أصول السنة للإمام أحمد [2]


الحلقة مفرغة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ومن خرج على إمام من أئمة المسلمين وقد كانوا اجتمعوا عليه وأقروا له بالخلافة بأي وجه كان بالرضا أو الغلبة، فقد شق هذا الخارج عصا المسلمين، وخالف الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن مات الخارج عليه مات ميتة جاهلية. ولا يحل قتال السلطان، ولا الخروج عليه لأحد من الناس، فمن فعل ذلك فهو مبتدع على غير السنة والطريق]. الخروج على الأئمة يحصل به مفاسد كثيرة، فيحصل به فتن وقتل واضطهاد لأهل الخير، ويحصل به إذلال لأهل الدين ولأهل الإيمان ولأهل العلم ولأهل العمل الصالح، وقد جُرّب ذلك في العصور الأولى، فالذين خرجوا على الحجاج في ولايته كـابن الأشعث لما أن خلع بيعة أمير المؤمنين عبد الملك ، وخلع طاعة والي العراق الذي هو الحجاج ، واجتمع معه خلق كثير حتى أن منهم كثيراً من علماء التابعين في ذلك الوقت، فماذا حصل؟ حصل أنه لما انتصر عليهم الحجاج أخذوا وقتل بذلك خلق كثير، وكان من آخرهم سعيد بن جبير رحمه الله. وكذلك أيضاً: لما أن خلع المقاتل الفاتح العظيم قتيبة بن مسلم طاعة سليمان بن عبد الملك حصل أنه قوتل حتى قتل، وذكروا وقالوا: إنه ينطبق عليه الحديث: (من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية) ، ولكن يترحم عليه؛ لأنه كان له جهد في الجهاد، وفتح الكثير من بلاد السند وما وراء النهر. وهكذا أيضاً ابن المهلب عند أن خلع الطاعة وحاول أن يستبد بالأمر حصلت فتنة. وهكذا في آخر عهد بني أمية خرج زيد بن علي بن الحسين وحاول أن يتم له الأمر فقُتل، وقُتل من معه واضطهدوا. وكذلك في خلافة المنصور خرج اثنان من العلويين وهما: محمد بن عبد الله بن حسن وأخوه إبراهيم وكل منهما بايعه خلق كثير ثم قتلوا. وبكل حال لا يجوز الخروج على الأئمة لما يحصل بذلك من الإذلال والإهانة لأهل الخير، ومعلوم أن الأئمة في أيديهم الولاية ونحوها، فتجب طاعتهم إلا فيما قاله النبي صلى الله عليه وسلم: (إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان) ولما قيل: (ألا نقاتلهم؟ قال: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة)، وما دام أنهم يقيمون الصلاة وأنهم يظهرون شعائر الإسلام ولو حصل منهم خلل أو نقص أو لوحظ على بعضهم شيء من المعاصي والتقصير، فإن ذلك لا يسوغ الخروج عليهم.

