شرح أخصر المختصرات [8]


الحلقة مفرغة

قرأنا فيما مضى وجوب اجتناب النجاسة في الثوب والبدن والبقعة مع القدرة، وكذلك حكم من جبر عظمه بنجس، وحكم الصلاة في المقبرة ومن علل بأنها مظنة النجاسة وترجيح أن العلة خوف الغلو في القبور، وحكم الصلاة في أسطحت هذه المنهيات: الحمام والخلاء، ومعاطن الإبل، والمجزرة، والمزبلة، وأن الصحيح أنه لا مانع من الصلاة في أسطحها.

كذلك ذكرنا حكم استقبال القبلة وأنه فرض إلا لعاجز ومتنفل في سفر، وكذلك العلامات التي يعمل بها في معرفة تحديد القبلة، وحكم من اشتبهت عليه في السفر، وحكم من صلى بلا اجتهاد ولا تقليد من يعرف.

كذلك من شروط الصلاة: النية، وسبب اهتمام الفقهاء بها وذكرهم أنها تقارن التحريمة، والصحيح أنها ملازمة للمصلي في جميع صلاته، وكذلك نية الإمامة ونية الائتمام وما أشبه ذلك.

وذكرنا أيضاً صفة الصلاة وما ذكر من أنه يخرج إليها بسكينة ووقار ودليل ذلك، ومتى يقوم إلى الصلاة عند الإقامة، وحكم تكبيرة الإحرام، وأنه لا يصح غيرها بدلها، وحكم رفع اليدين عند استفتاح الصلاة وعند الركوع وعند الرفع منه، وأين يضع يديه بعد قبضهما، والترجيح أنه يضعهما على صدره، وحكم الاستفتاحات، وسبب اختيار الإمام أحمد لما اختاره من الاستفتاح، وحكم قراءة الفاتحة ووجوب ترتيبها وتواليها، والتلفظ بشداتها، وكذلك التأمين في الجهرية، وجهر الإمام بالقراءة في الصلوات الجهرية، وحكم الجهر للمأموم والمنفرد، واستحباب أن يقرأ بعد الفاتحة سورة كاملة، وأنه أفضل من قراءة أول سورة أو آخر سورة؛ لأنه الوارد، ولأن السور الكاملة منفصلة لها معنى متكامل.

وكذلك ذكرنا حكم الركوع، وأين يضع يديه ومقدار المجزئ من التسبيح في الركوع والكمال، والرفع من الركوع، وأن التسميع خاص بالإمام والمنفرد، فالمأموم لا يسمّع فلا يقول: سمع الله لمن حمده، والسجود على الأعضاء السبعة، والترجيح لأن يضع ركبتيه ثم يديه، وأن تقديم اليدين على الركبتين إنما يكون في حق العاجز كالكبير والمريض ونحو ذلك، وأن الأدلة صريحة على ذلك، وكذلك كونه يسجد على أطراف أصابعه، وصفة السجود الكامل وما يقول فيه، وصفة الجلسة بين السجدتين وما يقول فيها، ونهوضه إلى الركعة الثانية مكبراً، وأن جلسة الاستراحة لم تثبت مرفوعة عن النبي صلى الله عليه وسلم من فعله وإنما رويت عن مالك بن الحويرث خارج الصحيح، وأنها تجوز للعاجز ونحوه.

وذكرنا بعد ذلك الجلوس بين السجدتين مفترشاً، وصفة قبض أصابعه في التشهد الأول، وسبب اختيار تشهد ابن مسعود ، والنهوض إلى الركعة الثانية أو الثالثة أو الرابعة، والفرق بينها وبين الركعة الثانية، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في آخرها، والتعوذ بالله من أربع واستحباب ختمها بالدعاء والسلام، وأن زيادة: (وبركاته) رواية في السنن وفيها شذوذ، وأن الاقتصار على (ورحمة الله) هو المتبع الكثير، والمرأة كالرجل في صلاتها وحكم الالتفات في الصلاة بلا حاجة، وكذلك الإقعاء وافتراش الذراعين والعبث والتخصر إلى آخرها.

فهذه الأفعال التي وردت في صفة الصلاة.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [فصل:

وجملة أركانها أربعة عشر: القيام، والتحريمة، والفاتحة، والركوع، والاعتدال عنه، والسجود، والاعتدال عنه، والجلوس بين السجدتين، والطمأنينة، والتشهد الأخير، وجلسته، والصلاة على النبي عليه السلام، والتسليمتان، والترتيب.

وواجباتها ثمانية: التكبير غير التحريمة، والتسميع، والتحميد، وتسبيح ركوع، وسجود، وقول: رب اغفر لي. مرة مرة، والتشهد الأول، وجلسته، وما عدا ذلك والشروط سنةٌ.

فالركن والشرط لا يسقطان سهواً وجهلاً، ويسقط الواجب بهما.

فصل: ويشرع سجود السهو لزيادة ونقص وشك، لا في عمد، وهو واجب لما تبطل بتعمده، وسنة لإتيان بقول مشروع في غير محله سهواً، ولا تبطل بتعمده، ومباح لترك سنة.

ومحله قبل السلام ندباً إلا إذا سلم عن نقص ركعة فأكثر فبعده ندباً، وإن سلم قبل إتمامها عمداً بطلت، وسهواً فإن ذكر قريباً أتمها وسجد.

وإن أحدث أو قهقه بطلت كفعلهما في صلبها، وإن نفخ أو انتحب لا من خشية الله، أو تنحنح بلا حاجة فبان حرفان؛ بطلت، ومن ترك ركناً غير التحريمة فذكره بعد شروعه في قراءة ركعة أخرى بطلت المتروك منها، وصارت التي شرع في قراءتها مكانها، وقبله يعود فيأتي به وبما بعده، وبعد سلام فكترك ركعة.

