين حقة، فإذا تمت مائة وأربعين فهي عبارة عن خمسين وخمسين وأربعين، ففي الخمسين حقة وفي الخمسين حقة وفي الأربعين بنت لبون، وإذا تمت مائة وخمسين ففيها ثلاث حقاق؛ لأنها عبارة عن خمسين وخمسين وخمسين، وإذا تمت مائة وستين ففيها أربع بنات لبون؛ لأنها عبارة عن أربعين وأربعين وأربعين وأربعين، وإذا تمت مائة وسبعين فالمائة والعشرون فيها ثلاث بنات لبون، والخمسون فيها حقة، فإذا تمت مائة وثمانين: ففي المائة حقتان، وفي الثمانين بنتا لبون، فإذا تمت مائة وتسعين ففي المائة وخمسين ثلاث حقاق، وفي الأربعين بنت لبون، فإذا تمت مائتين اتفق الفرضان؛ لأن المائتين أربع خمسينات أو خمس أربعينات، فإن شاء أخرج أربع حقاق وإن شاء أخرج خمس بنات لبون.

نصاب زكاة البقر ومقدارها

ونصاب زكاة البقر ثلاثون، وفيها تبيع، وهو الذي له سنة، أو تبيعة، فيخير المالك، وقيل: يخير العامل، وهكذا ورد في الحديث، قال بعضهم: إن (أو) للتخيير، وقال بعضهم: إنها للشك، وأكثرهم على أنها للتخيير، فإذا تمت أربعين ففيها مسنة، وما بين الثلاثين والأربعين وقص، والمسنة ما تم لها سنتان، فإذا تمت ستين ففيها تبيعان أو تبيعتان، وما بين الأربعين إلى الستين وقص، ثم في كل ثلاثين تبيع وفي كل أربعين مسنة، فإذا عرفنا أن في الثلاثين تبيعاً وفي الأربعين مسنة إذاً: ففي السبعين مسنة وتبيع، وفي الثمانين تبيعان أو تبيعتان، وفي التسعين ثلاثة أتبعة، وفي المائة تبيعان ومسنة، وهكذا.

نصاب زكاة الغنم ومقدارها

أما نصاب الغنم، فأقل النصاب أربعون وفيها شاة، ثم ما فوق الأربعين وقص إلى مائة وعشرين، فمن عنده أربعون فعليه شاة، ومن عنده مائة وعشرون فليس عليه إلا شاة، ومن عنده مائة وإحدى وعشرون فعليه شاتان، ثم ما بعد المائة والإحدى والعشرين وقص إلى مائتين، أي: ففي مائة وإحدى وعشرين شاتان، وفي مائتين شاتان، وفي مائتين وواحدة ثلاث شياه، وما بعد مائتين وواحدة وقص إلى أربعمائة، فمن عنده مائتان وواحدة فعليه ثلاث شياه، ومن عنده أربعمائة إلا واحدة فعليه ثلاث شياه.

فإذا تمت أربعمائة ففيها أربع شياه، وفي الخمس خمس شياه، وفي الست ست شياه، وهكذا.

ثم ذكر أن الشاة من المعز ما تم لها سنة، ومن الضأن ما تم لها نصف السنة.

تأثير الخلطة في زكاة الأنعام

والخلطة في بهيمة الأنعام تصير المالين كالواحد، ولكن يكون بشرطها، وليس هناك شيء من الأموال تكون فيه الخلطة مؤثرة إلا في بهيمة الأنعام، أما في غيرها فإنها لا تؤثر، فمثلاً: إذا زرع اثنان على بئر ولما حصدا كان نصيب كل واحد منهما أقل من النصاب، ففي هذه الحالة لا زكاة عليهما، ولو كان مجموعهما نصاباً؛ لأن كل واحد منهما يستقل بنصيبه، وكذلك أيضاً لو اشترك ثلاثون فجاءوا بألف وخمسمائة، ومع ذلك ما ربحت تجارتهم ولا زادت ولا نمت، فتم الحول وإذا نصيب كل واحد منهم أقل من النصاب، فلا زكاة على أحد منهم، فأما إذا ربحوا وصار نصيب كل واحد منهم نصاباً أو أكثر فإن فيه الزكاة.

