شرح عمدة الفقه - كتاب الصلاة [13]


الحلقة مفرغة

تقدم لنا في الدرس السابق الضرب الرابع من صلاة التطوع مما تسن له الجماعة، وتكلمنا في هذا الضرب عن صلاة التراويح، وعرّفناها في اللغة والاصطلاح، وأن حكمها سنة، وذكرنا دليل ذلك، ثم بعد ذلك تطرق المؤلف رحمه الله إلى عدد ركعاتها، وذكر أن عدد ركعاتها عشرون ركعة.

وقلنا: بأن هذا هو قول الإمام أحمد والشافعي وأبي حنيفة ، وأن الإمام مالك رحمه الله يرى أن عدد ركعاتها ست وثلاثون ركعة من غير الوتر، وأن بعض أهل العلم ذهب إلى أنها إحدى عشرة, وقيل: ثلاث عشرة.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: كل ذلك حسن فيكون تكثير الركعات وتقليلها بحسب طول القيام والسجود والقراءة وقصر ذلك.

وأيضاً تكلمنا عن صلاة الكسوف، وذكرنا حكمها، وما يتعلق بصفاتها… إلى آخره.

وأيضاً تكلمنا هل يصلى بآية أخرى غير الكسوف؟ وأن العلماء اختلفوا في ذلك على ثلاثة آراء:

الرأي الأول: أنه يصلى للزلزلة، إذا حصلت زلزلة في الأرض فإنه يصلى كما يصلى للكسوف، وهذا قال به الإمام أحمد رحمه الله لورود ذلك عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم.

والرأي الثاني: أنه لا يصلى إلا للكسوف، وهذا قال به مالك والشافعي ؛ لأن شيئاً من هذه الآيات وجد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ومع ذلك لم يرد أن النبي عليه الصلاة والسلام صلى إلا للكسوف.

والرأي الثالث: رأي أبي حنيفة رحمه الله واختار شيخ الإسلام : أنه يصلى لكل آية فيها تخويف؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، يخوف الله بهما عباده ) إلى آخره.

وبقي علينا من أحكام صلاة الكسوف: إذا تجلى الكسوف وهو في الصلاة فإنه يتمها خفيفة، ويدل لذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي مسعود : ( فصلوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم ) أخرجاه في الصحيحين.

فإذا ذهب الكسوف وهو في الصلاة فإنه يتمها الإمام على صفتها خفيفةً.

كذلك أيضاً إذا انتهت الصلاة ولم يتجل الكسوف فإنه يستحب أن يكثر من الاستغفار والذكر من التهليل والتسبيح إلى آخره، يعني يستحب أن يستغفر الإنسان، يكثر من الاستغفار ومن الذكر والتهليل والتسبيح والتحميد حتى يتجلى الكسوف؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام أمر بذلك، فأمر بالفزع إلى ذكر الله واستغفاره.

وهل تكرر الصلاة مرةً أخرى أو لا تكرر؟

الصواب أنها لا تكرر، إذ لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى إلا مرةً واحدة.

ويستحب أيضاً في صلاة الكسوف التوبة، وكذلك أيضاً الصدقة، وكذلك أيضاً العتق لأمر النبي عليه الصلاة والسلام بذلك.

قال المؤلف رحمه الله: [الثالث: صلاة الاستسقاء، وإذا أجدبت الأرض واحتبس القطر خرج الناس مع الإمام متخشعين متبذلين متذللين متضرعين..] إلى آخره.

هذا النوع الثالث مما تسن له الجماعة من صلاة التطوع: صلاة الاستسقاء، والاستسقاء استفعال بمعنى: طلب السقيا.

وأما في الاصطلاح: فهو التعبد لله عز وجل بطلب السقيا بالصلاة على وجه مخصوص، والأصل في الاستسقاء السنة، ففي حديث عبد الله بن زيد رضي الله تعالى عنه في الصحيحين: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يستسقي، فاستقبل القبلة يدعو، وحول رداءه، وصلى ركعتين )، وكذلك أيضاً حديث أبي هريرة وحديث عائشة وغير ذلك من الأحاديث.