قال المصنف رحمه الله: [وقتال اللصوص والخوارج جائز إذا عرضوا للرجل في نفسه وماله، فله أن يقاتل عن نفسه وماله ويدفع عنها بكل ما يقدر، وليس له إذا فارقوه أو تركوه أن يطلبهم، ولا يتبع آثارهم، ليس لأحد إلا الإمام أو ولاة المسلمين، إنما له أن يدفع عن نفسه في مقامه ذلك، وينوي بجهده ألا يقتل أحداً، فإن مات على يديه في دفعه عن نفسه في المعركة فأبعد الله المقتول، وإن قُتل هذا في تلك الحال وهو يدفع عن نفسه وماله رَجُوتُ له الشهادة كما جاء في الأحاديث، وجميع الآثار في هذا إنما أمر بقتاله، ولم يؤمر بقتله ولا اتباعه ولا يجهز عليه إن صُرع أو كان جريحاً، وإن أخذه أسيراً فليس له أن يقتله، ولا يقيم عليه الحد، ولكن يرفع أمره إلى من ولاه الله فحكم فيه]. اللصوص هم الذين يعتدون على الأموال، ومثلهم أيضاً المحاربون وقطاع الطريق ونحوهم، وهؤلاء بلا شك أنهم فيما يظهر من المسلمين، فإذا شهروا سلاحهم فإنهم يقاتلون بما يندفعون به، وقد ذكر الله أنهم يرد أمرهم إلى قوله تعالى: إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا.. [المائدة:33] الآية. فإذا دخل اللصوص في بيت من البيوت لأخذ مال فإن صاحب البيت يدفعهم بالتي هي أحسن، ولا يبدؤهم بالقتال رأساً، فإنهم لم يبلغوا أن يقاتلوا، إنما دخلوا لأخذ مال أو للاختلاس أو نحو ذلك، ولكن إذا رأى منهم القوة ورأى منهم الجد قاتلهم. وروي عن ابن عمر أنه دخل عليه لص، فأصلت السيف في وجهه، ولولا أن أبناءه قبضوه لقتل ذلك اللص. وكأنه عرف منه أنه معتدٍ، وأنه جاء لأجل الفساد أو أنه ليس من أهل العصمة، ولكن ما دام أنه قد وردت الأدلة في أنهم يدفعون بالتي هي أحسن، وأنه إذا جرح أحد منهم فلا يجهز عليه، أي: لا يتمم قتله، ولا يتبع مدبرهم، أي: المنهزم منهم لا يتبع بل يترك؛ دل ذلك على أنهم لم يخرجوا من الإسلام، فيهددهم ويخوفهم بعدما يذكرهم، فإذا لم ينفع فيهم التذكير ولا التخويف ولا التهديد أظهر لهم أن عنده من القوة ما يدفعهم وما يردهم، فإذا لم يندفعوا استعمل القوة بأدنى مراتبها، فإن كانوا يُكفون بضربهم بالعصي اكتفى بذلك ولم يستعمل السلاح، فإذا لم يكفوا استعمل السكين دون السيف، وإذا لم يكفوا استعمل السيف أو نحوه مما يقاتل به في هذه الأزمنة، كالرصاص ونحوه، فله أن يستعمل ذلك لدفع كيدهم ولدفع شرهم، وسواء كان اعتداؤهم لأجل قتله أو لأجل ماله أو لأجل محارمه أو ما أشبه ذلك، فكل هؤلاء من اللصوص المعتدين يدفعون بما يندفع به شرهم أو يرفع بأمرهم إلى من يأخذ على أيديهم.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ولا نشهد على أهل القبلة بعمل يعمله بجنة ولا نار، نرجو للصالح ونخاف عليه، ونخاف على المسيء المذنب، ونرجو له رحمة الله]. من عقيدة أهل السنة أنهم لا يجزمون لأحد بجنة ولا نار ولو انطبقت عليه بعض الأحاديث، وهناك أحاديث في الوعيد، وهناك أحاديث في الوعد، فيقولون: إن أمره إلى الله تعالى. فمثلاً: قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله)، هذا من أحاديث الوعد، فهل كل من رأيناه يقولها، نقول هذا من أهل الجنة، وهذا محرم على النار؟! الجواب: لا، بل نقول: هذا أمره إلى الله؛ لأن الإخلاص غيبـي. كذلك أيضاً قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر) أو قوله: (لا يدخل الجنة قتات) أو نمام، هل نقول: إن هؤلاء من أهل النار؟ الجواب: لا؛ وذلك لأن أمرهم إلى الله، وما في قلوبهم خفي فلا نجزم بجنة ولا نار، بل نقول: هؤلاء من العصاة الذين وردت فيهم هذه الأدلة، وأمرهم إلى الله إن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم، وهؤلاء وعُدوا بالثواب ووعُدوا بالمغفرة، وأمرهم إلى الله إن شاء كمل ذلك وأثابهم بأن يرحمهم ويدخلهم الجنة، وإن شاء عاقبهم على ما عملوه، الله أعلم بكيفية ذلك. هذا معنى كون أهل السنة لا يجزمون لمعين بجنة ولا نار إلا من جزم له النبي صلى الله عليه وسلم كالعشرة ونحوهم من الذين ورد تسميتهم أنهم من أهل الجنة، وكالذين ورد أنهم من أهل النار كـأبي لهب كما في قوله تعالى: سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ [المسد:3] ونحوهم ممن وردت النصوص في أنهم من أهل العذاب.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ومن لقي الله بذنب يجب له النار تائباً غير مصر عليه فإن الله عز وجل يتوب عليه، ويَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئَاتِ [الشورى:25]. ومن لقيه وقد أقيم عليه حد ذلك الذنب في الدنيا فهو كفارته كما جاء في الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومن لقيه مصراً غير تائب من الذنوب التي استوجب بها العقوبة، فأمره إلى الله عز وجل إن شاء عذبه وإن شاء غفر له. ومن لقيه كافراً عذبه ولم يغفر له]. وأمر الآخرة إلى الله تعالى، فقد أخبر الله بأنه: يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ [آل عمران:129]، وذلك إليه سبحانه وتعالى. فمن لقيه وهو من أهل التوحيد فهو أهل أن يغفر له، كما ورد في حديث ابن مسعود : (من لقي الله لا يشرك به شيئاً دخل الجنة ومن لقيه يشرك به شيئاً دخل النار)، ولكن مع ذلك فإننا لا نجزم لهذا بالجنة ولهذا بالنار، بل نقول: هذا ورد وعيده وهذا ورد وعده وكلهم تحت مشيئة الله تعالى، إن شاء عذبهم، وإن شاء غفر لهم، ولو عذب أهل سماواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم لكانت رحمته خيراً لهم من أعمالهم؛ وذلك لأن أعمالهم مهما كثرت لا تقابل نعمة الله عليهم ورحمته بهم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله! قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل). فنحن محتاجون إلى رحمة الله، وأعمالنا تقصر عن أن تكون سبباً مستقلاً لنجاتنا، ولكن الله تعالى أمر بالعمل الصالح، وأمر بالإكثار من الحسنات، ونهى عن السيئات، وجعل ذلك من أسباب رحمته ودخول جنته، ونهى عن السيئات والمخالفات التي تكون أيضاً سبباً لغضبه وعذابه. أما إذا لقي الله تعالى وقد أقيم عليه الحد، فإذا كان تائباً من ذلك الذنب فإن الحد كفارة، وإذا أقيم عليه الحد ولكنه لم يعترف ولم يتب فلا ينفعه، إنما يكون الحد زاجراً له مرة أخرى عن هذا الذنب أو زاجراً لغيره. وقد بين العلماء أن الحدود لا تكون كفارة إلا لمن تاب، فمن زنى -مثلاً- وجاء معترفاً وقال: أقيموا علي الحد كما فعل ماعز والغامدية فإن ذلك كفارة، وأما من أنكر وشهد عليه الشهود بأنه زنى ورجم بذلك وهو منكر غير تائب فالحد لا يطهره، وإنما يمنع غيره من أن يفعلوا كفعله، وهكذا بقية الحدود التي تقام في الدنيا لا تكون مكفرة إلا لمن تاب من ذلك الذنب وحسنت توبته.