التهيئة لرمضان (8) التهيئة بتحديد الخلل لإصلاحه - سمر الأرناؤوط
مدة
قراءة المادة :
5 دقائق
.
تحدثنا عن أهمية التخطيط فيحياة العبد الذييطمع أن يحقق الهدف المرجو من عباداته ومن مقومات وعناصر نجاح الخطة تبدأبمعرفة الإنسان بحاله وتوصيفه وتشخيص الداء ليتمكن من رسم الخطة العلاجية المناسبة لتصحيح الخلل الذي يشوب عبادته أو عمله أو خُلُقه. ومشكلة كثير منا على مر الأعوام عدم مصارحة النفس ووضع اليد على مواطن الخلل فيها لعلاجها ونترك الأمر للأيام ونقول هي كفيلة بالتغيير وهذا ليس ديدن المسلم المطالب بتزكية نفسه على الدوام إن رام تحقيق الفلاح {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا }.
ونحن مقبلون على رمضان وكلنا يطمع أن يؤديه على الوجه الذي يرضي الله عز وجلّ ويحقق له الغاية منه وهي التقوى فتصبح غايته في سائر أمره وعبادته ما بقي من عمره.
ولهذا نحتاج أن نحدد أي نوع من الصائمين نحن؟ وتحت أي نوع من النماذج الرمضانية نصنّف أنفسنا؟ وهذا التحديد ضروري ونحتاج فيه إلى صدق مع النفس وصدق مع الله تعالى اللطيف الخبير الذي يعلم السر وأخفى وبقدر صدقك في تحديد نموذجك يكون التخطيط للعلاج أنجع وأكثر أثرًا وفائدة.
ذكر أ.
خالد سندي أن النماذج الرمضانية هي ست نماذج لأشخاص نجدهم في الحياة: أولها نماذج العلو وهي نموذجان: المجتهد طوال العام وطالب التغيير .
المجتهد طوال العام: هو شخص يعتبر رمضان مرحلة تخطيط لباق يحياته، يراجع ما سبق من حياته ويخطط لما هو قادم ورمضان بالنسبة له هو مرحلة يتزود فيها بالطاقة الإيمانية لباقي العام وهؤلاء يدخلون رمضان وهم مدركون تمامًا أنهم داخلون لشحن طاقتهم الإيمانية لينطلقوا بعد رمضان.
طالب التغيير: هو شخص يعلم في نفسه أن لديه ضعف في مسألة أو اثنتين ويحتاج إلى إصلاح وصيانة فهو يدخل رمضان لإصلاح ما هذه المسأله أو ليمحو ذنبًا لديه فيخرج من رمضان وقد غفر الله ذنبه ورمضان بعبادته يكون مركزًا للتغيير والإصلاح النفسي والعقدي والاجتماعي والأُسري والعالمي والإنساني فينطلق بعد رمضان إلى حياة جديدة خالية مما كان لديه قبل رمضان، وهذا من التخطيط لرمضان.
وهناك ثلاثة نماذج دنيا أحسنها وأفضلها:
نموذج المسرف المجتهد: وهو الشخص الذي يكون أسير المعاصي والشهوات، تأصلت فيه الفواحش الظاهرة والباطنة ولكنه يحاول مخلصا الانفكاك منها والتحرر من عبوديتها فهو إن تأثر وواصل اجتاز سفينة الأحوال إلى أرض الأفراح، فهو يدخل رمضان ليغتسل.
ثم يليه نموذج العامّي: هو الشخص الذي لم يفهم مقاصد الشريعة في الصوم فهو ينام في النهار لئلا يجوع ويشبع بالليل مع السهر عباداته تؤدى بروتينية فهو يذهب إلى صلاة العشاء ثم التراويح ويعود إلى البيت تحكمه وتسيّره الأعراف والتقاليد وليست مقاصد الشريعة في العبادات.
عبادته تؤدى لأنها في موسمها ويترك المعاصي لأنه شهر فضيل ثم يعود في العيد إلى ما عليه قبل رمضان!
الإمّعة: هو شخص يجتهد إذا اجتهد الناس ويكسل إذا كسل الناس يقول ليس لي من الأمر شيء وأنا على ما عليه الناس هذا لم يدرك مقاصد رمضان ولا أهدافه ولم يفهم مقاصد الشريعة في أداء العبادات!
وآخر النماذج المرائيوهو أسوأ النماذج على الإطلاق! عافانا الله من الرياء ! يحاول أن يظهر في رمضان بأحسن المظاهر، فهو في أحسن المساجد يؤدي الصلاة وهو في أحسن ليالي رمضان تجده قائما، يذهب إلى مكة باستمرار، وإلى المدينة باستمرار، صائما قائما ومع هذا مرائي لأنه يفعل كل ذلك ليقول الناس عنه أنه عبد الله في رمضان.
خلاصة وتوجيه
حدد من أي الفئات أنت فإذا حددت استطعت أن تقيّم نفسك وإذا قيّمتها أدركت من أين تبدأ التصحيح والتغيير.
ومعرفتنا للفئة التي تصفها بشكل صحيح يؤهلنا للتخطيط لرمضان بشكل صحيح، فالعامّي ينبغي عليه أن يخطط لنفسه لأن يرتقي بعبادته ليكون من نماذج العلو والمسرف المجتهد يسهل عليه أن يجاهد نفسه في رمضان ليرتقي في عباداته ويتجنب الوقوع في المعاصي والذنوب.
رمضان بالنسبة لنا هذا العام تمرين على باقي العبادات فإذا استطعنا أن نجيد رمضان بالمعنى التعبدي الشرائعي الذي شرعه الله تعالى لنا لنكون متّقين سهل علينا بعد ذلك أن نطبق ذلك على باقي العبادات واحدة واحدة.
ولنتذكر أن رمضان دورة تدريبية للنفس البشرية تؤهلها للخروج بشهادة مفادها أن الإصلاح والتغيير ممكنان إذا صدقت النيّة وعزمت الجدّ والتزمت بشرع الله عز وجلّ وفهمت وأدركت مقاصد العبادات وأيقنت أن النفس ليست عصيّة على التزكية إذا استعنت بالله وأقبلت عليه حقًا وأن الإنسان المؤمن المفلح هو الذي يحقق التوازن بين جوهر العبادة وظاهرها ويفهم مقاصدها فيؤديها لتحقيق هدفها وأثرها في نفسه لا إسقاطًا للعبادة كفرض تم تأديته وانتهى.