شرح عمدة الأحكام - كتاب الجهاد [6]


الحلقة مفرغة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [وعن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم في النفل: للفرس سهمين, وللرجل سهماً).

وعنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينفل بعض من يبعث في السرايا لأنفسهم خاصة سوى قسم عامة الجيش).

وعن أبي موسى عبد الله بن قيس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من حمل علينا السلاح فليس منا).

وعن أبي موسى قال: (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة, ويقاتل حمية، ويقاتل رياء، أي ذلك في سبيل الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله)].

الشرح:

قال المؤلف: [وعنه] يعني: ابن عمر رضي الله عنهما (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم في النفل: للفرس سهمين, وللرجل سهماً).

هذا النفل المراد به الغنيمة، والغنيمة هي: ما أخذ من أموال الكفار قهراً في قتال.

فإذا غنم من أموال الكفار غنائم كيف تقسم هذه الغنائم؟ نقول: يبدأ الإمام بإخراج السلب ويعطيه لأهله، ثم بعد ذلك يخرج أجرة الجمع والحمل، ثم بعد ذلك يخرج الجعل، كما لو قال: من فعل كذا فله كذا، ثم بعد أن يخرج هذه الأشياء الثلاثة يخمس الغنيمة، بأن يقسم الغنيمة خمسة أقسام، الخمس الأول يقسمه إلى خمسة أقسام، (( وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ))[الأنفال:41] فالخمس الأول يقسم خمسة أجزاء كما في الآية.

يبقى عندنا أربعة أخماس، يخرج منها النفل لمن يستحق النفل وهو الزيادة، وتقدم أن ذكرنا صور النفل، ويخرج أيضاً الرضخ، والرضخ هو ما يعطاه من شهد المعركة وليس من أهل القتال، مثل: المرأة لو شهدت المعركة، ومثل: البعير يرضخ له، والحمار يرضخ له.. إلى آخره، والرقيق نرضخ له، والصبي لو شهد يرضخ له، فمن شهد المعركة وهو ليس من أهل القتال هذا لا يعطى سهماً وإنما يرضخ له رضخاً، والرضخ ما دون السهم، يعني: النصيب لكنه دون السهم، وبعد النفل والرضخ نقسم الغنيمة، للفارس الذي على فرس ثلاثة أسهم: سهم له وسهمان لفرسه، والراجل له سهم واحد، ولو كان على بعير أو على حمار فله سهم واحد، لكن بعيره يرضخ له.

وإذا كان على رجليه له سهم واحد، وهذا ما عليه جماهير أهل العلم، وهو الذي دل له حديث ابن عمر الذي ذكره المؤلف خلافاً لـأبي حنيفة الذي يقول: لا أفضل الحيوان على المسلم، لكن ليس الدين بالرأي، الدين بالنص؛ لأن الفرس يأخذ سهمين، والراكب عليه يأخذ سهماً واحداً، وأبو حنيفة يرى التساوي، لكن هذا غير صواب، ما دام أن النص ورد فنحن متعبدون بالنص الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وما يتعلق بالوسائل الحربية الآن، من المقاتلين من يكون راجلاً، ومن المقاتلين من يكون راكباً.. إلى آخره، فمثل هذه المركوبات تتغير بتغير الزمان والمكان فينظر إلى هذه المركوبات، ما الذي منها يقوم مقام الفرس، وما الذي منها يقوم مقام البعير بحيث أنه يرضخ له، وما الذي يقوم مقام الحمار بحيث أنه يرضخ له.. إلى آخره، هذا يرجع إلى اجتهاد الإمام.

قال المؤلف رحمه الله: [وعنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينفل بعض من يبعث من السرايا لأنفسهم خاصة سوى قسم عامة الجيش)].

الشرح:

النفل لغة: هو الزيادة.

وأما في الاصطلاح: فهو ما يعطاه المجاهد زيادةً على سهمه.

وسبق أن ذكرنا أن النفل ينقسم إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول: ما يعطيه الإمام لبعض المجاهدين لبلائه وغنائه وشدة بأسه ونحو ذلك، يعطيه زيادةً على سهمه.

القسم الثاني: ما ينفله لبعض السرايا في البدأة وفي الرجعة.

القسم الثالث: الجعل، كما لو قال: من فعل كذا فله كذا.. إلى آخره.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وعن أبي موسى عبد الله بن قيس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من حمل علينا السلاح فليس منا)].

الشرح:

هذا الحديث فيه أن الخروج على الأئمة محرم ولا يجوز، فالإمام إذا كان مسلماً فإنه لا يجوز الخروج عليه إلا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إلا أن تروا كفراً بواحاً)، وأيضاً يشترط القدرة على ذلك، وألا يترتب على ذلك ضرر أشد من ضرر بقائه.

وكذلك أيضاً قوله: (من حمل علينا السلاح) يعني: حمل السلاح على المسلم، كما أنه يشمل الخروج على الإمام، كذلك أيضاً يشمل إخافة المسلمين بالسلاح، كل هذا محرم ولا يجوز.

وأيضاً فيه أن من حمل السلاح للإخافة والترويع أنه من كبائر الذنوب، وأنه لا يجوز.

قال: [وعن أبي موسى قال: (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعةً، ويقاتل حميةً، ويقاتل رياءً، أي ذلك في سبيل الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله)].

الشرح: ومعنى (الرجل يقاتل شجاعة) يعني: من أجل إظهار الشجاعة.

(ويقاتل حمية) يعني: حميةً وعصبيةً لقومه ونحو ذلك.

(ويقاتل رياءً) يعني: من أجل أن يراه الناس ويتحدثوا بفعله.

(فأي ذلك في سبيل الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله)، في هذا الحديث دليل على أن الجهاد الصحيح هو الجهاد في سبيل الله، لا يقصد بذلك القتال من أجل العصبية القومية، أو من أجل الرياء، أو من أجل عرض الدنيا الفانية ونحو ذلك، وإنما يقاتل من أجل أن تكون كلمة الله هي العليا، لكن لو قاتل من أجل أن يدافع عن بلده ونحو ذلك على أنه بلد إسلامي لا على أنه بلد قومه أو وطنه ونحو ذلك، فهذا داخل في سبيل الله.

وفي هذا أيضاً ما أوتيه النبي صلى الله عليه وسلم من جوامع الكلم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال هذه الكلمة التي تعد من جوامع الكلم.

وفي هذا أيضاً: بيان لمشارب الناس للقتال، وأن من الناس من يقاتل من أجل المغنم، ومنهم من يقاتل من أجل أن يظهر نفسه في الشجاعة، ومنهم من يقاتل رياء وحمية، وهذه الأعراض كلها أبطلها الشارع وأثبت قصداً واحداً فقط وهو إعلاء كلمة الله عز وجل.

وفي هذا أيضاً: الإخلاص لله عز وجل في القتال.

أما التفات القلوب إلى الغنيمة فلا شك أن الكمال أن يعلق قلبه بالله سبحانه وتعالى، وألا يلتفت قلبه إلى الغنيمة، فإن التفت قلبه إلى الغنيمة وغنم فإن هذا يكون سبباً لنقص الأجر، ولهذا ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من غازية تغزو فيغنمون إلا تعجلوا ثلثي أجرهم)، فإذا التفت القلب إلى الغنيمة فنقول: هذا من أسباب نقص الأجر عند الله عز وجل، وإن لم يلتفت القلب وإنما علق قلبه بالله سبحانه وتعالى فإن هذا لا يضره.

سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.