شرح عمدة الفقه - كتاب الصلاة [3]


الحلقة مفرغة

تقدم لنا في الدرس السابق شيء من مباحث الأذان والإقامة، وذكرنا تعريف كل منهما, وحكم كل منهما، وشروط الوجوب، وكذلك أيضاً شروط الصحة، وذكرنا أن الأذان والإقامة ورد لكل منهما كيفيتان:

الكيفية الأولى: أذان بلال , وهو خمس عشرة جملة، وإقامة بلال , وهي إحدى عشرة جملة.

والكيفية الثانية: أذان أبي محذورة , وهو تسع عشرة جملة، وإقامته, وهي سبع عشرة جملة.

وأيضاً ذكرنا الآداب التي ينبغي أن يتحلى بها المؤذن والمقيم, وتكلمنا أيضاً فيما يتعلق بالتثويب، فذكرنا أن العلماء رحمهم الله يطلقون التثويب على ثلاثة معان، وأيضاً تكلمنا عن حكم إجابة المؤذن، وذكرنا خلاف أهل العلم رحمهم الله: هل إجابة المؤذن على سبيل الوجوب أو على سبيل الاستحباب ذكرنا في ذلك رأيين.

وانتهى بنا الكلام إلى أن الراجح ما ذهب إليه جمهور أهل العلم رحمهم الله: أن إجابة المؤذن مستحبة وليست واجبة.

وذكرنا أيضاً بعض أحكام إجابة المؤذن.

بقينا في مسألة أخيرة قبل أن ننتهي من باب الأذان والإقامة ونشرع في باب شروط الصلاة، وهذه المسألة هي: الأذكار الواردة بعد إجابة المؤذن، فتقدم لنا حديث عمر رضي الله تعالى عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ( إذا قال المؤذن: الله أكبر، فقال أحدكم: الله أكبر، ثم قال: الله أكبر، فقال أحدكم: الله أكبر، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله، إلى أن قال النبي عليه الصلاة والسلام: مخلصاً من قلبه دخل الجنة ). فلا شك أن هذا فضل عظيم وأجر كبير أن الإنسان يصبر نفسه لإجابة المؤذن؛ لأن إجابة المؤذن هذا من أسباب دخول الجنة، وإذا ذكر الذكر الوارد بعد ذلك فإنه من أسباب نيل شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، فإذا أجبت المؤذن كما تقدم يشرع للإنسان أن يصلي على النبي عليه الصلاة والسلام، كما ورد ذلك في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما, فتقول: اللهم صل على محمد، ثم بعد الصلاة عليه الصلاة والسلام تقول: ( اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمداً الفضيلة والوسيلة، وابعثه اللهم مقاماً محموداً الذي وعدته )، هذان ذكران.

وورد أيضاً في صحيح مسلم : ( رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد رسولاً ونبياً ).

واختلف أهل العلم رحمهم الله في محل هذا الذكر، فقال بعض أهل العلم: محله بعد الشهادتين، يعني: إذا أجبت المؤذن فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله مرتين، ثم قلت: أشهد أن محمداً رسول الله مرتين تقول: رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد رسولاً ونبياً.

وبعض أهل العلم جعله في آخر الأذان، وظاهر ما في صحيح مسلم أنه عند إجابة المؤذن بالشهادتين، فإذا تشهد الإنسان الشهادتين يقول: رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد رسولاً ونبياً.

هذا بالنسبة لما يتعلق بأذكار الأذان.

وأما قول: إنك لا تخلف الميعاد في آخر الأذان أو في آخر هذا الذكر فهذا أشرنا إليه في الدرس السابق، وأن هذه اللفظة في البيهقي وغيره، وأنها لا تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وأيضاً قول: الدرجة العالية الرفيعة يزيدها بعض الناس, أيضاً هذه مدرجة, ولا تثبت أيضاً في الحديث.

فالإنسان يذكر ما صحت به السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم، الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام، وقول: اللهم رب هذه الدعوة التامة، وقول: رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد رسولاً ونبياً.

قال المؤلف رحمه الله: [ باب شروط الصلاة ].

الشروط جمع شرط، والشرط في اللغة: العلامة، ومن ذلك: الشرط، سموا بذلك لأن لهم علامة تميزهم عن غيرهم, وهي لباسهم.

فالشرط في اللغة: العلامة، ومن ذلك قول الله عز وجل: فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا [محمد:18] أي: علاماتها.

وأما في الاصطلاح فهو: ما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته، فيلزم من عدم شرط الصلاة عدم الصحة، ما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته، فيلزم من عدم الشرط عدم الصحة، فإذا لم يتوضأ الإنسان فإن صحة الصلاة تكون معدومة، ما يلزم من عدمه العدم، إذا لم يدخل الوقت تكون الصحة معدومة.

ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته، يعني: لا يلزم من وجود الشرط أن توجد الصحة، فقد يوجد شرط الصلاة لكن لا توجد الصحة, إما لتخلف شرط آخر، أو لوجود مانع، فقد يتوضأ الإنسان لكن لا تصح صلاته لكونه صلى قبل الوقت، تخلف الآن شرط، أو لوجود مانع, فقد يتوضأ ويصلي في الوقت ويستر عورته.. إلى آخره، يأتي بشروط الصلاة لكن لا تصح صلاته؛ لوجود مانع, مثلاً أن يحدث في صلاته، أو يأتي بما يبطل صلاته.. إلى آخره.

الشرط الأول: الطهارة من الحدث

قال المؤلف رحمه الله: [ وهي ستة: أحدها: الطهارة من الحدث؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا صلاة لمن أحدث حتى يتوضأ ) ].

المؤلف رحمه الله ذكر أنها ستة، وبعض أهل العلم جعلها تسعة, فالعلماء يختلفون في تعداد هذه الشروط؛ بناء على ما يظهر لهم من الأدلة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

فيقول المؤلف رحمه الله: (أحدها: الطهارة من الحدث).

الطهارة من الحدث هذا شرط من شروط صحة الصلاة، فلا تصح الصلاة حتى يرفع المصلي حدثه.

وتقدم لنا ما يتعلق بالطهارة من الحدث في كتاب الطهارة، فقد سبق لنا ما يتعلق بالحدث الأصغر، ونواقض الطهارة، والحدث الأكبر، وموجبات الغسل، وما ينوب عن الماء.. إلى آخره، هذا تقدم الكلام عليه.

المهم أنه يشترط لصحة الصلاة أن يرفع الحدث، ودليل ذلك: حديث أبي هريرة أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ( لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ ) وهذا في الصحيحين.

الشرط الثاني: دخول الوقت

قال المؤلف رحمه الله: [الشرط الثاني: الوقت].

هذا الشرط الثاني من شروط صحة الصلاة: الوقت، ويدل لذلك قول الله عز وجل: إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا [النساء:103].

وقوله سبحانه وتعالى: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا [الإسراء:78]. فقال الله عز وجل: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ [الإسراء:78]. دلوك الشمس: زوال الشمس, وذلك في نصف النهار، إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ [الإسراء:78] غسق الليل: شدة ظلمته, وذلك عند انتصافه، فما بين نصف النهار إلى نصف الليل أربع صلوات: الظهر والعصر والمغرب والعشاء، ثم بعد ذلك صلاة الفجر منفردة عن بقية الصلوات، ولهذا أفردها الله عز وجل بالذكر فقال: وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا [الإسراء:78]، فما بين نصف الليل إلى صلاة الفجر هذا ليس وقتاً لشيء من صلوات الفرائض، وما بين طلوع الشمس إلى نصف النهار ليس وقتاً لأداء شيء من الفرائض.

وأما بالنسبة للدليل من السنة على هذا الشرط فالأدلة كثيرة كما سيأتينا إن شاء الله في حديث عبد الله بن عمرو .. حديث بريدة .. حديث أبي موسى .. حديث إمامة جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم, روى ذلك الحديث ابن عباس وجابر وغيرهم، وكذلك أيضاً حديث أبي هريرة ، فالأحاديث كثيرة جداً في المواقيت كما سيأتي بيانها إن شاء الله.

وقت الظهر

قال المؤلف رحمه الله: [ ووقت الظهر من زوال الشمس إلى أن يصير ظل كل شيء مثله سوى فيء الزوال].

هذا وقت صلاة الظهر، وقت صلاة الظهر يبدأ من بعد زوال الشمس إلى أن يصير ظل كل شيء مثله سوى فيء الزوال، ذلك أن الشمس إذا خرجت من المشرق يكون لكل شاخص -يعني: لكل شيء مرتفع- ظل من جهة المغرب، ولا تزال الشمس تسير من المشرق إلى المغرب، ولا يزال هذا الظل ينقص، فإذا تناهى نقصانه تضع في ذلك علامة، ثم بعد ذلك إذا زاد أدنى زيادة تعرف أن الشمس قد زالت.

فإذا زالت الشمس دخل وقت الظهر وخرج وقت النهي، ويستمر وقت الظهر إلى أن يصير ظل كل شيء مثله، يعني: الشيء الشاخص هذا لا بد أن يصير ظله مثل طوله، فإذا كان هذا الشاخص طوله متر يكون طول الظل متراً, لكن ما نحسب فيء الزوال, الفيء: الظل الذي زالت عليه الشمس، ذلك أن الشمس إذا زالت يعني: تحركت إلى جهة المغرب يكون لكل شاخص فيء, تحته ظل يسير، تضع علامة على هذا الظل اليسير, ثم تحسب من هذه العلامة إلى أن يصير ظل كل شيء مثله، فإذا فرضنا أن هذا الشاخص طوله متر أو طوله متران فأنت تحسب من هذه العلامة متر، وأما فيء الزوال فهذا لا يحسب، فإذا كان هذا الظل طوله متراً فاعلم أن وقت الظهر الآن قد خرج ودخل وقت العصر، ولا فاصل بينهما كما سيأتي إن شاء الله.

