شرح زاد المستقنع مقدمة كتاب الزكاة


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

يقول المصنف رحمه الله: [كتاب الزكاة].

الزكاة: أصلها من زكا الزرع والمال إذا نما وكثر، يقال: زكا الشيء إذا نما وكثر خيره، وقالوا: سميت الزكاة بهذا؛ لأن الله ينمي المال بها ويضع فيه البركة، فما نقصت صدقةٌ من مال، بل تزيده، والله عز وجل يجعل هذه الصدقة سبباً في حصول الخير في مال العبد.

وقيل: إنها مأخوذةٌ من زكا الشيء إذا صلح، والعبد الزكي هو الصالح المستقيم على طاعة الله عز وجل البعيد عن الذنوب، ومنه قوله سبحانه وتعالى: أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً [الكهف:74] أي: لا ذنب لها فهي صالحة؛ لأن الصغار الأصل فيهم أنهم لم يبدر منهم الشر.

وكذلك تطلق الزكاة بمعنى الطهارة والحرص على الخير، والبعد عن كل دنس وعن كل ما يشين الإنسان، ومنه قوله سبحانه وتعالى: وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:7-10].

فقوله: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا قالوا في تفسيره: طهرها بالخير والاستقامة على الطاعة والبر.. فهذه من معاني الزكاة.

وسميت هذه الفريضة بهذا الاسم -من ناحية هذا الاشتقاق اللغوي- لأن الله يطهر بها المال، ويطهر بها نفس المزكي من الشح والبخل، فيؤدي الزكاة طيبةً بها نفسه، ومستجيباً لأمر الله عز وجل، فيكون أرفع من أن يملكه المال؛ فيصبح بذلك قوي النفس على إنفاق المال في وجوه الخير والطاعة والبر.

والزكاة حقٌ واجبٌ في المال، ويعرفها بعض العلماء بقولهم: حقٌ مخصوص في شيءٍ مخصوص على صفةٍ مخصوصة في شخصٍ مخصوص.

فالحق المخصوص قدره الله عز وجل بالمقادير، فيكون عشر المال، ويكون ربع العشر كما سيأتي إن شاء الله في قدر الواجب من الزكاة.

وقولهم: في مالٍ مخصوص؛ وهي الأموال التي أوجب الله فيها الزكاة؛ ومن ذلك السائمة من بهيمة الأنعام، والنقدان وعروض التجارة، ونحوها من الأموال التي خص الشرع الزكاة بها.

ولشخصٍ مخصوص: وهي الأصناف الثمانية الذين سماهم الله عز وجل بحيث تدفع الزكاة إليهم لا إلى غيرهم.

في وقتٍ مخصوص: وهو الذي اعتبره الشرع من حولان الحول، أو إذا كان من الزروع ونحوها عند الحصاد.

الزكاة فريضة من فرائض الله عز وجل، وهي ركنٌ من أركان الإسلام، وهي الركن الثالث بعد الشهادتين والصلاة، وقد أوجب الله عز وجل الزكاة وفرضها على عباده في كتابه المبين وعلى لسان رسوله الأمين صلى الله عليه وسلم، وأجمعت الأمة على فرضيتها، ففي الكتاب في أكثر من آية قال سبحانه: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ [البقرة:43] ولذلك قرنها مع الصلاة التي هي عماد الدين؛ إشارةً إلى علو شأنها وعظم أمرها، وقد رتبها النبي صلى الله عليه وسلم بعد الصلاة مباشرة، كما في الصحيح من حديث معاذ رضي الله عنه: (فإن هم أطاعوك لذلك -يعني: للصلوات الخمس- فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقةً تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم) .

وكذلك أيضاً وردت السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بالزكاة وبين مجمل القرآن فيها، فذكر النصاب وقدره؛ وكذلك القدر الواجب في الأموال، وأرسل السعاة والمزكين إلى الناس فأخذوا الزكاة منهم، وكانت سنته صلوات الله وسلامه وهديه على ذلك، وفي الصحيح عنه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: (بُنِيَ الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة...) وحديث معاذ رضي الله عنه وأرضاه لما بعثه إلى اليمن -وكان في آخر حياته- (فإن هم أطاعوك لذلك؛ فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقةً تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم).