وأما بهيمة الأنعام فإن الخلطة تصير المالين كالواحد، فلو كان هناك ثلاثة، كل واحد له أربعون شاة، ثم اشتركوا واختلطوا طوال السنة، وتمت السنة وليس لهم إلا أربعون، أربعون، أربعون فالمجموع مائة وعشرون، فليس عليهم إلا شاة واحدة يتقاسمون ثمنها، وكذلك إذا وجد رجلان لكل واحد منهما أربع من الإبل واختلطوا في الحول كله فعليهم زكاة، ولو افترقا لم يكن عليهما زكاة، فالأربع ليس فيها زكاة.

وكذلك إذا كان لواحد مائة وخمس من الغنم، ولواحد مائة وخمس واختلطوا، فأصبحت مائتان وعشر فعليهم ثلاث شياه، ولو لم يشتركوا فليس عليهم إلا شاتان، فالخلطة تؤثر.

وذكر الفقهاء للخلطة شروطاً وهي: أن يكون الراعي واحداً، وأن يكون المشرب واحداً، فيسقونها في حوض واحد وبدلو واحد، ويكون المبيت في مكان واحد، بحيث تبيت في حضيرة واحدة، أو في سور واحد، ويكون مكان الحلب واحداً، فهؤلاء يأتون ويحلبون فيه وهؤلاء يأتون ويحلبون فيه، وليس شرطاً أن يخلطوا الحليب في إناء، فكل واحد منهم يعرف أغنامه فيحلبها ويختص بها، فإذا اختلطوا في المرعى والمحلب والمبيت والحوض تمام الحول فإنهما يصيران كواحد.

ثم لا يجوز أن يتفرقوا لأجل الزكاة، فلو كانوا ثلاثة لكل واحد ثلاثين وخلطوا طول الحول، ولما أقبل العامل تفرقوا، وكل واحد منهم عزل غنمه وقال: ما عندي إلا ثلاثين وليس عليّ زكاة، فهذا لا يجوز، فإذا اختلطوا طوال الحول فلا يتفرقون لأجل الفرار من الزكاة.

وكذلك أيضاً لا يجتمعون لتقل الزكاة عليهم، كما لا يجوز جمعهم لتزيد عليهم الزكاة، فإذا كان عند هذا سبعون، وعند هذا ثمانون، السبعون فيها شاة والثمانون فيها شاة، فلا يجوز للعامل أن يجمعهم فيقول: اجتمعوا حتى آخذ منكم ثلاث شياه؛ لأنكم إخوة، فلا يجمعهم العامل لأجل أن تزيد الزكاة، وقد ورد في الحديث: (ولا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الزكاة، بل يزكي كل على ما كان عليه).

ثم إذا كان أحد الخليطين ليس من أهل الزكاة، يعني: إذا كان أحد الخلطاء كافراً ذمياً، أو ليس له مال كالمكاتب فالصحيح أنه لا أثر لخلطته؛ لأن ماله ليس زكوياً.

زكاة الخارج من الأرض ونصابها

أما زكاة الخارج من الأرض وهو الثمار والحبوب، فقد اختلف في الخارج من الأرض: هل يزكى كل ما يخرج من الأرض أم لا يزكى إلا بشرطه؟

فالمختار عند الإمام أحمد أنه لا يزكى إلا ما يكال ويدخر من الثمار والحبوب، فالكيل هو المعيار بالصاع ونحوه، والادخار هو الحفظ، أي: يحفظ ولا يفسد ولو طالت المدة، فمثلاً التمر يدخر فيبقى سنة ولا يتغير، وكذلك الزبيب يدخر ويكال أيضاً، وكذلك الشعير والدخن والذرة والأرز وما أشبه ذلك، فهذه تكال وتدخر، فعلى هذا القول لا زكاة فيما لا يدخر ولو جني منه أثمان كثيرة، فلا زكاة في الفواكه كالتفاح والموز والكمثرى، وكذلك البطيخ بأنواعه، ولا زكاة في الخضار كالقرع والكوسة والطماطم والبصل؛ وذلك لأنه لا يتم الانتفاع بها في المآل، لأنها لا تدخر.