فنفهم أن وقت صلاة الظهر يبدأ من حين زوال الشمس، وبينا أن الشمس إذا كانت تسير من المشرق إلى المغرب فإن كل شاخص يعني: كل شيء مرتفع يكون له ظل من جهة المغرب، ولا يزال هذا الظل يقصر حتى أن الشمس تنتقل إلى جهة المغرب، فإذا انتقلت إلى جهة المغرب وزاد هذا الظل أدنى زيادة، يعني: إذا زالت الشمس إلى جهة المغرب يكون لكل شاخص ظل يسير تحته, هذا يسمى فيء الزوال، تضع عليه علامة، فإذا كان الظل ظل هذا الشاخص المرتفع طوله طول هذا الشاخص المرتفع من حين العلامة ما تحسب الزوال فاعلم أن الشمس قد زالت, وأن وقت الظهر قد دخل، ويستمر وقت الظهر إلى أن يصير ظل كل شيء مثله سوى فيء الزوال.

ويدل على أن وقت الظهر يبدأ بزوال الشمس كما تقدم قول الله عز وجل: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ [الإسراء:78]، ودلوك الشمس هو زوالها.

وأيضاً حديث عبد الله بن عمرو بن العاص في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( وقت صلاة الظهر إذا زالت الشمس وكان ظل الرجل كطوله ما لم يحضر وقت العصر ).

وأيضاً يدل لذلك حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في إمامة النبي صلى الله عليه وسلم وفي إمامة جبريل بالنبي عليه الصلاة والسلام، فإنه صلى به الظهر في المرة الأولى حين زالت الشمس.

قال: (من زوال الشمس إلى أن يصير ظل كل شيء مثله). وهذا دليله كما تقدم لنا حديث عبد الله بن عمرو أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ( وقت صلاة الظهر إذا زالت الشمس وكان ظل الرجل كطوله ما لم يحضر وقت العصر ) أخرجه مسلم .

وقوله: (إلى أن يصير ظل كل شيء مثله سوى فيء الزوال) هذا ما عليه أكثر أهل العلم رحمهم الله.

عند أبي حنيفة رحمه الله أن وقت الظهر يستمر إلى أن يصير ظل كل شيء مثليه، مثلاً إذا فرضنا أن هذا الشاخص طوله متر فعند أبي حنيفة ما يخرج وقت الظهر حتى يكون طول الظل مترين، أما عند أكثر أهل العلم فإنه يخرج إذا صار طوله متراً واحداً.

عند أبي حنيفة لا يخرج وقت الظهر ولا يدخل وقت العصر حتى يصير ظل كل شيء مثليه سوى فيء الزوال، والصواب في ذلك: ما دل له حديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنه, فإنه صريح ( وقت الظهر إذا زالت الشمس وكان ظل الرجل كطوله ما لم يحضر وقت العصر ).

وقت العصر

قال المؤلف رحمه الله: [ ووقت العصر - وهي الوسطى- من آخر وقت الظهر إلى أن تصفر الشمس ].

بدء وقت العصر من خروج وقت الظهر، هذا هو الصواب، وهو الذي ذهب إليه المؤلف رحمه الله، ولا فاصل بين وقت الظهر ووقت العصر، وليس أيضاً بينهما وقت مشترك.

فالصواب: أنه إذا خرج وقت الظهر دخل وقت العصر، وقلنا: بأن وقت الظهر يخرج إذا صار ظل كل شيء مثله, سوى فيء الزوال، فإذا صار ظل كل شيء مثله سوى فيء الزوال خرج وقت الظهر ودخل وقت العصر.

ويدل لذلك ما ذكرناه من حديث عبد الله بن عمرو فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( وقت الظهر إذا زالت الشمس وكان ظل الرجل كطوله ما لم يحضر وقت العصر ).

وقال المؤلف رحمه الله: (وهي الوسطى) يعني: أن صلاة العصر هي الصلاة الوسطى التي ذكرها الله عز وجل في قوله: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى [البقرة:238].

الصلاة الوسطى هذه اختلف فيها أهل العلم رحمهم الله كثيراً, ما المراد بالصلاة الوسطى؟

وذكر المؤلف رحمه الله أن الصلاة الوسطى هي صلاة العصر، وهذا القول هو أصوب الأقوال، وإذا طالع الإنسان ورجع إلى كتب المفسرين يرى الخلاف الكثير في تحديد الصلاة الوسطى، أكثر من عشرين قولاً في هذه المسألة، لكن الصواب في هذه المسألة ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله: أن الصلاة الوسطى التي قال الله عز وجل فيها: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى [البقرة:238] أنها صلاة العصر. ودليل ذلك: حديث علي رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر، ملأ الله بيوتهم وقبورهم ناراً )، وهذا في الصحيحين.