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [والرجم حق على من زنى وقد أحصن إذا اعترف أو قامت عليه بينة، وقد رجم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة الراشدون]. يعني: أن رجْم الزاني المحصن الذي قد تزوج ثم زنى بعدما تزوج زواجاً شرعياً ودخل بامرأته ثابت في السنة، متواترة به الأحاديث، فمن أنكره فقد أنكر سنة معلومة ظاهرة، وأنكرت ذلك الخوارج الذين يقولون: إنهم لا يعملون إلا بما في القرآن، وقالوا: ليس في القرآن رجم. وقد بين عمر رضي الله عنه أن من جملة ما نزل آية الرجم، وقال: (وقرأناها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم)، ثم كانت مما نسخ لفظه وبقي حكمه. فالمحصن من السنة أن يرجم حتى يموت إذا قامت عليه البينة، أو اعترف بالزنا أربع مرات وبقي على اعترافه إلى أن يقام عليه الحد.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ومن انتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو بغَّضه لحدث منه أو ذكر مساويه، كان مبتدعاً حتى يترحم عليهم جميعاً، ويكون قلبه لهم سليماً]. قوله: (من تنقص أحداً من الصحابة) يعني: عابهم أو ذكر مثالبهم أو مساوئهم أو نحو ذلك، فإنه يعتبر بذلك قد ابتدع وتعدى على حرمة الصحابة رضي الله عنهم. ولا شك أنه قد وقع من بعضهم أمور اجتهادية أنكرتها عليهم الرافضة وعدوها من المثالب، وقد يكون بعضها من محاسن الدين ومن محاسن الشريعة، ولا شك أنها من فضائلهم ولو عدوها من مثالبهم، وقد بين شيخ الإسلام رحمه الله في (العقيدة الواسطية) أن ما يروى عن الصحابة فإما أن يكون كذباً لا أصل له مما افتراه عليهم أعداؤهم، وإما أن يكون قد زيد فيه أو حرف أو غير عن وجهه، والصحيح منه هم فيه معذورون، إما مجتهدون مصيبون، وإما مجتهدون مخطئون، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن من اجتهد فأصاب فله أجران، ومن أخطأ فله أجر.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [والنفاق هو الكفر: أن يكفر بالله ويعبد غيره، ويظهر الإسلامَ في العلانية، مثل المنافقين الذين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاث من كن فيه فهو منافق)، على التغليظ نرويها كما جاءت ولا نقيسها]. المنافق هو: الذي يظهر الإسلام ويخفي الكفر، وهم الذين: َإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ [البقرة:14]، والذين: يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ [الفتح:11] هؤلاء هم المنافقون، وإنما فعلوا ذلك تستراً أو ستراً لعقائدهم، والأصل أنهم يريدون بذلك أن يأمنوا مع هؤلاء ومع هؤلاء، يقول تعالى: الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ [النساء:141] أي: أعطونا من الغنيمة فنحن معكم وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ [النساء:141]، أي: نصر، قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [النساء:141]، فهم مع المؤمنين في الظاهر ومع الكفار في الباطن، وهذا هو أصل النفاق، ومثل هذا يقال له: النفاق الاعتقادي. وأما النفاق العملي فهو المذكور في هذا الحديث: (أربع من كن فيه كان منافقاً)، وفي الحديث الآخر: (آية المنافق ثلاث) فهذه الخصال تسمى نفاقاً عملياً، ولكنه من علامات النفاق الاعتقادي. قال المصنف رحمه الله تعالى: [(ثلاث من كن فيه فهو منافق) على التغليظ نرويها كما جاءت ولا نقيسها، وقوله: (لا ترجعوا بعدي كفاراً ضلالاً يضرب بعضكم رقاب بعض)، ومثل: (إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار)، ومثل: (سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر)، ومثل: (من قال لأخيه: يا كافر! فقد باء بها أحدهما)، ومثل: (كفرٌ بالله تبرؤ من نسب وإن دق)، ونحوه من الأحاديث مما قد صح وحفظ، فإنا نسلم له وإن لم يعلم تفسيرها، ولا نتكلم فيها، ولا نجادل فيها، ولا نفسر هذه الأحاديث إلا مثل ما جاءت، لا نردها إلا بأحق منها]. هذه الأحاديث استدل بها الخوارج على تكفير العصاة، ويقولون: إن المعصية الكبيرة تُخرج من الملة وتُدخل في الكفر، ويحكمون على أهل المعاصي وأهل الذنوب والكبائر بأنهم مخلدون في النار، ويستدلون بهذه الأحاديث مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم: (سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر)، وقوله: (لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض)، وكذلك أحاديث علامات النفاق كقوله صلى الله عليه وسلم: (أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا خاصم فجر، وإذا عاهد غدر). وفي رواية: (وإذا اؤتمن خان). ومعلوم أن هذه الخصال لا تخرج من الملة، فليس خلف الوعد -مثلاً- مخرجاً من الملة، وليس نفاقاً صريحاً، يعني: اعتقادياً، وكذلك الخيانة وما أشبهها، ولكنها من الذنوب ومن كبائر المعاصي. فالعبد إذا سمع مثل هذه الأدلة يعرضها على الكتاب والسنة، ويقول: نقبلها، ولكن لا نقول: إنها مخرجة من الإسلام، وإن من عمل بها فإنه ليس بمسلم، بل أمره إلى الله تعالى. ومثله: (برئ من الإسلام من تبرأ من نسب وإن دق) ومثله: (إذا قال الرجل لأخيه يا كافر! فقد باء بها أحدهما)، كل ذلك من أحاديث الوعيد. وأحاديث الوعيد تُجرى على ظاهرها؛ ليكون أبلغ في الزجر، مع الاعتقاد أنها لا توصل إلى الخروج من الملة، فلا نقول: إن هذا قد كفر وخرج من الإسلام بهذا الذنب، بل نقول: عمله عمل كفر وأما هو فلا يكون كافراً، ففرق بين العمل وبين العامل، فالعمل قد يكون من أعمال الكفار أو من أعمال المنافقين ولا يلزم أن كل من عمل هذا العمل يخرج من الإسلام ويدخل في الكفر، بل أمرهم إلى الله تعالى، ونحثهم على التوبة والرجوع إلى الله.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [والجنة والنار مخلوقتان، كما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: دخلت الجنة فرأيت قصراً، ورأيت الكوثر، واطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها كذا، واطلعت في النار فرأيت كذا وكذا، فمن زعم أنهما لم تخلقا فهو مكذب بالقرآن وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أحسبه يؤمن بالجنة والنار]. هذا أيضاً من الإيمان باليوم الآخر، فيجب الإيمان بأن الجنة موجودة الآن ومخلوقة، وكذلك النار، وأنهما موجودتان الآن خلافاً لبعض الفلاسفة والمعتزلة ونحوهم، فإنهم يقولون: إنما ينشئهما الله في يوم القيامة، وأما الآن فليستا بموجودتين. فإذا كانت الأحاديث صريحة بأنه صلى الله عليه وسلم قد أخبر بأنه دخل الجنة ورأى فيها كذا وكذا، ورأى النار ورأى فيها كذا وكذا، فهذا دليل على أنهما موجودتان ومخلوقتان، وأنهما يوم القيامة يخرجان بقول الله تعالى: وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ [الشعراء:90] يعني: أظهرت، وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ [الشعراء:91] ففي يوم القيامة تبرز، وكما في الحديث: (يؤتى يوم القيامة بجهنم) يعني: تفسيراً لقوله: وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ [الفجر:23]، يجيء بها الملائكة يجرونها، كما أخبر في الحديث.