صفات الاستسقاء

واعلم أن الاستسقاء ورد على ثلاثة أوجه:

الوجه الأول: الاستسقاء بالصلاة المعروفة، فيخرج الإمام إذا حصل سبب الاستسقاء من انقطاع الأمطار، وقحط الديار، وغور العيون والآبار، فإنه يخرج الإمام ويخرج معه الناس فيصلون صلاة الاستسقاء.

وهذا قال به جمهور أهل العلم رحمهم الله خلافاً لـأبي حنيفة ، فإن أبا حنيفة رحمه الله لا يرى الصلاة، وإنما يرى أن يخرج الناس للدعاء فقط دون الصلاة، وهذا لا شك أنه ضعيف؛ لأن السنة ثابتة في ذلك كما في حديث عبد الله بن زيد رضي الله تعالى عنه في الصحيحين ( أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يستسقي، فاستقبل القبلة يدعو، وحول رداءه وصلى )، ولعل عذر أبي حنيفة رحمه الله أن الحديث لم يبلغه.

الوجه الثاني: الاستسقاء في صلاة الجمعة في الخطبة، فإنه يستحب للإمام أن يدعو الله عز وجل بنزول المطر إذا حصل سببه كما تقدم من جدب الديار، وانقطاع الأمطار، وغور مياه العيون والأنهار؛ ويدل لذلك ما ثبت أيضاً في الصحيحين من حديث أنس رضي الله تعالى عنه ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب الجمعة، فدخل رجل فقال: يا رسول الله! هلكت الأموال، وانقطعت السبل، وجاع العيال، فادع الله أن يسقينا، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه وقال: اللهم أغثنا.. اللهم أغثنا.. اللهم أغثنا.. فلم ينزل النبي صلى الله عليه وسلم من المنبر إلا والمطر يتحدر من لحيته عليه الصلاة والسلام ).

الوجه الثالث من وجوه الاستسقاء: الدعاء المجرد، دون أن يرتبط بصلاة أو بخطبة، فيستحب للمسلمين عموماً إذا حصل سبب الاستسقاء أن يفزعوا إلى الله عز وجل بالدعاء، أن يدعوا الله عز وجل بنزول المطر في صلواتهم، وفي خلواتهم، وأن يبتهلوا إلى الله عز وجل صغاراً وكباراً، ذكوراً وإناثاً؛ لورود ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.

فيستحب إذا انقطعت الأمطار أن يفزع المسلم، وأن يدعو الله عز وجل في صلاته وخارج الصلاة، وفي أوقات إجابة الدعاء: الرجال والنساء، الذكور والإناث الصغار والكبار، فإن هذا سنة.

حكم صلاة الاستسقاء

واعلم أن صلاة الاستسقاء سنة إذا وجد سببها، أما إذا لم يوجد السبب فإنها بدعة، فإذا وجد سببها من انقطاع الأمطار وغور مياه العيون والأنهار فإنها تكون سنةً، أما إذا لم يكن هناك حاجة إلى الاستسقاء لم يكن هناك حاجة إلى طلب السقيا إلى طلب الغيث كأن تكون البلاد أمطرت… إلى آخره، فإن صلاة الاستسقاء غير مشروعة.

كيفية صلاة الاستسقاء

قال المؤلف رحمه الله: [وإذا أجدبت الأرض واحتبس القطر خرج الناس مع الإمام متخشعين متبذلين متذللين متضرعين].

ويدل لذلك حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج في الاستسقاء متضرعاً متبذلاً متذللاً متخشعاً )، فيستحب للناس إذا خرجوا في الاستسقاء أن يخرجوا وعليهم الخشوع والذل.

وقول المؤلف رحمه الله: (متبذلين) يعني: يخرجون في ثيابهم العادية، فلا يلبسون أحسن ثيابهم وإنما يخرجون في الثياب البذلة، يعني: الثياب التي تبتذل، فيخرجون على هيئتهم وفي ثيابهم العادة، ولا يطلبون ثياباً جميلةً كما يطلب ذلك في صلاة العيد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كما سبق في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما خرج متبذلاً.

قال المؤلف رحمه الله: [فيصلي بهم ركعتين كصلاة العيد].