قال: (من آخر وقت الظهر إلى أن تصفر الشمس). هذا ما ذهب إليه الشافعي رحمه الله أن وقت العصر يمتد إلى اصفرار الشمس، وهذا دليله: حديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ووقت العصر ما لم تصفر الشمس ).

المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله أن وقت العصر يعني: وقت الاختيار يخرج إذا صار ظل كل شيء مثليه، وهذه المسألة من غرائب العلم، فإن أبا حنيفة كما تقدم يقول: العصر ما يدخل إلا إذا كان ظل كل شيء مثليه، وعند الحنابلة خرج وقت العصر!

لا شك أن هذا فرق شاسع بين القولين، فالحنفية يرون أنه الآن دخل وقت العصر، والحنابلة يقولون: خرج وقت العصر!

واستدلوا على أن وقت العصر يخرج إذا صار ظل كل شيء مثليه سوى فيء الزوال: بإمامة جبريل بالنبي عليه الصلاة والسلام، فإن جبريل أم النبي عليه الصلاة والسلام في اليوم الثاني, أتاه فصلى به العصر في اليوم الثاني لما صار ظل كل شيء مثليه في المرة الثانية، فقالوا: هذا دليل على أن وقت العصر ينتهي إذا صار ظل كل شيء مثليه.

والأقرب في ذلك: ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله, وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله، وبه قال الشافعي ، وأن وقت العصر يستمر إلى أن تصفر الشمس؛ لأن حديث عبد الله بن عمرو صريح في ذلك، ( ووقت العصر ما لم تصفر الشمس )، وحديث عبد الله بن عمرو أرجح من حديث جابر وابن عباس وغيرهما في إمامة جبريل بالنبي عليه الصلاة والسلام أرجح لعدة أمور:

الأمر الأول: حديث عبد الله بن عمرو قول، وحديث إمامة جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم فعل، والقول مقدم على الفعل.

الأمر الثاني: أن حديث عبد الله بن عمرو كان متأخراً على حديث إمامة جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم، فإن حديث عبد الله بن عمرو في المدينة، وأما حديث إمامة جبريل بالنبي عليه الصلاة والسلام كان بمكة قبل الهجرة.

الأمر الثالث مما يرجح حديث عبد الله بن عمرو : أن حديث عبد الله بن عمرو أصح من حديث إمامة جبريل بالنبي عليه الصلاة والسلام، فإن حديث عبد الله في صحيح مسلم , بخلاف حديث إمامة جبريل الوارد الذي رواه ابن عباس وجابر وغيرهما ليس في مسلم , وإنما هو في السنن.

فنرجح حديث عبد الله بن عمرو على حديث جابر وابن عباس في إمامة جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم.

قال المؤلف رحمه الله: [ ثم يذهب وقت الاختيار, ويبقى وقت الضرورة إلى غروب الشمس ].

اعلم أن العصر هي الصلاة الوحيدة التي لها وقتان، هذا هو الصواب الذي يؤخذ من الأدلة، لها وقتان: وقت اختيار، ووقت ضرورة، أما بقية الصلوات فالصواب أنه ليس لها إلا وقت واحد فقط وقت الاختيار، أما صلاة العصر فلها وقتان: وقت اختيار ووقت ضرورة، والدليل على أن لها وقت ضرورة: حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك الصلاة )، وهذا الحديث في الصحيحين.

وعلى هذا نقول: نجمع بين قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( ووقت العصر ما لم تصفر الشمس ) في حديث عبد الله وقوله عليه الصلاة والسلام: ( من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك الصلاة ) في حديث أبي هريرة : نجمع بينهما أن حديث عبد الله محمول على الاختيار، وحديث أبي هريرة محمول على وقت الضرورة، هذا هو الصواب في هذه المسألة.

وحينئذ نقول: الأصل أن الإنسان لا يجوز له أن يؤخر الصلاة عن وقت الاختيار إلا في حال الضرورة، مثل لو صلى يخاف على نفسه، أو يخاف على ماله، أو يخاف على أهله، فهذا لا بأس أن يؤخر حتى لو اصفرت الشمس، أو مثلاً أصابه جرح أو أصابه كسر أو نحو ذلك فاشتغل بتضميده حتى اصفرت عليه الشمس, نقول: هذا لا بأس به.

وأيضاً يترتب على ذلك أن المرأة إذا طهرت من حيضها قبل غروب الشمس فإنها تكون قد أدركت صلاة العصر, إذا طهرت قبل غروب الشمس بركعة نقول: بأنها أدركت صلاة العصر، أو مثلاً أسلم الكافر قبل غروب الشمس بركعة أدرك صلاة العصر, يجب عليه أن يصليها، أو طهرت النفساء، أو عقل المجنون، أو بلغ الصبي في هذا الوقت قبل غروب الشمس بمقدار ركعة فإنه تجب عليهم الصلاة.

