خطب ومحاضرات
أصول السنة للإمام أحمد [2]
الحلقة مفرغة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ومن خرج على إمام من أئمة المسلمين وقد كانوا اجتمعوا عليه وأقروا له بالخلافة بأي وجه كان بالرضا أو الغلبة، فقد شق هذا الخارج عصا المسلمين، وخالف الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن مات الخارج عليه مات ميتة جاهلية. ولا يحل قتال السلطان، ولا الخروج عليه لأحد من الناس، فمن فعل ذلك فهو مبتدع على غير السنة والطريق]. الخروج على الأئمة يحصل به مفاسد كثيرة، فيحصل به فتن وقتل واضطهاد لأهل الخير، ويحصل به إذلال لأهل الدين ولأهل الإيمان ولأهل العلم ولأهل العمل الصالح، وقد جُرّب ذلك في العصور الأولى، فالذين خرجوا على الحجاج في ولايته كـابن الأشعث لما أن خلع بيعة أمير المؤمنين عبد الملك ، وخلع طاعة والي العراق الذي هو الحجاج ، واجتمع معه خلق كثير حتى أن منهم كثيراً من علماء التابعين في ذلك الوقت، فماذا حصل؟ حصل أنه لما انتصر عليهم الحجاج أخذوا وقتل بذلك خلق كثير، وكان من آخرهم سعيد بن جبير رحمه الله. وكذلك أيضاً: لما أن خلع المقاتل الفاتح العظيم قتيبة بن مسلم طاعة سليمان بن عبد الملك حصل أنه قوتل حتى قتل، وذكروا وقالوا: إنه ينطبق عليه الحديث: (من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية) ، ولكن يترحم عليه؛ لأنه كان له جهد في الجهاد، وفتح الكثير من بلاد السند وما وراء النهر. وهكذا أيضاً ابن المهلب عند أن خلع الطاعة وحاول أن يستبد بالأمر حصلت فتنة. وهكذا في آخر عهد بني أمية خرج زيد بن علي بن الحسين وحاول أن يتم له الأمر فقُتل، وقُتل من معه واضطهدوا. وكذلك في خلافة المنصور خرج اثنان من العلويين وهما: محمد بن عبد الله بن حسن وأخوه إبراهيم وكل منهما بايعه خلق كثير ثم قتلوا. وبكل حال لا يجوز الخروج على الأئمة لما يحصل بذلك من الإذلال والإهانة لأهل الخير، ومعلوم أن الأئمة في أيديهم الولاية ونحوها، فتجب طاعتهم إلا فيما قاله النبي صلى الله عليه وسلم: (إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان) ولما قيل: (ألا نقاتلهم؟ قال: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة)، وما دام أنهم يقيمون الصلاة وأنهم يظهرون شعائر الإسلام ولو حصل منهم خلل أو نقص أو لوحظ على بعضهم شيء من المعاصي والتقصير، فإن ذلك لا يسوغ الخروج عليهم.