قال المصنف رحمه الله: [ومن مات من أهل القبلة موحداً يُصلى عليه، ويُستغفر له، ولا يُحجب عنه الاستغفار، ولا تُترك الصلاة عليه لذنب أذنبه، صغيراً كان أو كبيراً، أمره إلى الله عز وجل]. ورد في الحديث: (صلوا على من قال: لا إله إلا الله)، أي: الذين دخلوا في الإسلام، وأظهروا الإسلام، فهؤلاء من أهل الإسلام ومن أهل التوحيد، فنصلي على من مات منهم ولو علمنا عنه شيئاً من الذنوب، إلا الذنوب المكفرة التي تخرج من الملة كترك الصلاة مع الاستمرار عليها وكذلك النفاق، كما قال الله تعالى في المنافقين: وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ [التوبة:84]، وهؤلاء بلا شك منافقون، وهم الذين اتضح نفاقهم وعرف، وكان الصحابة لا يصلون على من يُشك في أمره حتى يصلي عليه مثل حذيفة الذي أطلعه النبي صلى الله عليه وسلم على بعض أسماء المنافقين. أما بقية المسلمين ولو كان فيهم معاص وتقصير فإنه يصلى عليهم، ويوكل أمرهم إلى الله تعالى، ونعتقد أن ذنوبهم لم تخرجهم من الإسلام، وبلا شك أن العاصي أحق بأن يدعى له؛ لأنه هو الذي وقع منه الذنب، فهو أحق بأن يُدعى له ويُصلى عليه ويُترحم عليه حتى يغفر الله له. أما المبتدعة أصحاب البدع المكفرة فلا يجوز أن يُصلى عليهم، فقد كفر السلف الدعاة إلى البدع، مثل الجهمية ونحوهم، وبلا شك أيضاً أن الرافضة ما داموا يطعنون في الكتاب والسنة ويطعنون في الصحابة فإنهم لا يصلى عليهم؛ لكونهم بلغوا وسيلة يكفرون بها، لا سيما الذين يشركون ويدعون أهل البيت في الملمات وفي الأزمات ونحو ذلك. فالمشرك الذي يُعرف منه الشرك وسواء كان قبورياً أو نحوه يعتبر بذلك ليس بمسلم، وليس بموحد، فلا يصلى عليه، وما ورد أيضاً أن الإمام يترك الصلاة على بعض العصاة فذلك لأجل الزجر عن فعله، فلا يصلي الإمام على من قتل نفسه، ولا يصلي على الغالِّ الذي يغل من الغنيمة، زجراً عن مثل هذا الذنب، ولكن يأذن لهم بأن يصلوا عليه حتى ولو كان قاتل نفسه ونحو ذلك، ما دام لم يخرج من الإسلام.