وقت المغرب

قال المؤلف رحمه الله: [ ووقت المغرب إلى أن يغيب الشفق الأحمر ].

وقت المغرب يبدأ بغروب الشمس بالإجماع، بإجماع المسلمين أن وقت المغرب يبدأ بغروب الشمس، ويدل لذلك: حديث جابر وحديث ابن عباس في إمامة جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم، فإنه أتاه في المرة الأولى وأيضاً في المرة الثانية في صلاة المغرب لما غربت الشمس، وأيضاً يدل لذلك: حديث بريدة وحديث أبي موسى .

المهم الإجماع منعقد على أن وقت المغرب يبدأ بغروب الشمس.

قال: (إلى أن يغيب الشفق الأحمر).

وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله, أن وقت المغرب يستمر إلى أن يغيب الشفق الأحمر، ودليل ذلك: قول النبي عليه الصلاة والسلام في حديث عبد الله بن عمرو : ( ووقت المغرب ما لم يغب الشفق ).

وأيضاً في حديث بريدة : ( أن النبي عليه الصلاة والسلام لما أراد أن يبين المواقيت للسائل أقام المغرب في اليوم الثاني عند مغيب الشفق )، فدل على أن آخر وقت المغرب هو مغيب الشفق الأحمر، هذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله تعالى.

وعند الشافعي أن وقت المغرب مضيق جداً، فهو يكون بقدر الأذان والإقامة والصلاة والسنة والطهارة وستر العورة، يعني: إذا مضى بعد غروب الشمس قدر هذه الأشياء خرج وقت المغرب، بقدر الأذان والإقامة والصلاة والسنة والطهارة وستر العورة، فإذا مضى قدر هذه الأشياء فإن وقت المغرب ينتهي، فعنده مضيق. فإذا قدرت أن هذه الأشياء تستغرق مثلاً ثلاثين دقيقة أو تستغرق خمساً وعشرين دقيقة ينتهي الوقت عند الشافعي رحمه الله بمضي قدر وقت هذه الأشياء.

ودليله على ذلك: أن جبريل عليه السلام أم النبي عليه الصلاة والسلام بالمغرب في اليوم الأول وفي اليوم الثاني عند مغيب الشمس، فدل ذلك على أن وقت المغرب مضيق.

لكن الصواب في ذلك: ما ذهب إليه الإمام أحمد رحمه الله, وأن وقت المغرب يمتد إلى مغيب الشفق الأحمر، وأما إمامة جبريل بالنبي عليه الصلاة والسلام في اليوم الأول وفي اليوم الثاني عند مغيب الشمس فهذا نأخذ منه أن السنة تعجيل صلاة المغرب، السنة للإنسان أن يعجل صلاة المغرب، ونجمع بينه وبين الأدلة الدالة على أن صلاة المغرب يمتد وقتها إلى مغيب الشفق كما في حديث بريدة وغيره من الأحاديث، نجمع بينهما أن هذا الحديث حديث إمامة جبريل بالنبي عليه الصلاة والسلام إنما يدل على أن السنة أن تعجل في أول وقتها، وحديث بريدة وغيره دليل على أن وقت المغرب يمتد إلى مغيب الشفق.

ومما يؤيد أنه يمتد إلى مغيب الشفق أن النبي عليه الصلاة والسلام قرأ بسورة الأعراف في صلاة المغرب، ولا شك أنه إذا قرأ الإنسان بسورة الأعراف في صلاة المغرب أنه سيطيل أكثر مما ذكره الشافعي ، فالصواب أنه يمتد إلى مغيب الشفق الأحمر.

وهنا قال المؤلف رحمه الله: (الأحمر), وهذا خلاف لـأبي حنيفة ؛ لأن أبا حنيفة يقول: يمتد إلى مغيب الشفق الأبيض، والصواب: ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله؛ لورود ذلك عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما, وهو قول الأئمة أئمة أهل اللغة وأئمة التفسير أن المراد بالشفق الشفق الأحمر؛ ولأنه كما ذكر بعض أئمة اللغة الشفق الأبيض قد ينتصف الليل وهو لم يغب.

فالصواب أن المراد بالشفق هو: الشفق الأحمر، وذلك أن الشمس إذا غربت يبقى في الأفق حمرة، فلا يزال وقت المغرب باقياً حتى تغيب هذه الحمرة.

وقت العشاء

قال المؤلف رحمه الله: [ ووقت العشاء من ذلك إلى نصف الليل، ثم يبقى وقت الضرورة إلى طلوع الفجر ].

وقت العشاء من ذلك, يعني: من مغيب الشفق، إذا غاب الشفق دخل وقت العشاء، ويستمر على ذلك -يقول المؤلف رحمه الله- إلى نصف الليل.

وأما بالنسبة لكون وقت العشاء يبدأ من مغيب الشفق فهذا دل له حديث بريدة وحديث أبي موسى وغيرهما ( أن النبي عليه الصلاة والسلام صلى العشاء في اليوم الأول حين غاب الشفق )، ويستمر إلى نصف الليل كما ذكر المؤلف رحمه الله، ودليل ذلك: حديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ووقت العشاء إلى نصف الليل ).