قال المصنف رحمه الله: [وقتال اللصوص والخوارج جائز إذا عرضوا للرجل في نفسه وماله، فله أن يقاتل عن نفسه وماله ويدفع عنها بكل ما يقدر، وليس له إذا فارقوه أو تركوه أن يطلبهم، ولا يتبع آثارهم، ليس لأحد إلا الإمام أو ولاة المسلمين، إنما له أن يدفع عن نفسه في مقامه ذلك، وينوي بجهده ألا يقتل أحداً، فإن مات على يديه في دفعه عن نفسه في المعركة فأبعد الله المقتول، وإن قُتل هذا في تلك الحال وهو يدفع عن نفسه وماله رَجُوتُ له الشهادة كما جاء في الأحاديث، وجميع الآثار في هذا إنما أمر بقتاله، ولم يؤمر بقتله ولا اتباعه ولا يجهز عليه إن صُرع أو كان جريحاً، وإن أخذه أسيراً فليس له أن يقتله، ولا يقيم عليه الحد، ولكن يرفع أمره إلى من ولاه الله فحكم فيه]. اللصوص هم الذين يعتدون على الأموال، ومثلهم أيضاً المحاربون وقطاع الطريق ونحوهم، وهؤلاء بلا شك أنهم فيما يظهر من المسلمين، فإذا شهروا سلاحهم فإنهم يقاتلون بما يندفعون به، وقد ذكر الله أنهم يرد أمرهم إلى قوله تعالى: إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا.. [المائدة:33] الآية. فإذا دخل اللصوص في بيت من البيوت لأخذ مال فإن صاحب البيت يدفعهم بالتي هي أحسن، ولا يبدؤهم بالقتال رأساً، فإنهم لم يبلغوا أن يقاتلوا، إنما دخلوا لأخذ مال أو للاختلاس أو نحو ذلك، ولكن إذا رأى منهم القوة ورأى منهم الجد قاتلهم. وروي عن ابن عمر أنه دخل عليه لص، فأصلت السيف في وجهه، ولولا أن أبناءه قبضوه لقتل ذلك اللص. وكأنه عرف منه أنه معتدٍ، وأنه جاء لأجل الفساد أو أنه ليس من أهل العصمة، ولكن ما دام أنه قد وردت الأدلة في أنهم يدفعون بالتي هي أحسن، وأنه إذا جرح أحد منهم فلا يجهز عليه، أي: لا يتمم قتله، ولا يتبع مدبرهم، أي: المنهزم منهم لا يتبع بل يترك؛ دل ذلك على أنهم لم يخرجوا من الإسلام، فيهددهم ويخوفهم بعدما يذكرهم، فإذا لم ينفع فيهم التذكير ولا التخويف ولا التهديد أظهر لهم أن عنده من القوة ما يدفعهم وما يردهم، فإذا لم يندفعوا استعمل القوة بأدنى مراتبها، فإن كانوا يُكفون بضربهم بالعصي اكتفى بذلك ولم يستعمل السلاح، فإذا لم يكفوا استعمل السكين دون السيف، وإذا لم يكفوا استعمل السيف أو نحوه مما يقاتل به في هذه الأزمنة، كالرصاص ونحوه، فله أن يستعمل ذلك لدفع كيدهم ولدفع شرهم، وسواء كان اعتداؤهم لأجل قتله أو لأجل ماله أو لأجل محارمه أو ما أشبه ذلك، فكل هؤلاء من اللصوص المعتدين يدفعون بما يندفع به شرهم أو يرفع بأمرهم إلى من يأخذ على أيديهم.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ولا نشهد على أهل القبلة بعمل يعمله بجنة ولا نار، نرجو للصالح ونخاف عليه، ونخاف على المسيء المذنب، ونرجو له رحمة الله]. من عقيدة أهل السنة أنهم لا يجزمون لأحد بجنة ولا نار ولو انطبقت عليه بعض الأحاديث، وهناك أحاديث في الوعيد، وهناك أحاديث في الوعد، فيقولون: إن أمره إلى الله تعالى. فمثلاً: قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله)، هذا من أحاديث الوعد، فهل كل من رأيناه يقولها، نقول هذا من أهل الجنة، وهذا محرم على النار؟! الجواب: لا، بل نقول: هذا أمره إلى الله؛ لأن الإخلاص غيبـي. كذلك أيضاً قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر) أو قوله: (لا يدخل الجنة قتات) أو نمام، هل نقول: إن هؤلاء من أهل النار؟ الجواب: لا؛ وذلك لأن أمرهم إلى الله، وما في قلوبهم خفي فلا نجزم بجنة ولا نار، بل نقول: هؤلاء من العصاة الذين وردت فيهم هذه الأدلة، وأمرهم إلى الله إن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم، وهؤلاء وعُدوا بالثواب ووعُدوا بالمغفرة، وأمرهم إلى الله إن شاء كمل ذلك وأثابهم بأن يرحمهم ويدخلهم الجنة، وإن شاء عاقبهم على ما عملوه، الله أعلم بكيفية ذلك. هذا معنى كون أهل السنة لا يجزمون لمعين بجنة ولا نار إلا من جزم له النبي صلى الله عليه وسلم كالعشرة ونحوهم من الذين ورد تسميتهم أنهم من أهل الجنة، وكالذين ورد أنهم من أهل النار كـأبي لهب كما في قوله تعالى: سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ [المسد:3] ونحوهم ممن وردت النصوص في أنهم من أهل العذاب.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ومن لقي الله بذنب يجب له النار تائباً غير مصر عليه فإن الله عز وجل يتوب عليه، ويَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئَاتِ [الشورى:25]. ومن لقيه وقد أقيم عليه حد ذلك الذنب في الدنيا فهو كفارته كما جاء في الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومن لقيه مصراً غير تائب من الذنوب التي استوجب بها العقوبة، فأمره إلى الله عز وجل إن شاء عذبه وإن شاء غفر له. ومن لقيه كافراً عذبه ولم يغفر له]. وأمر الآخرة إلى الله تعالى، فقد أخبر الله بأنه: يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ [آل عمران:129]، وذلك إليه سبحانه وتعالى. فمن لقيه وهو من أهل التوحيد فهو أهل أن يغفر له، كما ورد في حديث ابن مسعود : (من لقي الله لا يشرك به شيئاً دخل الجنة ومن لقيه يشرك به شيئاً دخل النار)، ولكن مع ذلك فإننا لا نجزم لهذا بالجنة ولهذا بالنار، بل نقول: هذا ورد وعيده وهذا ورد وعده وكلهم تحت مشيئة الله تعالى، إن شاء عذبهم، وإن شاء غفر لهم، ولو عذب أهل سماواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم لكانت رحمته خيراً لهم من أعمالهم؛ وذلك لأن أعمالهم مهما كثرت لا تقابل نعمة الله عليهم ورحمته بهم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله! قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل). فنحن محتاجون إلى رحمة الله، وأعمالنا تقصر عن أن تكون سبباً مستقلاً لنجاتنا، ولكن الله تعالى أمر بالعمل الصالح، وأمر بالإكثار من الحسنات، ونهى عن السيئات، وجعل ذلك من أسباب رحمته ودخول جنته، ونهى عن السيئات والمخالفات التي تكون أيضاً سبباً لغضبه وعذابه. أما إذا لقي الله تعالى وقد أقيم عليه الحد، فإذا كان تائباً من ذلك الذنب فإن الحد كفارة، وإذا أقيم عليه الحد ولكنه لم يعترف ولم يتب فلا ينفعه، إنما يكون الحد زاجراً له مرة أخرى عن هذا الذنب أو زاجراً لغيره. وقد بين العلماء أن الحدود لا تكون كفارة إلا لمن تاب، فمن زنى -مثلاً- وجاء معترفاً وقال: أقيموا علي الحد كما فعل ماعز والغامدية فإن ذلك كفارة، وأما من أنكر وشهد عليه الشهود بأنه زنى ورجم بذلك وهو منكر غير تائب فالحد لا يطهره، وإنما يمنع غيره من أن يفعلوا كفعله، وهكذا بقية الحدود التي تقام في الدنيا لا تكون مكفرة إلا لمن تاب من ذلك الذنب وحسنت توبته.