ولو أنها في هذه الأزمنة تدخر بواسطة الثلاجات وتبقى مدة، فمثلاً: البطاط والطماطم والخيار والكوسة وما أشبهه قد يبقى أشهراً في الثلاجات ولكن يكلف كثيراً، بما يصرف عليه من الكهرباء ونحوه، فلأجل ذلك تسبب تكلفته هذه أنه لا زكاة في عينه وإنما الزكاة في ثمنه إذا حال عليه الحول، ويعتبر ككسب يستقبل بثمنه حولاً.

وخالف في ذلك الحنفية، واختاروا أن جميع الخارج من الأرض يزكى، واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم: (فيما سقت السماء العشر، وفيما سقي بالنضح نصف العشر).

والجواب: أن هذا وإن كان عاماً لكن نظرنا في العلة فإن هذه الفواكه لا يتم الانتفاع بها انتفاعاً كاملاً، والغالب أن أهلها يأكلونها، فيأكلون البطيخ أو يبيعون منه شيئاً يسيراً في حينه، ويأكلون التفاح والبرتقال والأترج أو الليمون ولا يدخرونه ولا يكون عندهم منه شيء كثير، وإن كان بعضها قد يجفف مثل التين فإنه يجفف وينتفع به، وكذلك الطماطم يجفف وينتفع به في المآل، فإنه والحال هذه إذا بلغ الذي جفف نصاباً فإنه يزكى.

والنصاب خمسة أوسق، والوسق ستون صاعاً، فالخمسة الأوسق ثلاثمائة صاع، وقدرت بالرطل الدمشقي: ثلاثمائة واثنان وأربعون رطلاً وستة أسباع رطل بالرطل الدمشقي، أو بما يعادله، والأصل أنها خمسة أوسق، وأن الوسق ثلاثمائة صاع، ثم الصاع على الصحيح خمسة أرطال وثلث بالعراقي، وذهب أبو حنيفة إلى أنه ثمانية أرطال.

ويشترط في وجوبه: ملكه وقت الوجوب وهو وقت اشتداد الحب وبدو صلاح الثمر، فإذا باعه بعدما اشتد حبه، فهل الزكاة على المشتري أو على البائع؟ على البائع؛ وذلك لأنها وجبت عليه قبل أن يخرجه من ملكه، ولا زكاة على المشتري إلا إذا باعه وحصل من ثمنه على نصاب وتم الحول.

وكذلك النخل إذا بدا صلاحه، يعني: احمر أو اصفر فباعه صاحبه فالزكاة على البائع؛ لأنها وجبت فيه وهو في ملكه.

ثم لا يلزمه إخراجها إلا بعد أن يصفيه ويجعله في البيدر، يقول: (لا يستقر الوجوب إلا بجعلها في البيدر) كان أهل الزرع يلوطون مكاناً خاصاً يسمونه (البيدر) ويسمى عند العامة (البوع)، وهو الذي يدوسون فيه الزرع ويصفونه فيه، فيقول: ما دام أنه في سنبله فإنه عرضة للهلاك، وربما يأتيه سيل وربما يأتيه جراد، وربما تأتيه ريح تسفي عليه أو تقلعه فلا يطالب بإخراج الزكاة إلا إذا حصده وجمعه في هذا المكان المهيأ لأن يصفى فيه، فإذا جعل في (البيدر) استقر الوجوب.