ودليل ذلك حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: ( سنة الاستسقاء سنة العيدين )، فيصلي الإمام ركعتين كما يصلي في العيدين، وعلى هذا يكبر في الركعة الأولى سبع تكبيرات مع تكبيرة الإحرام، الزوائد تكون ستة، فيكبر تكبيرة الإحرام ويزيد على ذلك، سبع تكبيرات كما سيأتي بيانه إن شاء الله في صلاة العيدين.

وأما في الركعة الثانية فإنه يكبر خمس تكبيرات سوى تكبيرة الانتقال، هذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله، وذهب الشافعي رحمه الله تعالى إلى أنه يكبر في الركعة الأولى سبع تكبيرات سوى تكبيرة الإحرام، وعلى هذا يكبر في الركعة الأولى مع تكبيرة الإحرام ثمان ركعات، وأما الركعة لثانية فيكبر فيها خمس ركعات سوى تكبيرة الانتقال، وقيل: بأنها تكبيرات ثلاث، يكبر في الأولى ثلاث زوائد، وفي الثانية ثلاث كما ذهب إليه أبو حنيفة ، وقيل: أربع.. إلى آخره، وسيأتي إن شاء الله بيان هذه الأقوال في صلاة العيدين.

المهم أن سنة الاستسقاء كصلاة العيدين، ويقرأ في الركعة الأولى ما يقرأ الإمام في صلاة العيدين، والإمام يقرأ في صلاة العيدين إما بسبح والغاشية، أو يقرأ بسورة (ق) وسورة: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ [القمر:1] .

الخطبة في صلاة الاستسقاء

قال المؤلف رحمه الله: [ثم يخطب بهم خطبةً واحدة].

هنا صلاة الاستسقاء خالفت صلاة العيدين فيما يتعلق بالخطبة، فقال المؤلف رحمه الله: (خطبةً واحدة)، لا يخطب خطبتين في الاستسقاء وإنما يخطب خطبة واحدة؛ لأن هذا هو الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وأما بالنسبة لصلاة العيدين فإنه يخطب فيها خطبتين على المشهور من مذهب الحنابلة كما سيأتينا إن شاء الله، فصلاة الاستسقاء خطبة واحدة، وصلاة العيدين خطبتان على المشهور من مذهب الإمام أحمد ، كذلك أيضاً هنا قول المؤلف: (ثم يخطب بهم خطبةً واحدة) كصلاة العيدين، يبدأ أولاً بالصلاة، ثم بعد ذلك يخطب؛ لقول ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: ( سنة الاستسقاء سنة العيدين ).

وقال بعض العلماء: بل يقدم الخطبة كصلاة الجمعة، قال بعض العلماء: صلاة الاستسقاء كصلاة الجمعة يبدأ الإمام أولاً بالخطبة، ثم بعد ذلك بالصلاة، فهذان رأيان:

الرأي الأول: ما ذهب إليه المؤلف: أنه يبدأ بالصلاة كصلاة العيدين، ثم يصلي، ثم يخطب؛ ودليله حديث ابن عباس : ( سنة الاستسقاء سنة العيدين )، والعيدان يبدأ بالصلاة أولاً ثم بعد ذلك بالخطبة هكذا ورد في السنة.

وقال بعض العلماء: بل الاستسقاء كصلاة الجمعة يبدأ أولاً بالخطبة، ثم بعد ذلك بالصلاة، واستدلوا على ذلك بحديث عبد الله بن زيد رضي الله تعالى عنه، فإنه قال: ( خرج النبي صلى الله عليه وسلم يستسقي، فاستقبل القبلة يدعو، وحول رداءه، وصلى ركعتين )، فظاهر هذا أن النبي عليه الصلاة والسلام بدأ بالخطبة قبل الصلاة، وأيضاً أصح من ذلك حديث عائشة في سنن أبي داود : ( أن النبي عليه الصلاة والسلام لما طلعت الشمس خرج وقد وضع له المنبر فصعد المنبر وخطب ثم بعد ذلك صلى ).

