خطب ومحاضرات
شرح عمدة الفقه - كتاب المناسك [5]
الحلقة مفرغة
قال المؤلف رحمه الله تعالى في باب محظورات الإحرام: [ الخامس: الطيب في بدنه وثيابه ].
تقدم لنا شيءٌ من محظورات الإحرام، وتكلمنا على حلق الشعر وهل هو خاص بالرأس أو أنه شامل لسائر أجزاء البدن؟ وتكلمنا أيضاً متى تجب الفدية، وكذلك أيضاً تكلمنا عن تقليم الأظفار، وهل هو من المحظورات أو ليس من المحظورات، وتكلمنا أيضاً عن لبس المخيط وما هو ضابطه والصور الداخلة تحته، وكذلك أيضاً تكلمنا عن تغطية الرأس.
ثم شرع المؤلف رحمه الله في المحظور الخامس قال: (الطيب في بدنه وثيابه).
الطيب هذا من محظورات الإحرام، وقد دل لذلك حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يلبس المحرم ثوباً مصبوغاً بزعفرانٍ أو ورس )، وأيضاً حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الذي وقصته راحلته: ( اغسلوه بماءٍ وسدر ولا تقربوه طيباً ) وهذا رواه مسلم في صحيحه.
والأئمة الأربعة كلهم متفقون على أن الطيب من محظورات الإحرام وإن كانوا يختلفون في بعض تفاصيله.
وضابط الطيب -الذي هو من محظورات الإحرام- عند جمهور أهل العلم رحمهم الله قالوا: كل ما يتخذ منه الطيب إذا ظهر منه قصد الريح.
واعلم أن التطيب للمحرم تحته صور:
الصورة الأولى: قال المؤلف رحمه الله: (في بدنه وثيابه).
هذه الصورة الأولى، فهذا من محظورات الإحرام وتقدم لنا حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يلبس المحرم ثوباً مصبوغاً بزعفران أو ورس )، وكذلك أيضاً تقدم لنا حديث ابن عباس في الذي وقصته راحلته فقال عليه الصلاة والسلام: ( اغسلوه ولا تقربوه طيباً ولا تغطوا وجهه ) .
ولا شك أن قوله: (ولا تقربوه طيباً) أن هذا يشمل حتى البدن، يعني: ثياب الميت وبدنه كله داخل تحت قول النبي عليه الصلاة والسلام: ( ولا تقربوه طيباً ). فهذه الصورة الأولى: استعمال الطيب في البدن وفي الثياب.
الصورة الثانية: استعمال الطيب في الطعام، فهذا أيضاً من محظورات الإحرام إلا إذا طبخ بحيث ذهب ريحه وطعمه فإنه لا شيء فيه؛ لأنه لا يعد طيباً، فنقول: الصورة الثانية كما لو وضع زعفراناً في مشروبه أو مأكوله ونحو ذلك، فنقول بأن هذا من محظورات الإحرام إلا إذا طبخ فلم يبق شيء من طعمه ولا من ريحه فإن هذا لا بأس به.
الصورة الثالثة: إذا استعمله في فراشه الذي يجلس عليه أو ينام عليه فهذا أيضاً داخل عند أهل العلم رحمهم الله، وقد نص عليه طوائف من أهل العلم على أنه داخل في محظورات الإحرام.
الصورة الرابعة: أن يتقصد شم الطيب، فهذا أيضاً من محظورات الإحرام؛ لأن المقصود من الطيب رائحته لا عينه، فإذا شمه فقد حصل المقصود وهذا المذهب، وعند أكثر أهل العلم رحمهم الله أنه لا يحرم بل يُكره، لكن الشافعية قالوا: إن تبخر فعليه الفدية.
الصورة الخامسة: أن يشمه لا لقصد التلذذ برائحته وإنما شمه لقصد آخر، كما لو أراد استعلام جودته يعني: يريد أن يشتريه فأراد أن يستعلم جودته هل هو جيد أو ليس جيداً، فهذا موضع خلاف بين أهل العلم رحمهم الله، وابن القيم رحمه الله يذهب إلى أنه ليس فيه شيء؛ لأنه ما قصد الرائحة والتلذذ بالرائحة وإنما قصد أن يستعمله.
الصورة الأخيرة: إذا شمه بغير قصد، مثلاً مر مع دكان عطار ونحو ذلك فشم الطيب بغير قصد منه فهذا لا شيء عليه.