وهي حقٌ لله عز وجل جعله في مال الأغنياء، وأجمع المسلمون على وجوبه ولزومه.

ومن أنكر وجوب الزكاة فلا يخلو من حالتين: إما أن يكون عالماً بوجوبها وفرضيتها وينكر، فهذا كافر مرتد بإجماع العلماء رحمة الله عليهم؛ لأنه أنكر المعلوم من دين بالله بالضرورة، فمثلاً: لو قيل لرجلٍ: زك، فقال: ليس هناك زكاة، أو أنكر أن في الإسلام زكاة، وقال: الزكاة ليست بواجبة، وليس في دين الله زكاة، فهذا كفرٌ وردة، نسال الله السلامة والعافية.

أما إذا كان جاهلاً، والجاهل له أمثلة: كرجلٍِ أسلم من الكفار، فلما أسلم أُمرَ بالصلاة فصلى، ثم قيل له: زك، قال: ما هناك زكاة، فأنكر الزكاة لجهله وعدم علمه؛ فهذا لا يكفر، وإنما يعلم وتقام عليه الحجة، ثم بعد ذلك إن جحد بعد تعليمه وإقامة الحجة عليه فهو كافر؛ فيعذر في هذه الحالة بجهله، وهي من مسائل العذر بالجهل.

وهكذا لو كان في بادية بعيداً عن العلم وبعيداً عن العمران، فليس ثم عنده علماء يسألهم، فيعلم منهم أن هذه الزكاة فريضة من فرائض الله، فَسُئِلَ عن الزكاة أو أُمِرَ بالزكاة فقال: ليس هناك زكاة؛ عن جهلٍ منه؛ فإنه لا يكفر، وإنما يعلم وتقام عليه الحجة، ثم يحكم عليه بعد ذلك.

واختلف العلماء -رحمة الله عليهم- في أهل الردة الذين منعوا الزكاة على عهد أبي بكر رضي الله عنه وقتال أبي بكر لهم، فأهل الردة فيهم ما يدل على جحدهم للزكاة، وهو يقتضي الحكم بكفرهم، ويظهر ذلك من قولهم: مات الذي أمرنا الله بأداء الزكاة إليه، وقال بعضهم: قد كانت صلاة النبي عليه الصلاة والسلام لنا سكناً، وصلاة أبي بكر ليست لنا بسكن، يعنون بذلك قوله تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ [التوبة:103] فقالوا: إن نص الآية يدل على تخصيص دفع الزكاة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر ليس داخلاً في هذا الحكم، فكأنهم بهذه المثابة قد أنكروا الزكاة وأنكروا فرضيتها؛ فاستقام تكفير الصديق رضي الله عنه لهم وقتالهم على هذه الردة.

وقيل: إن الصحابة لم يحكموا بكفرهم بناءً على وجود التأويل.

وإن كان الظاهر أن فيهم من أنكر الزكاة، فيحكم بكفره على ما ذكرناه من إنكار وجوب دفع الزكاة إلى أبي بكر الصديق ، واعتقادهم أن الزكاة خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم، وفيهم من منعها عناداً، وكلٌ منهما أخذ حكمه، وقد ذكر الأئمة رحمة الله عليهم أنه لما عضتهم الحرب ووجدوا حرها، قالوا: ندفع الزكاة، فامتنع أبو بكر أن يقبل منهم ذلك -كما ذكر الإمام ابن قدامة في "المغني"- حتى يشهدوا أن قتلاهم في النار وقتلى المسلمين في الجنة، فشهدوا بذلك، فقالوا: إن هذا يدل على أنهم كفار.

وأجاب بعض العلماء: بأن كونه يحكم بكونهم في النار لا يقتضي الحكم بكفرهم؛ لأنه قد يعذب تارك الزكاة ومانعها بالنار كما في الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم لارتكابه للكبيرة.

فالحاصل: أن من أنكر الزكاة وقال: ليس في دين الله زكاة، أو ليست الزكاة بواجبة، فإنه حينئذٍ يحكم بكفره؛ لأنه أنكر المعلوم من الدين بالضرورة إذا كان عالماً، وأما إذا كان جاهلاً فلا.