لكن قال المؤلف رحمه الله: ثم يبقى وقت الضرورة إلى طلوع الفجر الثاني، فأفاد المؤلف رحمه الله أن العشاء له وقتان: وقت اختيار إلى نصف الليل، ووقت ضرورة إلى طلوع الفجر.

وهذا الذي ذهب إليه المؤلف رحمه الله هو مذهب أبي حنيفة ، مذهب أبي حنيفة : أن العشاء لها وقتان: وقت اختيار إلى نصف الليل، ووقت ضرورة إلى طلوع الفجر.

مذهب الإمام أحمد رحمه الله: أن العشاء لها وقتان: وقت اختيار إلى ثلث الليل، ووقت ضرورة إلى طلوع الفجر. والدليل على أنه إلى ثلث الليل: حديث بريدة : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى العشاء في اليوم الثاني حين ذهب ثلث الليل ) يعني: صلى العشاء في اليوم الأول حين غاب الشفق، وصلى العشاء في اليوم الثاني حين ذهب ثلث الليل، والنبي عليه الصلاة والسلام أراد أن يبين المواقيت, يعني: أراد أن يبين أول الوقت وآخر الوقت.

وكذلك أيضاً إمامة جبريل بالنبي عليه الصلاة والسلام كما في حديث ابن عباس ، فإنه صلى بالنبي عليه الصلاة والسلام في اليوم الثاني حين ذهب ثلث الليل.

فهذان قولان:

القول الأول: وقت الاختيار إلى نصف الليل، ووقت الضرورة إلى طلوع الفجر.

والقول الثاني: وقت الاختيار إلى ثلث الليل، ووقت الضرورة إلى طلوع الفجر.

وعند ابن حزم رحمه الله أن العشاء لها وقت واحد فقط، وأنه إلى نصف الليل، وهذا القول هو الصواب؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما: ( ووقت العشاء إلى نصف الليل )، وهذا صريح في التحديد.

وأما بالنسبة لما ورد في حديث عائشة : ( أن النبي عليه الصلاة والسلام أعتم ذات ليلة حتى ذهب عامة الليل، وحتى نام أهل المسجد ) كما في صحيح مسلم ، فالمراد بإعتام النبي عليه الصلاة والسلام أنه أخر العشاء حتى ذهب كثير من الوقت، هذا هو الصواب، وليس المراد أكثر الوقت، بل الصواب أن النبي عليه الصلاة والسلام أعتم حتى ذهب كثير من الوقت يعني إلى قرب نصف الليل ثم خرج وصلى، يدل على ذلك الرواية الأخرى في صحيح مسلم .

فالصواب في هذه المسألة: أن وقت العشاء لا يمتد إلى طلوع الفجر، وإنما هو إلى نصف الليل، ولم يرد دليل صريح يدل على أن وقت العشاء يمتد إلى طلوع الفجر، وأن هناك وقت ضرورة للعشاء، بل حديث عبد الله بن عمرو صريح أن وقت العشاء إلى نصف الليل.

وأما ما روي عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم في المرأة إذا طهرت قبل الفجر فإنها تصلي المغرب والعشاء كما روي ذلك عن ابن عباس وأبي هريرة وغيرهما كـعبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهم فهذه الآثار لا تثبت عنهم، هذه الآثار في إثباتها نظر.

وعلى هذا لو أن المرأة طهرت قبل طلوع الفجر فإنه لا يلزمها لا صلاة المغرب ولا صلاة العشاء، لكن لو طهرت قبل نصف الليل فنقول: يجب عليها أن تصلي صلاة العشاء خاصة فقط دون صلاة المغرب؛ لأن صلاة المغرب جاءها الوقت وهي حائض، وكذلك أيضاً لو أسلم الكافر، أو بلغ الصبي، أو عقل المجنون قبل نصف الليل فإنه يجب عليهم أن يصلوا العشاء؛ لأنهم أدركوا وقتها، أما إذا كان بعد نصف الليل فإنه لا يجب عليهم أن يصلوا العشاء.

وقت الفجر

قال المؤلف رحمه الله: [ ووقت الفجر إلى طلوع الشمس، ومن كبر للصلاة قبل خروج وقتها فقد أدركها ].

صلاة الفجر يبدأ وقتها بطلوع الفجر الثاني، وهذا بالإجماع.

وأما بالنسبة لنهاية وقتها فإنه ينتهي بطلوع الشمس، ويدل لذلك حديث عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ووقت الصبح ما لم تطلع الشمس )، وهذا في مسلم .

وأيضاً في حديث بريدة : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بلالاً فأقام الصلاة في اليوم الأول للفجر حين طلع الفجر، ثم أمره في اليوم الثاني فأقام الصلاة حين أسفر جداً ) يعني: قبل طلوع الشمس.