ثم قال المؤلف رحمه الله: [السادس: قتل الصيد، وهو ما كان وحشياً مباحاً].
قتل الصيد دل عليه القرآن والسنة والإجماع:
أما القرآن فقول الله عز وجل: أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ [المائدة:1] وأيضاً قال الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ [المائدة:95] .
وأما من السنة فحديث جابر رضي الله تعالى عنه، وكذلك أيضاً حديث أبي قتادة وحديث الصعب بن جثامة لما أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم حماراً وحشياً فرده النبي عليه الصلاة والسلام وقال: ( إنا لا نرده عليك إلا أنا حرم ) وأيضاً حديث أبي قتادة لما صاد الحمار الوحشي وهو غير محرم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه وكانوا محرمين: ( هل منكم أحد أمر أو أشار إليه بشيء؟ قالوا: لا، قال: فكلوا ما بقي من لحمها ) وهذا رواه البخاري ومسلم .
والإجماع منعقد على ذلك.
شروط الصيد المحرَّم قتله
الشرط الأول: أن يكون وحشياً، يعني: أن يكون برياً أصلاً، يعني: أصله وحشي حتى ولو تأهل، فإنه لا يجوز للمحرم أن يقتله، وذلك، مثل: الغزال والظباء وحمار الوحش ونحو ذلك، فهذه الأشياء أصلها وحشية، فإذا قتلها المحرم فعليه الفدية ولا يجوز ذلك حتى ولو تأهلت، يعني: حتى ولو كان عندنا غزال وأصبحت أهلية واستأنست فإنه لا يجوز أن يقتلها.
وقوله رحمه الله: (وحشياً) هذا يخرج الأهلي كما سيأتي، مثل: الإبل والبقر والغنم ونحو ذلك، فمثل هذه الأشياء لا تحرم على المحرم -كما سيأتي في كلام المؤلف رحمه الله- أما المحرم فكما تقدم فلا يجوز له قتل الوحشي حتى ولو تأهل، وضربنا مثالاً فقلنا: كالغزال وكحمار الوحش وكالحمام أيضاً وكالبط؛ لأن هذه الأشياء أصلها وحشي، فهي متوحشة حتى ولو تأهلت، فإن التحريم لا يزال باقياً. وهذا الشرط الأول.
الشرط الثاني: قوله رحمه الله: (مباحاً)، وعلى هذا إذا قتل حيواناً غير مباح فإنه لا شيء في ذلك، فلو قتل المحرم أسداً أو قتل نمراً أو قتل ذئباً ونحو ذلك فإن هذا لا شيء فيه.
أقسام الحيوانات بالنسبة لإباحة القتل وعدم إباحته
القسم الأول: ما يشرع قتله -أي: ما أمر الشارع بقتله- وهو كل مؤذٍ، فهذا يستحب لك أن تقتله، ومن ذلك ما جاء في قول النبي عليه الصلاة والسلام: ( خمس فواسقٍ يقتلن في الحل والحرم: الفأرة، والحدأة، والحية، والكلب العقور، والغراب الأبقع ) وفي بعض الروايات: العقرب. فهذه أمر الشارع بقتلها فيشرع أن تقتلها؛ بل هو سنة، ومثل ذلك أيضاً: الوزغ، أمر الشارع بقتله، ومثل ذلك أيضاً: الكلب الأسود -الذي سواده خالص- فهذا أمر الشارع بقتله، فالكلاب ثلاثة: كلب عقور هذا سن قتله، والكلب الأسود أيضاً رخص الشارع في قتله، وما عدا هذين الكلبين يدخل في القسم الثالث -الذي سيأتينا- وهو ما سكت عنه.
إذاً القسم الأول: ما أمر الشارع بقتله وهو ما كان مؤذياً، فهذا نقول: السنة أن يقتل وذكرنا لذلك أمثلة.
القسم الثاني: ما نهى الشارع عن قتله، وهذا كما في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل النملة والنحلة والهدهد والصرد ) أخرجه أبو داود . فنقول بأنه لا يجوز قتل هذه الأشياء اللهم إلا إذا كانت مؤذية، يعني: إذا أصبحت تؤذي فإنها تنتقل إلى القسم الأول.