يقول رحمه الله: [كتاب الزكاة].

أي: في هذا الموضع سأذكر لك جملة من الأحكام والمسائل المتعلقة بفرضية الزكاة.

والله تعالى قد أمر بالزكاة في كتابه وأجمل، حيث لم يبين ولم يفصل أحكام الزكاة، وإنما فصلتها السنة، ولذلك يعتبر الأصوليون رحمة الله عليهم الأمر بالزكاة في القرآن من المجملات، ويعتبرون أدلة السنة مبينة، ويذكرون من أمثلة المجمل إجمال القرآن للزكاة وتفصيل النبي صلى الله عليه وسلم لأنصبتها وشرائطها وأركانها مما يلزم للحكم بها؛ فلذلك يقولون: إن القرآن أجملها والسنة بينتها.

لقد أوجب الله سبحانه وتعالى الزكاة وفرضها لحكمٍ عظيمة، ففيها الخير لمن يزكي ولمن تؤدى إليه، ولا يقتصر الخير عليهما، بل يشمل المجتمع كله، ففيها خير للإنسان الذي يزكي، إذ هي زيادة قربةٍ وامتثالٍ وطاعةٍ لله عز وجل، فإذا أداها زاد خيره وعظم أجره بالامتثال.

ثانياً: أنها تقوي يقينه بالله سبحانه وتعالى من جهة كونه يُحسن الظن بأن الله سيخلف عليه، وأن الله سيعوضه خيراً.

ثالثاً: أنها تطهر نفسه من أدران الشح والبخل، ومالك المال إذا جاد به وأنفقه وأحسن به إلى الناس أخرجه الله من رقه، فأصبح مالكاً للمال، ولم يكن المال مالكاً له، وإذا تعوّد الإنسان الإنفاق من ماله قوي على هذا المال، وإذا تعود على كنزه وحفظه، فإن المال يأسره -نسأل الله السلامة والعافية- حتى يأتي عليه يوم لا يستطيع أن ينفق من هذا المال حتى لصحته وصحة أبنائه وأطفاله وزوجته، كل ذلك لأن المال أسره، وحب المال -والعياذ بالله- فتنه، فإذا أدى الزكاة تعود أن يخرج من رق المال ومن أسر المال له.

وكذلك أيضاً فيها خير له من جهة أن الله عز وجل يضاعف له المال وينميه، ولا تنقص هذه الزكاة من ماله، بل إن الله عز وجل يعوضه في هذا المال حساً ومعنى: يعوضه حساً، فتربح تجاراته وتعظم أمواله؛ ولذلك تجد المزكين بخير الأحوال.. ولربما يعوضه معنى، فيجعل البركة في ماله؛ فإذا كانت تجارته أقل من تجارة الغير عدداً فإنها أكثر بركةً، والعبرة بالبركة، فإن الله سبحانه وتعالى قد يغدق المال الكثير على العبد وينزع منه البركة؛ فيصبح كأفقر الناس -نسأل الله السلامة والعافية- ولربما تجد الإنسان قليل المال، ولكن وضع الله له فيه البركة، فيعود عليه بالخير كما لو كان عندهُ أضعاف هذا المال، ولذلك يقول العلماء: ليس المهم أن يجد الإنسان الخير في الدنيا، ولكن الأهم أن يضع الله له البركة فيما وهبه من خير الدنيا.

فمثال ذلك: قد تجد عند الرجل التسعة والعشرة من الأولاد، ولكن الله ينزع منهم البركة، فيجد فيهم العقوق والأذية والضرر حتى يتمنى أنه عقيم لا ولد له -نسأل الله السلامة والعافية- فنزع الله منهم البركة، وجعلهم شقاءً عليه.

ومن الناس من تجد عنده الولد الواحد ذكراً أو أنثى، قد وضع الله فيه سعادة الدنيا، فيكفي أباه همه، ويقوم على شأنه، ويجده في الشدائد عوناً بعد الله سبحانه وتعالى، فيجد فيه من الخير ما لا يجده صاحب العشرة والعشرين من الولد مما وضع الله من البركة في هذا النسل أو هذا العقب.