وإن نهض عن تشهد أول ناسياً لزم رجوعه، وكره إن استتم قائماً، وحرم وبطلت إن شرع في القراءة لا إن نسي أو جهل، ويتبع مأموم، ويجب السجود لذلك مطلقاً.

ويبني على اليقين -وهو الأقل- من شك في ركن أو عدد.

فصل: آكد صلاة تطوع: كسوف، فاستسقاء، فتراويح، فوتر، ووقته من صلاة العشاء إلى الفجر، وأقله ركعة، وأكثره إحدى عشرة: مثنى مثنى، ويوتر بواحدة، وأدنى الكمال ثلاث بسلامين، ويقنت بعد الركوع ندباً، فيقول: اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يقضى عليك، إنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، اللهم إنا نعوذ برضاك من سخطك، وبعفوك من عقوبتك، وبك منك، لا نحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ويؤمن مأموم، ويجمع إمام الضمير، ويمسح الداعي وجهه بيديه مطلقاً.

والتراويح عشرون ركعة برمضان تسن، والوتر معها جماعة، ووقتها بين سنة عشاء ووتر.

ثم الراتبة ركعتان قبل الظهر، وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، وركعتان قبل الفجر، وهما آكدها، وتسن صلاة الليل بتأكد، وهي أفضل من صلاة النهار.

وسجود تلاوة لقارئ ومستمع، ويكبر إذا سجد وإذا رفع، ويجلس ويسلم، وكره لإمام قراءتها في سرية

وسجوده لها، وعلى مأموم متابعته في غيرها.

وسجود شكر عند تجدد نعم، واندفاع نقم، وتبطل به صلاة غير جاهل وناس، وهو كسجود تلاوة.

وأوقات النهي خمسة: من طلوع فجر ثان إلى طلوع الشمس، ومن صلاة العصر إلى الغروب، وعند طلوعها إلى ارتفاعها قدر رمح، وعند قيامها حتى تزول، وعند غروبها حتى يتم.

فيحرم ابتداء نفل فيها مطلقاً، لا قضاء فرض، وفعل ركعتي طواف، وسنة فجر أداء قبلها، وصلاة جنازة بعد فجر وعصر].

تعريف الركن لغة وشرعاً

تقدم أن للصلاة شروطاً تسعة، ويأتي بها المصلي قبل أن يشرع في الصلاة، وللصلاة أركان وواجبات وسنن، ذكر المؤلف أن عدد أركانها أربعة عشر ركناً.

وركن الشيء: هو جزء ماهيته، يعني: الأجزاء التي إذا تكاملت كملت الماهية، كما يقال مثلاً: رأس الإنسان ركن منه، ويده ركن، ورجله ركن، وظهره ركن، وصدره ركن، والمجموع يتكون منه إنسان، وكما نقول مثلاً: هذا الجدار ركن من هذا المسجد، وهذا العمود ركن، وهذا السقف ركن، فأركان الشيء أجزاؤه التي يتركب ويتكون منها.

وقيل: ركن الشيء جانبه الأقوى، أي: أحد جوانبه التي يعتمد عليها كأركان البيت، وهي جوانبه القوية التي تكون هي عمدته، ويقال مثلاً: حيطان المسجد أركانه؛ لأنها جوانبه القوية، وكذلك أعمدته أركانه، وكذلك سقفه ركنه، فركن الشيء جانبه الأقوى، ولكن يقال: إن أركان الصلاة هي الأجزاء التي إذا تكاملت كملت الصلاة، وإذا لم تتكامل لم تقبل ولم تكمل.

بعض الأركان المتفق عليها

وعددها في المشهور أربعة عشر ركناً، ولكن في بعضها خلاف، ولا خلاف أن القيام ركن إلا على الذي يعجز عنه فيصلي قاعداً، والقيام خاص بالفريضة، ولا خلاف عندنا أن التحريمة ركن، وكذلك قراءة الفاتحة في حق الإمام والمنفرد، وكذلك الركوع ركن، والاعتدال منه، يعني: الرفع منه حتى يعتدل ويستتم قائماً، والسجود ركن، ويراد به السجدتان، كل واحدة منهما ركن، فإن السجدتين تسميان ركناً واحداً.

وقوله: (والسجود والاعتدال عنه، والجلوس بين السجدتين) قد يقال: إن هذا تكرار؛ لأنه ذكر الاعتدال عنه والجلوس بين السجدتين، وبعد الركوع ما ذكر إلا الاعتدال عنه وهو القيام، فبعد السجود كان يكفي أن يذكر الاعتدال عنه، أو يذكر الجلوس بين السجدتين، وكأنهم نصوا على الاعتدال من السجود حتى يفصل بين السجدتين، فإن الجلوس بين السجدتين شيء زائد عن الفصل، فلا بد أن يرفع حتى يفصل، ولا بد أن يجلس بين السجدتين، فلذلك عدوهما ركنين، والظاهر أنهما ركن واحد: الاعتدال عن السجود والجلوس بين السجدتين.

بعض الأركان المختلف فيها

الطمأنينة: يراد بها الثبات في كل ركن من الأركان، أي: الركود، فإذا ركع فلا يرفع حتى يطمئن ويثبت بقدر قول: سبحان ربي العظيم، كذلك الطمأنينة في الرفع، فلابد أن يستتم قائماًً بقدر ما يقول: ربنا ولك الحمد، قبل أن يهوي للسجود. وكذلك يطمئن إذا سجد ووضع جبهته على الأرض، فلا بد من الطمأنينة عند الركود على الأرض، بقدر قوله: سبحان ربي الأعلى، ولو مرة، وأدنى الكمال ثلاث كما تقدم.