ثم قالوا: الواجب نصف العشر فيما سقي بآلة، والعشر فيما سقي بالمطر وثلاثة أرباعه فيما سقي بهما (أي: بالآلة وبالأمطار) وإن تفاوتا اعتبر الأكثر، ومع الجهل العشر، وقد ورد قوله صلى الله عليه وسلم: (فيما سقت السماء العشر وفيما سقي بالنضح نصف العشر) وذلك لأن الذي يسقى بالمطر أو يسقى بالأنهار النابعة من الأرض تخف المئونة عليه، فإذا كان يسقى بالدلاء أو يسقى بالمكائن والمضخات التي تستخرج الماء من أجواف الآبار فإنه يكلف وقوداً ويكلف قطع غيار، ويكلف عاملاً ولأجل ذلك تخفف فيه الزكاة، فيكفي إخراج نصف العشر، فإن سقي نصف السنة بماء السماء والنصف الثاني بماء الدلاء فثلاثة أرباع، وإذا تفاوتا نظر إلى الأكثر، فإذا كان ثلاثة أرباع السنة يسقيها بالدلاء، والربع الباقي جاءت السيول وصارت تشرب بعروقها فإنه يقدر ثلاثة أرباع العشر، وإذا جهل فلا يدرى أيهما أكثر فالأولى أن لا ينقص عن العشر.

زكاة العسل ومقدارها

أما زكاة العسل فقد اختلف فيها العلماء: فالإمام أحمد اختار أنه يزكى، وقد ورد في ذلك حديث، ولكن الحديث فيه مقال، فلأجل ذلك لم يعمل به جمهور العلماء، والإمام أحمد كأنه ثبت عنده فجعل في العسل الزكاة، سواء أخذه من الموات يعني: من أشجار العظة التي في البراري، أو من ملكه، كما لو كان في ملكه سدر وشجر فتأتي النحل وتعمل بيوتها فيها، أو من ملك غيره، إذا وجده في أشجار مملوكة ولكن أصحابها لا يعرفونه ولا يهتمون به، فإذا بلغ مائة وستين رطلاً عراقياً، فإنه يزكى، وإذا نقص عن مائة وستين فإنه لا يزكى.

وتقدر بقربتين، والقربة جلد شاة متوسطة.

زكاة المعادن ونصابها

المعدن: هو ما يستخرج من جوف الأرض، فإذا عثر على معدن من المعادن فإن كانت تختلف قيمتها كمعدن نحاس أو رصاص أو حديد، فاستخرج منه نصاباً فإن فيه ربع العشر في الحال؛ وذلك لأنه يعتبر كسباً جديداً، فيخرج منه.

أما إذا كان قليل القيمة كالملح أو الجص أو الأشياء الرخيصة، فمثل هذه تخرج الزكاة من القيمة إذا باعه بما يبلغ النصاب.

زكاة الركاز

وفي الركاز الخمس مطلقاً، والركاز: ما وجد من دفن الجاهلية، فإنه يوجد مدفوناً في قعر الأرض، وهو كنوز قديمة قد ترجع مدتها إلى آلاف السنين، فإذا وجدت اعتبرت مثل الغنيمة، فيخرج من قيمتها الخمس، فإذا كانت عليها علامات الإسلام فإنها لقطة فتعرف، فإذا لم تعرف أخرج منه قدر العشر ثم بعد ذلك يملكها، والله أعلم.

نصاب الذهب والفضة ومقدار زكاتهما

عندنا زكاة التجارة، وزكاة النقود، ففي حديث أنس الطويل الذي في الصحيح، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وفي الرقة ربع العشر)، وحدد نصابها بمائتي درهم، وقال: فإذا لم يكن عند الرجل إلا مائة وتسعون فليس عليه زكاة إلا أن يشاء، وحدد العلماء نصاب الذهب بعشرين مثقالاً، ونصاب الفضة بمائتي درهم، ثم ذكروا أنها بالجنيه السعودي أحد عشر جنيهاً ونصف، وبالريال السعودي الفضي ستة وخمسون ريالاً عربياً سعودياً، وبالريال الفرنسي اثنان وخمسون ريالاً فرنسياً، وكانوا يتعاملون به قبل ستين أو سبعين سنة قبل أن يضرب الريال السعودي.

وقدروا نصاب الذهب الآن فقال بعضهم: إنه واحد وتسعون جراماً، وقال بعضهم: بل خمسة وثمانون، وهو في هذه الحدود، فإذا بلغ النصاب فإنه يزكى، والذهب إما أن يكون تبراً أو مسبوكاً أو مضروباً، فالتبر هو الذي لم يصف، فلا يزال فيه خبثه وفيه ترابه، فلا زكاة فيه حتى يعلم مقدار ما فيه من الذهب بعد التصفية، فإذا بلغ خمسة وثمانين جراماً فإنه نصاب.