سبب ذكر الإمام أحمد للرجم وقتال اللصوص في هذه الرسالة التي تتكلم في العقيدة

السؤال: أتى الإمام أحمد بالرجم وقتال اللصوص في رسالة تتكلم عن العقيدة، ولم يتكلم عن الأسماء والصفات مثلاً؟ الجواب: نقول: اكتفى في أولها بالتمسك بالكتاب والسنة، فإن ذلك عام يدخل فيه الإيمان بالأسماء والصفات وما أشبهها، وكأنه وضع هذه الرسالة -فيما يظهر- في الأمور الظاهرة التي هي أقرب إلى أنها من الأعمال، فجاء فيها بما يدخل في هذه الأمور، وألحق بها هذه الأشياء ولو كانت من الفروع، لكون الخلاف فيها مع هؤلاء الذين ابتلي بهم الناس في زمانه وبعد زمانه؛ لأجل ذلك اهتم بهذه الأمور الواقعية، والغالب أن من كتب رسالة يهتم بالذي يكثر فيه الخلاف مع أهل زمانه.

الفلاسفة لا يؤمنون بالبعث

السؤال: هل يؤمن الفلاسفة بالبعث؟ الجواب: لا يؤمنون ببعث الأجساد وحشرها، إنما يجعلون البعث خاصاً بالأرواح، والحساب والعذاب على الأرواح، أما الأجساد وإعادتها فيكذبون بذلك ويردون الأحاديث والآيات التي هي صريحة في إعادة الأجساد بعد ما تفنى وتكون تراباً، وينكرون القصص التي في القرآن، كقصة الذي أماته الله مائة عام ثم بعثه، وقصة الذين قال الله لهم: مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ [البقرة:243] ونحو ذلك.

كفر من ترك شيئاً معلوماً من الدين بالضرورة

السؤال: من ترك الصيام عمداً وهو يعلم الحكم، هل يكون كافراً بذلك؟ الجواب: لا شك أن من ترك شيئاً معلوماً من الدين بالضرورة فإنه يكفر بذلك، ويستتاب فإن تاب وإلا قتل إذا أصر على ذلك، حتى قال العلماء في باب حكم المرتد: إن من حرَّم شيئاً حلالاً كالخبز مثلاً، وأصر على ذلك يُعتبر مرتداً، ومن قال مثلاً: إن اللحم المذكى حرام، وإن الخبز الطاهر النقي الذي ليس فيه شبهة حرام، أو النكاح الحلال الذي هو الزواج الشرعي حرام أو ما أشبه ذلك، فهو كافر، ومن قال مثلاً: إن الزنا حلال، وإن فعل الفاحشة بالمرأة الأجنبية أو اللواط ونحوه حلال إذا حصل فيه التراضي، فهذا بلا شك أنه كافر، وكذلك أيضاً ترك الصيام عناداً مع اعتقاد أنه لم يفرض يعتبر أيضاً ردة وكفراً، وأما الجاهل فإنه معذور، حتى لقد كان الصحابة يسقطون الحد عن الجاهل حتى تقوم عليه الحجة. وإذا كان يعتقد وجوب الصوم ولكن تركه تكاسلاً وتفريطاً، فإنه يعامل في الدنيا بما يعامل به الكفار، فيقال له: صم والتزم، فإذا أصر وقال: لا أصوم ولو قتلتموني ولو مزقتموني ولو قطعتم أعضائي، قتل بعد ذلك، ولا يصلى عليه، وأما عقيدته فأمره إلى الله.

بعض الأدلة على فضائل الصحابة

السؤال: الله سبحانه وتعالى: وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ [التوبة:100]، هل هذه الآية من الأدلة القوية في الرد على الرافضة؟ الجواب: نعم، هي من الآيات التي تبين فضل الصحابة، فالله تعالى قسم في هذه الآية الصحابة إلى ثلاثة أقسام: السابقون الأولون من المهاجرين، وكذلك الأنصار من أهل المدينة، وكذلك الذين اتبعوهم بإحسان وهم الذين جاءوا بعدهم، وهؤلاء كلهم من الصحابة، يقول الله: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ [التوبة:100]. كذلك قوله تعالى: لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ [التوبة:117] يعني: في غزوة تبوك، وكانوا نحو أربعين ألفاً، ذكر الله أنه تاب عليهم، ومدحهم بأنهم اتبعوه في ساعة العسرة، وجعل من جملتهم النبي صلى الله عليه وسلم، ولا شك أن ذلك مما يدل على فضائلهم وما تميزوا به، والآيات كثيرة في ذلك.

كل من مات فسيبعثه الله وإن مات على أي كيفية

السؤال: كيف يُسأل ويُبعث من تفتت جسمه أو من غرق في البحر أو من ذابت جنازته أو مات في حادث طائرة؟ الجواب: لا أدري ماذا يقصد السائل بقوله: كيف يبعث؟! فما دمنا نقول: إن الله تعالى قادر على أن يبعث من أُحرق فإنه لا يعجزه شيء، وقد ورد في بعض الأحاديث: (أن رجلاً قال لأولاده: إذا مت فأحرقوني، ثم ذروني في البحر، فلما فعلوا قال الله له: كن، فقام) أي: جمعه الله وأحياه، فهذا دليل على أنه لا يخرج من قدرة الله شيء، فالإنسان الذي يموت ثم تأكله الطيور والسباع يعيده الله، والذي يموت ثم يحرق أو يلقى في البحر حتى تأكله دواب البحر أو نحو ذلك كل ذلك لا يصعب على الله أن يعيده كما كان.