كذلك لا بد أن يجلس بين السجدتين جلسة مطمئناً فيها بقدر ما يقول: رب اغفر لي. وهذه الطمأنينة دل عليها حديث المسيء صلاته، فإن فيه: (ثم اركع حتى تطمئن راكعاً، ثم ارفع حتى تعتدل قائماً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم ارفع حتى تطمئن جالساً) فذكَّره بهذا الركن في هذه الأركان؛ وذلك لأنه رآه يخفف في صلاته، فأنكر عليه وقال: (ارجع فصل فإنك لم تصل)، فذكره بأنه لا بد من الطمأنينة في كل ركن.

وخالف في ذلك الأحناف، وتشاهدون الذين يأتون من الباكستان أو من الهند وهم على مذهب أبي حنيفة يخففون الأركان، وبالأخص الرفع، فترى أحدهم عندما يرفع رأسه من الركوع لا يستتم قائماً، بل ينحط للسجود، وساعة ما يرفع رأسه من السجدة الأولى لا يستتم جالساً، بل يسجد السجدة الثانية ولا يطمئن، ويقولون: إن أبا حنيفة لم ير الطمأنينة واجبة، وإنه يرى أنه يحصل مسمى الركن بمجرد الانحناء، وبمجرد الرفع، وبمجرد سجوده ومس جبهته الأرض.

ولكن قال في الحديث: (حتى تطمئن راكعاً)، وأيضاً ثبت أنه صلى الله عليه وسلم (نهى عن نقر كنقر الغراب)، وهو الذي ساعة ما ينحني يرفع، فالغراب إذا نقر ينقر بسرعة، فنهى عن نقر كنقر الغراب، كما نهى عن أشياء في الصلاة تشبه فعل البهائم، ونظمها الحافظ بقوله:

إذا نحن قمنا إلى الصلاة فإننا نهينا عن إتيانها بستة

بروك بعير والتفات كثعلب ونقر غراب في سجود الفريضة

وإقعاء كلب أو كبسط ذراعه وأذناب خيل عند فعل التحية

ومن جملتها النهي عن نقر كنقر الغراب، وهذا لم ينتبه له الحنفية، وأبو حنيفة معذور لأنه ما بلغه النهي، ولا بلغه الدليل، وأتباعه الذين بلغهم الدليل يجب عليهم أن يقولوا به ولا يتركوه.

ومن الأركان التشهد الأخير الذي يعقب بالسلام، وجلسته، أي: لا يتشهد وهو قائم، بل لا بد من الجلوس، وكذا الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وفيها خلاف، بعضهم يراها من الواجبات التي تجبر بسجود السهو، كما مشى على ذلك صاحب الكافي وغيره، والمشهور أنها من الأركان، وتقدم أن لفظها: اللهم صل على محمد.. إلى آخره.

وهذا يدل على أن الإمام أحمد رحمه الله يؤكد أمر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ويشدد في تركها، وكذلك أتباعه، ومنهم أئمة الدعوة، فإنهم يؤكدون أمر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وقد اشتهر عند أعداء هذه الدعوة نبزهم وعيبهم بأنهم ينهون عن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ويمنعونها، فرد عليهم أئمة الدعوة فقالوا: كيف نمنعها ونحن نقول: إنها ركن في الصلاة؟!

إنما ينهون عنها في بدع لا زالت متجددة في بعض البلاد، مثل إذا كان الخطيب يخطب فصلى على النبي صلى الله عليه وسلم فقال الجالسون كلهم: اللهم صل على محمد، بصوت واحد، فيرتج المسجد، فنهى العلماء عن ذلك، وقالوا: هذا من البدع، وكذلك كان المؤذنون إذا أذنوا، فعندما يرفع صوته بشهادة أن محمداً رسول الله يرفع صوته بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا ما ورد، إنما ورد الأمر بالصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم سراً.

ومن الأركان التسليمتان، والمشهور أن الركن هو التسليمة الأولى، والتسليمة الثانية تعتبر سنة؛ لأنه يحصل بالأولى الخروج لقوله: (وتحريمها التسليم).

ومن الأركان الترتيب، ومعناه: أن يرتب الصلاة كما هي، فلا يجعل السجود قبل الركوع، ولا يأتي بالرفع من السجود قبل السجدة الأولى، فلو جلس من القيام وقال: هذه الجلسة التي بين السجدتين أجعلها قبل السجدتين، فإنه يعتبر قد خالف ترتيب الصلاة.

تقدم أن للصلاة شروطاً تسعة، ويأتي بها المصلي قبل أن يشرع في الصلاة، وللصلاة أركان وواجبات وسنن، ذكر المؤلف أن عدد أركانها أربعة عشر ركناً.

وركن الشيء: هو جزء ماهيته، يعني: الأجزاء التي إذا تكاملت كملت الماهية، كما يقال مثلاً: رأس الإنسان ركن منه، ويده ركن، ورجله ركن، وظهره ركن، وصدره ركن، والمجموع يتكون منه إنسان، وكما نقول مثلاً: هذا الجدار ركن من هذا المسجد، وهذا العمود ركن، وهذا السقف ركن، فأركان الشيء أجزاؤه التي يتركب ويتكون منها.

وقيل: ركن الشيء جانبه الأقوى، أي: أحد جوانبه التي يعتمد عليها كأركان البيت، وهي جوانبه القوية التي تكون هي عمدته، ويقال مثلاً: حيطان المسجد أركانه؛ لأنها جوانبه القوية، وكذلك أعمدته أركانه، وكذلك سقفه ركنه، فركن الشيء جانبه الأقوى، ولكن يقال: إن أركان الصلاة هي الأجزاء التي إذا تكاملت كملت الصلاة، وإذا لم تتكامل لم تقبل ولم تكمل.