وأما المسبوك فهو الذي سبك حلياً، بمعنى أنه صيغ إلى خواتيم أو أسورة أو قلائد أو أقراط، ويسمى مصوغاً ومسبوكاً، فهذا إذا بلغ وزنه خمسة وثمانين جراماً فإنه نصاب، وما نقص فليس فيه نصاب وليس فيه زكاة.

أما المضروب فهو الذي ضرب دنانير أو جنيهات من الذهب كالجنيه السعودي والإفرنجي، فهذا يعتبر أيضاً بوزنه، وعرفنا أنه بالجنيه السعودي أحد عشر جنيهاً ونصفاً، وأنه إذا كان بغيره فإذا بلغ خمسة وثمانين جراماً فإنه نصاب.

أما الفضة فالفضة تكون تارة تبراً، يعني: مستخرجة من الأرض غير مصفاة، فإذا بلغ الصافي منها مقدار مائتي درهم أو ستة وخمسين ريالاً سعودياً فإنه نصاب وتخرج منه الزكاة إذا حال عليه الحول، وكذلك لو كان مصوغاً، فقد يصاغ من الفضة الحلي والخواتم، والحلق والأسورة، فإذا كان مقدراه مائتي درهم، أو ستة وخمسين ريالاً فضياً فإنه نصاب.

نصاب النقود الورقية ومقدارها

والآن جاءت هذه الأوراق، ووقع فيها خلاف طويل وكثير بين العلماء، فبعض مشايخنا يقول: إن نصابها ستة وخمسون كنصاب الفضة؛ لأن الريال الورقي بدل عن الريال الفضي سواء بسواء، ويقول: إن ريال الفضة لا يؤكل ولا يشرب ولكنه يدفع كقيمة، وكذلك يقال في ريال الورق إنه يؤخذ كقيمة، فلا فرق بينهما.

والأكثرون من المشايخ على أنها ليست كالفضة، وذلك لاختلاف القيمة، فأنت الآن إذا ذهبت للصرافين وطلبت منهم الريالات الفضية بريالات ورقية لا تجدها عندهم إلا بثمن أكثر، فقد يساوي ريال الفضة عشرة ريالات ورقية، وربما عشرين، فدل على أنها ليست مثلها في القيمة، ولعل السبب النفاسة، فإن الفضة يمكن ادخارها وتنفع في كل الدول، بخلاف الأوراق فإنه لا يمكن ادخارها، وهي أيضاً عرضة للتلف.

وكان بعض مشايخنا الأولين الذين ماتوا قديماً لما خرجت لا يدخرها، ويقول بعبارته: الفأر يخرقها، والماء يغرقها، واللص يسرقها، والنار تحرقها، والريح تفرقها، ومعنى هذا أنها ليست كالريالات الفضية، وذكروا أن بعض التجار ادخر ريالات ورقية كثيرة في زاوية من زوايا بيته، وغفل عنها عدة أشهر، فوجد الأرضة قد أكلتها، فذهبت عليه مئات الألوف، وكذلك كثير من الذين يغفلون عن النقود في مخابئهم، ثم يلقون الثوب في الغسالة، ويخرج وقد اضمحلت تلك النقود التي فيه.

وأيضاً معلوم أن ستة وخمسين في ذلك الوقت -قبل خمسين سنة أو أربعين سنة- كانت لها قيمة، والذي يملك ستة وخمسين ممكن أن يشتري له أرضاً، ويمكن أن تقوته سنة أو نصف سنة، وفي هذه الأزمنة لا يقال لمن عنده ستة وخمسون إنه غني، ولو اشترى بها ثوباً أو عمامة قد لا تكفي، ولذلك فالصحيح أنها ليست مثل الريالات الفضية؛ لوجود الفرق في الثمن، فعلى هذا تقدر قيمتها فنسأل ونقول: كم قيمة الريال الفضي عندكم أيها الصيارفة الآن بالريال الورقي؟ فإذا قالوا: عشرة ضربنا ستة وخمسين في عشرة فتكون خمسمائة وستين، فيكون هذا هو النصاب، فإذا حال عليها الحول فإنه يزكى، فهذا هو القول الأقرب.