سؤال الميت إذا كان في الثلاجة

السؤال: إذا مات الإنسان وبقي في الثلاجة قبل أن يدفن عدة أيام أربعة أو ثلاثة أيام أو أقل أو أكثر فهل يُسأل قبل الدفن؟ الجواب: قد يبقى في الثلاجة -مثلاً- سنة أو سنين ولا يمنع أنه يحاسب؛ وذلك لأن أمر البرزخ على الأرواح، فالأرواح هي التي يتم التساؤل معها، فهي التي تُسأل، وهي التي تعذب، وهي التي تنعم.

معنى توبة الله على نبيه

السؤال: يقول الله سبحانه وتعالى: لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ [التوبة:117] والتوبة لا تكون إلا عن ذنب، فما توجيه الآية؟ الجواب: قد ذكر الله المغفرة في قوله تعالى: لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ [الفتح:2] وقال تعالى: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ [محمد:19]، فنقول: بلا شك أن الذنب قد يطلق على بعض الأمور المباحة أو على الغفلة أو نحو ذلك، وعلى هذا تسمى ذنباً. ويقول بعض العلماء في معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (إنه ليغان على قلبي؛ وإني لأستغفر الله في اليوم أكثر من سبعين مرة) قالوا: إن هذا الاستغفار من هذه الغفلة التي عدها ذنباً، كونه -مثلاً- أحياناً يغفل عن ذكر الله تعالى ثم ينتبه ويبادر بالاستغفار، فعد هذه الغفلة ذنباً. فإذاً: التوبة التي تابها الله عليه وعلى الصحابة لا شك أنها إما من شيء من الغفلة كان ينبغي أن يعمروا وقتها بطاعة الله، وإما من الأمور الاجتهادية التي يجتهدونها ويعملونها لأجل رضا الله تعالى، ولكن يكونون فيها مجتهدين مخطئين كما حصل من الاجتهادات التي نبه الله تعالى نبيه على بعضها، كقوله تعالى: عَبَسَ وَتَوَلَّى .... [عبس:1] إلى آخر الآيات، وكقوله: مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ [الأنفال:67]، وكقوله: وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ [التوبة:84] وما أشبه ذلك.

حكم صلاة العلماني

السؤال: هناك من العلمانيين من يصلي، ولكن أفكارهم كفرية معلومة، فهل يحكم بأنهم مسلمون من أجل صلاتهم؟ الجواب: يعاملون في الدنيا معاملة المسلمين، ونحن إنما نعمل بالظاهر، وأما في الآخرة فأمرهم إلى الله تعالى، لكن إذا ظهر منهم كلمات توجب الردة، فإنهم يعاقبون بما يعاقب به المرتد.

لا يجوز الزيادة في السنة ما ليس منها

السؤال: ذكر الإمام أحمد في الرسالة: (وليس في السنة قياس ولا تضرب لها الأمثال) فما المراد بذلك؟ الجواب: يظهر أن مراده بالقياس هنا: أن يلحق بها ما ليس منها، ولكن لا يلحق بذلك القياس الذي يراد به إلحاق المسائل بما يشابهها عند عدم النص فيها، فيقول: إنه ليس في السنة قياس، بمعنى: أننا لا نلحق بها شيئاً ليس منها ونجعله من السنة ونقول: إنه منصوص عليه.

حكم المال والسلاح الذي أخذه الجنود في حرب الخليج

السؤال: بالنسبة لموضوع قسمة الفيء؛ هناك بعض من تكلم عن الغنائم التي حصل عليها بعض الناس من الحرب التي حصلت في أزمة الخليج، فما حكم الأشياء التي أخذت وما حكم من أخذ؟ الجواب: الواجب أن هؤلاء الذين أرسلتهم الدولة للقتال يعتبرون خداماً للدولة، فليس لهم أن يستقلوا بشيء أخذوه، فإذا حصلوا على أسلحة يسلمونها للدولة سواء للدولة الكويتية أو للدولة السعودية، ولا يجوز لهم أن يستبدوا بها، وذلك لأنها لا تسمى غنيمة، إنما هم رجال موظفون تجري لهم مرتبات وإعاشات وانتدابات فيعطون حقهم، فأما الغنائم ونحوها فإنها لا تكون -والحال هذه- من الغنائم. أولاً: لأنه قتال فتنة، وليس هو قتال لأجل الكفر. ثانياً: أن هذه الأموال والأسلحة قد تكون داخلة في حكم الأموال المشتبهة؛ فلا تدخل في الغنيمة، لكن قد يعتذر بعضهم ويقول: إننا لو لم نأخذها لانتهبها غيرنا، ولأخذها من لا يستحقها، ولأخذها بعض الأعداء وقاتلونا بها أو نحو ذلك، فنقول: حتى ولو كان ذلك، فالأولى تسليمها إلى الدولة التي بعثتكم، والدولة تتصرف فيها كما تشاء.