وعددها في المشهور أربعة عشر ركناً، ولكن في بعضها خلاف، ولا خلاف أن القيام ركن إلا على الذي يعجز عنه فيصلي قاعداً، والقيام خاص بالفريضة، ولا خلاف عندنا أن التحريمة ركن، وكذلك قراءة الفاتحة في حق الإمام والمنفرد، وكذلك الركوع ركن، والاعتدال منه، يعني: الرفع منه حتى يعتدل ويستتم قائماً، والسجود ركن، ويراد به السجدتان، كل واحدة منهما ركن، فإن السجدتين تسميان ركناً واحداً.

وقوله: (والسجود والاعتدال عنه، والجلوس بين السجدتين) قد يقال: إن هذا تكرار؛ لأنه ذكر الاعتدال عنه والجلوس بين السجدتين، وبعد الركوع ما ذكر إلا الاعتدال عنه وهو القيام، فبعد السجود كان يكفي أن يذكر الاعتدال عنه، أو يذكر الجلوس بين السجدتين، وكأنهم نصوا على الاعتدال من السجود حتى يفصل بين السجدتين، فإن الجلوس بين السجدتين شيء زائد عن الفصل، فلا بد أن يرفع حتى يفصل، ولا بد أن يجلس بين السجدتين، فلذلك عدوهما ركنين، والظاهر أنهما ركن واحد: الاعتدال عن السجود والجلوس بين السجدتين.

الطمأنينة: يراد بها الثبات في كل ركن من الأركان، أي: الركود، فإذا ركع فلا يرفع حتى يطمئن ويثبت بقدر قول: سبحان ربي العظيم، كذلك الطمأنينة في الرفع، فلابد أن يستتم قائماًً بقدر ما يقول: ربنا ولك الحمد، قبل أن يهوي للسجود. وكذلك يطمئن إذا سجد ووضع جبهته على الأرض، فلا بد من الطمأنينة عند الركود على الأرض، بقدر قوله: سبحان ربي الأعلى، ولو مرة، وأدنى الكمال ثلاث كما تقدم.

كذلك لا بد أن يجلس بين السجدتين جلسة مطمئناً فيها بقدر ما يقول: رب اغفر لي. وهذه الطمأنينة دل عليها حديث المسيء صلاته، فإن فيه: (ثم اركع حتى تطمئن راكعاً، ثم ارفع حتى تعتدل قائماً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم ارفع حتى تطمئن جالساً) فذكَّره بهذا الركن في هذه الأركان؛ وذلك لأنه رآه يخفف في صلاته، فأنكر عليه وقال: (ارجع فصل فإنك لم تصل)، فذكره بأنه لا بد من الطمأنينة في كل ركن.

وخالف في ذلك الأحناف، وتشاهدون الذين يأتون من الباكستان أو من الهند وهم على مذهب أبي حنيفة يخففون الأركان، وبالأخص الرفع، فترى أحدهم عندما يرفع رأسه من الركوع لا يستتم قائماً، بل ينحط للسجود، وساعة ما يرفع رأسه من السجدة الأولى لا يستتم جالساً، بل يسجد السجدة الثانية ولا يطمئن، ويقولون: إن أبا حنيفة لم ير الطمأنينة واجبة، وإنه يرى أنه يحصل مسمى الركن بمجرد الانحناء، وبمجرد الرفع، وبمجرد سجوده ومس جبهته الأرض.

ولكن قال في الحديث: (حتى تطمئن راكعاً)، وأيضاً ثبت أنه صلى الله عليه وسلم (نهى عن نقر كنقر الغراب)، وهو الذي ساعة ما ينحني يرفع، فالغراب إذا نقر ينقر بسرعة، فنهى عن نقر كنقر الغراب، كما نهى عن أشياء في الصلاة تشبه فعل البهائم، ونظمها الحافظ بقوله:

إذا نحن قمنا إلى الصلاة فإننا نهينا عن إتيانها بستة

بروك بعير والتفات كثعلب ونقر غراب في سجود الفريضة

وإقعاء كلب أو كبسط ذراعه وأذناب خيل عند فعل التحية

ومن جملتها النهي عن نقر كنقر الغراب، وهذا لم ينتبه له الحنفية، وأبو حنيفة معذور لأنه ما بلغه النهي، ولا بلغه الدليل، وأتباعه الذين بلغهم الدليل يجب عليهم أن يقولوا به ولا يتركوه.

ومن الأركان التشهد الأخير الذي يعقب بالسلام، وجلسته، أي: لا يتشهد وهو قائم، بل لا بد من الجلوس، وكذا الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وفيها خلاف، بعضهم يراها من الواجبات التي تجبر بسجود السهو، كما مشى على ذلك صاحب الكافي وغيره، والمشهور أنها من الأركان، وتقدم أن لفظها: اللهم صل على محمد.. إلى آخره.

وهذا يدل على أن الإمام أحمد رحمه الله يؤكد أمر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ويشدد في تركها، وكذلك أتباعه، ومنهم أئمة الدعوة، فإنهم يؤكدون أمر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وقد اشتهر عند أعداء هذه الدعوة نبزهم وعيبهم بأنهم ينهون عن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ويمنعونها، فرد عليهم أئمة الدعوة فقالوا: كيف نمنعها ونحن نقول: إنها ركن في الصلاة؟!

إنما ينهون عنها في بدع لا زالت متجددة في بعض البلاد، مثل إذا كان الخطيب يخطب فصلى على النبي صلى الله عليه وسلم فقال الجالسون كلهم: اللهم صل على محمد، بصوت واحد، فيرتج المسجد، فنهى العلماء عن ذلك، وقالوا: هذا من البدع، وكذلك كان المؤذنون إذا أذنوا، فعندما يرفع صوته بشهادة أن محمداً رسول الله يرفع صوته بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا ما ورد، إنما ورد الأمر بالصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم سراً.