القسم الثالث: ما سكت الشارع عنه، مثل: البعوض، فإن كان البعوض مؤذياً دخل في القسم الأول، لكن مثل الخنفساء أو الجعل أو الفراشة، والقسم الثالث من أقسام الكلاب وهو ما ليس أسود وليس عقوراً، فهذه الأشياء التي لا تؤذي سكت عنها الشارع، فهي ليست مؤذية، أما إذا كانت مؤذية فتنتقل إلى القسم الأول ولم ينه الشارع عن قتلها، فالتي سكت الشارع عنها هل تقتل أو لا تقتل؟
هذا موضع خلاف بين أهل العلم رحمهم الله: فمن العلماء من رخص في قتلها، ومنهم من نهى عن قتلها، والأحوط ترك قتلها؛ لأنها لم تخلق إلا لحكمة إلا إذا آذت فإنها تنتقل إلى القسم الأول.
حكم الصيد الذي قتله المحرم
المسألة الأولى: حكم الصيد الذي قتله المحرم، نقول: حكم الصيد الذي قتله المحرم أنه ميتة لا يجوز أن يؤكل، ودليل ذلك قول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ [المائدة:95] فسماه الله عز وجل قتلاً ولم يسمه تذكيةً، فدل ذلك على أنه يكون ميتة، والقتل لا تحل به البهيمة، فالبهيمة المأكولة لا تحل إلا بتذكيتها.
أكل المحرم من صيد قتله غيره
إذاً: الصيد الذي قتله حلال مباح؛ لكن هل للمحرم أن يأكل منه؟ نقول: إن كان للمحرم أثر في صيده بحيث أعان بدلالة أو بمناولة سلاح أو بإشارة ونحو ذلك فلا يجوز له أن يأكل منه، ودليل ذلك ما تقدم من حديث أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( هل منكم أحد أمر أو أشار إليه بشيء؟ قالوا: لا، قال: فكلوا ما بقي من لحمه ) متفق عليه.
فإن لم يكن للمحرم أثر في صيده فهل له أن يأكل منه أو ليس له أن يأكل منه؟ هذا موضع خلاف بين أهل العلم رحمهم الله، والصواب في هذه المسألة ما تجتمع فيها الأدلة: أنه إن صيد من أجل المحرم فليس له أن يأكل منه، وإن لم يصد من أجله فله أن يأكل منه.
والدليل على ذلك حديث الصعب بن جثامة أنه أهدى للنبي عليه الصلاة والسلام حماراً وحشياً فرده النبي عليه الصلاة والسلام، فلما رأى ما في وجهه قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( إنا لم نرده عليك إلا أنَّا حرم ) هذا حمله العلماء رحمهم الله على أن الصعب صاده للنبي عليه الصلاة والسلام، وإن كان لم يصد من أجله فكما تقدم في حديث أبي قتادة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( كلوا ما بقي من لحمها ) .
وفي حديث جابر رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( صيد البر حلال لكم ما لم تصيدوه أو يصد لكم ) وهذا أخرجه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وفيه ضعف، لكن له شاهد من حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما وبهذا تجتمع الأدلة.
وهذا القول الذي عليه أكثر أهل العلم التفصيل، وهذا هو أحسن الأقوال خلافاً لمن منع من ذلك ومن أجاز؛ فمنع من ذلك بعض السلف مثل الثوري رحمه الله، فقال: لا يجوز أن يأكل المحرم من الصيد مطلقاً، ومن أجاز ذلك كالحنفية قالوا: يجوز أن يأكل من الصيد مطلقاً، والصحيح في ذلك الذي عليه أكثر أهل العلم التفصيل في هذه المسألة.
ضمان المحرم للصيد الذي أعان على قتله
المحرم عليه إذا باشر قتله فعليه الضمان هذه مسألة، والثانية: إذا لم يباشر قتله، وإنما دل غيره كأن أعان على قتله بدلالة ونحو ذلك، فهل عليه ضمان أو ليس عليه ضمان؟ نقول: إذا دل غيره لا يخلو من أمرين:
الأمر الأول: أن يدل محرماً أو يعين محرماً بدلالة أو مناولة سلاح أو غير ذلك، فالمحرم هو الذي قتل، فعلى من الضمان: هل الضمان على المباشر، أو الضمان على المباشر والمتسبب؟ عندنا الآن محرم دل محرماً على القتل فقام المحرم بالقتل، فعندنا إنسان تسبب وإنسان باشر، فهذه موضع خلاف بين أهل العلم رحمهم الله، والصحيح في هذه المسألة: أن الضمان على المباشر، وأما المتسبب فإنه يأثم، وهذا قول الإمام مالك رحمه الله والشافعي، والمذهب: أن الضمان عليهما جميعاً، وعند أبي حنيفة على كل منهم جزاء كامل.