ضم الأموال بعضها إلى بعض وتزكيتها عند بلوغها النصاب

قوله: (ثم يضمان في تكميل النصاب، وتضم العروض إلى بعضها):

يعني: إذا كان عنده نقود فضة ونقود ذهب، ونقود الذهب أقل من النصاب وكذا الفضة، فإذا قدرنا أن الذهب نصف نصاب والفضة نصف نصاب، فإنه يزكي؛ لأن مجموع الذي عنده أصبح نصاباً، وإذا كان عنده ربع نصاب فضة وربع نصاب ذهب ونصف نصاب عروض فإنها تضم.

والعروض هي السلع التي تعرض للبيع.

زكاة عروض التجارة ومقدارها وكيفية تقويمها

والعروض تخرج زكاتها فتقدر قيمتها وقت وجوب الزكاة، ولا يعتبر ثمنها الذي اشتريت به، فإذا اشترى الكيس بمائة، ولما تم الحول كان الكيس يساوي مائتين، فإنه يزكي قيمته المائتين، يعني: ببيع الجملة.

وكذلك إذا اشترى قطع القماش الطول بمائة، ثم صار الطول يساوي مائتين في رأس الحول، فإنه يزكي مائتين.

ويجمع الذي عنده بعضه إلى بعض، فإذا كانت تجارته في أطعمة وفي أكسية وفي أحذية وفي كماليات وفي أوانٍ، فلابد أن يخرج زكاة الجميع، فيقدر قيمة الثياب وقيمة الأغذية وقيمة الأحذية وغيرها، ببيع الجملة بسعر يوم إخراج الزكاة، ثم يخرج زكاتها.

حتى إن عمر رضي الله عنه مر عليه رجل يحمل جلوداً، فاستدعاه وقدرها وأمره أن يخرج زكاتها؛ لأنها بلغت نصاباً؛ ولأنه صلى الله عليه وسلم بعث من يخرص الزكاة على التجار ومنهم عمر رضي الله عنه، فذكروا أنه منع ابن جميل وخالد بن الوليد والعباس وكانوا تجاراً، فعذر النبي صلى الله عليه وسلم خالداً ؛ لأن الذي عنده أسلحة قد أوقفها، فكان عنده دروع وسيوف ورماح ولكنه قد أوقفها كلها وجعلها في سبيل الله تعالى فلا زكاة فيها، وتحمل زكاة العباس ؛ لأنه عمه، ولم يعذر ابن جميل ، فدل على أنه تخرج الزكاة من التجار؛ ولأن أغلب أموال الناس الآن في التجارة، فإذا لم يجب على التجار زكاة سقطت عن أكثر الأموال، والله تعالى يقول: وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ [المعارج:24-25].

وزكاة النقود وزكاة التجارة والعروض ربع العشر فإذا بلغت مائتي درهم ففيها ربع العشر، وربع العشر في المائة ريالان ونصف، وفي المائتين خمسة، وهكذا.

ما يباح للرجل والمرأة من الذهب والفضة

ويباح للرجل من الفضة الخاتم، فيلبس خاتماً في يده اليمنى أو اليسرى، في إصبعه الصغيرة: الخنصر أو البنصر، وكذلك تباح قبيعة السيف، يعني: طرف غلافه الذي يمسك به؛ وذلك لأنه مما يتخذ للزينة، وتسميها العامة الحياصة.

كذلك الجوشن يجوز أن يحلى بشيء من الفضة، وحلية المنطقة: وهي التي تجمع فيها الذخيرة.

أما الذهب فيباح للرجل منه قبيعة السيف، أي: طرفه، وكذلك ما دعت إليه الضرورة كأنف ونحوه، وفي قصة عرفجة أنه قطعت أنفه يوم الكلاب فاتخذ أنفاً من فضة فأنتن عليه، فرخص له النبي صلى الله عليه وسلم أن يتخذ أنفاً من ذهب، وذلك للضرورة.