والصحيح في هذه المسألة أن يقال: بأن السنة وردت بهذا وفي هذا، فيستحب للإمام أنه تارة يخطب قبل الصلاة، وتارةً يصلي ثم يخطب لكي يفعل السنة الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم كلها، فتارةً يصلي كهيئة الجمعة، وتارةً يصلي كهيئة العيدين لورود ذلك كله عن النبي عليه الصلاة والسلام.

الإكثار من الاستغفار في الاستسقاء

قال المؤلف رحمه الله: [ويكثر فيها من الاستغفار، وتلاوة الآيات التي فيها الأمر به].

يكثر في صلاة الاستسقاء من الاستغفار، وأيضاً الدعاء بطلب السقي، وتخويف العباد، وأمرهم بالرجوع، وتذكيرهم أن احتباس القطر إنما هو بسبب الذنوب والمعاصي.. إلى آخره.

وهذا أيضاً ما تفارق به خطبة العيدين خطبة الاستسقاء، فإن خطبة العيدين تخالف خطبة الاستسقاء، وخطبة العيدين يكون الموضوع فيها مناسباً لحال الناس، وأما بالنسبة لخطبة لاستسقاء فإنه يكثر فيها كما ذكر المؤلف رحمه الله من الاستغفار، وتلاوة الآيات التي فيها الأمر به.

تحويل الأردية في الاستسقاء

قال المؤلف رحمه الله: [ويحول الناس أرديتهم].

تحويل الأردية اختلف أهل العلم رحمهم الله في موضعه، فقال بعض العلماء: يحول الرداء في أثناء الخطبة، في أثناء الخطبة يحول الإمام رداءه، ثم بعد ذلك يحول الناس أرديتهم.

وقال بعض العلماء: يكون تحويل الرداء بعد نهاية الخطبة.

والأمر في هذا واسع كله، المهم أن يحول المصلي رداءه، يسن له أن يحول رداءه، فإذا كان يلبس إزاراً ورداءً فإنه يحول الرداء بحيث يجعل الأيمن موضع الأيسر، والأيسر موضع الأيمن، وإن كان يلبس عباءةً فإنه يحول عباءته، وإن كان يلبس عمامةً أو غترةً يحول، والحكمة من ذلك التفاؤل بتحول الحال من القحط إلى الخصب، ومن انقطاع الأمطار والبركات إلى نزولها.

قال: (ويحول الناس أرديتهم). قلنا: بأن تحويل الرداء إما أن يكون في وسط الخطبة، وإما أن يكون في نهاية الخطبة، وفي نهاية الخطبة يستقبل الإمام القبلة ويدعو الله عز وجل سراً.

خروج أهل الذمة مع المسلمين للاستسقاء

قال المؤلف رحمه الله: [وإن خرج معهم أهل الذمة لم يمنعوا، ويؤمرون أن ينفردوا عن المسلمين].

يعني: إذا خرج أهل الذمة للصلاة فإنهم لا يمنعون؛ لأن القطر هذا رحمة من الله عز وجل، وكل محتاج إلى رحمة الله عز وجل، والله عز وجل رحم الناس رحمةً عامة، الرحمة العامة هذه شملت كل الناس المؤمن والكافر، فحتى الكفار رحمهم الله عز وجل رحمةً عامة، فهيأ لهم أسباب الرزق والمعاش وما يكون به قوتهم، وحتى الحيوان رحمه الله عز وجل رحمةً عامة.

وأما الرحمة الخاصة فهذه خاصة بالمؤمنين، وهذه الرحمة تختلف، وكلما كان الإنسان أكثر تقىً وورعاً وفقهاً في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم كانت رحمته وأخذه من هذه الرحمة الخاصة أكثر.

المهم أنه إذا أراد أهل الذمة أن يخرجوا للاستسقاء فإنه لا بأس بذلك ويخرجون، لكن يمنعون من أمرين:

الأمر الأول: أن يكونوا مع المسلمين، يمنعون من الخروج مع المسلمين.

والأمر الثاني: يمنعوا من أن ينفردوا بيوم، فلا ينفردون بيوم مستقل، وإنما يكون خروجهم زمن خروج المسلمين، ويكون لهم مكان يجتمعون فيه يسألون الله عز وجل القطر، وأيضاً لا يكونون مع المسلمين.