والصحيح ما ذهب إليه مالك والشافعي ؛ لأن القاعدة في التضمين: أن الضمان يكون على المباشر إذا أمكن تضمينه، فإن لم يمكن تضمينه فنرجع إلى المتسبب.
الأمر الثاني: أن يدل المحرم حلالاً على قتله، فالمحرم يأثم وهذا الصيد حلال؛ لأن الذي قتله حلال، وليس له أن يأكل منه، والضمان على من؟ هذا موضع خلاف، والصحيح في هذه المسألة أن الضمان على المحرم الذي دل الحلال. والحلال هل يمكن تضمينه أو لا يمكن تضمينه؟ نقول: لا يمكن تضمينه؛ لأنه يباح له الصيد، فنقول: الضمان هنا على المحرم؛ لأن الحلال لا يمكن تضمينه، والقاعدة أنه يضمن المباشر، فإذا لم نتمكن من تضمين المباشر فإننا نرجع إلى تضمين المتسبب، وهنا لا يمكن تضمين المباشر. وهذا قال به الحنفية والحنابلة رحمهم الله.
وعند مالك والشافعي أنه لا شيء على المحرم لأنه لم يقتله، والصحيح ما ذهب إليه الحنفية والحنابلة أنه يلزم المتسبب؛ لأن المباشر لا يمكن تضمينه في هذه الحال.
أكل المحرم من الأهلي وصيد البحر
نحن اشترطنا للصيد أن يكون برياً، وعلى هذا فالأهلي، مثل: الدجاج والإبل والبقر والغنم، ليست محرمة؛ لأنها ليست بصيد، والنبي عليه الصلاة والسلام كان ينحر البدن في إحرامه، فهذه الأشياء ليست صيداً، والله عز وجل إنما نهى عن الصيد، فنقول بأنها حلال، وعلى هذا لو ذكى المحرم دجاجةً نقول بأنها حلال، ولو ذكى شاةً نقول بأنها حلال، لكن لو ذكى غزالةً أو لو أمسك غزالة وكبر عليها وذكاها، فنقول بأنها ميتة.
قال رحمه الله: [وأما صيد البحر فمباح] فلو أن إنساناً أحرم ثم ذهب إلى جدة وأتى سيف البحر وجعل يصيد السمك، فنقول بأن هذا جائز ولا بأس به؛ لقول الله عز وجل: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً [المائدة:96]. فالمحرم هو صيد البر، أما صيد البحر فإن هذا جائز ولا بأس به.
وظاهر كلام المؤلف رحمه الله أن صيد البحر مباح حتى ولو كان بمكة، يعني: لو كان هناك بركة فيها سمك في مكة وصاد فإن ذلك مباح، وهذا خلاف المذهب، فالمذهب أن صيد البحر فيه تفصيل؛ بالنسبة للمحرم مباح، وبالنسبة إذا كان داخل مكة -داخل الحرم- فإنه لا يجوز.
واشترط المؤلف رحمه الله فقال: (وهو ما كان وحشياً مباحاً):
الشرط الأول: أن يكون وحشياً، يعني: أن يكون برياً أصلاً، يعني: أصله وحشي حتى ولو تأهل، فإنه لا يجوز للمحرم أن يقتله، وذلك، مثل: الغزال والظباء وحمار الوحش ونحو ذلك، فهذه الأشياء أصلها وحشية، فإذا قتلها المحرم فعليه الفدية ولا يجوز ذلك حتى ولو تأهلت، يعني: حتى ولو كان عندنا غزال وأصبحت أهلية واستأنست فإنه لا يجوز أن يقتلها.
وقوله رحمه الله: (وحشياً) هذا يخرج الأهلي كما سيأتي، مثل: الإبل والبقر والغنم ونحو ذلك، فمثل هذه الأشياء لا تحرم على المحرم -كما سيأتي في كلام المؤلف رحمه الله- أما المحرم فكما تقدم فلا يجوز له قتل الوحشي حتى ولو تأهل، وضربنا مثالاً فقلنا: كالغزال وكحمار الوحش وكالحمام أيضاً وكالبط؛ لأن هذه الأشياء أصلها وحشي، فهي متوحشة حتى ولو تأهلت، فإن التحريم لا يزال باقياً. وهذا الشرط الأول.