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [والرجم حق على من زنى وقد أحصن إذا اعترف أو قامت عليه بينة، وقد رجم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة الراشدون]. يعني: أن رجْم الزاني المحصن الذي قد تزوج ثم زنى بعدما تزوج زواجاً شرعياً ودخل بامرأته ثابت في السنة، متواترة به الأحاديث، فمن أنكره فقد أنكر سنة معلومة ظاهرة، وأنكرت ذلك الخوارج الذين يقولون: إنهم لا يعملون إلا بما في القرآن، وقالوا: ليس في القرآن رجم. وقد بين عمر رضي الله عنه أن من جملة ما نزل آية الرجم، وقال: (وقرأناها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم)، ثم كانت مما نسخ لفظه وبقي حكمه. فالمحصن من السنة أن يرجم حتى يموت إذا قامت عليه البينة، أو اعترف بالزنا أربع مرات وبقي على اعترافه إلى أن يقام عليه الحد.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ومن انتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو بغَّضه لحدث منه أو ذكر مساويه، كان مبتدعاً حتى يترحم عليهم جميعاً، ويكون قلبه لهم سليماً]. قوله: (من تنقص أحداً من الصحابة) يعني: عابهم أو ذكر مثالبهم أو مساوئهم أو نحو ذلك، فإنه يعتبر بذلك قد ابتدع وتعدى على حرمة الصحابة رضي الله عنهم. ولا شك أنه قد وقع من بعضهم أمور اجتهادية أنكرتها عليهم الرافضة وعدوها من المثالب، وقد يكون بعضها من محاسن الدين ومن محاسن الشريعة، ولا شك أنها من فضائلهم ولو عدوها من مثالبهم، وقد بين شيخ الإسلام رحمه الله في (العقيدة الواسطية) أن ما يروى عن الصحابة فإما أن يكون كذباً لا أصل له مما افتراه عليهم أعداؤهم، وإما أن يكون قد زيد فيه أو حرف أو غير عن وجهه، والصحيح منه هم فيه معذورون، إما مجتهدون مصيبون، وإما مجتهدون مخطئون، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن من اجتهد فأصاب فله أجران، ومن أخطأ فله أجر.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [والنفاق هو الكفر: أن يكفر بالله ويعبد غيره، ويظهر الإسلامَ في العلانية، مثل المنافقين الذين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاث من كن فيه فهو منافق)، على التغليظ نرويها كما جاءت ولا نقيسها]. المنافق هو: الذي يظهر الإسلام ويخفي الكفر، وهم الذين: َإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ [البقرة:14]، والذين: يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ [الفتح:11] هؤلاء هم المنافقون، وإنما فعلوا ذلك تستراً أو ستراً لعقائدهم، والأصل أنهم يريدون بذلك أن يأمنوا مع هؤلاء ومع هؤلاء، يقول تعالى: الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ [النساء:141] أي: أعطونا من الغنيمة فنحن معكم وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ [النساء:141]، أي: نصر، قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [النساء:141]، فهم مع المؤمنين في الظاهر ومع الكفار في الباطن، وهذا هو أصل النفاق، ومثل هذا يقال له: النفاق الاعتقادي. وأما النفاق العملي فهو المذكور في هذا الحديث: (أربع من كن فيه كان منافقاً)، وفي الحديث الآخر: (آية المنافق ثلاث) فهذه الخصال تسمى نفاقاً عملياً، ولكنه من علامات النفاق الاعتقادي. قال المصنف رحمه الله تعالى: [(ثلاث من كن فيه فهو منافق) على التغليظ نرويها كما جاءت ولا نقيسها، وقوله: (لا ترجعوا بعدي كفاراً ضلالاً يضرب بعضكم رقاب بعض)، ومثل: (إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار)، ومثل: (سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر)، ومثل: (من قال لأخيه: يا