مدة بقاء الأردية بعد تحويلها

بقي علينا من المسائل عن صلاة الاستسقاء متى يغير المصلي رداءه؟ ذكرنا أنه يشرع للمصلي أن يحول رداءه، فمتى يغيره؟

قال العلماء رحمهم الله: يتركونه حتى ينزعوه، فنقول: بأن الإنسان إذا غير رداءه وحوله فإنه يتركه على هيئته إلى أن ينزعه، إلى أن يحتاج إلى نزعه، فإذا احتاج إلى نزعه فلا بأس، أو يحتاج إلى تغييره، فنقول: بأنه يبقى الرداء على هيئته إلى أن يحتاج إلى نزعه أو يحتاج إلى تغييره.

وقت صلاة الاستسقاء

صلاة الاستسقاء كما أسلفنا لا تفعل إلا عند وجود سببها، فإذا وجد سببها فمتى تفعل؟

نقول: بأن لها وقتين: الوقت الأول: وقت الاستحباب. والوقت الثاني: وقت الجواز.

أما وقت الاستحباب فأن تصلى كصلاة العيد، بحيث تصلى بعد طلوع الشمس وارتفاعها قيد رمح، هذا هو وقت الاستحباب؛ لقول ابن عباس : ( سنة الاستسقاء سنة العيدين )، فنقول: بأنه يصلي كهيئة صلاة العيد بعد طلوع الشمس وارتفاعها قيد رمح, هذا هو وقت الاستحباب.

وأما وقت الجواز فإنها تفعل في كل وقت إلا في أوقات النهي، في أوقات النهي لا تفعل فيها، فلو أن الإمام استسقى ضحىً، أو استسقى بعد الظهر، أو استسقى بعد المغرب أو بعد العشاء فإن هذا كله جائز ولا بأس به، فتبين لنا بالنسبة لوقت صلاة الاستسقاء أن لها وقت استحباب، وكذلك أيضاً وقت جواز.

واعلم أن الاستسقاء ورد على ثلاثة أوجه:

الوجه الأول: الاستسقاء بالصلاة المعروفة، فيخرج الإمام إذا حصل سبب الاستسقاء من انقطاع الأمطار، وقحط الديار، وغور العيون والآبار، فإنه يخرج الإمام ويخرج معه الناس فيصلون صلاة الاستسقاء.

وهذا قال به جمهور أهل العلم رحمهم الله خلافاً لـأبي حنيفة ، فإن أبا حنيفة رحمه الله لا يرى الصلاة، وإنما يرى أن يخرج الناس للدعاء فقط دون الصلاة، وهذا لا شك أنه ضعيف؛ لأن السنة ثابتة في ذلك كما في حديث عبد الله بن زيد رضي الله تعالى عنه في الصحيحين ( أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يستسقي، فاستقبل القبلة يدعو، وحول رداءه وصلى )، ولعل عذر أبي حنيفة رحمه الله أن الحديث لم يبلغه.

الوجه الثاني: الاستسقاء في صلاة الجمعة في الخطبة، فإنه يستحب للإمام أن يدعو الله عز وجل بنزول المطر إذا حصل سببه كما تقدم من جدب الديار، وانقطاع الأمطار، وغور مياه العيون والأنهار؛ ويدل لذلك ما ثبت أيضاً في الصحيحين من حديث أنس رضي الله تعالى عنه ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب الجمعة، فدخل رجل فقال: يا رسول الله! هلكت الأموال، وانقطعت السبل، وجاع العيال، فادع الله أن يسقينا، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه وقال: اللهم أغثنا.. اللهم أغثنا.. اللهم أغثنا.. فلم ينزل النبي صلى الله عليه وسلم من المنبر إلا والمطر يتحدر من لحيته عليه الصلاة والسلام ).

الوجه الثالث من وجوه الاستسقاء: الدعاء المجرد، دون أن يرتبط بصلاة أو بخطبة، فيستحب للمسلمين عموماً إذا حصل سبب الاستسقاء أن يفزعوا إلى الله عز وجل بالدعاء، أن يدعوا الله عز وجل بنزول المطر في صلواتهم، وفي خلواتهم، وأن يبتهلوا إلى الله عز وجل صغاراً وكباراً، ذكوراً وإناثاً؛ لورود ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.