حكم التحلق يوم الجمعة

السؤال: ما حكم الحِلَق في يوم الجمعة؟ وما صحة الحديث الوارد في ذلك؟ الجواب: كان الصحابة إذا جاءوا لصلاة الجمعة يكون بعضهم بعيد العهد بإخوته فيتحلقون حلقاً في المسجد، فيرقى النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر وهم لا يزالون حلقاً، هناك حلقة، وهناك حلقة، وهناك أخرى، وهناك رابعة، وهناك خامسة، فنهى عن التحَلُق يوم الجمعة قبل الصلاة، أي: الذي يقصدون به التحدث فيما بينهم، وأمرهم إذا دخلوا للمسجد أن يصفوا صفوفاً، وأن يكونوا صفوفاً على هيئتهم حتى يأتي الإمام وهم على مصافهم، حتى لا يحصل اختلال واضطراب عندما يريدون أن يأخذوا مصافهم، ولا يدخل في ذلك حلقات العلم التي تكون في أول النهار؛ وذلك لأنهم لم يدخلوا على أنهم يلزمون المكان الذي يصلون فيه صلاة الجمعة، إنما دخلوا للاستفادة فائدة مؤقتة ثم ينصرفون بعد ذلك.

معنى الخروج على ولاة الأمر

السؤال: ما هو ضابط الخروج؟ وما معنى: (مات ميتة جاهلية)، هل يعني أنه كافر؟ الجواب: الخروج هو تكفير الولاة، وشهر السلاح عليهم، وإنكار أحقيتهم بالولاية أو بالإمارة، ونبذ الطاعة لهم، وخلع بيعتهم، فمن فعل ذلك اعتبر محارباً، يعامل بما يعامل به البغاة الذين ذكرهم العلماء في قتال أهل البغي عند قوله تعالى: فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ [الحجرات:9]. وأما قوله: (مات ميتة جاهلية)، فهذا يعني أنه مات على هذه النكسة التي هي نكسة البيعة، ويعتبر هذا من أحاديث الوعيد.

نسخ القرآن بالحديث الآحاد

السؤال: هل السنة الأحادية ناسخة للقرآن؟ لأني قرأت في كتاب (مباحث في علوم القرآن) أن السنة الآحاد لا تنسخ القرآن، فهل هذا صحيح؟ الجواب: لم يرد حديث ثابت ينسخ آية من القرآن إلا حديث أو حديثان أو نحو ذلك، فمثل حديث: (لا وصية لوارث) اختلف فيه هل ينسخ قول الله تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ [البقرة:180] أو أن الناسخ هو الآيات التي في تقسيم التركة بين الورثة؟ وعلى كل حال إذا ثبتت أحاديث قطعية الثبوت ولو كانت آحاداً ووردت مخصصة لآية من القرآن أو مخصصة لمفهومها فإنه يعمل بها، وتكون ناسخة أو مخصصة، وأما إذا لم تثبت أو أمكن الجمع بينهما فإنه لا يقال: إنها ناسخة.

حكم الخروج على الحكومات المجاهرة بالكفر

السؤال: في بعض الدول التي تحكم بغير شرع الله يرون الكفر البواح، سواء من خلال وسائل الإعلام أو غيرها، فنريد النصيحة للإخوة هناك في قضية التعجل وغيرها، وهل يجوز للمسلمين الذين تحكمهم حكومات كافرة تعلن كفرها عبر وسائل الإعلام وتبيح المحرمات وغير ذلك من الكفر، هل يجوز لهم الخروج عليها؟ الجواب: نرى أنهم لا يستطيعون الخروج ما دام أنهم ليس بأيديهم قوة، ولا عندهم منعة، وأن القوة بأيدي الدولة، لكن إذا استطاعوا أن يستقلوا بأنفسهم وينفردوا في قرية أو في برية كمهاجرين يستقلون عن هذه الدولة ويقيمون أمرهم بأنفسهم حتى لا يكونوا تحت ولاية دولة كافرة فهو أولى، وإذا لم يستطيعوا صبروا وعبدوا الله كما يستطيعون، وأقاموا عبادته وحققوا ما أمروا به وأنكروا المنكر بقلوبهم، وقالوا: اللهم إنه منكر، وإنا له منكرون، ويكتفون بذلك عن أن يشهروا السلاح الذي يكون فيه إذلال لهم، وقمع لكلمة أهل الخير، وتسلط من الدولة على كل من أظهر التدين والصلاح، واتهام لهم بأنهم هم المفسدون في الأرض، وبأنهم هم الذين يعيثون في الأرض فساداً. وبسبب تشدد بعضهم على بعض الدول صارت كثير من الدول تسلط تهمتها على أهل التدين وأهل الصلاح، فيجعلونهم هم الخطر الكبير على الدول، وكل من رأوه ملتزماً أو متمسكاً قالوا: هذا من الذين يحاولون انقلاباً، أو يحاولون خروجاً على الدولة، أو يجمعون ثواراً يقومون بثورة، فلا يزالون يتسلطون عليهم. فلو أنهم استسلموا للأمر وعبدوا الله تعالى وأنكروا بقلوبهم وأصلحوا أحوالهم وأحوال من تحت أيديهم وحرصوا على نشر الإسلام بصورة جلية ظاهرة، وبينوا محاسنه وحرصوا على التمسك به وتركوا للدولة شئونها، وكذلك تركوا لها تصرفاتها إذا لم تقبل منهم ولم يستطيعوا إصلاحها لكان في ذلك خير كثير، والأحوال تختلف بحسب المناسبات.