ويدل أيضاً على أن صلاة الفجر يمتد وقتها إلى ما قبل طلوع الشمس: قول النبي عليه الصلاة والسلام في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: ( من أدرك ركعة من الفجر قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصلاة ).

فصلاة الفجر ليس لها إلا وقت واحد من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، ودليل ذلك كما أسلفنا: حديث عبد الله بن عمرو أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ( ووقت الصبح ما لم تطلع الشمس )، وهذا يدل على أن لها وقتاً واحداً فقط، خلافاً لما ذهب إليه الإمام مالك أن الفجر لها وقتان: وقت اختيار إلى الأسفار, ووقت ضرورة إلى طلوع الشمس، وهذا ليس بصواب، بل الحديث ظاهر أنها ليس لها إلا وقت واحد, ( وقت الصبح ما لم تطلع الشمس )، فالصواب: أنه ليس لها إلا وقت واحد, كما هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله.

إدراك جزء يسير من وقت الصلاة

قال: [ ومن كبر للصلاة قبل خروج وقتها فقد أدركها ].

المؤلف رحمه الله هنا قيد إدراك الوقت بالتكبير، فعلى هذا لو أن الإنسان كبر للصلاة لصلاة العصر أو صلاة الفجر أو غير ذلك من الصلوات قبل خروج وقتها فإنه يكون أدركها, وصلى الصلاة في وقتها، والصواب: أن الوقت لا يدرك إلا بإدراك ركعة؛ لحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة ).

وهنا قاعدة دل لها هذا الحديث حديث أبي هريرة : سائر الإدراكات تتعلق بإدراك ركعة، وهذا يدخل تحته مسائل كثيرة، أذكر من هذه المسائل:

المسألة الأولى: أول الوقت:

أول الوقت لا يدرك إلا بإدراك ركعة، وعلى هذا إذا دخل الوقت ثم حاضت المرأة أو نفست أو جنت ونحو ذلك، إذا طرأ العذر بعد دخول الوقت فنقول: إن كان أدرك ركعة من أول الوقت يكون قد أدرك الوقت, فيجب عليه أن يقضي هذه الصلاة إذا زال العذر، فمثلاً عندنا امرأة طاهرة ثم حاضت بعد أن أدركت ركعة فأكثر من الوقت، فنقول: يجب عليها إذا طهرت أن تقضي هذه الصلاة, أو نفست يعني: ولدت فنقول: يجب عليها إذا طهرت من نفاسها أن تقضي هذه الصلاة، أو جن نقول: يجب عليه إذا عقل أن يقضي هذه الصلاة, إلى آخره.

فأول الوقت يدرك بركعة، خلافاً لما ذهب إليه المؤلف رحمه الله أن أول الوقت يدرك بتكبيرة، فالصواب: أنه يدرك بركعة, ودليل ذلك حديث أبي هريرة .

المسألة الثانية: آخر الوقت:

آخر الوقت يدرك بركعة، وعلى هذا لو أن المرأة طهرت يعني: زال العذر قبل خروج الوقت بقدر ركعة فأكثر فتجب عليها الصلاة، فلو أن المرأة طهرت قبل خروج الوقت بمقدار ركعة فأكثر طهرت من حيضها أو طهرت من نفاسها قبل خروج الوقت بمقدار ركعة فأكثر نقول: يجب عليها أن تقضي هذه الصلاة التي أدركت وقتها، أو أن الكافر أسلم قبل خروج الوقت بقدر ركعة نقول: يجب أن يصلي هذه الصلاة؛ لأنه أدرك وقتها، أو الصبي بلغ ولم يكن صلى نقول: يجب عليه أن يصلي إذا كان بلوغه قبل خروج الوقت بمقدار ركعة فأكثر، هاتان مسألتان.

المسألة الثالثة: إدراك الجماعة:

إدراك الجماعة إنما يكون بإدراك ركعة، فإذا أدرك مع الإمام ركعة من الصلاة يكون قد أدرك الجماعة، وينال أجر الجماعة، أما إن أدرك أقل من ركعة فقد فاته فضل الجماعة.

المسألة الرابعة: إدراك الجمعة:

والجمعة إنما تدرك بإدراك ركعة، فإذا أدرك ركعة من الجمعة أضاف إليها أخرى، وإن لم يدرك ركعة فإنه يصلي ظهراً.

المسألة الخامسة: إذا أقيمت الصلاة والإنسان في نافلة هل يقطع هذه النافلة أو لا يقطعها؟

نقول: إن صلى ركعة أتمها خفيفة؛ لأنه أدرك هذه الصلاة، إن صلى ركعة أتمها خفيفة، وإن صلى أقل من ركعة فإنه يقطعها.