كافر! فقد باء بها أحدهما)، ومثل: (كفرٌ بالله تبرؤ من نسب وإن دق)، ونحوه من الأحاديث مما قد صح وحفظ، فإنا نسلم له وإن لم يعلم تفسيرها، ولا نتكلم فيها، ولا نجادل فيها، ولا نفسر هذه الأحاديث إلا مثل ما جاءت، لا نردها إلا بأحق منها]. هذه الأحاديث استدل بها الخوارج على تكفير العصاة، ويقولون: إن المعصية الكبيرة تُخرج من الملة وتُدخل في الكفر، ويحكمون على أهل المعاصي وأهل الذنوب والكبائر بأنهم مخلدون في النار، ويستدلون بهذه الأحاديث مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم: (سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر)، وقوله: (لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض)، وكذلك أحاديث علامات النفاق كقوله صلى الله عليه وسلم: (أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا خاصم فجر، وإذا عاهد غدر). وفي رواية: (وإذا اؤتمن خان). ومعلوم أن هذه الخصال لا تخرج من الملة، فليس خلف الوعد -مثلاً- مخرجاً من الملة، وليس نفاقاً صريحاً، يعني: اعتقادياً، وكذلك الخيانة وما أشبهها، ولكنها من الذنوب ومن كبائر المعاصي. فالعبد إذا سمع مثل هذه الأدلة يعرضها على الكتاب والسنة، ويقول: نقبلها، ولكن لا نقول: إنها مخرجة من الإسلام، وإن من عمل بها فإنه ليس بمسلم، بل أمره إلى الله تعالى. ومثله: (برئ من الإسلام من تبرأ من نسب وإن دق) ومثله: (إذا قال الرجل لأخيه يا كافر! فقد باء بها أحدهما)، كل ذلك من أحاديث الوعيد. وأحاديث الوعيد تُجرى على ظاهرها؛ ليكون أبلغ في الزجر، مع الاعتقاد أنها لا توصل إلى الخروج من الملة، فلا نقول: إن هذا قد كفر وخرج من الإسلام بهذا الذنب، بل نقول: عمله عمل كفر وأما هو فلا يكون كافراً، ففرق بين العمل وبين العامل، فالعمل قد يكون من أعمال الكفار أو من أعمال المنافقين ولا يلزم أن كل من عمل هذا العمل يخرج من الإسلام ويدخل في الكفر، بل أمرهم إلى الله تعالى، ونحثهم على التوبة والرجوع إلى الله.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [والجنة والنار مخلوقتان، كما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: دخلت الجنة فرأيت قصراً، ورأيت الكوثر، واطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها كذا، واطلعت في النار فرأيت كذا وكذا، فمن زعم أنهما لم تخلقا فهو مكذب بالقرآن وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أحسبه يؤمن بالجنة والنار]. هذا أيضاً من الإيمان باليوم الآخر، فيجب الإيمان بأن الجنة موجودة الآن ومخلوقة، وكذلك النار، وأنهما موجودتان الآن خلافاً لبعض الفلاسفة والمعتزلة ونحوهم، فإنهم يقولون: إنما ينشئهما الله في يوم القيامة، وأما الآن فليستا بموجودتين. فإذا كانت الأحاديث صريحة بأنه صلى الله عليه وسلم قد أخبر بأنه دخل الجنة ورأى فيها كذا وكذا، ورأى النار ورأى فيها كذا وكذا، فهذا دليل على أنهما موجودتان ومخلوقتان، وأنهما يوم القيامة يخرجان بقول الله تعالى: وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ [الشعراء:90] يعني: أظهرت، وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ [الشعراء:91] ففي يوم القيامة تبرز، وكما في الحديث: (يؤتى يوم القيامة بجهنم) يعني: تفسيراً لقوله: وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ [الفجر:23]، يجيء بها الملائكة يجرونها، كما أخبر في الحديث.