المقصود بحديث: (إنك لا تدري ماذا أحدثوا بعدك)

السؤال: يا فضيلة الشيخ أحسن الله إليك، ما توجيه حديث: (إنك لا تدري ماذا أحدثوا بعدك)، أهم الصحابة أم الأمة؟ الجواب: يدخل في ذلك الذين ارتدوا من بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم وقُتلوا في الردة، والذين قاتلهم الصحابة هم كثير، كما حصل في وقعة اليمامة، وكما حصل من كثير من الأعراب الذين ارتدوا، ويدخل في ذلك أيضاً الكثير من المبتدعة الذين كانوا مسلمين وعليهم علامات الإسلام، ويتوضئون وتظهر عليهم آثار الأمة: من كونهم عليهم الغرة والتحجيل وما أشبهه، ولكنهم مبتدعون بأي نوع من البدع، فيدخل في ذلك بدعة الخوارج، وبدعة القدرية، وبدعة الرافضة، وما أشبههم، فإنهم من الذين أحدثوا بدعاً بعد الصحابة؛ لأجل ذلك لا يكونون على الحق إلا من كان على سيرة الصحابة، ولما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الفرقة الناجية، قال: (هم من كانوا على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي).

حكم الصلاة والمؤذن يؤذن لخطبة الجمعة

السؤال: ما حكم صلاة ركعتين والمؤذن يؤذن الأذان الثاني يوم الجمعة؟ وهل ينتظر الإنسان حتى ينتهي المؤذن ويفرغ من الأذان أم يصلي ركعتين وهو يؤذن؟ الجواب: أنا أختار أنه يصلي وهو يؤذن حتى يتفرغ لاستماع الخطبة، فإن استماع الخطبة واجب وإجابة المؤذن سنة، فإذا دخل وهو يؤذن صلى ركعتين خفيفتين في حالة الأذان، وأجل إجابة المؤذن إلى ما بعد الأذان أو أجله إلى ما بعد الخطبة، ويستمع إلى الخطبة.

نصيحة عامة للشباب

السؤال: فضيلة الوالد حفظك الله! هل من نصيحة عامة لأبنائك الشباب؛ لأن مثلك قد مرت عليهم الأيام والسنون وأكسبتهم العلم والتجارب والمعارف، نسأل الله لنا ولك الخير والبركة في الجهد والعمر، وأن ينفع بك، فهل من كلمة تختم بها لأبنائك وتلاميذك؟ الجواب: أعتقد أنه قد مر بي مثل ما مر بهم، أو مر بكثير منهم أمور لم تخطر على بالي، ولم تمر بي، وأنهم إن شاء الله أهل تجربة وأهل معرفة، وأعتقد أيضاً أن كثيراً منهم يعرفون ما لا أعرف، ويستحضرون ما قد يغيب عني، ولكن مع ذلك نتواصى جميعاً بما أمر الله به وهو تقوى الله تعالى التي هي وصية الأولين والآخرين، قال تعالى: وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ [النساء:131]، ونعرف أن هذه الكلمة كلمة جامعة يدخل فيها الأعمال الخيرية فعلاً، وترك الأعمال السيئة والبعد عنها، ونتواصى أيضاً بتعلم العلم النافع وبالعمل به كما أمرنا الله بقوله: وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:3]. فيوصي بعضنا بعضاً بأن نعمل بالحق ونصبر على ما يصيبنا في ذات الله تعالى، ونتواصى أيضاً بأن ندعو إلى الله، فإذا من الله عليك بالهداية فلا تحتقر نفسك بأن تدعو إخوتك الذين تثق بأنهم يقبلون منك أو يتأثروا بك حتى ولو لم يكن هناك رجاء محقق، لكن لا تيأس من روح الله، ولا تقنط من رحمة الله، ولا تقل: الناس هالكون، ولا فائدة في كلامي، بل ادع إلى الله بقدر استطاعتك، ومن رأيت منه منكراً أي منكر ولو صغيراً ونبهته فقد يهديه الله تعالى على يديك، فيكون ذلك سبباً لنجاته وأجراً لك وثواباً عظيماً، وسواء كان ذلك من المسلمين أو من الكفار، فلا تحتقر إذا رأيت كافراً أو عاصياً أن تنصحه بأدنى نصيحة، حتى ولو كان عاصياً بأقل معصية، فربما يتأثر وينتفع ولو أنها من صغائر الذنوب. فلو رأيت -مثلاً- من يدخن ونبهته على تحريم الدخان ومفاسده فقد ينتبه لذلك ويتذكر، ولو رأيت -مثلاً- من يحلق لحيته ونبهته ونصحته، فربما يتأثر ويعرف أن هذا حق، وإذا نصحه إنسان ثم نصحه في اليوم الثاني آخر ثم في الثالث، ثم تواترت عليه وتوالت عليه النصائح فسيكون خجلاً وسيستحيي من أن يظهر أمام من ينكر عليه ممن هو مثله أو ممن هو دونه، وكذلك أيضاً نتواصى مع بعضنا بأن نتمسك بالكتاب والسنة في جميع أحوالنا. وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. والحمد لله رب العالمين.