ومن الأركان التسليمتان، والمشهور أن الركن هو التسليمة الأولى، والتسليمة الثانية تعتبر سنة؛ لأنه يحصل بالأولى الخروج لقوله: (وتحريمها التسليم).

ومن الأركان الترتيب، ومعناه: أن يرتب الصلاة كما هي، فلا يجعل السجود قبل الركوع، ولا يأتي بالرفع من السجود قبل السجدة الأولى، فلو جلس من القيام وقال: هذه الجلسة التي بين السجدتين أجعلها قبل السجدتين، فإنه يعتبر قد خالف ترتيب الصلاة.

الواجبات ثمانية: الأول: جميع التكبيرات غير تكبيرة الإحرام، فقد تقدم أنها ركن، وهذا في حق الإمام والمنفرد، وأما المأموم فإنها ركن في حقه إلا تكبيرة الركوع، وذلك إذا أدرك الإمام راكعاً فكبر ناوياً التحريمة سقطت عنه تكبيرة الركوع.

الثاني: التسميع واجب وهو قول: سمع الله لمن حمده في حق الإمام والمنفرد دون المأموم.

الثالث: التحميد -وهو قول: ربنا ولك الحمد- واجب في حق المصلين كلهم.

الرابع: قول: سبحان ربي العظيم في الركوع.

الخامس: قول: سبحان ربي الأعلى في السجود.

السادس: قول: رب اغفر لي بين السجدتين.

السابع: التشهد الأول.

الثامن: جلسة التشهد الأول، والدليل على أنه واجب سقوطه سهواً.

ما عدا الأركان والواجبات والشروط فإنه سنة، فالسنن بقية الأفعال، فمنها: رفع اليدين، وكذلك وضعهما على الصدر، ورفعهما أيضاً عند الركوع، ووضعهما على الركبتين، وكذلك أيضاً وضعهما حيال المنكبين أو حيال الرأس إذا سجد، وكذلك جمع أصابعه عند الرفع، وتفريقها عند الركوع، واستقبال القبلة بها في السجود، والمجافاة.

ومن السنن: الاستفتاح، والاستعاذة، والبسملة على القول الصحيح خلافاً للشافعية، والتأمين، وهو قول: آمين، وكذلك ما زاد عن واحدة في تسبيح الركوع والسجود وسؤال المغفرة.

كذلك من السنن أيضاً: الجهر في الجهرية، والإسرار في السرية.

والأركان والشروط لا تسقط سهواً ولا جهلاً، والواجب يسقط سهواً وجهلاً، ولكن يجبر بالسجود.

ذكر المؤلف سجود السهو، فمتى يشرع؟

يشرع في ثلاث حالات: إذا زاد في الصلاة أو نقص أو شك، فإنه يسجد للسهو، فمثال الزيادة لو ركع ركوعين كصلاة الكسوف، يعني: ركع ثم رفع وظن أنه ما ركع، ثم ركع، فيسجد السهو، كذلك لو سجد ثلاث سجدات في ركعة واحدة فيعتبر أنه زاد، وكذلك لو صلى خمساً في الظهر أو أربعاً في المغرب أو ثلاثاً في الفجر فيعتبر أنه زاد فيسجد للسهو.

وكذا إذا زاد حركة من جنس حركات الصلاة إذا كانت من الحركات الواجبة، كأن كرر الرفع أو كرر الجلسة بين السجدتين، أما إذا زاد في الركن سهواً فإنه لا يعد زيادة، فلو جلس بين السجدتين، وظن أنه في التشهد، فأتى بالتشهد إلى قبيل آخره، ثم تذكر أنه في الجلسة بين السجدتين، فقال: رب اغفر لي، ثم سجد، فهل يسجد للسهو في هذه الحال؟

الصحيح أنه لا يسجد؛ لأنه ما أتى بشيء زائد، وإنما أتى بالتشهد في غير محله ثم تلافاه، وكذلك لو رفع من الركوع وقرأ الفاتحة وظن أنه في القيام، ثم تذكر وقال: ربنا ولك الحمد فهل يسجد؟

الصحيح أنه لا يسجد؛ لأن هذه زيادة في غير محلها، ثم تلافاها.

والنقص: إذا لم يسجد إلا سجدة في ركعة من الركعات أو لم يرفع بعد الركوع، بأن ركع فلما قال: سبحان ربي العظيم خر ساجداً، وترك ركناً هو الرفع.

وكذلك إذا نقص من الصلوات بأن صلى الظهر ثلاثاً، أو المغرب اثنتين، أو الفجر واحدة، فإنه يسجد.

كذلك إذا شك في ركن، كما إذا شك في الفاتحة ثم قرأها، فيحتمل أنه قرأها مرتين فيسجد، أو شك مثلاً في السجود هل سجد سجدة أو سجدتين، فعدها سجدة ثم أتى بسجدة، أو شك في واجب كأن يشك هل جلس في التشهد الأول أم لا؟ فعليه سجود السهو، أو شك هل قال: سبحان ربي العظيم أم لا؟ فيسجد للسهو.

أما العمد فإنه يبطل الصلاة، فإذا تعمد مثلاً زيادة ركعة أو نقص ركن أو تعمد القيام في حالة قعود أو تعمد قعوداً في حالة قيام، أو تعمد الإتيان بشيء في غير محله، كأن يتعمد أن يقول: رب اغفر لي وهو رافع، أو تعمد قول: سبحان ربي العظيم في السجود أو سبحان ربي الأعلى في الركوع، أو ربنا ولك الحمد بين السجدتين، أو التحيات لله بين السجدتين، فإن العمد يبطل الصلاة، أما إذا حصل السهو بزيادة أو نقص أو شك وجب عليه السجود.