فالعبرة في خير الدنيا الذي يهبه الله من الأموال والأولاد والتجارات ونحوها: أن يضع الله البركة فيها، وقد تجد الإنسان يملك الملايين ولكنها تذهب سداً، وقد تجده يملك مئات الألوف ولكن الله ينزع منها البركة، فزوجته مسرفةٌ في إنفاقها وأولاده يسرفون، فلا يجد بركةً لماله، خاصةً إذا اكتسب المال من الحرام؛ فإن أول شؤم الحرام أن ينزع الله منه البركة، فالزكاة سبب للبركة في الأموال، ويصلح الله بها حال المال، ولذلك تجد المزكي على خير دائمٍ في ماله وطمأنينة وانشراح صدر.. مع ما في الزكاة من دفع البلاء عن المال؛ فإن الله سبحانه وتعالى إذا وفى العبد له بحقه حفظ له ماله وبارك فيه.

كذلك أيضاً فيها خير لمن تؤدى إليه الزكاة، فالفقراء والضعفاء ينجبر كسرهم وتفرج كرباتهم، والمديون يُقضى دينه، وغير ذلك مما يحصل من الخير للضعفاء والمساكين.

هذا الضعيف والمسكين يرتاح قلبه بأداء الزكاة إليه؛ فتندفع نفسه عن التفكير في الحرام، وكذلك الحقد على إخوانه الأغنياء من المسلمين، فإذا وجدهم يحسنون إليهم أحبهم، وبناءً على ذلك يبتعد عن كثير من المفاسد، مع ما يحصله من المصالح، فيها خيرٌ للمجتمع؛ لأنها تقوي أواصر المحبة، فطبقة الأغنياء والفقراء لا بد منها؛ لأن الله رفع بعضنا على بعض وفضل بعضنا على بعض، وجعل بعضنا فوق بعض درجات ليتخذ بعضنا بعضاً سخرياً، ابتلاءً للأغنياء وللفقراء، فالأغنياء يبتلون كيف يعاملون الفقراء والضعفاء، والضعفاء يبتلون كيف يصبرون على أذية الأغنياء وإذلالهم لهم.

فهذا الابتلاء من لازم وجود الأغنياء والفقراء أن يحصل التنافس بينهم، فلربما يحقد الفقراء على الأغنياء، حتى تأتي الساعة التي تسرق فيها الأموال وتغتصب، وذلك بسبب منع الأغنياء لأموالهم، فلو أن الله لم يفرض الزكاة وأصبح الفقير فقيراً فسيحقد الفقراء على الأغنياء؛ لأنهم يجدون أنهم في ضيق وشدةٍ؛ هذا الغني يتمتع بملاذ الحياة، والفقير لا يجد قوام عيشه فضلاً عن أن يتمتع في حياته، فيحقد الضعيف على القوي، ويحقد الفقير على الغني.

فإذا جاء الغني وأعطى الفقير زكاة ماله، وأشعره كأنه شريكٌ له في هذا المال؛ اطمأنت نفسه، ودعا له بالخير والبركة، ولذلك تجد الفقراء يحبون الأغنياء بحسناتهم وصدقاتهم ويدعون لهم بالخير، حتى إنهم إذا سمعوا بالنكبة لهذا الغني دعوا الله أن يفرج عنه وأن يخفف عنه، فكم من بيوتٍ تقوم على إحسان الأغنياء، قد جعل الله هذا الإحسان سبباً في دفع البلاء عن هؤلاء الأغنياء، فترفع لهم الأكف آناء الليل وأطراف النهار بأن يحفظ الله أموالهم، وأن يحفظ الله أبناءهم وذرياتهم؛ فيعود الخير على أفراد المجتمع وتجتمع القلوب.

إضافةً إلى أن السرقات والغصوبات ونحوها مما تكون بسبب الفقر لا تنتشر بين المسلمين؛ لأن الفقير يعطى من الزكاة نفقة العام كما سيأتي إن شاء الله الإشارة إليه، فكأنه كُفي، وبناءً على ذلك فإن انتظام الزكاة من صالح الأفراد والجماعات.