أما النساء فيباح لهن ما جرت العادة بلبسه، وعادتهن في كل زمان لبس ما تيسر، وفي هذه الأزمنة: ما يلبس في الرقبة وتسمى قلائد أو رشارش، وما تلبس في الأصابع وتسمى خواتيم، وما تلبس في الذراع وتسمى أسورة، ويسميه العامة: غوائش، وما تلبس في الأذن ويسمى أقراطاً، وما تلبس في الرأس وتسمى حلقاً، وما يلبس في الوسط ويسمى حزاماً، وما يلبس أيضاً في اليد، وما جرت عادتهن بلبسه.

زكاة الحلي وخلاف العلماء فيها

واختلف في زكاة الحلي المباح الذي يعد للاستعمال أو العارية، فكثير من الفقهاء يقولون: لا زكاة في الحلي المباح المعد للاستعمال أو العارية، وقاسوه على الأكسية، وأن المرأة لو كانت عندها ثياب ثمينة كثيرة فلا زكاة فيها، وكذلك قاسوها على الأواني، فإذا اتخذ إنسان عدة أوان زائدة عن قدر الحاجة ولو كانت أثمانها كثيرة فلا زكاة فيها، وكذلك كل ما يستعمل، فكل ما يتخذ للاستعمال لا زكاة فيه قياساً على النواضح وهي الإبل التي يستقى عليها أو يحمل عليها، ومثله في هذه الأزمنة السيارة التي يركب عليها أو الماكنة التي يسقي بها، أو ماكنة خياط يخيط بها، قالوا: لا زكاة فيها؛ لأنها ليست للنماء وإنما هي للاستعمال.

وهذا هو الذي كان عليه مشايخنا الأولون كالشيخ محمد بن إبراهيم ، والشيخ عبد الله بن حميد ، والشيخ عبد العزيز بن رشيد ونحوهم، فقد كانوا لا يرون زكاة في الحلي المستعمل، وأما شيخنا الشيخ ابن باز فيختار أنه يزكى.

وقد كثر الخلاف في هذه المسألة وألفت فيها المؤلفات ما بين مؤيد للزكاة وما بين منكر لها، والخلاف طويل، والأدلة من هؤلاء وهؤلاء مختلفة، وكل منهم يجيب عن أدلة الآخر، والإطالة في هذا غير مناسبة.

ولكن نقول: الاحتياط أن ما يلبس دائماً كالخواتيم والأسورة لا زكاة فيه، وأما الذي لا يلبس إلا في المناسبات فإن فيه الزكاة، وذلك لأن كثيراً من النساء أسرفن في ذلك، فربما يكون عليها من الحلي ما قيمته مئات الألوف ولا تلبسه إلا مرة أو مرتين في السنة في أفراح أو في أعياد أو نحو ذلك، ولا شك أن هذا الإسراف يستدعي عدم التساهل، ويستدل أيضاً بالأحاديث التي استدل بها الشيخ في إيجاب الزكاة وهي مذكورة في الكتب الفقهية.

كيفية تقويم عروض التجارة وإخراج زكاتها

قال رحمه الله: (ويجب تقويم عروض التجارة بالأحظ للفقراء منهما)، أي: من الذهب أو من الفضة، فإذا كان الأحظ أن تقوم بالذهب فتبلغ مثلاً أحد عشر جنيهاً قومت بالذهب، وإذا كان الأحظ للفقراء أن تقوم بالفضة قومت بالفضة، فإذا كانت عنده ثياب فإن قومناها بالفضة بلغت ثلاثمائة وإن قومناها بالجنيه ما بلغت إ


استمع المزيد من الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح أخصر المختصرات [21] 2741 استماع
شرح أخصر المختصرات [28] 2718 استماع
شرح أخصر المختصرات [72] 2609 استماع
شرح أخصر المختصرات [87] 2572 استماع
شرح أخصر المختصرات [37] 2486 استماع
شرح أخصر المختصرات [68] 2350 استماع
شرح أخصر المختصرات [81] 2342 استماع
شرح أخصر المختصرات [58] 2334 استماع
شرح أخصر المختصرات [9] 2321 استماع
شرح أخصر المختصرات [22] 2271 استماع