وسجود السهو واجب لكل شيء يبطل عمده الصلاة، ومعلوم أنه إذا ترك التشهد الأول عمداً بطلت الصلاة، وإذا ترك قول سبحان ربي الأعلى موضع السجود عمداً بطلت صلاته، وإذا ترك قول التحيات لله عمداً بطلت صلاته، فإذا تركها سهواً وجب عليه السجود.

أما إذا أتى بقول مشروع في غير محله سهواً فإنها لا تبطل، ولكن عليه سجود السهو، فإذا قرأ وهو جالس أو تشهد وهو قائم، أو قال: رب اغفر لي وهو قائم، أو قال: ربنا ولك الحمد وهو جالس أو قال: سبحان ربي الأعلى وهو راكع، أو سبحان ربي العظيم وهو ساجد، أي أنه أتى بسنة في غير محلها مع أنها مشروعة، فإنه يسن له السجود ولا يجب؛ لأن هذا من جملة أذكار الصلاة، وهي لا تبطل بتعمده.

واستثنوا من ذلك السلام، فإن تعمده يبطل الصلاة، وتركه سهواً يوجب سجود السهو.

يقول: (ومباح) يعني: سجود السهو مباح لترك سنة.

عرفنا أنه واجب وسنة ومباح، فيكون واجباً إذا كان المتروك يبطل الصلاة عمداً، ويكون سنة إذا قال قولاً مشروعاً في غير محله، ولا يبطل عمده الصلاة، ويكون مباحاً إذا كان ترك سنة من السنن سهواً كأن ترك رفع اليدين سهواً، فيباح له أن يسجد، أو ترك قراءة السورة في الظهر بعد الفاتحة واقتصر على الفاتحة، أو ترك وضع اليدين على صدره فيباح له السجود ولا يجب.

محل سجود السهو

متى يسجد للسهو؟

يقول المؤلف: (محله قبل السلام ندباً) أي: الأفضل أن يكون قبل السلام؛ لأنه جزء من الصلاة، ومتمم لها، ولأنه يحصل به الخروج من الصلاة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (تحريمها التكبير، وتحليلها التسليم)فلذلك يسجد للسهو قبل أن يسلم.

وذكر العلماء أنه يجوز فيه الحالتان: أن يكون السجود كله قبل السلام أو يكون السجود كله بعد السلام، وأكثره قبل السلام، والمشهور عند الإمام أحمد أنه كله قبل السلام إلا في ثلاث حالات ذكرها صاحب عمدة الفقه:

الأولى: إذا سلم عن نقص.

الثانية: إذا بنى الإمام على غالب ظنه.

الثالثة: إذا ذكره بعد السلام.

واعتمد في ذلك على الأدلة، وهنا ما ذكر إلا واحدة، منها وهي: إذا سلم عن نقص ركعة فأكثر فبعد السلام ندباً لا وجوباً، يقول: فلو صلى الظهر ثلاثاً ثم سلم، ثم ذكر، فإنه إذا أتى بالركعة الرابعة سلم ثم سجد ثم سلم ندباً، فإن جعل السجود بعد السلام جاز، وإن جعله قبل السلام جاز، والأفضل أن يجعله بعد السلام.

وكذلك إذا بنى الإمام على غالب ظنه، فمثلاً: كان في آخر صلاته وشك هل صلى أربعاً أو ثلاثاً، وغلب على ظنه أنها أربع فإنه يسلم، ثم يسجد للسهو ثم يسلم، وأما بقية الحالات فإنه يسجد لها كلها قبل السلام؛ لأن السجود جزء من الصلاة، والذين قالوا: إنه إذا كان السجود لزيادة فبعد السلام، ليس عندهم دليل، فهم يقولون: إذا زاد في الصلاة ركعة أو زاد فيها جلوساً أو زاد قياماً أو زاد فيها قراءة يكون السجود بعد السلام، لكن لم يوجد دليل يعتمدونه، فالصحيح أن الأدلة تدل على أن السجود بعد السلام في حالتين كما في حديث ذي اليدين وحديث أبي سعيد .

من سلم قبل إتمام الصلاة عمداًبطلت صلاته؛ لأنه متلاعب، وإذا سلم قبل إتمامها سهواً ثم ذكر قريباً أتمها وسجد يعني: سلم بعد ثلاث ركعات وانصرف، ثم تذكر فعاد وأتم الركعة التي بقيت، فيتمها ويسجد للسهو، ويكون السجود بعد السلام.

وأما إذا طالت المدة أو أحدث أو قهقه فإنها تبطل، والقهقهة: هي المبالغة في الضحك.

إذا لم يتذكر أنه صلى الظهر ثلاث ركعات إلا بعد نصف ساعة أو بعد ساعة فإنه يعيد الصلاة كلها، وكذلك إذا لم يتذكر إلا بعد السلام بدقيقة أو نصف دقيقة وقد أحدث أو ضحك ضحكاً مبالغاً فيه، سواء الإمام أو أحد المأمومين، ففي هذه الحال تبطل الصلاة، لأن القهقهة والحدث في صلب الصلاة يبطلها.

حكم التنحنح والنفخ في الصلاة

قوله: إذا نفخ في الصلاة فبان حرفان بطلت الصلاة، يعني: كرر النفخ، وكذلك إذا انتحب من غير خشية الله يعني: بكى بكاء لم يحمله عليه خشية الله والرقة والخوف، ولكن بسبب عارض ففي هذه الحال إذا بان منه حرفان بطلت، وكذلك إذا تنحنح من غير حاجة وبان منه حرفان، أما إذا تنحنح لحاجة فلا بأس ولا حرج.