ونظرة الإسلام إلى المال وسطية، لأن هناك نظرة مادية تعظم المال حتى كادت أن تعبده، كما هو منهج الرأسمالية، وهناك نظرة تنظر إلى المال كأنه لا قيمة له إلى درجة سوت بين الأغنياء والفقراء كما هي نظرة الاشتراكية، فجعلت الفقير يشارك الغني في كده وتعبه ونصبه وشقائه فظلمت الغني، وأولئك ظلموا الفقراء، والشريعة عدلت بين الفقراء والأغنياء، فجعلت في أموال الأغنياء حقاً معلوماً للسائل والمحروم، فبذلك حفظت الغني من بطره وأشره واكتنازه لماله، مع ما أعد الله للغني من الثواب في الآخرة.

فجاءت نظرة الإسلام وسطية بين تعظيم الأموال والنظرة إليها أنها هي كل شيء كما هو منهج الرأسمالية، وبين إهانة المال والاعتداء على الملكية الفردية كما هي نظرة الاشتراكية، فأتى الإسلام بالوسطية: فجعل للمال حقه، وجعل للغني يده، ولم يظلمه في تعبه، فكيف يسوى بين الذي يتعب ويكدح آناء الليل وأطراف النهار، ويحصل الأموال بكده وتعبه -بعد توفيق الله عز وجل- وبين العاجز الخامل؟! فلو أنه سويّ بين الغني والفقير -كما يقال في مذهب الاشتراكية- فإن هذا يجعل المجتمع في بطالة، ويقوي على البطالة ويعين عليها، ولكن الإسلام لا ينظر إلى هذا، يقول: أعط الفقير، ولكن بشرط أن يكون عاجزاً عن الكسب، يكون قد ضاقت يده في ظروفٍ معينة وحدودٍ ضيقة، وكذلك أيضاً ملَّك الغني ماله، فأعطى كل ذي حقٍ حقه، وما ظلم الله عز وجل لا الأغنياء ولا الفقراء، مع أنه سبحانه وتعالى هو مالك الأموال ومن ملكها، ولو قال الله عز وجل لنا: أدوا أموالكم كاملة لأديناها؛ لأنها ما كانت لنا ولم تكن إلا بفضله سبحانه وتعالى، هو الذي أنفق على عباده وأغنى الغني بفضله وكرمه.

يقول المصنف رحمه الله: [كتاب الزكاة].

من عادة العلماء رحمة الله عليهم أن يرتبوا مؤلفاتهم الفقهية، فهم يبدءون بكتاب الصلاة، وحين يبدءون بكتاب الصلاة يهيئون له بكتاب الطهارة، فيبينون الشروط المعتبرة للصلاة ومنها الطهارة، وبعد بيانهم للصلاة وما يتعلق بها يقولون: كتاب الزكاة.

فبعد أن فرغ رحمه الله من كتاب الصلاة شرع في كتاب الزكاة، وعبر بـ(كتاب) ولم يقل: (باب)؛ لاشتمال هذا الكتاب على أبواب عديدة ومباحث متعددة تحتاج إلى تفصيل، ومسائل مختلفة تحتاج إلى بيان؛ ولذلك قال رحمه الله: كتاب الزكاة.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه جمعين.


استمع المزيد من الشيخ محمد بن محمد مختار الشنقيطي - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح زاد المستقنع كتاب البيع [4] 3704 استماع
شرح زاد المستقنع باب الرجعة [1] 3620 استماع
شرح زاد المستقنع باب ما يختلف به عدد الطلاق 3441 استماع
شرح زاد المستقنع باب صلاة التطوع [3] 3374 استماع
شرح زاد المستقنع واجبات الصلاة 3339 استماع
شرح زاد المستقنع باب الإجارة [10] 3320 استماع
شرح زاد المستقنع باب التيمم [1] 3273 استماع
شرح زاد المستقنع باب صوم التطوع [2] 3228 استماع
شرح زاد المستقنع باب شروط القصاص 3186 استماع
شرح زاد المستقنع باب نفقة الأقارب والمماليك [6] 3169 استماع