المسألة السادسة: صلاة المسافر خلف المقيم:

إن أدرك المسافر من صلاته ركعة صلى صلاة مقيم، وإن أدرك أقل من ركعة صلى صلاة مسافر، مثال ذلك هذا مسافر يصلي الظهر خلف من يصلي الظهر وهو مقيم، المسافر إذا صلى خلف المقيم كما في حديث ابن عباس يجب عليه أن يصلي أربعاً، لكن متى يجب أن يصلي أربعاً؟

نقول: إن أدرك من صلاته ركعة يجب عليه أن يصلي أربعاً، فإن أدرك أقل من ركعة صلى ركعتين؛ لأنه لم يدرك صلاته, وهكذا.

فضل الصلاة في أول الوقت

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والصلاة في أول الوقت أفضل].

لما بين المؤلف رحمه الله وقت الاختيار شرع الآن في بيان وقت الاستحباب، ما هو المستحب لفعل الصلاة؟ فأفاد المؤلف رحمه الله أن السنة أن تفعل الصلاة في أول وقتها، إلا ما ورد استثناءه، ويدل لذلك حديث أبي برزة : ( أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يصلي الهجير وهي التي تدعونها الأولى حين تدحض الشمس -يعني: تزول الشمس- ويصلي العصر ثم يرجع أحدنا إلى أهله في أقصى المدينة والشمس مرتفعة حية ) يعني: لا تزال حرارتها باقية، هذا حديث أبي برزة رضي الله تعالى عنه.

وأيضاً في حديث جابر : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الفجر بغلس ).

فهذه الأحاديث تدل على أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يصلي الصلاة في أول وقتها.

ومثل ذلك أيضاً حديث أنس : ( أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يصلي العصر والشمس مرتفعة حية، فيذهب الذاهب إلى العوالي -يعني: القرى التي حول المدينة- فيأتيهم والشمس مرتفعة ) وهذا في الصحيحين.

فهذه الأدلة تدل على ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله.

وبم يدرك أول الوقت؟ نقول: بأن أول الوقت يدرك بالاشتغال بأسباب الصلاة، فإذا شرع الإنسان بالاشتغال بأسباب الصلاة في أول الوقت فقد أدرك أول الوقت، يعني: إذا دخل الوقت ثم شرع في الطهارة وفي ستر العورة وفي إحضار الماء ونحو ذلك فقد أدرك أول الوقت.

قال المؤلف رحمه الله: [ إلا في العشاء الآخرة، وفي شدة الحر في الظهر ].

في العشاء الآخرة السنة أن تؤخر الصلاة، ويدل لذلك حديث أبي برزة في الصحيحين قال: ( وكان يستحب أن يؤخر العشاء ).

وأيضاً: ( أن النبي عليه الصلاة والسلام أخر العشاء إلى نصف الليل أو ثلثه, ثم خرج فقال: إنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي ).

فنقول: بالنسبة للعشاء الآخرة السنة أن تؤخر، كلما أخرت هذا هو أفضل، لو أخرت إلى آخر الوقت فعلت الصلاة في آخر الوقت فهذا هو الأفضل، وحديث أبي برزة ظاهر أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يستحب أن يؤخر من العشاء. لكن حديث

قال المؤلف رحمه الله: [ وهي ستة: أحدها: الطهارة من الحدث؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا صلاة لمن أحدث حتى يتوضأ ) ].

المؤلف رحمه الله ذكر أنها ستة، وبعض أهل العلم جعلها تسعة, فالعلماء يختلفون في تعداد هذه الشروط؛ بناء على ما يظهر لهم من الأدلة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

فيقول المؤلف رحمه الله: (أحدها: الطهارة من الحدث).

الطهارة من الحدث هذا شرط من شروط صحة الصلاة، فلا تصح الصلاة حتى يرفع المصلي حدثه.

وتقدم لنا ما يتعلق بالطهارة من الحدث في كتاب الطهارة، فقد سبق لنا ما يتعلق بالحدث الأصغر، ونواقض الطهارة، والحدث الأكبر، وموجبات الغسل، وما ينوب عن الماء.. إلى آخره، هذا تقدم الكلام عليه.

المهم أنه يشترط لصحة الصلاة أن يرفع الحدث، ودليل ذلك: حديث أبي هريرة أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ( لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ ) وهذا في الصحيحين.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن علي المشيقح - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح عمدة الفقه - كتاب الصلاة [22] 2513 استماع
شرح عمدة الفقه - كتاب الزكاة [1] 2461 استماع
شرح عمدة الفقه - كتاب الطهارة [4] 2439 استماع
شرح عمدة الفقه - كتاب الصلاة [12] 2420 استماع
شرح عمدة الفقه - كتاب الصلاة [2] 2394 استماع
شرح عمدة الفقه - كتاب الصلاة [14] 2349 استماع
شرح عمدة الفقه - كتاب الطهارة [2] 2348 استماع
شرح عمدة الفقه - كتاب النكاح [1] 2310 استماع
شرح عمدة الفقه - كتاب الصلاة [23] 2303 استماع
شرح عمدة الفقه - كتاب الزكاة [6] 2298 استماع