قال المصنف رحمه الله: [ومن مات من أهل القبلة موحداً يُصلى عليه، ويُستغفر له، ولا يُحجب عنه الاستغفار، ولا تُترك الصلاة عليه لذنب أذنبه، صغيراً كان أو كبيراً، أمره إلى الله عز وجل]. ورد في الحديث: (صلوا على من قال: لا إله إلا الله)، أي: الذين دخلوا في الإسلام، وأظهروا الإسلام، فهؤلاء من أهل الإسلام ومن أهل التوحيد، فنصلي على من مات منهم ولو علمنا عنه شيئاً من الذنوب، إلا الذنوب المكفرة التي تخرج من الملة كترك الصلاة مع الاستمرار عليها وكذلك النفاق، كما قال الله تعالى في المنافقين: وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ [التوبة:84]، وهؤلاء بلا شك منافقون، وهم الذين اتضح نفاقهم وعرف، وكان الصحابة لا يصلون على من يُشك في أمره حتى يصلي عليه مثل حذيفة الذي أطلعه النبي صلى الله عليه وسلم على بعض أسماء المنافقين. أما بقية المسلمين ولو كان فيهم معاص وتقصير فإنه يصلى عليهم، ويوكل أمرهم إلى الله تعالى، ونعتقد أن ذنوبهم لم تخرجهم من الإسلام، وبلا شك أن العاصي أحق بأن يدعى له؛ لأنه هو الذي وقع منه الذنب، فهو أحق بأن يُدعى له ويُصلى عليه ويُترحم عليه حتى يغفر الله له. أما المبتدعة أصحاب البدع المكفرة فلا يجوز أن يُصلى عليهم، فقد كفر السلف الدعاة إلى البدع، مثل الجهمية ونحوهم، وبلا شك أيضاً أن الرافضة ما داموا يطعنون في الكتاب والسنة ويطعنون في الصحابة فإنهم لا يصلى عليهم؛ لكونهم بلغوا وسيلة يكفرون بها، لا سيما الذين يشركون ويدعون أهل البيت في الملمات وفي الأزمات ونحو ذلك. فالمشرك الذي يُعرف منه الشرك وسواء كان قبورياً أو نحوه يعتبر بذلك ليس بمسلم، وليس بموحد، فلا يصلى عليه، وما ورد أيضاً أن الإمام يترك الصلاة على بعض العصاة فذلك لأجل الزجر عن فعله، فلا يصلي الإمام على من قتل نفسه، ولا يصلي على الغالِّ الذي يغل من الغنيمة، زجراً عن مثل هذا الذنب، ولكن يأذن لهم بأن يصلوا عليه حتى ولو كان قاتل نفسه ونحو ذلك، ما دام لم يخرج من الإسلام.
سبب ذكر الإمام أحمد للرجم وقتال اللصوص في هذه الرسالة التي تتكلم في العقيدة
الفلاسفة لا يؤمنون بالبعث
كفر من ترك شيئاً معلوماً من الدين بالضرورة
بعض الأدلة على فضائل الصحابة
كل من مات فسيبعثه الله وإن مات على أي كيفية
سؤال الميت إذا كان في الثلاجة
معنى توبة الله على نبيه
حكم صلاة العلماني
لا يجوز الزيادة في السنة ما ليس منها
حكم المال والسلاح الذي أخذه الجنود في حرب الخليج
حكم التحلق يوم الجمعة
معنى الخروج على ولاة الأمر
نسخ القرآن بالحديث الآحاد
حكم الخروج على الحكومات المجاهرة بالكفر
المقصود بحديث: (إنك لا تدري ماذا أحدثوا بعدك)
حكم الصلاة والمؤذن يؤذن لخطبة الجمعة
نصيحة عامة للشباب
استمع المزيد من الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
الشباب والفراغ | 2463 استماع |
الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ ومنهجه في التعليم | 2032 استماع |
فضل العشر الأواخر من رمضان | 2020 استماع |
أهمية طاعة الرسول | 2000 استماع |
أصول السنة للإمام أحمد [1] | 1955 استماع |
السلف الصالح بين العلم والإيمان | 1953 استماع |
المحرمات المتمكنة في الأمة | 1934 استماع |
البدع والمحدثات في العقائد والأعمال | 1728 استماع |
فتاوى منوعة | 1591 استماع |
لا إفراط ولا تفريط | 1484 استماع |