إذا ترك ركناً ولم يذكره إلا بعد الشروع في آخر

يقول المؤلف: (ومن ترك ركناً غير التحريمة فذكره بعد شروعه في قراءة ركعة أخرى بطلت المتروك منها، وصارت التي شرع في قراءتها مكانها)، مثاله: إذا قرأ في الركعة الأولى، ثم بعد فراغه من القراءة خر ساجداً وترك ركنين، ترك الركوع والرفع منه، ثم سجد سجدتين، ثم قام للركعة الثانية وشرع في قراءتها فتذكر أنه ما ركع في الركعة الأولى، فماذا يفعل؟

الصحيح والمشهور أنه يلغي الأولى ويجعل هذه الثانية مكانها، وقيل: إنه يركع، ثم يرفع، ثم يسجد سجدتين تكملة للأولى، أي: يأتي بالركن الذي تركه وبما بعده، وسواء فعل هذا أو هذا فإنه يجوز.

أما إذا ترك سجدة واحدة ثم قام فتذكر أنه ما سجد إلا سجدة واحدة بعدما شرع في القراءة فماذا يفعل؟

الصحيح أنه يجلس ثم يقول: رب اغفر لي، ثم يسجد السجدة الثانية ويكون بذلك قد كمل الركعة الأولى، ثم يقوم للثانية، وقيل: إنه يلغي الأولى إذا شرع في قراءة الثانية، والأرجح هنا أنه يكمل الأولى، أما إذا وصل إلى الركن المتروك من الركعة الأولى في الثانية فإنه لا يعيد، ومثاله: إذا نسي الركوع من الركعة الأولى ثم سجد سجدتين بينهما جلسة، وقام للركعة الثانية وقرأ، ثم ركع، وفي الركوع تذكر أنه ما ركع في الأولى، فإن هذا الركوع يكون بدل الركوع في الركعة الأولى، فيلغي الركوع الثاني، ويكون هذا تكميلاً للأولى أو يلغي الركعة الأولى وتكون الركعة الثانية هي الأولى.

قوله: (وقبله يعود فيأتي به وبما بعده) يعني: قبل الشروع في القراءة يرجع فيأتي بالركن المتروك وبما بعده، فمثلاً: إذا قام ثم تذكر أنه ما ركع فإنه يركع، ثم يرفع، ثم يسجد سجدتين، فيكون بهذا مكملاً للركعة الأولى، ولا يقول: أركع وتكون كاملة من غير أن يأتي بما بعده، بل يأتي بالركوع مع الرفع، ثم السجدتان والجلسة بينهما.

أما إذا تذكر بعدما سلم أنه ترك ركوع ركعة فإنه لا يعيده، فقد بطلت الركعة ويأتي بركعة ثانية كاملة.

سجود السهو لترك التشهد الأول

إذا ترك التشهد الأول ناسياً فله ثلاث حالات:

الحالة الأولى: أن يذكره قبل أن يستتم قائماً فيلزمه الرجوع، ويأتي به وعليه سجود سهو.

الحالة الثانية: أن يذكره بعد ما استتم قائماً، وقبل أن يشرع في القراءة، فيكره له الرجوع، بل يستمر في ركعته، ويكمل صلاته، ويسجد للسهو، فإن رجع جاز ذلك، ومع ذلك لا يسقط عنه سجود السهو.

الحالة الثالثة: ألا يذكره إلا بعدما يشرع في القراءة، ففي هذه الحالة يحرم عليه الرجوع، بل يستمر في القراءة ويكملها بالسجود؛ لأنه ترك واجبين: التشهد الأول والجلوس الأول.

فإن رجع بعد ما شرع في القراءة بطلت صلاته إلا إذا كان ناسياً أو جاهلاً.

قوله: (ويتبع مأموم) أي: المأموم يتبع إمامه، فيسبح له، ولكن إذا استتم قائماً فلا حاجة إلى التسبيح إلا من باب التذكير، وكذلك إذا شرع في القراءة فلا يسبحون له، ويسجدون معه ويتبعونه في القيام، ولا يجوز أن يخالفوه إذا قام إلى الركعة الثالثة ولم يجلس للتشهد، فلا يجوز أن تجلس أنت للتشهد، بل عليك أن تقوم وتتابع إمامك إذا لم يقبل التسبيح.

الحاصل: أن السجود للسهو يجب في هذه الحالات الثلاث مطلقاً، ويبني المصلي على اليقين وهو الأقل، فمن شك في عدد الركعات، فم يدر هل صلى ثلاثاً أم أربعاً؟ فاليقين أنها ثلاث، والرابعة مشكوك فيها، فيبني على أنها ثلاث، كذلك: من شك هل سجد سجدتين أم سجدة واحدة، فالواحدة يقين، والثانية مشكوك فيها، فيبني على اليقين ويأتي بها، فهذه أحكام سجود السهو على وجه الاختصار.

متى يسجد للسهو؟

يقول المؤلف: (محله قبل السلام ندباً) أي: الأفضل أن يكون قبل السلام؛ لأنه جزء من الصلاة، ومتمم لها، ولأنه يحصل به الخروج من الصلاة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (تحريمها التكبير، وتحليلها التسليم)فلذلك يسجد للسهو قبل أن يسلم.

وذكر العلماء أنه يجوز فيه الحالتان: أن يكون السجود كله قبل السلام أو يكون السجود كله بعد السلام، وأكثره قبل السلام، والمشهور عند الإمام أحمد أنه كله قبل السلام إلا في ثلاث حالات ذكرها صاحب عمدة الفقه:

الأولى: إذا سلم عن نقص.

الثانية: إذا بنى الإمام على غالب ظنه.

الثالثة: إذا ذكره بعد السلام.

واعتمد في ذلك على الأدلة، وهنا ما ذكر إلا واحدة، منها وهي: إذا سلم عن نقص ركعة فأكثر فبعد السلام ندباً لا وجوباً، يقول: فلو صلى الظهر ثلاثاً ثم سلم، ثم ذكر، فإنه إذا أتى بالركعة الرابعة سلم ثم سجد ثم سلم ندباً، فإن جعل السجود بعد السلام جاز، وإن جعله قبل السلام جاز، والأفضل أن يجعله بعد السلام.