فيستحب إذا انقطعت الأمطار أن يفزع المسلم، وأن يدعو الله عز وجل في صلاته وخارج الصلاة، وفي أوقات إجابة الدعاء: الرجال والنساء، الذكور والإناث الصغار والكبار، فإن هذا سنة.

واعلم أن صلاة الاستسقاء سنة إذا وجد سببها، أما إذا لم يوجد السبب فإنها بدعة، فإذا وجد سببها من انقطاع الأمطار وغور مياه العيون والأنهار فإنها تكون سنةً، أما إذا لم يكن هناك حاجة إلى الاستسقاء لم يكن هناك حاجة إلى طلب السقيا إلى طلب الغيث كأن تكون البلاد أمطرت… إلى آخره، فإن صلاة الاستسقاء غير مشروعة.

قال المؤلف رحمه الله: [وإذا أجدبت الأرض واحتبس القطر خرج الناس مع الإمام متخشعين متبذلين متذللين متضرعين].

ويدل لذلك حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج في الاستسقاء متضرعاً متبذلاً متذللاً متخشعاً )، فيستحب للناس إذا خرجوا في الاستسقاء أن يخرجوا وعليهم الخشوع والذل.

وقول المؤلف رحمه الله: (متبذلين) يعني: يخرجون في ثيابهم العادية، فلا يلبسون أحسن ثيابهم وإنما يخرجون في الثياب البذلة، يعني: الثياب التي تبتذل، فيخرجون على هيئتهم وفي ثيابهم العادة، ولا يطلبون ثياباً جميلةً كما يطلب ذلك في صلاة العيد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كما سبق في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما خرج متبذلاً.

قال المؤلف رحمه الله: [فيصلي بهم ركعتين كصلاة العيد].

ودليل ذلك حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: ( سنة الاستسقاء سنة العيدين )، فيصلي الإمام ركعتين كما يصلي في العيدين، وعلى هذا يكبر في الركعة الأولى سبع تكبيرات مع تكبيرة الإحرام، الزوائد تكون ستة، فيكبر تكبيرة الإحرام ويزيد على ذلك، سبع تكبيرات كما سيأتي بيانه إن شاء الله في صلاة العيدين.

وأما في الركعة الثانية فإنه يكبر خمس تكبيرات سوى تكبيرة الانتقال، هذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله، وذهب الشافعي رحمه الله تعالى إلى أنه يكبر في الركعة الأولى سبع تكبيرات سوى تكبيرة الإحرام، وعلى هذا يكبر في الركعة الأولى مع تكبيرة الإحرام ثمان ركعات، وأما الركعة لثانية فيكبر فيها خمس ركعات سوى تكبيرة الانتقال، وقيل: بأنها تكبيرات ثلاث، يكبر في الأولى ثلاث زوائد، وفي الثانية ثلاث كما ذهب إليه أبو حنيفة ، وقيل: أربع.. إلى آخره، وسيأتي إن شاء الله بيان هذه الأقوال في صلاة العيدين.

المهم أن سنة الاستسقاء كصلاة العيدين، ويقرأ في الركعة الأولى ما يقرأ الإمام في صلاة العيدين، والإمام يقرأ في صلاة العيدين إما بسبح والغاشية، أو يقرأ بسورة (ق) وسورة: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ [القمر:1] .


استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن علي المشيقح - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح عمدة الفقه - كتاب الصلاة [22] 2513 استماع
شرح عمدة الفقه - كتاب الزكاة [1] 2461 استماع
شرح عمدة الفقه - كتاب الطهارة [4] 2439 استماع
شرح عمدة الفقه - كتاب الصلاة [12] 2420 استماع
شرح عمدة الفقه - كتاب الصلاة [2] 2394 استماع
شرح عمدة الفقه - كتاب الصلاة [14] 2349 استماع
شرح عمدة الفقه - كتاب الطهارة [2] 2348 استماع
شرح عمدة الفقه - كتاب النكاح [1] 2310 استماع
شرح عمدة الفقه - كتاب الصلاة [23] 2303 استماع
شرح عمدة الفقه - كتاب الزكاة [6] 2298 استماع