الشرط الثاني: قوله رحمه الله: (مباحاً)، وعلى هذا إذا قتل حيواناً غير مباح فإنه لا شيء في ذلك، فلو قتل المحرم أسداً أو قتل نمراً أو قتل ذئباً ونحو ذلك فإن هذا لا شيء فيه.
واعلم أن الحيوانات بالنسبة للقتل وغير القتل يعني: ما يباح قتله وما لا يباح قتله، نقول بأنها تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: ما يشرع قتله -أي: ما أمر الشارع بقتله- وهو كل مؤذٍ، فهذا يستحب لك أن تقتله، ومن ذلك ما جاء في قول النبي عليه الصلاة والسلام: ( خمس فواسقٍ يقتلن في الحل والحرم: الفأرة، والحدأة، والحية، والكلب العقور، والغراب الأبقع ) وفي بعض الروايات: العقرب. فهذه أمر الشارع بقتلها فيشرع أن تقتلها؛ بل هو سنة، ومثل ذلك أيضاً: الوزغ، أمر الشارع بقتله، ومثل ذلك أيضاً: الكلب الأسود -الذي سواده خالص- فهذا أمر الشارع بقتله، فالكلاب ثلاثة: كلب عقور هذا سن قتله، والكلب الأسود أيضاً رخص الشارع في قتله، وما عدا هذين الكلبين يدخل في القسم الثالث -الذي سيأتينا- وهو ما سكت عنه.
إذاً القسم الأول: ما أمر الشارع بقتله وهو ما كان مؤذياً، فهذا نقول: السنة أن يقتل وذكرنا لذلك أمثلة.
القسم الثاني: ما نهى الشارع عن قتله، وهذا كما في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل النملة والنحلة والهدهد والصرد ) أخرجه أبو داود . فنقول بأنه لا يجوز قتل هذه الأشياء اللهم إلا إذا كانت مؤذية، يعني: إذا أصبحت تؤذي فإنها تنتقل إلى القسم الأول.
القسم الثالث: ما سكت الشارع عنه، مثل: البعوض، فإن كان البعوض مؤذياً دخل في القسم الأول، لكن مثل الخنفساء أو الجعل أو الفراشة، والقسم الثالث من أقسام الكلاب وهو ما ليس أسود وليس عقوراً، فهذه الأشياء التي لا تؤذي سكت عنها الشارع، فهي ليست مؤذية، أما إذا كانت مؤذية فتنتقل إلى القسم الأول ولم ينه الشارع عن قتلها، فالتي سكت الشارع عنها هل تقتل أو لا تقتل؟
هذا موضع خلاف بين أهل العلم رحمهم الله: فمن العلماء من رخص في قتلها، ومنهم من نهى عن قتلها، والأحوط ترك قتلها؛ لأنها لم تخلق إلا لحكمة إلا إذا آذت فإنها تنتقل إلى القسم الأول.
بالنسبة لقتل الصيد ذكرنا الدليل عليه، وقتل الصيد تحته مسائل:
المسألة الأولى: حكم الصيد الذي قتله المحرم، نقول: حكم الصيد الذي قتله المحرم أنه ميتة لا يجوز أن يؤكل، ودليل ذلك قول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ [المائدة:95] فسماه الله عز وجل قتلاً ولم يسمه تذكيةً، فدل ذلك على أنه يكون ميتة، والقتل لا تحل به البهيمة، فالبهيمة المأكولة لا تحل إلا بتذكيتها.
استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن علي المشيقح - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
شرح عمدة الفقه - كتاب الصلاة [22] | 2513 استماع |
شرح عمدة الفقه - كتاب الزكاة [1] | 2461 استماع |
شرح عمدة الفقه - كتاب الطهارة [4] | 2439 استماع |
شرح عمدة الفقه - كتاب الصلاة [12] | 2420 استماع |
شرح عمدة الفقه - كتاب الصلاة [2] | 2394 استماع |
شرح عمدة الفقه - كتاب الصلاة [14] | 2349 استماع |
شرح عمدة الفقه - كتاب الطهارة [2] | 2348 استماع |
شرح عمدة الفقه - كتاب النكاح [1] | 2310 استماع |
شرح عمدة الفقه - كتاب الصلاة [23] | 2303 استماع |
شرح عمدة الفقه - كتاب الزكاة [6] | 2298 استماع |