وكذلك إذا بنى الإمام على غالب ظنه، فمثلاً: كان في آخر صلاته وشك هل صلى أربعاً أو ثلاثاً، وغلب على ظنه أنها أربع فإنه يسلم، ثم يسجد للسهو ثم يسلم، وأما بقية الحالات فإنه يسجد لها كلها قبل السلام؛ لأن السجود جزء من الصلاة، والذين قالوا: إنه إذا كان السجود لزيادة فبعد السلام، ليس عندهم دليل، فهم يقولون: إذا زاد في الصلاة ركعة أو زاد فيها جلوساً أو زاد قياماً أو زاد فيها قراءة يكون السجود بعد السلام، لكن لم يوجد دليل يعتمدونه، فالصحيح أن الأدلة تدل على أن السجود بعد السلام في حالتين كما في حديث ذي اليدين وحديث أبي سعيد .

من سلم قبل إتمام الصلاة عمداًبطلت صلاته؛ لأنه متلاعب، وإذا سلم قبل إتمامها سهواً ثم ذكر قريباً أتمها وسجد يعني: سلم بعد ثلاث ركعات وانصرف، ثم تذكر فعاد وأتم الركعة التي بقيت، فيتمها ويسجد للسهو، ويكون السجود بعد السلام.

وأما إذا طالت المدة أو أحدث أو قهقه فإنها تبطل، والقهقهة: هي المبالغة في الضحك.

إذا لم يتذكر أنه صلى الظهر ثلاث ركعات إلا بعد نصف ساعة أو بعد ساعة فإنه يعيد الصلاة كلها، وكذلك إذا لم يتذكر إلا بعد السلام بدقيقة أو نصف دقيقة وقد أحدث أو ضحك ضحكاً مبالغاً فيه، سواء الإمام أو أحد المأمومين، ففي هذه الحال تبطل الصلاة، لأن القهقهة والحدث في صلب الصلاة يبطلها.

قوله: إذا نفخ في الصلاة فبان حرفان بطلت الصلاة، يعني: كرر النفخ، وكذلك إذا انتحب من غير خشية الله يعني: بكى بكاء لم يحمله عليه خشية الله والرقة والخوف، ولكن بسبب عارض ففي هذه الحال إذا بان منه حرفان بطلت، وكذلك إذا تنحنح من غير حاجة وبان منه حرفان، أما إذا تنحنح لحاجة فلا بأس ولا حرج.

يقول المؤلف: (ومن ترك ركناً غير التحريمة فذكره بعد شروعه في قراءة ركعة أخرى بطلت المتروك منها، وصارت التي شرع في قراءتها مكانها)، مثاله: إذا قرأ في الركعة الأولى، ثم بعد فراغه من القراءة خر ساجداً وترك ركنين، ترك الركوع والرفع منه، ثم سجد سجدتين، ثم قام للركعة الثانية وشرع في قراءتها فتذكر أنه ما ركع في الركعة الأولى، فماذا يفعل؟

الصحيح والمشهور أنه يلغي الأولى ويجعل هذه الثانية مكانها، وقيل: إنه يركع، ثم يرفع، ثم يسجد سجدتين تكملة للأولى، أي: يأتي بالركن الذي تركه وبما بعده، وسواء فعل هذا أو هذا فإنه يجوز.

أما إذا ترك سجدة واحدة ثم قام فتذكر أنه ما سجد إلا سجدة واحدة بعدما شرع في القراءة فماذا يفعل؟

الصحيح أنه يجلس ثم يقول: رب اغفر لي، ثم يسجد السجدة الثانية ويكون بذلك قد كمل الركعة الأولى، ثم يقوم للثانية، وقيل: إنه يلغي الأولى إذا شرع في قراءة الثانية، والأرجح هنا أنه يكمل الأولى، أما إذا وصل إلى الركن المتروك من الركعة الأولى في الثانية فإنه لا يعيد، ومثاله: إذا نسي الركوع من الركعة الأولى ثم سجد سجدتين بينهما جلسة، وقام للركعة الثانية وقرأ، ثم ركع، وفي الركوع تذكر أنه ما ركع في الأولى، فإن هذا الركوع يكون بدل الركوع في الركعة الأولى، فيلغي الركوع الثاني، ويكون هذا تكميلاً للأولى أو يلغي الركعة الأولى وتكون الركعة الثانية هي الأولى.

قوله: (وقبله يعود فيأتي به وبما بعده) يعني: قبل الشروع في القراءة يرجع فيأتي بالركن المتروك وبما بعده، فمثلاً: إذا قام ثم تذكر أنه ما ركع فإنه يركع، ثم يرفع، ثم يسجد سجدتين، فيكون بهذا مكملاً للركعة الأولى، ولا يقول: أركع وتكون كاملة من غير أن يأتي بما بعده، بل يأتي بالركوع مع الرفع، ثم السجدتان والجلسة بينهما.

أما إذا تذكر بعدما سلم أنه ترك ركوع ركعة فإنه لا يعيده، فقد بطلت الركعة ويأتي بركعة ثانية كاملة.


استمع المزيد من الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح أخصر المختصرات [21] 2739 استماع
شرح أخصر المختصرات [28] 2716 استماع
شرح أخصر المختصرات [72] 2607 استماع
شرح أخصر المختصرات [87] 2570 استماع
شرح أخصر المختصرات [37] 2483 استماع
شرح أخصر المختصرات [68] 2348 استماع
شرح أخصر المختصرات [81] 2339 استماع
شرح أخصر المختصرات [58] 2332 استماع
شرح أخصر المختصرات [9] 2318 استماع
شرح أخصر المختصرات [22] 2269 استماع